جاذبية داعش لأبناء الطبقة الوسطى وما فوقها

أ.د. الطيب زين العابدين
تشكل تنظيم داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق في عهد الرئيس جورج بوش في 2003م بحُجة امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل، وذلك من فصائل إسلامية سنية ووطنية. فقد دخلت أميركا في حلف استراتيجي مع الأكراد الذين قامت بحمايتهم في وقتٍ مبكرٍ وساعدتهم في السيطرة على إقليم كردستان العراقي، واستطاع الشيعة بحكم أغلبيتهم العددية ودعم إيران لهم ووحدة قيادتهم الدينية أن يسيطروا على الساحة السياسية، وبقي السنة في العراء دون سلطة سياسية أو دعم دولي مما دفع بأبنائهم إلى أحضان المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأميركي ثم ضد الحكومة الطائفية الشيعية في عهد نوري المالكي (2006-2014). كانت الفصائل الإسلامية بمسمياتها المختلفة وتحت قيادات متعددة هي الأبرز في المقاومة المسلحة، وحاول حزب البعث المحظور التقرب من الفصائل الإسلامية بحُكم أنهم يحاربون عدواً واحداً هو الاحتلال الأميركي وقدم دعماً مقدراً من السلاح والمال لتلك الفصائل، وانضم إليهم عدد من مسرحي الجيش العراقي الذي فككته الإدارة الأميركية في العراق دون إدراك لعواقبه الوخيمة. كان من تلك الفصائل الإسلامية: “جماعة التوحيد والجهاد” التي أسسها أبو مصعب الزرقاوي، “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” التي بايعت أُسامة بن لادن، “جماعة أنصار الإسلام” ذات الأصول الكردية، جبهة النُصرة السورية وغيرها. توحدت تلك التنظيمات تحت مسمى “الدولة الإسلامية في العراق”، وبعد أن دخلت الساحة السورية مؤخراً استخدمت إسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) والتي التحقت بها من خارج المنطقة جماعة مجاهدي سيناء المصرية وأنصار الشريعة في ليبيا وتونس واليمن. وأخذ التنظيم بُعداً دولياً خارج العالم العربي حين ارتبطت به حركة “بوكو حرام” في نيجيريا و”الحركة الإسلامية في أزواد” بشمال غرب مالي، ونسبة للتطور الجديد اعتمد التنظيم في النهاية إسم “الدولة الإسلامية” فقط، وإن سار عليه إسم داعش بين الناس وفي الإعلام.
يتبع التنظيم أفكار السلفية الجهادية الذي عُرف عن تنظيم “القاعدة”، ويهدف إلى إعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة، وقام بإعلان الخلافة في 29 يونيو 2014 بقيادة أمير المؤمنين أبوبكر البغدادي. ويحارب التنظيم من يخالف آراءه وتفسيراته الدينية ويصفهم بالردة والشرك والنفاق ويستحل دماءهم وممتلكاتهم، ويتشدد في معاملة الأقليات الدينية الذين يجوز قتلهم وسلب ممتلكاتهم وسبي نسائهم، ولا يتورع من تصوير القتل بطريقة بدائية قاسية والإعلان عنه، واستهدف بتفجيرات انتحارية مساجد الشيعة في السعودية والكويت واليمن. ومن الناحية اللوجستية تبنى تنظيم الدولة الإسلامية سياسة “مسك الأرض” لإعلان الإمارة عليها، على عكس ما درج عليه تنظيم القاعدة، واستطاع التنظيم الذي استفاد كثيراً من الإنشغال الدولي بثورة الربيع العربي أن يسيطر بالهجمات الخاطفة على عدة مدن معظمها في مناطق السنة تقهقرعنها الجيش العراقي، ثم مساحة واسعة في سوريا التي يبدو أن جيش النظام السوري أخلاها قصداً لتسيطر عليها داعش فتدخل في صدام مع المعارضة السورية المسلحة. واستطاعت داعش أن تحقق تلك الانتصارات المدوية لأنها تمكنت من بناء جيش قوي ومنظم وذو دافعية عالية، ويمتلك أسلحة متطورة كسبها من عتاد الجيش العراقي المنهزم. وانضم لداعش آلاف المجندين من شتى أنحاء العالم لأنهم يرون فيها رمزاً لمقاومة الهيمنة الغربية على العالم الإسلامي الضعيف، ونداً صلباً لقوى التحالف الدولي الذي تقوده أميركا في العراق وسوريا على داعش.وتمكنت داعش من تمويل هذا الجيش الكبير عن طريق الرسوم التي تتحصلها من التجار وشركات الاتصالات ولكن أهم مصادرها كانت من بيع النفط في الحقول التي سيطرت عليها جنوب غرب الموصل.
