“الإصلاح” في الشارع.. “الآن” لا ثوابت تحكم حراك السياسة السودانية.. رمالها المتحركة تصنع مواقف قياداتها وأحزابها على الدوام..

الخرطوم ـ الزين عثمان
يصل منسوبو حركة الإصلاح الآن إلى قلب (كركر) موقف المواصلات الذي صاحب اختياره حالة جدل انتهت بانتصار السلطة على احتجاجات المواطنين.
ووصلت عربة الحركة الخارجة من جلباب الحزب الحاكم عصر الخميس مسبوقة بمكبرات الصوت، لتخرج كلماتها (احتكار الحزب الحاكم لقميص الوطن لن يقود البلاد للأمام).
وبدا حزب غازي وكأنه يتدثر بلباس المعارضة، وبدت الإصلاح الحركة وكأنها تمضي في طريق حزب المؤتمر السوداني بمخاطبة الجماهير في أماكن تجمعاتها، لكن مخاطبة الإخوة لم يقدر لها أن تكتمل. وبحسب بيان ممهور بتوقيع الحركة فإن السلطات قامت باعتراض المتحدثين وجرى اعتقال كل من خالد نوري رئيس “الإصلاح الآن” بولاية الخرطوم، ونائبه جعفر الصادق، وسامي عبد الوهاب، عضو المكتب السياسي، وناجي إمام، مسؤول الشباب والطلاب.
حسناً.. يعيد المشهد في موقف (كركر) سؤال العلاقة بين حركة الإصلاح الآن، وبين المؤتمر الوطني، ويراه البعض امتداداً لسؤال أكبر يتعلق بعلاقة الإسلاميين في السودان في مرحلة بعد الوصول إلى السلطة وتشعب المشكلات.
ويطرح العتباني رئيس الحركة المتبوعة بتوصيف الإصلاح نفسه وحركته كبديل للواقع الماثل الآن، وهي الأطروحة التي تفرض عليه ومناصريه الدخول في معترك مواجهة إخوة الحزب الواحد أمس، وهو ما يبدو بارزاً في حراك الرجل، المتمسك بضرورة إيجاد صيغة حل للمشكلات السودانية بعيداً عن المنهج الأحادي الذي يتمسك به المؤتمر الوطني، ويحاول تسويقه الآن، كسباً للزمن.
وعقب أحداث التوقيف أصدر المؤتمر السوداني المعارض بزعامة إبراهيم الشيخ بياناً يدين فيه سلوك السلطة في مواجهة المعارضين، وحجب حقهم في التعبير السلمي.
ويبدو البيان الذي وصل إلى (اليوم التالي) عبر الأمين الإعلامي للمؤتمر السوداني، بكري يوسف، وكأنه يضع الحركة الناهضة في تصنيف (المعارضة)، وهو التصنيف الذي يرفضه كثيرون باعتبارات التاريخ القريب لغازي العتباني الموضوع في خانة إخوة الأمس، وأن المفاصلة لم تتم تماماً. بل إن البعض يتعامل معه على أنه ينفذ استراتيجيات الإسلاميين في المحافظة على السيطرة على مقاليد الأمور في السودان.
ويدفع جدل الوسائط حول الحركة الإصلاحية البعض للتاريخ، حين يجلبون مقولة منسوبة للقيادي الشيوعي الراحل فاروق كدودة، في لحظة تبشيره بانشقاق الشيخ الترابي عن المشير البشير في مفاصلة رمضان.
ولم يجد الراحل كدودة ما يقوله يومها غير “كنا نحارب إسلاميي السلطة وعلينا الآن محاربتهم في السلطة والمعارضة معاً”.
ويمضي البعض في توصيفه لحالة المواجهة الجديدة مستعيرا عبارة (الإنقاذ تأكل بنيها).
لكن في المقابل فإن مشهد المواجهة بين إخوة الأمس أعداء اليوم يبدو كأنه تأكيد لحالة الالتباس في الواقع السياسي السودان، وأبلغ تعبير عن المشهد السياسي بتفاصيله كلها.
