تأملات في الإشكالية الإقتصادية

الجوس بالكلمات

تأملات في الإشكالية الإقتصادية

محمد كامل

لعل من الأمور المثيرة للدهشة والإستغراب بقاء بعض المسؤولين في مواقعهم لسنوات تتجاوز العقد دون ان يتحولوا قيد أنملة ، والأمر الأكثر غرابةً ان لا يحدثوا فرقاً في مجال الخدمات في المواقع التي يحتلونها طوال فترة ( تحكرهم ) عليها حتى ان بعضهم يتنقل بين وزارتين مع كل تشكيل وزاري جديد وكأن حواء السودان لم تلد غيرهم مع ان رحم البلاد ودود ولود وزاخر بالكفاءات في مختلف التخصصات .
ولعل من اكثر المسؤولين بقاءاً في المنصب محافظ بنك السودان الحالي السيد صابر محمد الحسن ، ان السيد المحافظ يعتبر اول من نقل مبنى البنك المركزي من مكانه العتيق في شارع الجامعة الى الأبراج الكبيرة بالمقرن حتى ان عملية النقل اثارت موجة من الاستياء وسط الكثيرين لعظم التكلفة المالية و التي قال عنها الاستاذ الصحفي الراحل محمد طه محمد احمد انها كلفت الخزانة العامة عشرات الملايين من الدولارات وكان الراحل من اكثر الصحفيين احتجاجاً على خطوة نقل مقر البنك، وكان يرى ان تتم صيانة المقر القديم بمبلغ قليل ويظل في مكانه حيث لا حاجة لأبراج فاخرة طالما ان عمل البنك لا يتطلب سوى اجراء عمليات ادارية روتينية وان الاصل في البنك المركزي الحفاظ على اموال السودان.
ولكن الامور تمضي في هذا البلد عكس ما يشتهي المصلحون ولذلك تبددت احتجاجات صاحب الوفاق ادراج الرياح وابتلعتها اودية الصمت وتم توضيب وتشطيب ابراج المقرن مثل غيرها من الابراج وللحقيقة والتاريخ نقول ان أسوأ ما في هذه الحكومة انها تفترض الغباء في الشعب السوداني حينما تعكف طوال الوقت على تشييد المباني خصماً من الخزانة العامة دون ان تهتم بتقديم الخدمات الضرورية للمواطن – واذا حدث فهي تبيعها له بأغلى الأسعار – ثم تزعم بعد ذلك ان المباني انجاز غير مسبوق يحسب لصالحها ، ان الشعب السوداني أوعى من الوعي نفسه وصبره يحير الصبر لعلمه التام بأن الله مع الصابرين ولذلك صبر على السياسات التي ظل ينتهجها البنك المركزي ويتحمل منذ سنوات طوال الغلاء والتضخم في سعر الصرف حتى وصلنا اليوم الى مرحلة اقرتب فيها سعر صرف الدولار الامريكي نحو ثلاثة جنيهات.
نحن نتساءل لماذا تردت الاحوال الاقتصادية في السودان وصار البحث عن لقمة العيش هو الشغل الشاغل لغالبية السودانيين ؟ ولماذا كثرت جرائم الجهاز المصرفي وازداد التضخم واصبحت خزانة البنك المركزي شبه فارغة من العملات الصعبة بشهادة صندوق النقد الدولي، بل كيف تسنى لحكومة الجنوب ان تتهم البنك المركزي با لتلاعب في نصيبها من العملات الصعبة ومستحقاتهم الدولارية وتحويلها للجنوب بالعملة المحلية ؟ لماذا اصبح الدولار الآن غير موجود لا عند الحكومة – بدليل ما تمنحه للمسافرين ( بالقطارة ) وفي المطار كمان – ولا في السوق السوداء ، .. ان قرائن الاحوال تؤكد ان أزمة كبرى تضرب الجهاز المصرفي و( بنكنا ) المركزي ان جاز التعبير اصبح يصدر بمتوالية متصاعدة العديد من النشرات العجيبة المضطربة ولا ندري هل هي بسبب الإنهيار في المؤشرات ام القلق الناجم عن اكتشاف ان السياسات النقدية كانت خاطئة ؟
إن الواقع والوقائع تدل على الأزمة ورغم انها أزمة متفاقمة تشارك فيها العديد من المؤسسات كل بحسب دوره في هدم الاقتصاد الوطني الا ان من الواضح ان دور بنك السودان يبقى القاسم المشترك الأعظم في ما وصلنا اليه من تردي في سعر الصرف وتضخم لا سبيل الى الفكاك منه الا بالمزيد من الإستدانة من البنك الدولي بعد ان فشل الجهاز التنفيذي في إنعاش وإحياء مشروعات التنمية الزراعية وبقية ( ممسكات الإقتصاد ) واصبحت وزارة المالية الاتحادية والبنك المركزي وكثير من المؤسسات تعتمد على إيرادات البترول خصوصاً المستخرج من جنوب السودان الذي ينتظر استفتاءً على مصيره بعد أشهر قلائل

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..