أخبار السودان

أدوية السرطان.. منافذ التسريب والتواطؤ الخفي

تحقيق:
إبتهال إدريس-

هي قضية على درجة عالية من التشابك والحساسية، وهذا ما نحن بصدد الحديث عنه الآن. فالمرض هو أصعب ابتلاء يعترى أي إنسان، سيما إن كان هذا المرض هو داء السرطان، ذاك المرض القهار ذو الأضلع الكاسرة الذي يحتاج لمعركة في سبيل مقاومته للانتصار بالقضاء عليه تماماً من أوسع أبواب المرضى ومن داخل مستشفى الخرطوم للعلاج بالأشعة والطب النووي «الذرة» لمسنا واقعياً معاناة الآلاف ممن جعلتهم الأقدار من رعايا المستشفى «8 آلاف جنيه» هى تكلفة تقديم العلاج للمريض الواحد بالمستشفى. مختلف السحنات والأعمار ترعاهم المستشفى التي عانت من أزمات عديدة كان أبرزها تسريب كمية من الأدوية التي تمنحها الدولة للمرضى إلى خارج المستشفى بتواطؤ ما بين الأطباء والمرضى إلى أن صدر مؤخراً قرار جريء من وزير الصحة ولاية الخرطوم بمنع صرف أدوية السرطان خارج المستشفى، إضافة الى وقف الدعم عن الأجانب نهائياً فيما يتعلق بالدواء وتمتعهم بباقي الخدمات الصحية. اذاً ما هي دلالات القرار وفي اي اتجاه قد يسهم في ترقية الرعاية الصحية في المستشفى؟ وهو ما سنتطرق للحديث عنه في هذا الملف.

