أخبار السودان

الإيرادات الناتجة عن التحصيل الإلكتروني ستجعل الميزانية القادمة الأكبر في تاريخ السودان

نجاح “المفوضية” في مكافحة الفساد سيزيد الإنقاذ عنفواناً وقوة وسيضاعف شعبية البشير
الإيرادات الناتجة عن التحصيل الإلكتروني ستجعل الميزانية القادمة الأكبر في تاريخ السودان
المستشار بابكر قشي واعٍ ومدرك لحساسية وأهمية مفوضيات مكافحة الفساد العربية
التحصيل الإلكتروني سيجد مقاومة شرسة من المفسدين
نخشى من اشتعال دورة جديدة من الثورات في الدول العربية بسبب الفساد

[COLOR=#FF002E]حوار ــ عبد الهادي عيسى[/COLOR]

أكد الناشط في منظمة الشفافية الدولية والخبير في مكافحة الفساد عبد النبي شاهين، أن قرار تطبيق أورنيك 15 الإلكتروني سوف يغلق – في حال اكتمال تطبيقه بالكفاءة المطلوبة – أحد أكبر أبواب الفساد المالي في الدولة، مشيرًا إلى أن المشروع سيواجه مقاومة شرسة من المفسدين لكونه سيوقف تسرب مليارات الجنيهات إلى جيوبهم الخاصة بدلاً من أن تذهب إلى خزينة الدولة لتعود بالخير على المواطنين البسطاء وعامة الناس.
وقال شاهين في حواره مع (الصيحة) إن هناك آمالاً كبيرة معلقة على المفوضية العليا لمكافحة الفساد التي يعمل رئيس الجمهورية على تأسيسها، مشيرًا إلى أنها في حال نجاحها ستجدد للإنقاذ شبابها وعنفوانها وقوتها، وستمنح رئيس الجمهورية تفويضاً شعبياً أكثر مما منحته له الانتخابات، ولكن في حال فشلها ستؤدي إلى نتائج كارثية، مستشهدًا بحرق مقار مفوضيات الفساد في الدول التي شهدت ما يسمى بثورات الربيع العربي.

