رسالة عاجلة الي القائمين على مؤتمر التعليم العالي والبحث العلمي (14-16/12/2015م) (2/2)

بسم الله الرحمن الرحيم

جامعة الجزيرة
12/12/2015م
المعامل الجامعية نوعان، تدريسي وبحثي. البحثي منه العام ومنه التخصصي. للمعامل مواصفات تصميمية خاصة. منها المواصفات العامة، ومنها المواصفات الخاصة بنوعية التخصص. فمعمل الكيمياء يختلف عن معمل الفيزياء، يختلف بدوره عن معامل النبات والحيوان. معمل الحيوان يختلف عن معمل الانتاج الحيواني ومعمل المحاصيل ومعمل البساتين أو الهندسة الزراعية و الأحياء الدقيقة أو علم وظائف الأعضاء. بل معمل كيمياء المبيدات يختلف عن معمل تحليل متبقيات المبيدات وعن معمل تحليل مستحضرات المبيدات وهلم جر. أما متطلبات الجودة وتأكيد الجودة والسلامة والأمن الأحيائية أو السلامة والأمان بصفة عامة تختلف من معمل الي آخر. نقول الأن معامل أكثر من 90% من الجامعات (لم تصمم ) في الأصل كمعامل. من ناحية البناء وتوصيلات المياه والصرف الصحي والكهرباء والغاز والتخلص من النفايات والاسقف والأرضيات والجدران والبنشات والدواليب والأدراج والتخزين ..الخ. أما من ناحية (الجودة وضبطها)، فهي غير معروفة لكل من بالمعامل، ناهيك عن الممارسات المعملية الجيدة GLP، والفنيين المؤهلين والمساعدين والملازمين. لا توجد ملفات للتوثيق ولا توجد مهام ووصف وظيفي، أغلب المعامل لم يصان منذ انشائه، خالي من المواد اللازمة للتدريس أو البحث، الأجهزة معطلة أو لا توجد لها كتالوجات أو مغبرة أو لا يعرف كيف تعمل. اما التي تعمل فقد تم التخلص من (بلقاتها) ويتم ادخال السلك الكهربائي مباشرة في ما يعرف بالكبس. المخازن محتشدة بالأجهزة التي لا تعمل أو المهملة. أغلب المعامل لا توجد أبسط الأجهزة والموازين و والزجاجيات أو اجهزة قياس الحموضة والقلوية. المقاعد يتضاءل عددها يوميا نتيجة التكسير أو نتيجة انتهاء عمرها الافتراضي مما يجبر الطلاب على الجلوس فوق البنشات. النوافذ (محرومة) من الزجاج مما يجعل المعمل أفضل مكان لتجمع الأتربة. أما عن من هم داخل المعمل فلا يعرفون ثقافة ارتداء البالطو أو الملابس الواقية، كما أنها تعتبر أفضل مكان للتجمع والونسة والإفطار (الفول المدنكل) وشرب الشاي. بل أن الفراشات يستغلون المعامل لتجهيز الشاي والقهوة و المشروبات الأخرى والسندويتشات لبيعها للعاملين والطلاب أيضا.
الأن نتحدث عن ضلع من أهم أضلاع الجامعات وهو المكتبات. هذا الجانب ليس بأفضل حظا من المعامل. أغلب الجامعات لا توجد بها مكتبة مركزية. لكل كلية أو تجمع كليات مكتبة كانت في الأصل شيء آخر (سفرة، داخلية، قاعة قديمة..الخ). فهي بالتأكيد تفتقر لمواصفات المكتبات التي تحسب بالمتر المربع لكل طالب. الاضاءة مخجلة، وتكييف الهواء حلم كبير، والسعة لا تتعدى 5% من طلاب المعنيين بالاستفادة منها. لا توجد بها كتب أو دوريات حديثة، ولا توجد بها أجهزة حاسوب أو شبكة انترنيت أو ماء للشرب أو متخصصين في علوم المكتبات وادارتها. يعتمد الطلاب بكل المستويات على مراجع الأستاذ أو الشبكة العنكبوتية خارج الجامعة. كما أن الفئران والخفافيش ترتع وتصول وتجول، اضافة الى الأرضة والصراصير والجنادب، والذباب والبعوض.
