اغتيال امه

د.هاشم حسين بابكر
* لم يتضح بعد نظام للحكم في السودان يمكن أن يكون أساساً تسير عليه الأنظمة المتعاقبة ، فالحكم يعتمد على أساسيات متفق عليها ، رغم اختلاف وسائل التطبيق و التنفيذ.
* و من الأخطاء الكارثية التي حلت بالسودان على اختلاف ثوراته ، أن مفهوم الثورة لدى المواطنين مفهوم تشوبه نواقص عدة اساسية ، فالثورة تمر بمراحل عديدة و بالتحديد ثلاث مراحل : المرحلة الأولى مرحلة الاستنفار ، و الثانية بناء النموذج ، و الثالثة التواصل مع الخارج .
* فلو راجعنا جميع الثورات التي مرت على السودان منذ الثورة المهدية و مروراً بالاستقلال و ثورة أكتوبر و أبريل مع تجاوز الانقلابات العسكرية التي تطلق على نفسها ثورة بعد نجاح الانقلاب ، رغم أن السودان رزح تحت حكم العسكر لمدة ثمانية و أربعين عاماً بينما كان الحكم (الديمقراطي) ثمان سنوات فقط .
* ماذا نتستنتج من هذا ؟ استنتاج بسيط لا يحتاج إلى كثير عناء ، و هو أن أنظمة الحكم ، سواءً جاءت عن طريق ثورة أو انتخاب أو انقلاب ، لم تستوف من الشروط ما يجعلها راسخة في الحكم ، لم تقدم النموذج و لم تتواصل مع الخارج ، و حتى في مرحلتها الأولى اعتمدت في استنفارها على جماعة معينة ، فمايو اعتمدت على اليساريين (ثم انقلبت عليهم) ، أما يونيو فقد اعتمدت على شريحة (الاسلاميين) الذين أيضاً تم الانقلاب عليهم و إن لم يكن انقلاباً دموياً كما حدث للشيوعيين ، و لكن يبدو أن في الأفق ما يؤجج الصراع و يحوله إلى شكل آخر .
* ما حدث للثورة المهدية لم يؤخذ في الاعتبار و لم تتم دراسته دراسة موضوعية حتى تتلافى الثورات التي قامت بعد المهدية أخطاءها ، فوقعت في ذات الأخطاء ، لذلك لم تكن لهذه الثورات آثار باقية يمكن الاعتماد عليها في الثورات التالية ، و لعل هذا ما أوصل المواطن إلى حالة الوهن التي يعيشها اليوم.
* ترتكب غالبية الإسلاميين السياسيين خطأً فادحاً في فهم (الشريعة) التي حصروها في ستة حدود ، في حين أن الإسلام أوسع من ذلك بكثير ، فالدين ، في أشمل و أجمع و أمنع تعريفاته ، كما ورد في حديث المصطفى صلوات الله عليه و سلامه : (الدين المعاملة) .
* في خلال الثلاثمائة عام الأولى منذ دولة الخلافة الأولى و حتى نهاية الخلافة العباسية أنفذ حد السرقة ست مرات ، أي مرة واحدة كل خمسين عاماً ، لماذا ؟ لأن الدولة وفرت لمواطنيها فرص العمل و العيش الكريم ، و قد وجد الفاروق عمر عليه رضوان الله شيخاً يهودياً يتسول الناس ، فأخذ بيده و قاده إلى بيت المال و فرض له معاشاً شهرياً ، و قال قولته الشهيرة : ( أخذنا منه الجزية و هو شاب قوي ، أنتركه يتسول و هو شيخ عاجز؟ ) هكذا تعامل الدولة المسلمة مواطنيها حتى و إن كانوا من غير المسلمين.
* اختفت الحرية بعد كل ثورة قامت في السودان ، و الحرية هي الأساس ، و قد ترك المولى عز و جل حرية الإيمان به أو الكفر به ، بعد أن بين للناس الرشد من الغي ، أما الحيوان و النبات و الجماد فتسبح بحمده آناء الليل و أطراف النهار.
