فانتازيا النظام الخالف!!

تيسير حسن إدريس

الحرية للأستاذ المناضل الصحفي وليد الحسين

المبتدأ:
(زارني بعض الإخوان في المنزل وكان من ضمنهم حسن الترابي؛ وقلت لهم إنني أخجل أن أحدث الناس عن الإسلام في المسجد الذي يجاورني بسبب الظلم والفساد الذي أراه؛ وقلت لهم إنني لا استطيع أن أقول لأحفادي انضموا للإخوان المسلمين؛ لأنهم يرون الظلم الواقع على أهلهم؛ لذلك فالواحد بخجل أن يدعو زول للإسلام في السودان؛ أنا غايتو بخجل والسودان شلت عليه الفاتحة).. “المرحوم ياسين عمر الإمام”.

والخبر:
(1)
يبدو وبعد أن استيأست الحركة الإسلامية السودانية من نفخ الروح في جسد المواعين التنظيمية التي تناسلت تناسل الأرانب تاريخيا من صلب التنظيم الأم جماعة (الإخوان المسلمين) التي تسمت بأسماء عدة في منعطفات تلونها الحربائي قد قررت مؤخرا الاتجاه لتكوين وعاء جامع لأهل القبلة -كما أشيع- يضم في جنباته شتات التيارات الإسلامية بالإضافة لبعض الجماعات المتصوفة تحت مسمى (النظام الخالف) بهدف التخلص من حمولة تبعات خطايا تجربتها الحالية؛ التي أيقنت بأن نهاياتها غير السعيدة قد اقتربت؛ وجارٍ التمهيد لعملية تغير جلد الحية بوابل من التصريحات عن الوعاء الجامع الجديد الذي يضم ألوان الطيف السياسي كافة، وزيادة في الخداع والتشويق صرح بأن حتى قوى اليسار متاح لها الانضمام!! وكأنما الشارع السوداني الذي وصف في مقولة سارت بها الركبان بأنه (القارئ لما تكتبه مصر وتطبعه بيروت) تغيب عن عقله الراجح مغبة الانجرار مرة أخرى وراء ذات الأوهام التي أذرت بمؤسسات الدولة السودانية وأفرغتها من خبراتها حتى غدت هياكل نخرة لا تقوى على تسير دولابها ولا على قضاء حوائج الناس؛ وتكفي نظرة عابرة اليوم لأكوام النفايات المتراكمة في العاصمة الخرطوم التي كانت إلى زمان قريب تحمل صراعات (الموضة) اسم ليلها الجميل؛ لنستشعر فداحة الجرم المرتكب؛ كما يكفي أن يمد المرء عنقه عبر نافذة حافلات النقل المزدحمة بحمولاتها البشرية وهي تعبر شيخ الكباري المنصوب على النيل الأزرق ليرى خرابات مصلحة النقل الميكانيكي والنقل النهري والمخازن والمهمات تقف مهملة كدليل إدانة لنظام أدمن العطب؛ فتطفر من العين دمعة أسى سخينة على مؤسسات كانت ذات عهد مجيد ملء السمع والبصر؛ هذه البانوراما العجلة لمشهد الخراب عنوان يلخص محصلة ربع قرن ونيف من حكم مشروع الحركة الإسلامية الذي خدع به الشعب السوداني وخدر ذات غفلة أفاق على إثرها ليجد ثلث مساحة دولته في الغياب وما تبقى من الدولة الأم في بؤس وعذاب.

(2)
اليوم وقد لفَّ اليأسُ الجماعةَ وحلَّ فزعُ التلاشي محلَّ الاستعلاءِ والتجبرِ وغدا الفناءُ وشيكا وواقعا لا مفر منه بحكم عجز الفكرة، وما اقترفت الأيدي المتوضئة من خطايا كان لابد من اتخاذ تدابير جديدة كعادة الشيوخ دائما مع كل منعطف خطير لإنقاذ الذات المتحللة من التفسخ النهائي؛ فيتقلص – يا سبحان الله – مشروع الجماعة الحضاري من (إنقاذ) السودان وأهله ويتدنى سقف طموحاته لمجرد محاولة بائسة لإنقاذ الذات لتبقى حاضرة ولو مقعدة على كرسي التنظيم (الخالف) الذي يحاول شيخه جمع ما تبقى من الخوالف من كل حدب وصوب ؛ بمحاولة (قردية) يفوق ثقل حملها ثقل حمل سيزف* الذي لم يبلغْ قمةَ الجبل منذ أن حاكمته مغاضبة آلهة الإغريق؛ وإن كان المتعوس سيزف قد أصبح منذ ذاك العهد رمزا للعذاب الأبدي فخائبة الرجا ا التي تسمت منذ فجر انبثاقها بعشرات الأسماء وتلونت كالحرباء بجميع ألوان قوس قزح قد غدت بعد تجربتها (الحضارية) في الحكم رمزا للسقوط السياسي والأخلاقي بلا منافس.