الأن نتطرق للبحث العلمي. بالنظر الي ما ذكرناه أعلاه عن المعامل والمكتبات، يا ترى هل تثقون بإمكانيه اجراء بحوث بمثل تلك الامكانيات؟ هل ستثقون بنتائج مثل هذه المعامل؟ هل يستطيع القائم بالبحث أستاذ كان أو طالب دراسات عليا أو طالب ما بعد الدكتوراه أن يكون متابعا لأحدث تطورات علمه ومكتبته لم ترى مرجع جديد منذ عشرات السنين؟ حتى وان تخرج مثل هذا الطالب وتم تعيينه بجامعة أو مركز بحثي أو بالمواصفات والمقاييس أو بالجمارك أو البحث الجنائي، هل يعرف أو مارس ضبط ألجودة؟ هل تدربت عيناه على كشف العيوب واصلاحها وتصحيحها؟ أغلبية الباحثين وطلاب الدراسات العليا يوفرون امكانيات البحث من كيماويات وخلافه بمجهودات شخصية من أساتذتهم أو بالشراء من السوق المحلي أو من الخارج أن كان لديه قريب أو صديق خارج السودان. الكثير يلجأ الى معامل أخرى تقوم بالتحليل مقابل المال، بمعنى أن الطالب لا يقوم بالتحليل بنفسه، وهذه نقطة ضعف خطيرة جدا.
أما عن عمادات الدراسات العليا بالجامعات فهي أضعف حلقات التعليم الجامعي, كل ما تقوم به هو وضع القوانين واللوائح ومراجعة النتائج والتسجيل والتجميد والانسحاب ورفع الأمر لمجلس الأساتذة للبت في هذه الأمور. أين الابداع في ذلك؟ أين المنح الدراسية؟ أين دورها المجتمعي؟ أين دورها في توفير الامكانيات البحثية؟ أين علاقاتها بالجامعات والمراكز البحثية والمنظمات الاقليمية والدولية والصناعات والمؤسسات لتوفير التمويل والمنح مقابل الحلول العلمية ورفع مكانة الجامعة بين رصيفاتها واسهاماتها في الارتقاء بكل ما لها به صلة بالدولة والمجتمع. في كل دول العالم المتقدمة توفر عمادات الدراسات عدد كبير وضخم من المنح على مستوى الماجستير والدكتوراه وما بعد الدكتوراه التي توفرها عبر علاقاتها بكل ما جاء أعلاه.
الآن جاء الدور للحديث عن الطالب بحكم تعرضنا عبر السنين للألاف من الطلاب منذ العام 1982 حتى تاريخه (38 دفعة) نقول أن ثورة التعاليم العالي كانت نتيجتها ظلم كل من الطالب والتعليم العالي. ليس كل من حصل على الشهادة الثانوية يستحق الالتحاق بالجامعات، خاصة الأكاديمية. فهنالك من سيبلي بلاءا حسنا بالتعليم التقني ويبرز فيه ويبدع، لكنه غير مؤهل أو معد للقيام بالدراسات الأكاديمية. علما بأن الدولة في حاجة شديدة للتعليم الفني (التقني). والدول لا تنمو الا عبر هذا النوع من التعليم. والأكاديمي لن ينجز في غياب الكادر الفني. نرجو أن يفكر المؤتمرون في هذا الأمر بجدية، ويقومون كل عام بتحويل احدي الجامعات الى جامعة تقنية مع توفير الامكانيات اللازمة لذلك من معامل وورش ..الخ، واعادة تأهيل الأساتذة للقيام بهذا الدور. لا تحتاج البلاد لأكثر من ثلت الخريجين كل عام في المجال الأكاديمي، على أن يكون المستهدف مستقبلا أكثر من 60% من الخريجين التقنيين. كما يجب التنسيق مع ديوان شؤون الخدمة لإنصاف هذ الكادر التفني، والذي في رأيي يجب أن يميز عن التعليم الأكاديمي. فالاكاديميين مكانهم الجامعات والمراكز البحثية وبعض المواقع المحدودة، والا فأنهم سيصبحون فاقد تعليمي مصيره الركشا والأمجاد أو الاحتيال.
