مستلزمات تجهيز البيبي

بشفافية

مستلزمات تجهيز البيبي

حيدر المكاشفي

ذات صباح رمضاني وبينما كنت أعاني من الربكة والزحمة عند مدخل نفق شارع الجامعة والتي تسبب فيها قرار مفاجئ لادارة المرور أرغم كل المركبات الخاصة والعامة التي كانت تعبر نفق بري لداخل الخرطوم إلى التحول إلي النفق الآخر «نفق الجامعة»، ولم أقف على اية جدوى من هذه «الحركة»، سوى انها عرقلة للحركة، اذ ان كل مواعين النقل القادمة من اتجاه الغرب والتي اعتادت فيما مضى على عبور نفق بري كانت تنحرف يسارا بمجرد عبورها نفق الجامعة لتسلك ذات المسار الذي كانت تسلكه دون تغيير يذكر الامر الذي يُفرغ قرار المرور من اي مضمون ويجعله مجرد «وهمة» او محض «حركة في شكل وردة» لا معني لها اللهم الا اذا كانت الحكاية «حسادة» لنفق الجامعة الذي كان عبوره سهلا وسلسا، في هذا الجو المتوتر والذي تسيدته فوضى الحافلات وقع بصري علي لوحة إعلانية انقبضت لها نفسي وزادتني احباطا على إحباط وافسدت عليّ بقية يومي، وكيف لا تنقبض النفس لاعلان بالألوان لا يبشر بتخفيضات في أسعار السلع الرمضانية ولا يشير إلى تنظيم موائد إفطار للرحمة والتراحم ولا يحمل بشريات بعيد سعيد وانما يعلن عن توفير كميات ضخمة من مستلزمات تجهيز الموتى ويقول لك في ذاك الصباح وانت تستقبل الحياة «الإكرام اسم على طريق الجادة، مجموعة الاكرام لمستلزمات تجهيز الموتى، أكفان للرجال والنساء، متوفرة بالصيدليات.. إلى آخره من عبارات على هذه الشاكلة تغم النفس وتثير التشاؤم، «فال الله ولا فالكم»، ماذا هناك وماذا حدث في هذه البلاد حتى تنتشر فيها اعلانات الموت وتحتل اماكن بارزة في الشوارع والنواصي، هل اصبحت حاجة الناس إلى الاكفان لهذه الدرجة حتي تنبري لها وتتخصص فيها منظمة بعينها، وهل بلغت الخلخلة الاجتماعية والزلزلة الاقتصادية حد ان لا يجد ميت كفن لتنهض في سبيل ذلك جماعة متخصصة، لقد علمنا وخبرنا وعايشنا الكثير من الازمات والكوارث والضوائق والجوائح التي اجتاحت ولا تزال تجتاح هذه البلاد، وعلمنا وخبرنا فيها الجوع والعطش والمرض والشكوي من المجاعات والآفات وغلاء الاسعار والمحن والاحن، ولكنا والله رغم كل هذه الويلات والموبقات لم نشهد ولم نسمع بان احدا قد اشتكى من عدم حصوله على كفن لميت له، افقر فقرائنا لم يشكو يوما تعثره في العثور على كفن، ليس للامر ما يسوغه ويجعله مستساغا سوى انه من «اكراميات» العقل الاجتماعي والاقتصادي الذي ساسنا وحكمنا واستحكم فينا لعقدين ونيف، وهو عقل انجب الكثير من السياسات والبرامج التي وان احرزت شيئا من الانجازات المادية غير المنكورة الا انها لم تحدث تغييرا يذكر في نوعية الحياة الاقتصادية والاجتماعية بل بالعكس غاب عنها اي بعد اجتماعي وكانت اكثر قسوة وفظاظة على الفقراء والشرائح الضعيفة، ولا ادل على ذلك من ان الكفن قد دخل الآن ضمن احتياجات الناس الاساسية والضرورية كما ذهب إلى ذلك الاعلان المشار إليه…
ان حاجة البلاد إلى مشاريع للحياة وبرامج لاعمار الارض تبقى اكثر إلحاحا وضرورة من حاجتها إلى مشاريع للموت وبرامج للآخرة والحكمة الشعبية تقول «الحي أبقى من الميت»، وما كان احري بتلك المنظمة او المجموعة التي اوقفت نفسها وجهدها ومالها لتوفير الاكفان ومستلزمات تجهيز الموتى واجدى لها وانفع للناس ان كانت قد بذلت جهدها ومالها في توفير مستلزمات الاطفال حديثي الولادة فأعلنت عن توفير كميات كبيرة منها بالاسواق وبأسعار التكلفة للقادرين ومجانا للمعوزين وغير القادرين، فإعمار الارض واصلاحها وبناء الحضارة الانسانية وإنماء الحياة بالعلم والعمل والعمران مقدم على ما سواه والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول «إن قامت الساعة وفي يد احدكم فسيلة فإن استطاع ان لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها»…

الصحافة

تعليق واحد

  1. الحكومة و منظماتها يبدو انها فشلت في توفير الحياة و اسبابها للناس فقررت ان توفر مستلزمات الموت للشعب الفضل.
    يا ربي ما اسم منظمة الموت هذه و كم تبلغ ميزانيتها و كم تبلغ " مخصصات " العاملين عليها؟

  2. نحن نقول فقط حسبنا الله ونعم الوكيل . اللهم يا مجرى السحاب ويا مسخر الاسباب انك تعلم ولا نعلم وانك تقدر ولا نقدر نسألك باسمائك الحسنى التى نعلمها والتى لا نعلمهما والتى استأثرت بها فى علم الغيب عندك ان تجنبنا الفتن وان تسلط على من ظلمنا واذانا فى هذه الدنيا وشردنا واذلنا بالتوهان فى بقاع الارض ان تسلط عليه عجائب قدرتك وبطش قوتك وان تقتلعه منا اقتلاعا لا يبقى ولا يذر . انك انت المجيب.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..