والسؤال الذي نود الإجابة عليه هو: كيف استطاع هذا التنظيم بأفكاره المتطرفة وسلوكه الدموي العنيف أن يجتذب بعض أبناء الطبقة الوسطى المتعلمة التي لا تعاني فقراً أو تهميشاً أو اضطهاداً، وليس فقط في بلاد العالم الثالث ولكن حتى في داخل أوربا وكندا وأستراليا وروسيا وأميركا؟ لقد تبنت المملكة المتحدة قبل سنوات عديدة استراتيجية شاملة لمحاربة التنظيمات المتطرفة الإرهابية وفي مقدمتها داعش ركزت فيها على حماية الشباب المسلم الذين يقعون ضحية سهلة للدعاية التي تبثها داعش عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي في الشبكة العنكبوتية العالمية. ومنذ البداية قفز عدد المشتبهين لتقبل تلك الدعاية من المئات إلى الآلاف، والتحق في سنوات قليلة حوالي ثلاثة آلاف أوربي -معظمهم بريطاني الجنسية- للقتال مع داعش في سوريا. قال الباحث الأميركي في علم الاجتماع، الدكتور اسكوت أتران ( Scott Atran)، الذي درس ميل الشباب إلى أعمال العنف في عدة أقطار من العالم، إن الشباب الذين ينضمون لداعش لا يعرفون الكثير عن الإسلام؛ ولكنهم شُربوا من الدعاية الذكية التي تبثها عبر وسائل الاتصال أن المسلمين أمثالهم مستهدفين بالإعدام من قبل الكفار إلا إذا بادروا هم بإعدام الكفرة والمرتدين. وقال إن المسح الذي جرى في فرنسا لعينة واسعة من الشباب كشف أن بين كل أربعة منهم هناك واحد (أي 25%) يتعاطف مع داعش رغم اختلاف أديانهم. وقالت له فتاة فرنسية من أصول عربية: إنها لا تشعر بأنها عربية أو فرنسية وسيُنظر إليها دوماًًً بشُبهة، لذلك تختار تنظيم الخلافة الذي يعمل لإنشاء وطن لكل المسلمين يجمعون فيه كل مواردهم حتى يكونوا أقوياء مرة أخرى ويعيشون في عزة ومنعة!
قال موقع “جلوبال بوست” في تقرير له عن جاذبية داعش للشباب: إن المقاتلين الأوربيين الأجانب متواجدون بأعدادٍ كبيرة في صفوف الدولة الإسلامية، وأن العديد من هؤلاء الشباب يأتون من الطبقة الوسطى ويتمتعون بإمكانيات معيشية ممتازة. ويجذب التنظيم الشباب المسلم لأنه يعطيهم بديلاً مثيراً وهادفاً للحياة غير السعي لتحقيق الراحة المادية والأمن الاقتصادي، فالرفاهية الاقتصادية والاعتدال السياسي لا يسيران دائماً جنباً إلى جنب كما تقول الآيدولوجية الليبرالية، وتعاني الديمقراطية الغربية من مشاكل مع إمكانية أن تكون جزءاً من آيدولوجية شاملة تقدم معنى راقياً لحياة الفرد. وأحسب أن إزدواج المعايير الغربية في تطبيق الديمقراطية يقدح في صدقية الغرب ومدى التزامه بقيم حقوق الإنسان التي ينافح عنها في المنابر الدولية. فالشباب يتطلع إلى فكرة عظيمة تستوعبهم جميعاً وتشركهم في مجتمع من المؤمنين المتشابهين في الميول والأفكار مع هدف الأخوة بين الناس. وقد قال جورج أورويل في مراجعته لكتاب “كفاحي” لأدولف هتلر ذو الطابع العرقي:إن البشر لا يريدون فقط الراحة والسلامة ولكنهم ينشدون أيضاً النضال والتضحية بالنفس ناهيك عن الطبول والإعلام ومسيرات الولاء. وتقول آرين ميري المتخصصة في قضايا مكافحة الإرهاب بوكالة الصحافة الفرنسية: إن جيل الشباب البريطانيين يواجه صعوبات في صنع هوية خصوصا في مجتمع يخضع للعولمة حيث تتشابك الهويات. وينصح الباحث اسكوت أتران، في دراسته البحثية عن أسباب تعلق الشباب بالعنف، بتقديم السلطات المعنية ثلاثة شروط لجذب الشباب من دائرة العنف والاستبداد: تقديم شيئ للشباب يجعلهم يحلمون بحياة لها معنى عن طريق النضال والتضحية بروح الزمالة مع الآخرين؛ تقديم حلم إيجابي شخصي للشباب له فرصة محددة في التحقق؛ تقديم فرصة للشباب لخلق مبادراتهم المحلية الذاتية.