النقطة الأخيرة التي نود أن نلفت نظركم اليها هي الميزانيات. في الفترة الأخيرة الغيت كلمة أو مصطلح ميزانية بالنسبة للجامعات، واستبدلت (بمنحة). تدفع المرتبات، ولا يوجد ما يعرف بالفصل الثاني أو الثالث. تقوم الجامعة بالاعتماد على عائد الرسوم الدراسية من الطلاب، وهو لا يكفي لتغطية تكلفة الورق والحبر والطباشير والقليل من المحروقات. وتقوم ادارات الجامعات بالاستيلاء على الأقل 50% من هذا المورد ويترك الباقي للكلية. لولا رسوم الدراسات العليا لتوقفت كل الكليات عن العمل. أما عن القبول الخاص، فهو في كليات محدودة، وبقية الكليات تعاني معاناة قد تؤدي الى توقفها عن العمل.
بالنسبة لكليات العلوم الزراعية، فلدي مقترح أرجو أن يناقش بجدية، وهو ايقاف القبول في هذه الكليات بنسبة كبيرة، ويسمح بالقبول لأعداد محدودة بجامعات الخرطوم والسودان والجزيرة (100 طالب لكل كلية) فقط، وتتحول بقية الكليات للخمس سنوات القادمة للتدريب والدراسات العليا بالتعاون مع الجامعات الثلاث وهيئة البحوث الزراعية وهيئة بحوث الثروة الحيوانية الى أن يتم توظيف الخريجين السابقين.
نرجو أن يكون ما أثرته في هذه الأمور المتعددة والتي أعتبرها المتسبب الرئيسي في تدني التعليم العالي قد لفتت نظر المؤتمرين، على أن يجدوا لها الحلول الناجعة والنهائية والفورية، حتى لا نضيع مجهوداتنا وتصبح هباءا منثورا، ونظن أننا نحسن عملا، ونخادع أنفسنا، و نتوقع منهم ما لم نعدهم له. حتى لا نلوم أنفسنا يجب أن نصحح كل التعليم العالي ولننظر للدول من حولنا. أللهم نسألك الطف (آمين).

تعليق واحد

  1. التحية لك بروفيسور نبيل
    بمتابعتي الدقيقة لكتاباتك أجد أنك حقاً تسعي جاهداً لتطوير و إصلاح السودان و هذه من شيم العلماء و العظماء ولكن هل تعلم أن أحد الكيزان تم إرساله للندن في منحة دراسية للدراسات العلية وتم تسليمه مبلغ خمسون ألف إسترليني عدا و نقداً كنثريات للعام الدراسي !!! هل هذا المبلغ يصرف للبحوث العلمية في كل جامعة الجزيرة ؟ يا بروفيسور نبيل أنت لم يتم إستدعائك للمؤتمر لأنك ليس كوز ونحن نعلم أن دافعك وطني ولكن الكيزان لا يريدون سوي تحطيم الشعب لكي لا يثور ضدهم إنهم طغمة حاقدة تريد قتل ثلثي الشعب السوداني لأن في تصورهم المريض إنهم سيعيشون مرتاحيين و مرطبين بنهب بثروات البلاد فهل مثل هؤلاء ينتظر منهم أن يسعوا إلي تطوير الجامعات ؟ أما عن الدعم الخارجي للمؤسسات التعليمية فلقد ذهب في خبر كان بعد فضيحة تجنيد الطلبة بواسطة هذه الجامعات لصالح داعش الإرهابية . لك كل الود .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..