البعبع المخيف
البعبع الأكبر والمخيف الذي يثقل كاهل المريض ممن ابتلي بداء السرطان هو رسم نهايات مأساوية قد لا يفلح في الجنوح منها سوى من امتلك يقيناً بالله أولاً وعزيمة على قهر المرض ثانياً. وكثيراً ما ربط الأطباء معظم الأعراض والأمراض العضوية بالعوامل النفسية إذ أظهرت بعض الدراسات مؤخرا أن «70 %» من أى مرض عضوي هو هاجس نفسي… لا شك أن معدلات الإصابة بالأورام السرطانية في ارتفاع مستمر في كل دول العالم والسودان واحد من تلك الدول التي ارتفعت فيها نسبة الإصابة بالسرطان مؤخراً بصورة كبيرة أو بإمكاننا أن نقول بعد تسليط الضوء على المرض والبحث فعلياً عن حالات لإصابات جديدة. مرض السرطان مأساته مترامية الأطراف، جزء كبير منها أن المريض يحتاج إلى مبالغ عالية جدا لتمكينه من تناول العلاج المناسب في فترات مبكرة، فضلاً عن ثقافة الكشف المبكر التي تمكن اي مريض من الحصول على نسب شفاء عالية جداً تصل إلى «80%».
خطوة حاسمة
بداية لا بد لي من الإشادة بالبروفيسور مامون حميدة وزير الصحة ولاية الخرطوم الذي لم يبخل على الصحيفة بعد استفسارنا عن مآلات القرار الصادر بمنع تداول علاجات السرطان خارج المستشفى؟ ومعلومات عن الموضوع؟ فكان اتصاله الشخصي بمثابة منارة افتقدناها مؤخرا في الإعلام متجاوزا لكل البرتكولات واضعاً النقاط فوق الحروف إجابة عن استفهامات عديدة حيث أكد لي وزير الصحة بان مريض السرطان يحتاج الى «8 ملايين جنيه» لتغطية تكلفة العلاج لمرض السرطان وأن وزارة الصحة ووزارة المالية والإمدادات الطبية يشتركون جميعا فى توفير هذا الدواء مجاناً للمرضى داخل مستشفى الذرة بالخرطوم. ويستقبل المستشفى ويحضر العلاج الكيميائي لما يربو عن «45» مريضاً يوميا يتم تحضير وإعطاء الدواء لهم مجاناً. بروفيسور مامون أشار الى أن الوزارة عبر أتيام الرقابة الذاتية والإدارية لاحظت ان قرابة الـ«40%» من الأدوية السرطانية تسرب من داخل المستشفى بعد ان يأخذها المريض مجاناً ليذهب لتناول الجرعات فى عدد من المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة مع الأخذ بعين الاعتبار ان فترة تناول الجرعة الكيميائية تتراوح ما بين الـ«ساعة الى الأربع ساعات»كحد أقصى.. هذا التسريب يتم بعد أن يصرف المريض علاجه بعد وصفه بواسطة الطبيب الاختصاصي والتوقيع على الروشتة العلاجية ليرفض المريض بعدها تناول العلاج بالمستشفى ويذهب به الى اي مكان أراد. وهو ما ينتج عنه اختلاط الحابل بالنابل إذ يتمتع المريض بمجانية الدواء ورفاهية المستشفيات الخاصة مما ينصب فى الاتجاه الخاطئ، فالمحتاج يستفيد من كافة الخدمات أولها توفر الدواء واستمرارية وجوده وتدفقه، ويمكن للمريض ميسور الحال ترك ما لا يحتاجه للفقير والمريض وآثر التمتع بالخدمة الخاصة وفى هذا أفاد بروف مامون ان المراكز الخاصة بدورها لا علم لها بنظام محاسبة المريض داخلها، وهو يصطحب الدواء هل هو بالساعة أم باليوم أم ماذا؟ تصرف الدولة مبالغ مالية عالية وبالنقد الأجنبي لتوفير العلاج لمريض السرطان خصوصاً وأن غالبية الأنواع والعقاقير العلاجية يتم استيرادها من الخارج بواسطة الإمدادات الطبية التى توفر هذه العقاقير مجاناً لكل مريض ومحتاج. على أن تذهب لمن هم بحاجة فعلية لهذه العلاجات الحساسة والعالية التكلفة والمنقذة للحياة. بروفيسور مامون في حديثه لـ«الإنتباهة» أكد ان إدارة مستشفى الذرة تفتخ أبوابها لاستقبال اي مريض ولا تطالبه بشهادة تبين وضعه المادي إلا انه لا مبرر لأن يرفض المرضى تناول العلاج داخل المستشفى فى حين يرحبون بأخذ الدواء مجاناً من المستشفى والخروج به للخارج. ومن جهة أخرى برر وزير الصحة ولاية الخرطوم قرار وزارته بمنع الأجانب من أخذ العلاج مجاناً بأن السودان كدولة لم يوقع على اي بروتكول علاجي مع اي من الدول حول العالم، وبان السوداني في اية دولة يعامل معاملة الأجانب في دفع الرسوم العلاجية كاملة. فلماذا نحن فقط من نمنح الأجنبى فرصًا للعلاج المجانى الذى يأتى على حساب المواطن البسيط المحتاج للتمتع بحقه فى الرعاية الصحية وتناول العلاج. «2%» من عدد المرضى داخل مستشفى الذرة أجانب ومنهم مرضى بالعناية المكثفة يشغلون سرائر تصل تكلفة الإقامة الى«1500» جنيه في اليوم الواحد، لا يحاسبون عليها لذلك لا مبرر للتمسك والتكفل بدفع قيمة الأدوية المليونية للرعايا الأجانب على حساب المريض السودانى. وفي ختام حديث وزير الصحة ولاية الخرطوم أكد على أن أدوية الأورام متوفرة في أعداد كبيرة من الصيدليات الخاصة وصيدلية الإمدادات الطبية توفر اية كمية من الدواء لكل مريض يحتاج لاي عقار، يعني لا حاجة تبرر جنوح المستطيع على حق المريض المكفول من قبل الدولة، ومن زاوية اخرى اعترف بروف مامون أن مستشفى الذرة بشكلها الحالي تحتاج إلى تضافر جهود وإلى وقفة للنهوض بها من ناحية توفير العلاج والأجهزة العلاجية لتطوير الخدمات بالمستشفى اضافة الى ان هنالك مشروعاً لتوسعة المستشفى بإضافة حوالى «150» سريرا اضافيا لاستقبال عدد كبير من المرضى، كما وعد حميدة بالمضي قدما في توفير ماكينات جديدة ومستشفى متخصص في علاج أطفال السرطان بالمجان. فضلاً عن ان معظم الأدوية بالخارج لا تحضر بالطريقة العلمية الصحيحة نسبة لافتقار غالبية المراكز والمستشفيات للصيدلية الإكلينكية المتخصصة فى تحضير جرعات العلاج الكيميائي.