ــ كيف يمكن الاستفادة من الخبرات الدولية في مكافحة الفساد؟
من خلال لقاءاتي السابقة مع رئيس الجمهورية المشير عمر البشير تيقنت برغبته الصادقة في مكافحة الفساد، وانطلاقاً من هذا، لقد شرعت في إقناع منظمة الشفافية الدولية لزيارة السودان، وبالفعل نجحت في ذلك والآن المنظمة عازمة على دعم جهود السودان لمحاربة الفساد. ولمست خلال اجتماعي مع رئيس الأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد في العاصمة النمساوية فيينا مؤخراً، جديته في مساعدة الحكومة السودانية في مكافحة الفساد، بل إن الرجل وعدني بدعم جهود رئيس الجمهورية المشير البشير لمكافحة الفساد من خلال رفد السودان ــ في حال انضمامه للاتفاقية الخاصة بإنشاء الأكاديمية ــ بخبرات عالمية لمكافحة الفساد وتدريب مسؤولي مفوضية مكافحة الفساد المزمع إنشاؤها في السودان بتوجيه من الرئيس البشير نفسه. وكذلك تدريب الصحفيين على كشف الفساد نظراً لأن دور الصحافة أكثر خطورة في هذا الصدد، وتعتبر شريكاً في منظومة مكافحة الفساد.
ــ ماهي مخاطر الفساد على أمن واستقرار الدول؟
الواقع أننا نخشى من اشتعال دورة جديدة من ثورات الربيع العربي أشد عنفًا من سابقتها مدعومة بتدخلات من أجهزة مخابرات دولية تهدف للعبث بأمننا ونهب ثرواتنا، كل ذلك يمكن أن يحدث بسبب ارتفاع معدلات الفساد في الدول العربية الفقيرة أصلاً خاصة في ظل تصاعد معدلات الفقر، وارتفاع حالات استغلال النفوذ ومحاباة مصالح الفاسدين على حساب الوطن، فكلها عوامل أفسدت المناخ السياسي. وحتى نجنب السودان هذه المخاطر يجب على القيادة السياسية والأمنية العليا في بلادنا أن تشرع فوراً في وضع وتنفيذ عمليات جراحية صعبة لمعالجة الفساد والإطاحة بالمفسدين من خلال استراتيجية مدتها أربعة أعوام، وذكرت القيادة الأمنية لأنني على قناعة بأن جهاز الأمن والمخابرات السوداني قادر على إنجاح مهمة مفوضية مكافحة الفساد التي وجه الرئيس بتكوينها.
ــ حسناً، فما هو دور منظمة الشفافية الدولية في مساعدة الدول للقضاء على الفساد؟
منظمة الشفافية تسعى للعمل على عدة مستويات منها مساعدة الأنظمة السياسية الراغبة في التخلص من فساد منسوبيها دون انهيار النظام نفسه، أعني هنا المساعدة في عمليات تصحيح وإصلاح داخل الأنظمة السياسية للدول متى ما رغبت قياداتها السياسية العليا في ذلك. ومنظمة الشفافية الدولية لديها عدد من الأولويات العالمية, حيث تركز على قضايا الفساد السياسي, والفقر والفساد في السلك القضائي وقوانين مكافحة الفساد الدولي.
ــ وكيف هي الحالة في السودان؟
أتمنى من رئيس الجمهورية المشير البشير، بعد أن تلقى تفويضًا انتخابياً من الشعب، أن يبطش بمراكز الفساد وتقديمها لمحاكمات علنية مثل محاكمات سدنة نظام مايو دون الالتفات إلى مصطلحات “فقه السترة ” و”التحلل بدون محاكمة” وغيرها من المصطلحات التي أعاد المفسدون إنتاجها من كتب التراث لتغطية فسادهم الذي أزكم الأنوف، ولمست من خلال اجتماعاتي السابقة مع السيد رئيس الجمهورية استعداده وجديته في التعامل مع ملفات الفساد، ولكن ذلك يتطلب أولاً وضع قوانين تعالج مسألة الحصانات التي يتمتع بها آلاف المسؤولين الحكوميين وأسرهم أحياناً.
ــ هل محاربة الفساد تكفي وحدها للنهوض بالدول؟
معلومات منظمة الشفافية الدولية تشير إلى أن الفساد تسبب في تعثر اقتصاديات أكثر من 70 دولة من الذين شملهم التقرير السنوي الأخير للمنظمة، إضافة إلى تأثيره السلبي في الواقع السياسي والاجتماعي لتلك الدول طوال عقود من الزمن.
ــ بوصفك ناشطاً وخبيراً في مكافحة الفساد، هل وجدت مبادرات في هذا المجال؟
اجتمع بعض الزملاء القانونيين من أبناء وبنات دفعة عام 1990م بجامعة القاهرة فرع الخرطوم مؤخرًا واقترحت عليهم تأسيس جمعية للشفافية ومكافحة الفساد وتسجيلها رسمياً لتكون بمثابة الذراع الأهلي لمفوضية مكافحة الفساد التي أعلنها رئيس الجمهورية المشير البشير، وبالمناسبة كلما ازداد عدد منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال الشفافية ومكافحة الفساد أعطى ذلك مؤشراً جيداً للمنظمات الدولية المتخصصة. وبالمقابل كلما قلّ أو انعدم وجود مثل هذه المنظمات، أعطى ذلك مؤشراً سيئاً عن حالة الفساد في البلاد .
ــ ما الحاجة لمثل هذه المنظمات الأهلية، طالما أن الرئيس البشير وجه بتكوين مفوضية مكافحة الفساد، وهي الآن في أطوارها النهائية؟
إن أجهزة مراقبة الفساد في الدولة لن تقوم بالتصدي للفساد بمفردها وينبغي في هذا الإطار تعزيز دور المنظمات المدنية والإعلام، ورفع كفاءة مختلف الأجهزة الرقابية، مع رفع مستوى الوعي والتعليم وخفض معدلات الفقر في الدولة وتوسيع نطاق تداول المعلومات .
ــ هل تعتقد أن مشروع التحصيل بموجب أورنيك (15) الإلكتروني سوف يرفع من إيرادات الدولة وخاصة الضرائب والجمارك والعوائد؟
نعم، أجزم أن بند الإيرادات الناتجة عن التحصيل الإلكتروني كالضرائب والزكاة والجمارك والرسوم الحكومية المختلفة سوف يرتفع خلال الميزانية العامة القادمة للدولة، وربما ستكون الأكبر من نوعها في تاريخ السودان في حال تطبيق القرار بنسبة مائة بالمائة وبالكفاءة المطلوبة، ولكن عليهم إيجاد معالجة للجبايات الكثيرة الأخرى والتي أعلن رسمياً أنها تفوق الـ36 ألف نوع من الرسوم والجبايات.