وكما يبدو من تحليل هؤلاء الخبراء والباحثين أن الميل لدى الشباب إلى الالتحاق بجماعات العنف والقتل والاستبداد له أسبابه الفكرية والنفسية والاجتماعية التي تحتاج إلى دراسات عميقة في البيئة المعنية، والدخول في حوار طويل متبادل مع هؤلاء الشباب من كل المحيطين بهم. فالأمر جد خطير ويحتاج إلى معالجة علمية جادة تتسم بروح الحب والتسامح والتفاهم.
التغيير
تحليل رائع من الدكتور الطيب زين العابدين رغم أنه غير شامل، حيث أن مثل هذا الموضوع بهذا التحليل يتطلب حلقات متتالية حتى يتمكن الكاتب من لملمة كافة تفاصيل موضوع شائك شغل كل الرأي العام المحلي والإٌقليمي والدولي.
حركة “متطرفة” ليس من حيث الفكر (لأن فكرها يقوم على تطبيق الشريعة الإسلامية الأصلية، ولكن ليس بمثل هذا التشدد) ولكن من حيث التطبيق وتأخذ بنصوص الأحكام وليس بروحه، مثل هذه الحركة وخلال وقت وجيز يتجاوز العقد الواحد بقليل، تتمكن من بسط نفوذها على الأرض وعلى اجتذاب طيف واسع من الشباب الوسط، لابد أن لها أسبابها. فالعقل لا يستقيم مع الانتحار دون مبرر، وبذل الروح لابد أن يكون مدفوعاً بفضية يؤمن بها المضحي.
داعش، ومن خلال قدرته على جذب شباب شبه مستنير من دول متطورة تقنياً وعلمياً، لابد أنه كان قادراً على تسخير التقنيات الحديثة للوصول إلى أهدافه بعد أن توصل إلى أن:
* الشباب الأوروبي المسلم يعاني من فراغ هوية بين ماضيه وحاضره وقد فشل القائمون على تربيته من الربط بين ماضٍ تاريخي إسلامي وحاضر يعج بتطورات مبتكرة لا تأخذ بأسباب الدين.
* ضعف الكادر التربوي (الأسرة والبيت) في غرس الهوية الإسلامية الصحيحة في عمر استشراب الشباب للمفاهيم الدينية.
*إنهماك وانشغال الوالدين بالعمل لفترات مطولة وترك الشباب في عمر المراهقة لوحدهم للحكم بين ما تعلموه وبين الجديد المستحدث وبالتالي نزوع البعض إلى إشباع فطرتهم الدينية من خلال الاستجابة لقناعاتهم التي عثروا عليها عند الدعاة الدواعش.
* حالة القلق والاضطراب النفسي والخلط بين الأشياء والبحث عن الذات وميل الميزان نحو الغلو والتطرف ورهن المصير من خلال الانتقام من الحاضر التعيس والقناعة بوجوده في المستقبل.
والله أعلم.