(3)
آلا يحق لشعب السودان -الذي رأى نجم الليل نهارا على يد الحركة الإسلامية- أن يستهدفها بمصير (سيزف) الذي عاقبته آلهة الإغريق على خداعه وهو فرد يصيب ويخطي؟؟، بينما هي جماعة ارتكبت بقصد ومع سبق الإصرار كافة الموبقات؟؟؛ إن دحرجة صخرة “العذاب الأبدي” على تل منحدر، ما أن تكاد تبلغ قمته، حتى تنفلت الصخرة ويكون عليها دائما أن تبدأ من جديد جزاء اعتقادها المتعجرف بأن ذكاءها يمكن أن يغلب ويفوق ذكاء الجميع وهو أقل عقاب عادل يليق بالحركة الإسلامية بعد ارتكابها لأخطاء تاريخية قادتها لجرم خرق الدستور واغتصاب السلطة بانقلاب عسكري مخادع؛ وزادت الكيل مثقال جبال وهي تقصي الجميع وتمكن لأفرادها وتنصبهم ظل لله يحصون الأنفاس ويحاكمون ضمائر الناس إثارة للفتن والحروب وتبديدا سفيها للثروات تجاوز بشكل لا تخطئه العين كلَّ حدود العقل والمنطق؛ جسد هراء وسخف ولا عقلانية المشروع المدعى كذبا نسبه للسماء مقترفة الخطيئة الكبرى؛ وهي تساوم على آخرتها بدنياها وتبوء بوزر تعكير صفو الدين والدنيا معا.

(4)
ليس هناك عقاب أبشع من العمل التافه والذي لا أمل منه، وما قضت الحركة الإسلامية العمر تقوم به من عينة هذا العمل الذي من فرط تفاهته وخطل مشروعه قد جرَّ السودان وشعبه لقاع الحضيض؛ آما كان يكفي انفصال ثلث مساحة الوطن وذهابه بأهله وخيراته الباطنة والظاهرة ليتعظ القوم ويثوبوا للرشد؟؟؛ أم أن استمراء الفجور والسدور في الغي قد أحكم الغشاوة وأعمى البصر والبصيرة؟؟؛ ليطابق نهج الحركة الإسلامية التي فارقت الدعوة والإرشاد ودلفت لعالم السياسة بحمولة دينية مفرغة من الضابط الأخلاقي نهج سيزيف وهي تؤسس لسلطتها بكذبة بلقاء وتتوسل الإمارة غدرا بالسلاح؛ فكلاهما (عامل جحيم) لا جدوى من عمله؛ وها هي وقد دَنَتْ من الفناءِ لازالت تصرُّ على امتحان مدى حبِّ الشعب؛ ترجوه عدم دفن جثتها؛ بل تطالب بمنحها عمرا جديدا بنظام (خالف) يطهرها من الآثام ويسقط عن كاهلها ثقل صخرة (العذاب الأبدي) وتلك أمنيةٌ عزيزةٌ تجاوزَهَا الواقعُ، فقد حَفَرَتْ الحركةُ الإسلاميةُ بمعاولها الذاتية وبمحض إرادتها لحدَها في الجحيم.