محاربة التسريب
كيف يمكن أن يصرف الدواء للمريض داخل المستشفى في حين ان أية روشتة علاجية لابد وأن تكون ممهورة بتوقيع اختصاصيين منتسبين للمستشفى، ويعملون بمراكز ومستشفيات علاجية اخرى؟ الإجابة عن هذا السؤال أتتنا من مساعد المدير العام لمستشفى الذرة د. الطيب وقيع الله، حيث ذكر أنهم نادوا وطالبوا بتفعيل القرار منذ عدة أعوام، متفقاً مع حديث وزير الصحة ان الروشتات العلاجية تمنح للمرضى بموافقة بعض الاختصاصيين من داخل المستشفى بعد ان يرفض المرضى أخذ الجرعات داخل المستشفى، وهو ما يتسبب فعلياً فى تسريب قرابة الـ«45%» من الأدوية الى خارج المستشفى، وبالتالي فإن توطين العلاج بالداخل من شأنه أن يعمل على استقرار وجود الدواء ويوفر عائدا على الوزارة تستطيع من خلاله تطوير وترقية مستوى الخدمات بالمستشفى.
تجوال ومشاهد
من خلال تجوالنا داخل المستشفى لمحنا عدة مشاهدات تستدعي الوقوف ملياً عندها. أولاً ما زال مستوى العناية الصحية والمظهر العام للمستشفى بحاجة الى اجتهاد وتطوير إذ أن المرضى مكتظون في الممرات، والعنابر تعاني من إهمال كبير حتى مستوى النظافة ليس عاليا، فضلا عن توقف جهازين من أجهزة العلاج الإشعاعى، واكتظاظ المرضى حول أربعة أجهزة تعمل بنظام الـ24 ساعة بورديات متبادلة؟ فالواقع يؤكد فعلياً ان المستشفى بوضعه الحالي يحتاج الى تضافر جهود متكاملة. لم ينكر د. الطيب حقيقة الوضع داخل الذرة واتفق معي على ان المستشفى بحاجة الى تركيب وؤضافة عدد من الأجهزة العلاجية وإلى توسعة وتطوير الخدمات. فمبانى المستشفى أسست منذ 1976 ولم يحدث لها توسعة إلا فى العام 2011م لإضافة برج الأمل وهو الموقع الحالي للعيادات المحولة وعيادات الكشف والمعامل، والآن تم منح المستشفى مساحة جديدة تتم فيها اضافة 150 سريرا طبيا بالإضافة الى جهازى غسيل كلى مخصصة لمرضى السرطان الى جانب الوعود التي التزمت بها الولاية لتجهير غرفة عمليات وفق أعلى معايير الجودة تسخر لإجراء العمليات الجراحية المتخصصة لمرضى الأورام فما يتم الآن بالمستشفى مجرد عمليات لاخذ العينات الطبية فقط إضافة الى أن المستشفى تحتاج الى أجهزة علاج اشعاعي جديدة، فآخر الإحصاءات الطبية فى هذا المجال تركز على أن كل 250 مريض سرطان يحتاج الى جهاز اشعاعي، واذا ما قارنا عدد المرضى بما هو متوفر لوجدنا الحاجة متفاقمة الى أجهزة علاجية جديدة. ولا ضير في تطوير الجناح الخاص بالمستشفى ليتلاءم مع احتياجات بعض المرضى في نظير تقديم خدمة راقية ومريحة بأسعار مناسبة.
جانب آخر مهم ولا بد من العمل عليه، هو التركيز على العمل الوقائي ونشر ثقافة العلاج والكشف المبكر للمرض، فأغلب الحالات التى تصل المستشفى وبحسب افادة د. الطيب هي من المرحلة الثالثة او الرابعة للمرض، وهذا العمل يحتاج الى جهد وبرامج قومية يتبناها المستشفى. ثلث الحالات التى تدخل المستشفى هى عبارة عن أورام الثدي ثم عنق الرحم عند النساء والبروستات عند الرجال. سؤال آخر طرحناه على مساعد المدير العام للمستشفى يتمحور حول الخطط والبرامج العلاجية المتبعة فى المستشفى، هل تجاز وتوضع نتيجة لورش عمل مشتركة ما بين طبيب الأورام واطباء الاختصاص المرتبطة بالأورام أم انها توضع بطريقة تقليدية؟ فأجابنا بان الورش والخطط العلاجية هى أحدث البرامج العلمية فى علاج الأورام وان المستشفى تبنت في الماضي تنفيذ عدة برامج في هذا المجال خصوصاً فى علاج سرطان الثدي عند النساء إلا انها أهملت مواصلة العمل في هذا المجال لاحقًا هذا لا ينفي وجود مجموعة من الاختصاصيين من مختلف التخصصات لمتابعة علاج المرضى بالداخل.
علاج الأجانب
من داخل صيدلية الذرة وجدنا ان جميع أدوية علاج الأورام متوفرة، ويتم منحها للمرضى مجاناً نسبة الدعم لها 100% وهى أنواع متعددة تشمل أدوية التراكيب فى العلاج الكيميائي وأدوية العلاج الاشعاعى والأدوية المصاحبة للجرعات مجموعة اخرى متوفرة بالصيدلية الخارجية للمستشفى جزء منها مدعوم بنسبة 50% ومجموعة اخرى غير مدعومة نهائيا إلا ان تلك الأدوية لها بدائل طبية متوفرة بالداخل ومجاناً لكل مريض. نسبة وجود الأجانب بالمستشفى فى حدود الـ 3% من إجمالى عدد المرضى الكلي من جنسيات مختلفة يتمتعون بكافة امتيازات المرضى السودانيين إلا أنه بعد تفعيل القرار سيتم وضع بروتكول خاص لعلاجهم.

الانتباهة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..