حتى شيوخ المملكة تحت تحت متابعين
اليوم واحد من هيئة كبار العلماء أعلن مبايعته لزعيم الدولة الإسلامية على السمع و الطاعة
أراك ذكرت كل التنظيمات المتطرفة التى توحدت فيما بينها وتلك التى دعمتها وغضيت الطرف عمدا عن أس البلاء المدعو الحركة الاسلاموية السودانية والتى نحسبها (معلم) تلك الزوابغ وما فعلته بالسودان وبنيه سيظل الأسوأ فى تاريخ البشرية. فكل قيادات الحركات المذكورة كانت يوما ما فى زمان ما تتلمذ على أيادى الخرطوم (المتوضئة) وان بقيت داعش بالشام ثلاثة قرون من الزمان فلن تفعل ما فعلتموه بنا فى ثلاثة عقود معشر الاسلامويين.
شكرا على هذا الموضوع والمقال القيم عن هذا الوباء المستشري في بلاد ثلاثة قارات وبين مختلف الطبقات وعبر الجنسين. أحاول زيادته خيرا بأربعة إشارات.
الإشارة الأولى:
الممنوعات التي بتغييبها وغيابها تتأجج وتلتهب عقلية الشباب: “التاريخ” الموضوعي، و”الانتقاد” الجدلي لمفارقات العقائد والثقافة.
تمتنع مناهج التعليم ومناهج الإعلام عن القيام لعرض التاريخ بموضوعية ولأتهتم بإظهار الانتقادات الكبرى ضد بنياته وضد عقائده، بل تورد التاريخ كتغير حكومات مجملا وتورد العقائد كأحوال دينية صرفة خالية من أي مفارقات اجتماعية اقتصادية في كل تواريخها! رغم أن تاريخ اي عقيدة من العقائد الأربعة الأكثر نفوذا في العالم أكثر من الألف عام ويمتد واحدها لأكثر من مائة مجتمع، وعبر أكثر من صراع فلسفي، واجتماعي، وطبقي، وثقافي، ولغوي، وقومي، وإقليمي، ودولي، ونوعجنسي، وعقلي!؟ ورغم كل هذا الاتساع والمفارقات المواشجة له فان وسائط التعليم والإعلام تقدم التاريخ والعقائد التي تخللته دون عرض منظوم لمفارقاتها بل صفحة بيضاء! وبهذا الضيق في التأريخ وبهذا الإبتسار والشح في انتقاد عناصر وتراكيب وسياسة العقائد واقتصادها وثقافتها العنصرية والضد قومية في ان وبعض تأثيراتها السالبة.
نتيجة من اضعاف التارخ واضعاف أسس وأدوات الانتقاد وتغييبه فان الثقافة والذهنية المكونة بهذا الأسلوب التعليمي والإعلامي تكون ثقافة وذهنية قليلة مفككة هشة البنيان يسهل على أية جهة إختراقها وتحويل أقسام أو أفراد منها لأدوات تنفذ لجهة الاختراق ما تريده من أو ضد هذه الثقافة وأذهانها التي لا عمود لها سوى تيه الفرد فيكون توق الفرد الناشيء للإلتزام وحاجته النفسية والموضوعية إلى الفاعلية الشخصية والإجتماعية والتقدير الثقافي والإعلامي لحياته وجهوده وأحلامه تكون بأحادها أو جمعة مفتاحا للسيطرة عليه، والتحكم فيه، بل وحتى نسفه أو إحراقه باعتباره عند بعض دوائر المخابرات والحروب الدقيقة مجرد طلقة بشرية في حرب مصالح عالمية كيرى تستخدم الإسلاميين وجماعات الإسلاميين كمليشيات مقدمة في المعركة المعولمة الحاضرة لتفكيك دولهم وتماسك مجتمعاتهم واخضاعها بقاياها من ثم لترتيب جديد.
………………………………………
الاشارة الثانية ؛
“عقلية الغرف المغلقة”
“عقلية الغرف المغلقة” تجزيء الأمور وتفصلها عن بعضها وتقطع صلات رحم بعضها بعضا. فهي تعزل الأشياء من بنيتها الأكبر بل تعزل كل واحد منها. فهي تأخذ كل أمر في الحياة معزولا بخصوصيته عن أمر مواشج له وان كان مختلفا عنه خواصا وشكلا ولكنه لازم له في الإتجاه والحركة والتفاعل، مثال ذلك فصل الرياضة والفن مثلا عن التعليم وفصل الثلاثة عن الثقافة، وفصل كل واحد منهم عن السياسة! بينما كل هذه الأمور من مركبات إرتقاء الفرد وتحوله من بشر إلى إنسان. والناس إلى مجتمع، والدين إلى ارتقاء اجتماعي من الأنوية والذاتية إلى العقلانية والانسانية.