وعلى ذكر ديوان الضرائب أود أن أطالب هنا بأن ينضم السودان إلى “المنتدى العالمي للشفافية وتبادل المعلومات للأغراض الضريبية”، الذي أنشئ في العام 2009، ويضم في عضويته حتى الآن 104 دول، وأتمنى أن يسعى وزير المالية إلى هذه الخطوة كونها سوف توفر لوزارته ولديوان الضرائب تحديداً مطلوبات العمل بمعايير الشفافية الدولية وتبادل المعلومات ذات الصلة بالضرائب، حيث يتولى المنتدى مسؤولية تقييم الدول لتحديد مدى التزامها بالمعايير الدولية لتبادل المعلومات وذلك من خلال لجنة المناظرة.
وأود أن أوضح في هذا الإطار أن مجموعة الـ 20 تتخذ إجراءات ضد الدول غير المتعاونة والدول ذات الملاذ الضريبي والدول غير الملتزمة بالمعايير الدولية لتبادل المعلومات، حيث تمنع الدخول معها في مفاوضات بشأن تجنب الازدواج الضريبي أو اتخاذ إجراءات غير ضريبية معها كتشجيع المؤسسات المالية على إنهاء علاقتها مع تلك الدول.
ــ من خلال لقاءاتك المتكررة مع الرئيس البشير ومسؤولي الحكومة، هل هناك جدية لمكافحة الفساد؟