(5)
اختبر المواطن السوداني عمليا مشروع بطلة (اللا جدوى) واكتوى حد الاحتراق بناره؛ فالحركة الاسلامية قد كرست كامل كيانها وجهدها في سبيل أذاه وتنكيد حياته معولة في إمعانها في الظلم على صبره الجميل وعقلية عفا الله عما سلف ؛ وما درت أن عهد التسامح في السياسة السودانية قد نسخ بكم الدم المراق على يديها سمبلا ؛ فهل يعقل بعد ارتكابها لكل هذه الخطايا أن تحلم بالنجاة؟؟ أن مصير الاتحاد الاشتراكي البئيس الذي يحذر منه المشير سيبدو حين تحين الساعة أكثر صونا للكرامة؛ فعليها أن لا تستغرق في الآمال والأحلام؛ وتستعد ما وسعها الاستعداد ليوم التغابن؛ يوم دفع ثمن أهوائها كاملا غير منقوص؛ فالإسلام الذي تدعي أنها تهتدي بهديه قد مسه في عهدها من الضر ما لم يمسسه من قبل حتى في عهد المستعمر الكافر، والإسلام كعقيدة ودين حق قد ازدهر وانتشر في السودان قبل نشأتها ووجودها؛ ها هو يعاني اليوم الكرب تحت ظلال سيوفها.
* سيزيف أحد أكثر الشخصيات مكراً بحسب الميثولوجيا الإغريقية، حيث استطاع أن يخدع إله الموت ثاناتوس مما أغضب كبير الآلهة زيوس، فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا حتى الأبد، فأصبح رمز العذاب الأبدي.

** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس 13/09/2015
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. حتى لو فرضنا أن الشعب السوداني عقليته مسامحة فرب العالمين لا يعفي حقوق الآخرين الذين ظلموهم جورا وبهتانا كما هو في القانون الوضعي هناك ما يعرف بالحق الخاص والحق العام

  2. يا أستاذ تيسير الشعب السودان في 1989 ليس هو الشعب السوداني في 2015 صدقني لن يغفر الشعب السوداني للجبهة الإسلامية ما حاق به من دمار في كل مناحي حياته ولو لبسوا ملابس الملائكة فلن يغفر لهم وهم يعرفون ذلك ولكن يحاولون خداع الشعب مرة أخرى . ليس هناك ما يسمى عفا الله عما سلف ولن يكون الشعب رحيما مع هذه العصابة . فقط الحساب والعقاب لكل من أجرم في حق هذا الشعب الطيب المسالم المسلم بفطرته.

  3. النظام الخالف هو اعلان رجوع الشيخ وحزبه الى الحكم من اوسع ابوابه فبعد معركة الانتخابات الاخيره والتى كان للشيخ وحزبه دور مقدر فى افشالها حتى يركع من تبقى من القيادات النافذه حول السفاح وبواقى نفوذ تلاميذه الذين سبق واقصاهم من مواقعهم فركعت جميعها بالولاء المطلق للشيخ والكل فى موقعه لحين الضربه النهائيه وهذه المعركه اتت اكلها باكثر مما توقع هو نفسه حيث آلت له كل المؤسسات بما فيها الموتمر الوطنى فترك كل شى يمشى كما هو لحين الخلاص من المعارضه وبعض الجهات التى يمكن ان تكون خطره على نظامه الجديد فاحلام بعض قادة المعارضه بوجود حوار وتفكيك النظام فهو وهم كبير وعدم اتعاظ مما هو معروف عنهم من غدر ونقض العهود فالحوار الذى يدعون له الناس هو مجرد فخ نصب بعنايه لتصفية المعارضه الغير مرغوب فى وجودها على الساحه مثل الحزب الشيوعى لانهم يعرفونه جيدا لن يدعهم يفرحون برجوعهم للنعيم كثيرا لذلك تجدهم يماطلو حتى تستوى طبخه معينه يطبخوها فى الخفاء ويستعجلو غواصاتهم لمدهم بالمعلومات المدمره ففى الحزب الشيوعى درسو غواصاتهم جيدا وظروفهم التى يمكن ان يكون بعضها خارج عن ارادة الضحيه . فهل تنتظر المعارضه حوار ام انها تنتظر التصفيه فاذا كانت تنتظر الاول فوالله هم لايعرفون شى عن هولاء المجرمين وان كانو ينتظرو الثانيه فهذا استسلام ليس فى وقته الان خروجكم للشارع بقى اجبارى اما تخرجو وتموتو واما تتخاذلو وبرضو تموتو ولايحتمل التاجيل