* و من الأحاديث التي يستند إليها المتزمتون (حد يقام على الأرض خير من أن تمطروا أربعين صباحاً) !! أولاً ، هذا الحديث مشكوك في صحته لسبب منطقي هو أن المطر لم يرد في القرءان الكريم إلا مقترناً بالعذاب “لم ترد عبارة مطر في القرءان بمعنى الغيث أبداً ، بل وردت دائماً كتهديد بالعذاب أو تقرير بعذاب أمم سابقة مثل قوم لوط “ساء مطر المنذرين” ، فالخير مرتبط بالغيث و بالماء ، و ليس بالمطر ، و ليراجع من شاء القرءان الكريم.
* كم حد أقيم منذ شريعة نميري و إلى اليوم؟ و كم من جفاف و تصحر و مجاعات مرت على السودان في ذات هذه الفترة ، و هل استفدنا من الفيضانات و الماء المنزل من السماء مدراراً ؟ و قد تحول إلى سيول أفقرت الناس و دمرت بيوتهم و مساكنهم ، أليس الاحتياط من الفيضان و استغلاله لخير الأمة من الشريعة ؟ أو ليس (حصاد المياه) من السيول و المياه المنزلة من السماء ، للزراعة و المرعى و شرب الإنسان و الحيوان من الشريعة؟ أليس توفير فرص العمل من الشريعة ؟ أليست العدالة الاجتماعية ما تنادي به الشريعة؟ فالشريعة حقوق تقابلها واجبات ، و هي قانون سماوي يحقق للمواطن ، مسلماً كان أم غير مسلم حقوقاً تقابلها واجبات ، فالشريعة لا تأخذ دون أن تعطي ، فالله غني عن عباده ، و عباده و مخلوقاته هم من يحتاجون إليه ، و قد وصف المولى عز وجل رسوله الخاتم و رسالته “أي دينه” بأنه رحمة للعالمين ، مسلمهم و غير مسلمهم ، فكيف حوله هؤلاء إلى نقمة؟؟.
* لم يقدم الإسلاميون النموذج ، بل قدموا شعارات و أشواق ، سرعان ما تلاشت ، فالشعارات و الأشواق لا تدوم إلا إذا ارتبطت ببرنامج عملي ، يتحدثون عن أمجاد صنعها غيرهم في ظروف تختلف تماماً عن الحاضر ، يتحدثون عن “دولة المدينة” دون أن يأخذوا نموذجها و يطوروه بما يواكب العصر ، و إذا افتقد أي نظام النموذج و المنهج فإنه لا محالة مقبل على فساد في الأرض ، و هذا ما نعيشه الآن.
* المسلم يحتسب لله و إسلاميونا “يحسبون” لأنفسهم ، و هذا هو عين الفساد ، إن إمكانياتنا اليوم أكبر بكثير من إمكانيات دولة المدينة و الدول التي تعاقبت بعدها ، إلا أن هذه الإمكانيات تحولت إلى غير وجهتها ، ثروات البلاد تمارس عليها عمليات النهب المنظم و غير المنظم ، و تحولت إلى أرقام حسابات سرية في بنوك العالم ، و ليتها بقيت ? حتى و هي منهوبة ? في بنوك السودان التي تعاني جراء عدم التعامل معها من البنوك العالمية .
* سأقصر حديثي على نوع واحد من أنواع الفساد ، الذي يفضي إلى تفكيك و تمزيق الدولة ، و الذي بدأ بانفصال الجنوب و البقية تأتي ، فانفصال الجنوب فتح أبواباً لن تغلق لتمزيق السودان ، و أكبر فساد هو مسخ الهوية السودانية الذي يجري اليوم ، فالمواطن السوداني اليوم همه الأكبر يتركز في استخراج جواز سفر ليهاجر ، بينما يتوافد النازحون من كل حدب و صوب إلى السودان ، و تجري عمليات إحلال و استبدال تحت سمع و بصر الدولة التي عجزت عن تقديم نموذج راشد للحكم ، فقررت التخلص من شعبها و استبداله بآخر من جنسيات مختلفة تتحكم فيه كما تشاء!!..
