تمريغ الصفات الوطنية في وحل التنكر.. البلد دي عملت لي شنو

الخرطوم- نمارق ضو البيت
(البلد دي عملت لي شنو؟) عبارة كثيراً ما نسمعها من الشباب الذين أُحبطوا وأصابهم اليأس والإعياء من كثرة عثرات الفشل، في طريق تحقيق أحلامهم وطموحاتهم داخل حدود هذا الوطن، فاستسلموا للفكرة الجحودية والمتنكرة لفضل أرضهم عليهم.
وفي هذا الاستطلاع الذي أجرته (اليوم التالي)، قال أحد الشباب في تهكم: “هو بالله في وطن ووطنية الزمن دا”، ما دفع البعض لوصف هذه العينة من الشباب بأنها لا تحترم هذا البلد حتى في ألفاظها، وكان هناك من نعتوا هذه البلاد بمنتهى السخط وقلة التهذيب، وهم يقارنوها بالدول المتقدمة فيما تقدمه من إمكانيات عالية لمواطنيها منذ نعومة أظافرهم إلى أن يصلوا لأرذل العمر.
نظرية الانتماء
وآخرون قالوا بأنه لا علاقة للحب بارتفاع سقف التطور في التقنية والخدمات، فالحب هو الانتماء وحل مسألة الامتنان والإحساس بالوطنية يكمن في التربية، وتزايدت في الأعوام الماضية هجرات الشباب من البلاد بصورة لافتة للانتباه، فهاجرت من السودان الكثير من الخبرات إلى غير رجعة. وكشفت دراسة أجرتها الدكتورة وفاء الأمين – طالبة الطب بجامعة العلوم الطبية – أن 95% من الشباب داخل العينة التي استطلعتها رغِبوا بالهجرة خارج البلاد، 38% منهم قرروا عدم العودة للبلاد نهائياً قانعين بمنفاهم الاختياري، 57% قالوا بأنهم سيُهاجرون لتحسين أوضاعهم الاقتصادية وتربية أبنائهم بالخارج، معلنين عدم عودتهم بعد التقاعد في سن الـ 60 مثلاً، أما الـ 5% المتبقية كانت كلها من النساء. وقال محمد صفي الدين الطاهر- خريج – إنه ضمن الـ 38% الذين يرغبون في الخروج بلا رجعة. وزاد: “هناك كثير من الأسباب السياسية والاقتصادية التي تدفعني لذلك، وموضوع الحنين للوطن مسألة اعتباطية لوطن لم يقدم لي شيئا”.
الضرائب والجبايات
البعض غضوا نظرهم عمداً عن نظرية بسيطة، ألا وهي أن الشخص لا يختار والديه ولا اسمه ولا أرضه، وبالتالي لا يستطيع اختيار وطنه، لذا فعلى هؤلاء الساخطين أن يسألوا أنفسهم: ماذا قدموا هم لهذا الوطن، ضرائب، زكاة، خدمة وطنية، رسوم دراسية، إلى آخرها من الرسوم المعنوية والمادية التي يسميها البعض بـ (الجبايات)، كل ما سبق ذكرة هي مدفوعات إلزامية على كل المواطنين في الدول المتقدمة وغير المتقدمة، وإن اختلفت مسميات هذه المدفوعات من بلد لآخر، فالسكان يدفعونها لتسهيل حياتهم، وبالتالي يحصلون على خدمات افضل، وهذه الأفضلية تتفاوت من دولة لأخرى بحسب وضعها الاقتصادي، هكذا عبرت تيسير فراج ? طبيبة امتياز- عن رأيها.
حب المصريين لبلادهم
ووافقتها زميلتها الطبيبة خلود محجوب. وأضافت قائلة: سيقول البعض إن هنالك من يختلسون وينهبون ويتفضلون بأموال الشعب وخانات الوظائف على أبنائهم وأقاربهم، ويضيعون حق (الغلابة) والفقراء، ومن لا ظهر لهم في هذا الوطن، لكن في رأيي أرى أن يأس وتذمر وتنكر هذه الفئة لأوطانهم وهجرهم لها يسمحون لضعاف النفوس من أصحاب السلطة بالاستمرارية في الظلم، وليس الحل في أن يستل الكثيرون حس الانتماء من أرواحهم، الذي سيتلاشى شيئاً فشيئا، وحينها ستُخرج جيلا أنانيا لا يفكر إلا في مصلحته الشخصية، بالإضافة لافتقاره إلى روح الوطنية، وقد يندهش هذا الجيل من حب أبناء بعض الشعوب لأوطانهم مثل حب جيرانا المصريين لبلادهم. وأضافت وقد يعود الأمر أن الشعب المصري لا يزال يُدرس مادة التربية الوطنية، ما يمنح الطالب مساحة ليفصل بين الحكومة والوطن.
سوء في تعريف الانتماء
الكثيرون لا يعرفون معنى الوطنية، وهذا يعود للأسرة الصغيرة التي لم تغذ بداخل أطفالها هذه المعرفة، هكذا ابتدرت الباحثة الاجتماعية وجدان عبد الله حديثها، واسترسلت قائلة: فيكبر الطفل جاحدا متنكرا لوطنه، ويرى أن لا فضل على بلاده عليه، وهذا يعود إلى خلل في تعريف الانتماء الذي قد يُبنى لدى الكثيرين على أسس مختلة، كانتماء المكان، فتجد أحدهم معتدا بأمدرمانيته مثلا، أو على أساس القبلية، فيوجه الفرد جل اعتزازه لقبيلته، وهذا كله يعود لسوء تعريف الانتماء، وهذا الانتماء لا تعرفه الأسرة الصغيرة وحدها، فللمدارس دور كبير في هذا التعريف، إذ أنهم يجب أن يُدرسوا مادة التاريخ بمنتهى الحب والامتنان لكل من ساهموا في تحرير وتطوير هذا البلد، ويشعروا بمدى حب هؤلاء الأبطال لكل ذرة من ترابه، رغم أنهم لم يملكوا ما يملكونه اليوم من تكنولوجيا متقدمة ولا وسائل علاجية متطورة، وكذلك يدرسوا مادة الجغرافيا بشكل مختلف يحببهم في مختلف أجزاء هذا الوطن، وفي رأيي الشخصي أن المقررات الدراسية في أشد الحاجة لمادة التربية الوطنية، لتعمل توعية هذا الجيل بمعاني الوطنية والانتماء، وحتى يتعلموا معنى أن لا تنتظروا العطاء من الآخرين في الوقت الذي لم يقدموا فيه شيئا لهذه البلاد ولا لأنفسهم.
من ناحية تربوية
ويرى الأستاذ مصطفى عابدين – الخبير التربوي ? أنه من المهم جدا وجود مقرر التربية الوطنية ضمن المقررات الدراسية. وأضاف قائلا: وذلك كي ترتفع قيمة الوطن لدى الطلاب، فهي تملك الفرد مفهوم الوطن والوطنية بصورة أكثر منطقية، وكان يقوم بتدريسها مختصون في هذا المجال، وقد توقفت وزارة التربية عن تدريسها في منتصف ستينيات القرن الماضي، لكن من وجهة نظر تربوية ينبغي إعادة تفعيلها مرة أخرى، كي نُخرِّج طلاباً واعين بمفهوم الوطنية
اليم التالي