  4. مشكلة السودان ليس الاخوان المسلمين فقط بل الشيوعيين والقوميين العرب ايضا؟؟
    حتى هذه اللحظة يتم استخدام الامم المتحدة ومجلس الامن والفصل السابع في تدمير الدول وتشريد الشعوب من العراق الى سوريا الى ليبيا الى اليمن..امريكا ودول الغرب المتعيشة على الحروب بعد ضربتا الصين واليابان وكوريا الجنوبية اقتصاديا في كل المجالات هي وشيلوك تاجر البندقية”البنك الدولي ” هم الاحرص على استمرار النظم الفاشية وتدمير النظم المستقرة وعاصفة الحزم المخزية ضد اليمن احدى تجلياتها البشعة..اذا كان الامريكان غير المحترمين عايزين يكونو محترمين ذى البريطانيين زمان 1956 حيال السودان..هذه خارطة طريق تشبه السودان وشعب السودان وحضارة السودان تريحنا وتريح البشير من المسلسل المكسيكي المدبلج الذى يسمى المحكمة الجنائية الدولية وحتى لا يسقط السودان في فراغ دستوري ومعرضة بائسة وفقيرة وعاطلة عن المواهب ومزمنة تظن انها البديل..
    نعم يمكن سحب الحصان الى النهر ولا يمكن اجباره على الشراب..في حالة يكون هذا الحصان شبعان ومليان موية…..ولكن الانقاذ دي وصلت الحضيض
    ونحن هسة نحن في 2015 والنظام والمعارضة في متاهة و-نفس الاصنام و-ونفس الناس-
    والشعب المغيب هو الخاسر الوحيد..اذا انهار السودان في فراغ
    مع وعي جمهورية العاصمة المثلثة الذى يجسده النظام والمعارضة لن يفيد السودان
    الخروج الدستوري الامن الوحيد من السلطة عبر استعادة الهيكلة وتفعيل الاتفاقيات الموقعة دوليا والعودة للشعب عبر انتخابات اقليمية ثم مركزية ثم راسية
    البشير انتهت صلاحيته بموجب المادة 57 من الدستور 2005 وعليه ان يكون اكثر ذكاءا في الخروج قبل الفصل السابع وسقوط البلد في فراغ ويتحول لرئيس انتقالي ويتخذ قرارات جمهورية فاعلة ب
    1- تعيين تسعة قضاة محترمين في المحكمةالدستورية العليا لتقوم بمهمتها بصورة جيدة بالغاء كافة الممارسات غير الدستورية من 2005 وحتى الان 2015والاشراف على كتابة دستور معدل يكون السودان دولة مكونة من اقاليم وحكومات اقاليم وحكام اقاليم فقط…
    2- تفعيل المفوضية العليا للانتخابات وقوميتها
    3- الغاء المستوى الولائي واستعادة الاقاليم
    4- تفعيل اتفاق نافع/عقار2011 للمنطقتين-هذه تستعيد الحركة الشعبية الاصل كحزب
    5- تفعيل سلام دارفور-عودة الاقليم وتفعيل السلطة الاقليمية الانتقالية حتى تاتي المنتخبة من ابناء دارفور
    6- تفعيل الحريات الاربعة والجنسية والمزدوجة مع دولة الجنوب
    7- اجراء انتخابات اقليمية ثم مركزية ثم راسية ويقدم البشير استقالته للبرلمان ويمشي يقعد في الخرطوم او اي مكان في السودان دون خوف..لان المؤسسات القانونية هي التي تحدد وتدين من مارسو السياسة عبر العصور في السودان منذ الاستقلال وليس الموتورين من النخبة السودانية وادمان الفشل…
    ****

  5. الغبن الذى علق فى نفوس الشعب السودانى لايمكن ان يزول باى حال من الاحوال فقط ينتظر الوقت المناسب ليخرج الى العلن ويترجم الى دماء واشلاء ورفاب تقطع ورؤوس تطير وانغدا لناظره قريب

  6. شكراً لأستاذنا تيسير حسن إدريس على هذا المقال الجميل الوافي .. لقد أفصحت فأبنت وختمت فأجملت مقالك فعلاً تحفة أدبية مبهرة بوقائعها التي لا تستطيع الحفنة المتأسلمة إنكار كلمة فيها وهي مشهودة وموثقة.

    مهما فعل المتأسلمون يزداد يقيني يوماً بعد يوم أنهم إلى مزبلة التاريخ حتماً ذاهبون وكما ختمت فإن الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون بإسم الدين .. أنحني إحتراماً لك وأمثالك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..