* السودان اليوم يعيش وضعاً غاية في الشذوذ ، فمواطنوه يبحثون عن العيش الكريم في غير أرضه ، بينما يبحث الآخرون من دول الجوار و غير الجوار عن لقمة عيش فيه ، و من سخريات القدر أنهم يجدونها بينما يفتقدها المواطن الأصيل!.
* كنت أعتقد أن جون قرنق هو صاحب نظرية الإحلال و الإبدال ، و لكن أرى الآن العكس ، فالنظرية تبقى نظرية ما لم تطبق على أرض الواقع ، و من يطبقها على الواقع هو من ينال شرف نسبتها إليه لأنه هو من تبناها ، كنت أظن أن نظرية قرنق قد رافقته إلى قبره و لكنه ذهب و بقيت نظريته و تحولت إلى برنامج تطبيقي للنظام الحاكم ، فالنظام عجز عن تقديم النموذج المقنع لشعبه ، فاختار الطريق الأسهل و هو استبدال (الشعب) ذاته !.
* كم من أجنبي دخل السودان و هو خالي الجيب ، فتحول إلى رأسمالي لا تهزه الضائقة المالية التي يعاني منها المواطن ، و لا يهتم حتى لتذبذب العملة الوطنية فكلما ارتفع سعر الدولار ارتفعت مكاسبه .
* علي عبدالله صالح يقتل شعبه بالسلاح ، و نظامنا يشرده لتبتلعه البحار و يختنق داخل الأنفاق ، هذا إن نجا من بطشه ، و انضمام الشباب إلى المنظمات الإرهابية المسلحة كداعش مثلاً ، إنما هي انعكاس لحالة اليأس التي يعيشها الشباب ، و قد تحولت ظاهرة اليأس هذه حتى أصابت الأبكار و الثيبات من الفتيات ، فالشعب انقسم ما بين واهن و يائس ، فمن أصابه الوهن استسلم للأمر الواقع ، أما من أصابه اليأس فقد كفر بما يرى ، فتطرف ، و كلاهما تخلى عن الأخلاق ، أي فساد أكبر من هذا ؟؟.
* تجاوزنا الستين من العمر ، و ما من حركة نتحركها إلا و كان لوالدينا خبر قبل أن نتحرك ، و إن لم يباركاه تركناه ، و اليوم تهرب فتيات أبكار من أسرهن للانضمام إلى المنظمات المسلحة ، فأي جهاد هذا دون إذن الوالدين ؟؟ حتى المفاهيم الدينية البدهية التي اتخذها النظام في صورة شعارات و أشواق ، اختلطت في أذهان الشباب اليائس ، فكانت النتيجة أن عملهم الذي يعتقدون أنه مرضاة لله قد تحول إلى معصية له ، بل كبيرة من كبائر المعاصي !.
* فإن كان الحاكم المسلم يعلم أنه يحاسب على بغلة عثرت بأقصى أرض دولته لأنه لم يعبد لها الطريق ، فكيف بحاكم لم يوفر العيش الكريم لشعبه ، و يتركه نهباً للمنظمات الإرهابية ، و للبحار تأكله أسماكها ، و للأنفاق يموت فيها مختنقاً ، بينما أصاب الوهن من بقي فلم يعد مكترثاً لما يدور حوله من تردٍّ في الأخلاق و في القيم ، و بين هذا و ذاك يجري استبدال الشعب في صمت ، تحت سمع و بصر و مباركة نظام عجز عن تقديم نموذج لشعبه ، فقرر استبداله بعد تفكيكه و إفساده أخلاقياً و اقتصادياً و اجتماعياً ، و بين هذا و ذاك نسأله الله السلامة من اغتيال أمة .