وقياساً على ما حدث فإن خروج منسوبي الإصلاح الآن إلى مخاطبة الناس في الشوارع والي تنبيههم إلى حقوقهم بحسب ما قال مسؤول الإعلام محمود الجمل، كان عقب تنبيه آخر خرج بلسان رئيس الحركة غازي العتباني وهو يخاطب الحزب الحاكم عقب مآلات قرار الاتحاد الافريقي، إذ يقول غازي في مؤتمر صحفي إن رفض الحكومة لعقد المؤتمر التحضيري خارج السودان موقف يجافي المنطق ويجافي حتى واقعها هي باستجابتها للمبادرات الخارجية، وإن الخرطوم مهما فعلت فستجد نفسها مجبرة على الاستجابة لما يطلبه المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي.
ويطالب غازي الحكومة التي كان جزءا منها بضرورة الاستجابة لأطروحات قوى نداء السودان المعارضة في ضرورة فتح الممرات الإنسانية وإيقاف الحرب والدخول في حوار متكافئ ويوفر فرص الوصول إلى اتفاق.
وفي الأثناء أعلنت حركة الإصلاح الآن عن مؤتمر صحفي لتناول الوضع السياسي الراهن في دارها بحي الصفا، الدار التي يفصلها عن دار الوطني مطار الخرطوم، ومؤكد أنها ستضع الإجابات على ما ستقوم به مستقبلاً من توطيد علاقتها مع الشارع السوداني، وفي تحقيق تطلعاته في نظام ديمقراطي مستقر. لكن ذات المستمعين للخطاب الجديد تحتفظ أجهزة اتصالاتهم الحديثة بالأرشيف الذي يحمل ذات الأصوات ولكن من موقف مختلف عن ما يجلسون فيه الآن.
في حراك الأسافير ثمة اختلاف مغلف بسخرية (الإصلاحيون مناضلون). وتبدو السخرية وكأنها رفض للحالة الجديدة التي يمضي في طريقها الإصلاح الآن.
لكن المشهد، في المقابل، لا يبدو مختلفاً فبعد عشر سنوات من السلطة صار الترابي إماماً للحريات قبل أن يعود الآن إماماً للحوار بمعية رفاق أمس الأول وأعداء الأمس، وهو ما يؤكد فرضية أساسية هي أنه؛ لا ثوابت تحكم حراك السياسة السودانية وأن رمالها المتحركة هي التي تصنع مواقف قياداتها وأحزابها على الدوام.
الإصلاح في الشارع الآن.. ثمة ما يأتي لاحقاً وهو ما يتعلق بضرورة الإجابة على سؤال لماذا الآن فلم يكن الخروج من الحكومة أمس الأول وإنما عقب فترة طويلة وهو ما يعني أن حراك اللحظة وبحسب مراقبين يرتبط بشكل كبير باقتراب أوان التسوية السياسية وأن التسعين يوماً المحددة تمضي بخطى متسارعة وهو ما يؤكد على أن الإصلاحيين يبحثون لهم عن أصوات تدعمهم في مقبل المواعيد في ظل التأكيد على أن المكاسب الحزبية لها الأولوية، وربما تكون للأمر علاقة بحالة الغيرة السياسية من حراك القوى التي بدا لها تأثير على مستوى الشارع أو أن الدار في حي الصفاء الخرطومي يسعى رئيسها من أجل وراثة الحركة الإسلامية في المستقبل القريب. لكن كل هذه الأمور قد لا تضع الإجابة الحقيقية لما يريده الشعب، فالاعتقال سلوك يجلب التضامن عند الساسة ويرفع القيمة النضالية لصاحبه ويزيد مكاسبه مستقبلاً لكنه أمر قد لا يتخذ الأهمية القصوي عند الشارع المخاطب والمستهدف بالتوعية، وهو ما يدفعه للرد: اعتقلوا (البنادق) أوقفوا هذا النزيف اعتقلوا الذين يزيدون في السلع الاستهلاكية لتعظيم الربح لكن رجاء أطلقوا سراح الحافلات التي تنقلنا إلى بيوتنا، اجعلوا التعليم مجانياً ووفروا لنا الأدوية التي تحتفظ بحياتنا.. بعدها ليحكمنا من يحكمنا .
اليوم التالي