أنا لست مسؤولاً في الحكومة حتى أجيبك بنعم أو لا. وكلنا ننتظر تنفيذ قرارات رئيس الجمهورية بإنشاء مفوضية عليا لمكافحة الفساد، وهي خطوة أولى في الاتجاه الصحيح وينبغي أن يتم دعمها وتشجيعها بكل قوة، وهذا إعلان بأن (الدولة ستحارب فساد الدولة)، وهذا بالضبط ما ينتظره المواطن من رئيس الجمهورية .
ــ ما الذي ينبغي أن يتوفر في مفوضية مكافحة الفساد التي تتشكل الآن؟
ما لم تتمتع المفوضية بصلاحيات قانونية واسعة تمكنها من محاسبة الكبار قبل الصغار والأقوياء والمتنفذين قبل الضعفاء، وما لم تقدم المفسدين الكبار والمتنفذين إلى القضاء وتقف ضدهم بقوة حتى يعاقبوا وعلى الملأ مع العمل بمبدأ التشهير، فإنها سوف تزيد الطين بلة وسوف تحصد المزيد من عدم الرضا، لذلك يجب أن يتنبه القائمون على تأسيسها لذلك حتى لا يفاقموا الأزمة. والشاهد أن مقار هيئات ومفوضيات مكافحة الفساد في كثير من الدولة العربية إما أنها أحرقت أو رشقت بالحجارة خلال ثورات الربيع العربي لأنها كانت هيئات ومفوضيات صورية غطت الفساد وحمته أو تغاضت عنه فكان مصيرها ومصير مؤسسيها الذهاب إلى مزبلة التاريخ، لذلك هو تحدٍّ كبير أمام الدولة وعلى رأسها رئيس الجمهورية وكبار مساعديه.
ــ قلت لك.. هل تحس بجدية الحكومة في محاربة الفساد؟
خلال اجتماعي مع المستشار بابكر قشي رئيس اللجنة المسؤولة عن وضع القانون الخاص بمفوضية مكافحة ومحاربة الفساد، شعرت بارتياح شديد لأن الرجل يعي تماماً مدى حساسية المشروع، ووجدته مدركاً لما ذكرته سابقاً عن هيئات ومفوضيات مكافحة الفساد العربية وما حدث لها وللأنظمة السياسية التي أنشأتها خلال ثورات الربيع العربي .
ــ ما الذي يمكن أن تقدمه مفوضية مكافحة الفساد للدولة وللحكومة؟
إذا قامت المفوضية بدورها المنشود فإنها ستجدد للإنقاذ شبابها وعنفوانها وقوتها، وستمنح رئيس الجمهورية تفويضاً شعبياً أكثر مما منحته له الانتخابات، بل وستجد المفوضية الدعم الفني من المنظمات الدولية المختصة وفي مقدمها منظمة الشفافية الدولية والأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد، وهذا لا يتم إلا بمعالجة مسألة الحصانات الكثيرة في السودان.
ــ في حال نجاح مفوضية مكافحة الفساد في مهامه، هل سينعكس ذلك على معاش الناس؟
أعتقد أن الهاجس الأول للمواطن السوداني هو المعيشة اليومية وتغطية احتياجات السكن والأكل والشرب والخدمات الضرورية كالعلاج والتعليم والمواصلات وغير ذلك، وهذا الهم يتشارك فيه على الأقل ثلاثة أرباع المواطنين السودانيين. الحديث عن الهاجس الأول والهم الأول للمواطن هو أهم قضية ويجب البحث فيه مراراً وتكراراً حتى يوجد الحل، كما أن البحث فيه يقود حتماً إلى الحديث عن الفساد المستشري الذي يعقّد الأمور ويجعلها مستعصية على الحلول. والاستعصاء على الحلول سببه الأول والوحيد هو استعصاء رموز الفساد على التوقيف أمام القضاء للمساءلة وإنزال العقوبة المستحقة واسترداد المسروقات. وأصبحت كلمات مثل “التحلل بلا عقوبة ” و”فقه السترة” و”التجنيب” عبارات مستفزة للشعب السودان، وهي عبارات فرضها رموز الفساد من المتنفذين في الدولة.
ــ هل يمكن أن يلعب الإعلام دوراً حاسماً في محاربة الفساد؟
ما من شك في أن الإعلام هو عين الدولة والمجتمع في مكافحة الفساد ومراقبة المشاريع التنموية وأيضاً الإعلام له دور كبير في كشف ملفات الفساد وواقع الإعلام السوداني كان ولا زال هو رأس الرمح والصحف السودانية الآن هي المحارب الأقوى للفساد من خلال كشفها لملفات فساد كثيرة مثل ملف شركة الأقطان وخط هيثرو الذي ما زال معلقاً في مكتب النائب العام وقضية الأسمدة الفاسدة والمبيدات.
ونأمل أن يتاح مزيد من الحريات الصحفية في السودان حتى تنجح مفوضية مكافحة الفساد وبدون إعلام فإن عمل المفوضية سيشوبه نقص في الأداء لأن الصحافة ستلعب دور حاسم ومفصلي في هذا الاتجاه وستكون خير معين للمفوضية إذا تم إطلاق الحريات الصحفية خاصة في قضايا الفساد وفي مختلف دول العالم كانت وما زالت تتصدى لمحاربة الفساد والمنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الشفافية الدولية تستعين لحد كبير بالتقارير الصحافية التي تنشر في مختلف دول العالم ورصدها لحالات الفساد في الدول والصحافة في السودان يجب أن تكون الذراع الأيمن لمفوضية مكافحة الفساد وأي دولة في العالم مقيدة بقوانين وبأخلاقيات ممارسة الصحافة، وكلما أطلقت الدولة الحريات الصحفية المنضبطة بقوانين غير مقيدة للمعلومات المعنية بالفساد، كان ذلك عوناً لمهمة الدولة في محاربة الفساد ويعكس جديتها للقضاء على هذه الظاهرة وجديتها تترجمها في إطلاق الحريات الصحفية.

الصيحة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..