[email][email protected][/email]
خيرا قلت يا ابو حمودي
جزاك الله خيرا
د هاشم حسين بابكر
تحياتي
اؤيدك في معظم ما جاء في مقالك الجيد
حكام اليوم من الاخوان المسلمين يحسبون لانفسهم والمسلم الحق يحتسب لله وهتافهم المزعوم بتطبيق الشريعة ليس سوي خداع وتضليل ومفسدة وهم في حقيقتهم مثل عصابة المافيا الاجرامية الامريكية التي انقرضت في الولايات المتحدة الامريكية ، وذكرت ان حد السرقة أنفذ ست مرات خلال ثلثمائة عام من عهد الخلافة العباسية وذلك بسبب توفير الكفاية في العيش للنلس والفرق واضح وبين في مجتمعنا اليوم في السودان ، فاذا أنفذ الحد طبقا” للشرع فسيفقد غالبية جماعة هذه الحكومة اياديهم بالققطع !
واما حديثك عن جون قرنق فاني أري انك جانبت الصواب عنه فقد كان الرجل داعية لوحدة جميع السودانيين واطلق علي حركته اسم الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي لا تزال قائمة وفاعلةحتي يومنا هذا وتضم الجنوبيين والشماليين ، وقرنق قبل ان يغيبه الموت كان يعمل من اجل السودان الجديد الذي يضم كل السودانيين بمختلف اعراقهم وقبائلهم ومعتقداتهم الدينية في وطن تسوده العدالة والكفاية والدمقراطية ، وقرنق يقول : ( فلنتقبل انفسنا كسودانيين أولا” وقبل كل شئ ، العروبة لا تستطيع توحيدنا ، الافريقانية المضادة للعروبة لا تستطيع توحيدنا ، الاسلام لا يستطيع توحيدنا ، المسيحية لاتستطيع توحيدنا ، لنن السودانوية تستطيع توحيدنا ) .
وحكومة الاخوان المسلمين الحالية في السودان أحيت القبلية والعنصرية البغيضة والتعصب الكريه مما ينذر بتفتت السودان وعودتنا القهقري لمئات السنين .
خيرا قلت يا ابو حمودي
جزاك الله خيرا
د هاشم حسين بابكر
تحياتي
اؤيدك في معظم ما جاء في مقالك الجيد
حكام اليوم من الاخوان المسلمين يحسبون لانفسهم والمسلم الحق يحتسب لله وهتافهم المزعوم بتطبيق الشريعة ليس سوي خداع وتضليل ومفسدة وهم في حقيقتهم مثل عصابة المافيا الاجرامية الامريكية التي انقرضت في الولايات المتحدة الامريكية ، وذكرت ان حد السرقة أنفذ ست مرات خلال ثلثمائة عام من عهد الخلافة العباسية وذلك بسبب توفير الكفاية في العيش للنلس والفرق واضح وبين في مجتمعنا اليوم في السودان ، فاذا أنفذ الحد طبقا” للشرع فسيفقد غالبية جماعة هذه الحكومة اياديهم بالققطع !
واما حديثك عن جون قرنق فاني أري انك جانبت الصواب عنه فقد كان الرجل داعية لوحدة جميع السودانيين واطلق علي حركته اسم الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي لا تزال قائمة وفاعلةحتي يومنا هذا وتضم الجنوبيين والشماليين ، وقرنق قبل ان يغيبه الموت كان يعمل من اجل السودان الجديد الذي يضم كل السودانيين بمختلف اعراقهم وقبائلهم ومعتقداتهم الدينية في وطن تسوده العدالة والكفاية والدمقراطية ، وقرنق يقول : ( فلنتقبل انفسنا كسودانيين أولا” وقبل كل شئ ، العروبة لا تستطيع توحيدنا ، الافريقانية المضادة للعروبة لا تستطيع توحيدنا ، الاسلام لا يستطيع توحيدنا ، المسيحية لاتستطيع توحيدنا ، لنن السودانوية تستطيع توحيدنا ) .
وحكومة الاخوان المسلمين الحالية في السودان أحيت القبلية والعنصرية البغيضة والتعصب الكريه مما ينذر بتفتت السودان وعودتنا القهقري لمئات السنين .