بهذه التجزئة أو معها وبفعل النوع التجزيئي التعليم والتجزيئي الاعلام فان الذهن المتعلم او المتلقى رسائل الإعلام باسلوب التلقين أو بأسلوب الحداثة التعليمية يخلو من “التاريخ” الموضوعي ومن “الانتقاد”، وبذا يكون الذهن الضعيف الإثنين ذهنا خوخا وضعيفا في تناول الأمور الكبرى ذات الترتيب والإختلاف وذات القدسية والتفكير والنشاط كالسياسة والدين والجهاد ومن ثم يسهل قود الذهن الضعيف لموقف معين في هذه القضايا.
ّ…………………………………..
الإشارة الثالثة؛
تأسيس الإعلام الأوروبي للهوس الديني الاسلامي بتغييبه للهويات الأخرى للفرد الجنسية والجيلية والمهنية والوطنية والسياسية وبجعله “الاسلام” هو القالب العام لكل أحداث ومعاني الحياة المتنوعة والمختلفة.
الاعلام الغربي عن الشرق الأوسط والتفاعلات العالمية معه يبالغ في الهوية الإسلامية ويغيب الهويات الأخرى. فالاعلام الغربي باللغات وبالعربي ينجز 75% من تأسيس الإرهاب وذلك نتيجة من اختزاله هويات عوالم المسلمين يصبها بمختلف ألوانها وأنواعها في قوالب مختلفة لكلمة “الاسلام”.
وبهذا الحصر يغيب الاعلام الغربي بلغاته أو باللغة العربية الهويات الاخرى الضرورية لتوازن الشباب. واهم تلك الهويات المغيبة هوية الجيل كأجيال شباب وشيوخ، وكنوع نساء أو رجال، ويغيب هوياتهم المهنية كأساتذة ومهنيين وتجار وعمال وزراع ورعاة، ويغيب هوياتهم كأهل هامش أو أهل مركز، وهوياتهم الوطنية أو العالمية، ويغيب هوياتهم الحزبية الخ، فانت تسمع الاعلام الغربي وتراه أو تقرأه يخفض أو يلغي أكثر هذه الهويات بأسلوب يحصر الذهن في محورين فقط لا يثلثهما وهما “الاسلام السياسي” أو “الحكم والمعارضة”.
هذا التخذيل والحصر الذهني مع الفشل الظاهر في أداء الحكم والمعارضة لارتباط علاقاتهما الدولية بالإستعمار الحديث، لا يترك للمتلقي له سوى تجريب الموضة الجديدة أو العرض الإعلامي الجديد المسمى “الاسلام”.
وبهذا فان صيغ الخطاب الإعلامي الغربي القديم والمحافظ في عالم اللغة العربية، وبأساليبها الإعلانية تبث لإنسان الشرق الاوسط فكرة فشل الحداثة وإنسدادها في بلاده وتهيئه نوعا ما للانخراط في البديل المضمر وهو الإسلام السياسي.
بعد هذا الإعداد الإعلامي الذهني والنفسي عن غياب أو فناء الهويات الحديثة وفشلها، تكمل هيئات السلفيين في مجالات “الدعوة” والأئمة المتطرفين ووسائط الاعلام بالانترنت الموالية لهم الجزء القليل الباقي من مهمة تكوين جندي إسلامي إنتحاري أو تجهيز مساعد له.
……………………………………..
الاشارة الرابعة؛
بؤس مفهوم “الجهاد” المروج له بواسطة الإسلاميين.
تردد كثير من الأقوال والكتب الاسلامية أن “الجهاد سنام الدين” يقصدون بكلمة الجهاد معنى الدعوة للحكم الاسلامي و معنى المقاتلة الدموية في سبيل تحقيق هذا الحكم الفاشل أو الدفاع عنه.
