ثقافة وفنون

المشهد الثقافي السوداني بعيون الحاضر الغائب

نميري حسين مجاور

رغم غيابي عن السودان لمدة ناهزت عشر سنوات، كنت حريصًا على الدوام على التواصل من على البعد مع كثير من المهتمين بأمر الثقافة والأدب من الشعراء والكتَّاب لمتابعة أحوال المشهد الثقافي السوداني، الذي أعدُّه ركيزة مهمة لتقدم البنية الاجتماعية والثقافية السودانية وتطورها.

كان نادي السرد السوداني—الذي أُنشئ مؤخرًا—محطتي الأولى في زيارتي الأخيرة إلى السودان، ومن ثمَّ منتدى السرد والنقد، فـمركز بثينة خضر الثقافي، ثُم مركز عبدالمنعم الثقافي. وتلقيَّت دعوات من أندية ثقافية أخرى—مثل منتدى المعرفة وقراءة في كتاب قاعة الشارقة—لكن حالت الظروف دون تلبية هذه الدعوات والوقوف على أحوال تلك المؤسسات.

ورغم ضعف الإمكانات وضيق الحال، ما زالت هناك مواعين تضج بالأنشطة الثقافية وتقدِّم الجديد في شتَّى ضروب الأدب من رواية، وقصة، وشعر، ودراسات نقدية. ومن هذه المواعين نادي القصة، ومنتدى عطر المساء، ولمَّتنا في كتاب، وغيرها من منافذ الثقافة. ويجب ألا ننسى دور الملفات الثقافية في الصحف والمجلات في عكس الحراك الثقافي في البلاد، مثل صحيفة الصحافة، وصحيفة أخبار اليوم، وصحيفة آخر لحظة، وصحيفة التيار، ومجلة الخرطوم الجديدة، ومجلة سرديات التي يصدرها نادي القصة القصيرة . كما تواصل بعض الصحف الورقية والإلكترونية نشاطها رغم مقص الرقيب، وتساهم في عكس المشهد الثقافي المحلي والإقليمي، ولا سيَّما أدب المهجر الذي يقوم بدور كبير في التعريف بالهوية، والمفردة، والقالب الموسيقي والمعرفي للإرث الثقافي السوداني. وانبرى لهذا الضرب كبار المبدعين من الكتَّاب، منهم على سبيل المثال لا الحصر عبدالعزيز بركة ساكن، وعماد البليك، وآن الصافي، وطارق الطيب، وأمير تاج السر، ومعتصم الحارث، وحامد الناظر، وفضيلي جماع . ومازال هؤلاء المبدعون—رغم هجرتهم القسرية—يرفدون المشهد الثقافة السوداني بكتب قيمة ودواوين عظيمة تعكس قيمة وأهمية الأدب السوداني في دول المهجر. هذا من ناحية كثافة الإنتاج وطرحه عبر المنابر التي ذكرتها، وهو دور مفيد فيه إغناء للمشهد الثقافي بلاشك، لكنني لمست أيضًا ما يعانيه المشهد الثقافي في البلاد من مشكلات كثيرة أضعفته إلى حد كبير، ولم يَعُد كما تركته قبل عشر سنوات خلت. ويمكن اختصار المشكلات التي يعاني منها المشهد الثقافي في البلاد في تأثره بتغيُّر معطيات الواقع السياسي، إذ استفاد بعض المتسللين إلى هذا المضمار من التدخلات الكبيرة في إدارة المشهد وفرض الرقابة عليه في من التحكُّم في مفاصل  الثقافة والأدب والتعاطي معهما مثل التعاطي مع المشهد السياسي، فجاءوا بمشهد موازٍ وفَّروا له كل معينات العمل من مهرجانات ثقافية، وتقديم أوراق نقدية، ودورات علمية وبحثية وثقافية يقوم بتقديمها والاستفادة منها غير أهل الشأن. وفي الوقت نفسه، نجد أن المشهد الثقافي الحقيقي شبه معطل إلا من اجتهادات ومساهمات عضويته المحدودة التي تصِّر على تنظيم أمسيات يضطرون أحيانًا إلى إقامتها في الساحات العامة، مثل الساحة الخضراء، وفي المنازل الخاصة. وقد أثَّرت هذه المشكلات تأثيرًا سالبًا في نفوس المثقفين والمهتمين، فانزوى كثير منهم عن المشهد الثقافي وانشغل بأمور أخرى. وأدَّى هذا الفراغ الثقافي الكبير إلى تمدد أنصاف المثقفين الذين أضعفوا حظ السودان في المشاركات  والمسابقات الخارجية، خاصة تلك التي تقام في الدول العربية، والتي بدورها تخاطب رسميًا المشهد الموازي وليس الحقيقي، فتكون النتيجة أوراقًا باهتة لا علاقة لها بالمشهد الحقيقي ولا تُعرِّف بالمكنون الغني للثقافة السودانية، بل إنها تُقدَّم مبتورة وباهتة، فيترك ذلك انطباعًا سالبًا عن المشهد الثقافي السوداني. ولكن العزاء كما أسلفت أن هناك مساهمات قوية ومؤثرة من بعض الكتَّاب والشعراء في الداخل والخارج دفعت المؤسسات العربية والإقليمية إلى إعادة النظر في تقييم المشهد الثقافي السوداني.

نواصل لاحقا؛

الحركة النقدية “شح النقاد وفقر المدارس النقدية”

أدب المهجر السوداني ودوره في تعريف الهوية السودانية .

الكتابات السودانية ودورها في بناء العقل الوطني

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..