في ثوبها القشيب .. !

«بغير الماء يا ليلى تشيخ طفولة الإبريق .. بغير خطى مباركة يموت جمال ألف طريق» .. أحمد بخيت ..!
٭ في قصص القرآن الكريم، سقى سيدنا موسى – عليه السلام – لبنات شعيب من البئر، ثم ذهب إلى الظل ليستريح داعيًا ربه – على استحياء – أن تكون إحداهما من نصيبه، قال (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقيرٌ)، وهناك على الجانب الآخر في بيت شعيب (قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمين)، وهكذا فهم وليُّ الأمر مراد ابنته، فبادر بخطبتها إليه (قالَ إِنِّي أُريدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) .. ووافق موسى عليه السلام، وانعقدت الخطبة، ثم اكتملت مراسم مصاهرة كانت بوادرها عند حافة بئر..!
٭ إذن لا ضير ولا حرج في تأطير بعض البوادر برباط عاطفي يمهد للزواج، وهو رباط شرعي مذكور في القرآن – كما في خطبة سيدنا موسى – ومذكور في السُّنة التي بيّنت أحكامه وخطوطه الحمراء، كما وأنه رباط اجتماعي منصوص عليه في قانون الأحوال الشخصية، ولكن ..!
تحولات جوهرية مُقلقة طرأت على كيف وكم علاقات الخطبة في المجتمع السوداني خلال السنوات الأخيرة، إذ وبعد أن كان الأمر لا يتعدى – في الغالب الأعم – أن يحجز أحدهم مقعده في صالون المصاهرة، أو أن يضع «طاقيته» خوفًا من أن يطمع غيره في من اختارها مشروع زوجة ..!
صارت حكاية الخطبة اليوم علاقة حميمة بين رجل وامرأة تخوّل خروجهما معًا، وبقاءهما معًا لأطول الأوقات، وتحت مختلف السقوف، باتت الخطبة في ثوبها القشيب حالة استشراف مُتعجِّل، ووقوف مُتسرِّع على تخوم الزواج، وتحت سمع وبصر الأهل، ومع سبق إصرار الفتيات وترصُّد الشباب .. في تجاوزات مقلقة تذعن لأوامر القلوب وتتجاهل أحكام العقل حيناً، ومحاذير الشارع أحيانًا، فتفتح باب الخلوة – غير الشرعية – على مصراعيه، ليدخل منه الشيطان، ليخرج منه الخاطب – بعد ذلك – في معظم الأحيان ..!
٭ العولمة التي باتت تحكم الخطوط الحمراء من العلاقات الثنائية الواقفة على أعتاب الزواج، طالت أيضاً النظرة المحلية لمفهوم الجمال، فمظاهر انتصارها على الثقافات المحلية لم تقتصر على التكامل الاقتصادي وانتشار التكنولوجيا، ولم تحكم وثاق الهوية الثقافية فحسب، بل بلغت حد الأمزجة والأهواء الشخصية ..!
٭ حتى مقاييس الجمال – التي تختلف من زمن إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى – أصبحت اليوم رهينة لصورة عارضة الأزياء شديدة الهزال، شديدة البياض، حتى أصبح امتلاء الجسد وسمار البشرة من موجبات الشعور بعقدة النقص في عُقر دار الملامح الإفريقية، فأصبحت بلاد القارة السمراء – ومن بينها السودان – هي أكبر مستهلك لمستحضرات تبييض البشرة ..!
٭ الفتاة التي لا تستخدم مستحضرات تجميل في مجتمعنا المحلي هي الاستثناء الشاذ الذي يؤكد القاعدة الراسخة .. والنساء يقلن إن الرجال هم السبب، فحسن الحضارة المجلوب بتطرية المكياج .. بات – اليوم – أهم مقاييس الجمال عند الرجل السوداني، ووجدتْ حواء السودانية نفسها مضطرة للإذعان لشروط اللون والوزن والقوام الجميل عند رجلها، خاطبًا كان أم زوجًا يسُوح – أحياناً – في ملامح الأخريات ..!
٭ والنتيجة تفاقُم حالات فسخ الخطبة وفشل مشاريع الزواج، رغم انتشار «برامج الريجيم» و»مستحضرات التفتيح» وتفاقم أطنان «البودرة» و»الأحمر» ..!
اخر لحظة
تقول الكاتبة : ثم ذهب إلى الظل ليستريح داعيًا ربه – على استحياء – أن تكون إحداهما من نصيبه، قال “رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خير فقير ”
من أين أتت الكاتبة بهذه المعلومة ؟ هذا ان كانت معلومة !
أما اذا كانت اجتهادا او استنتاجا فإن سياق الايات و قصة خروج موسى عليه السلام من مصر خائفا يترقب لا تؤيد ما ذكرته الكاتبة و هذا هو تفسير الايات كما ذكره اولوا العلم:
إني لما أنزلت إلي من خير ، أي : طعام ، فقير محتاج ، كان يطلب الطعام لجوعه . قال ابن عباس : سأل الله تعالى فلقة خبز يقيم بها صلبه . قال الباقر : لقد قالها وإنه لمحتاج إلى شق تمرة . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : لقد قال موسى : ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) وهو أكرم خلقه عليه ، ولقد افتقر إلى شق تمرة . وقال مجاهد : ما سأله إلا الخبز . قالوا : فلما رجعتا إلى أبيهما سريعا قبل الناس وأغنامهما حفل بطان ، قال لهما : ما أعجلكما ؟ قالتا : وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا أغنامنا ، فقال لإحداهما : اذهبي فادعيه لي .
قال الله تعالى : ( فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ليست بسلفع من النساء خراجة ولاجة ، ولكن جاءت مستترة قد وضعت كم درعها على وجهها استحياء ، ( قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) قال أبو حازم سلمة بن دينار : لما سمع ذلك موسى أراد أن لا يذهب ، ولكن كان جائعا فلم يجد بدا من الذهاب ، فمشت المرأة ومشى موسى خلفها ، فكانت الريح تضرب ثوبها فتصف ردفها ، فكره موسى أن يرى ذلك منها ، فقال لها : امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأت ، ففعلت ذلك ، فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيأ ، فقال : اجلس يا شاب فتعش ، فقال موسى : أعوذ بالله ، فقال شعيب : ولم ذاك ألست بجائع ؟ قال : بلى ، ولكن أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما ، وإنا من أهل بيت لا نطلب على عمل من أعمال الآخرة عوضا من الدنيا ، فقال له شعيب : لا والله يا شاب ، ولكنها عادتي وعادة آبائي ، نقري الضيف ، ونطعم الطعام ، فجلس موسى وأكل .