إذا سرق الفقير خبزاً سقوه السم ماء!!

هنادي الصديق

* واحدة من أظرف ألعاب الطفولة التي ما كنا نملها، هي لعبة (دسوسية)، وهي أن يغمض أحدنا عينيه ويجري البقية للاختباء في أي ركن بعيد من البيت، لتأتي بعدها رحلة البحث عنا، وكانت الحبوبة دائما ما تعمد الى أن تخبئني تحت سريرها حتى لا يتم العثور عليَ، وعندما يسألونها عني لمعرفتهم بحبها المتناهي لي كانت ترد بصرامة (يعميني) رغم أنها تعلم ما لا يعلمه الآخرون.
* تذكرت هذه اللعبة الظريفة وأنا أطالع حديث والي الخرطوم عبدالرحيم محمد حسين في معرض رده على أحد بأنه لا يوجد وزير فاسد، متحدياً الجميع في ذلك ومطالباً من لديه مستند فساد في يده أن يقدمه حت لا تطلق الاتهامات بدون أدلة كما زعم سيادته.
* عن أي مستند يتحدث الوالي؟
* وأية أدلة يريدنا أن يقدمها له المواطن وهو المسؤول أولاً وأخيرا عن فساد أي وزير أو مسؤول في حكومته.؟
* فهو يعلم أكثر من غيره أن المواطن (العادي) لا يمكنه بالقانون إقتحام منازل ومؤسسات المسؤولين ليبحث عن الدليل ويقدمه لك، لأن هذا الأمر له مؤسساته، سواء أكانت شرطة أو غيرها من الجهات التي ينص عليها القانون.
* والأدلة على فساد العديد من الوزراء والمسؤولين بالدولة عموما وبولايتك على وجه الخصوص لا تحتاج لدليل، لأنها تتحدث عن نفسها من خلال المنازل الفخمة وأسطول السيارات الفارهة والمؤسسات بشتى أنواعها والخدم والحشم وما ملكت الإيمان من الحسان مثنى وثلاث ورباع.
* المسؤول (الحقيقي) لا ينتظر المواطنين ليؤدوا مهمة لا علاقة لهم بها، والمواطن الذي يكمل كل يومه عملاً شاقاً في سبيل توفير لقمة عيش له ولأسرته من أين له الوقت لملاحقة أدلة أنتم من يفترض أن يقدمها للعدالة.
* ومفوضية كشف الفساد أو الثراء الحرام أو غيرها من المسميات التي لا أذكرها لكثرة عددها، في اعتقادي الشخصي مجرد مؤسسات (تمويه) لا أكثر، وتصرف عليها مئات الملايين من مرتبات ومخصصات دون أن تقدم دليلاً واحداً أو مسؤولاً واحداً حتى الآن على الرغم من التصريحات اليومية والواضحة جداَ من المراجع العام للدولة وبالأرقام الانتهاكات التي تتم على المال العام، والتي نسمع بها في كل يوم دون أن نرى متهماً واحداً تمت محاكمته أو تمت إدانته، وأعني هنا (كبار المسؤولين) لأنه في العادة صغار الموظفين بالدولة هم (كبش الفداء للكبار).
* وما يُستغرب له من حديث السيد الوالي هو أنه وفور تنصيبه واليا للخرطوم أعلن لكل وسائل الإعلام بأنهم بالحرف الواحد ( نحنا جينا ولقينا كل الاراضي باعوها).* من هم الذين باعوها سيدي الوالي؟!
* ولماذا لم تقتفِ أثرهم لتعيد ما باعوه وتدخله في خزينة الدولة وتكسب ثقة رعاياك.!!
* وهل للفلل والعمارات الشواهق والسيارات الفارهة (ألسنٌ) لتقول إشتراني فلان بكذا وكذا أم أن (البينة بالنظر) تكفي؟
* سيدي الوالي، دعنا نتفاءل قليلاً ونطلب (منك أولا) تقديم صك (إبراء ذمة ) ومن ثم من جميع وزرائك ومن تحتهم ومعتمديك ومن تحتهم وكل الجيوش الجراراة من المسؤولين الذين يعتبروا (لكثرتهم) أكبر دليل على الفساد، لأنه وبالمنطق المواطن لا يحتاج لكل هذا الجيش الجرار من المسؤولين، بل يحتاج لأي مليم يصرف عليه كرواتب ومخصصات وجبايات.
* الصمت على اللصوص أكبر دليل على فساد المسؤول، ومن يتم التضحية بهم من الصغار يؤكدون مقولة (إذا سرق الفقير رغيف خبز ليأكله، سقوه السم ماء).
الجريدة