إكثار هذا الترديد، يزيد معه ترديد الإصطلاحات المواشجة للقتال كالتكفير، والأسر، والذبح، والسبي، والرق، وتهمش هذه الثقافة القهرية إمكان تسنم المسلمين ذرى الخيرات والفضائل الحيوية المعروفة مثل التعلم والتعليم، والرياضيات والفيزياء والحكمة والمنطق والفلسفة، والفن، والأدب، والأعمال الخيرية، العلوم الإجتماعية، ومجالات الهندسة، الطب، الزراعة والصناعة، السياحة، وحتى الإعتزال والتفكر .
وهي علوم وأعمال وشؤون فيها حروب ناعمة مفيدة ناجعة ضد الجهل والغلو، وضد الفقر والجوع، وضد الأمراض البدنية والثقافية. وهي جهاد مفيد لنمو الإنسانية شعوبا وحضارات وأفكارا بصورة مختلفة عن الجهاد الدموي التأسيسي القديم القائم على دعوة وحروب لتكوين دولة دينية إسلامية يحكمها عربي قريشي/علوي!
تكرار ذلك الجهاد القديم حاضرا يمزق الدول والمجتمعات ويدمرها بإسم تكوين حكم ديني معين يثبت تمييزا عنصريا دينيا لإجبار غير المسلمين على دفع جزية وإصغار نفسهم للمسلمين أو لطائفة منهم أو يواجهون (حكم) القتل!
فهو كلا وجمعا جهاد بالدعوة والقتال والإرهاب لتكوين وحماية دولة إمبراطورية عنصرية الثقافة والدستور، في عصر ينتقل عالمه بالإعلام، والامم المتحدة وحقوق الانسان، والتداخل الاقتصادي ومؤمنا بالتعاون العسكري الدولي وبالاسلحة الذرية من مرحلة الإستعمار والاستغلال والتميز لمرحلة التعارف والتفاكر والتعاون.
الفقهاء الكبار ومواليهم في الكلام باسم الدين وهم ككل كبار الفقهاء ضعاف في أمور العلوم الإنسانية والاجتماعية قاموا بتسمية هذا المشروع الجنوني الدموي للتوسع الإستعماري الإمبراطوري اللانهائي الذي يدخل العالم في حالة حرب عالمية مستدامة باسم “الجهاد” وبإسم “دولة الاسلام” بل وتقاتلوا عليه مثلما فعلوا في افغانستان وفي الجزائر وفي الصومال: فقد تقاتلوا ايضا في العراق والشام وليبيا التوحيد والجهاد ضد جماعة الجهاد ضد الجماعة الاسلامية ضد أنصار الشريعة، ضد القاعدة ضد دولة الاسلام، والحبل على الغارب!
“دولة الاسلام” هذه هي مجرد تسمية تقديسية لمشروع جنوني لإراقة دماء العالم أو إخضاعه لحكم “أصحاب الدعوة” وانقلاباتهم وتحارباتهم الافغانية! فهي أي “دولة الاسلام” تسمية شكلها ديني يراد بها باطل فهي تحلل الملك العضوض أو الدولة الإمبراطورية التي تشمل سيطرتها العالم كله لتخضعه لخليفة أو سلطان (عربي قريشي/علوي) ليقرر هو وهاماناته كل شؤون العالم وحتى شؤون الكواكب الأخرى!
في القرن ال21 نسأل هؤلاء”العلماء” لماذا هذه الوصاية والسيطرة على الآخرين؟ فموضوع وفهم “الجهاد” عند علماء الشرع النمطيين يربط الجهاد بالحرب والقوة والسيطرة على العالم وحتى الكواكب الأخرى، بينما واحدهم ماله وملبسه وطعامه وأدواته وإعلامه صناعة أجنبية!!
هذا البؤس والغلو في فهم الجهاد مشهور انه من سنن الإسلاميين موقظي ؤمؤججي الفتن والارهاب وصولا لهدف غير محدد الأبعاد يسمونه عادة “مصلحة الدعوة” أو “التمكين”!! بينما مصلحة الدين والمجتمعات المواشجة لا ترتبط بمنطق القوة الوحشية بل مرتبطة بقوة المنطق والثقافة والسمو العقلي والصولجان الذهني للتفكير أي بالتعلم والتعليم والفنون والآداب والعلوم والفلسفة، فالإرتقاء في هذه الأمور هو بوابة الحياة الانسانية الراقية بكل الإعتقادات والأعمال إلى حال جميل وخير للتعارف والتعاون والإعمار والسلام
المنصور جعفر