أخبار السودان

كيف يتفادى سائقو الشاحنات المضايقات في بعض نقاط التحصيل بعد بوابة عبور مدينة النهود

“ناس خلا.. وبيوتهم قش”

النهود – المقداد سليمان

بمجرد غروب الشمس في ولاية شمال كردفان يُصبح الأسفلت الذي يشق مدينة النهود غرباً ملكاً لسائقي اللواري والشاحنات الكبيرة فقط، ويفضل الكثير من هؤلاء التحرك ليلاً ربما لأن ذلك يتيح لهم قطع أطول المسافات، وبينما يتحاشون في حركتهم الليلية الاحتكاك مع حركة البصات السياحية وعربات النقل الصغيرة، فإن السفر بتلك الطريقة ربما يسهل عليهم تفادي عمليات المطاردة والمضايقات التي يواجهونها في بعض “رواكيب” التحصيل المنتشرة بمسافات قريبة على طول وجانبي الطريق، من لدن محطة خروجهم حتى مدخل مدينة الفاشر.
في الجزء الثاني من الرحلة برا حتى (نيالا البحير غرب الجبيل)، ثمة الكثير من المشاهد والحكاوى جنباً إلى جنب المعاناة؛ كلها رصدتها (اليوم التالي) من خلال هذا التقرير.
حسناً؛ تحركنا عند العاشرة مساءً من أمام فولة منعم، بمدينة النهود، لنواصل الرحلة في جزئها الثاني قبل أن نتوقف مرة أخرى في (قهوة نيل) أولى المحطات لمراجعة الشاحنة وإطاراتها. ويقول أحد سائقي الشاحنات لـ (اليوم التالي) فضل حجب اسمه تخوفاً من مضايقته، إن الكثير من السائقين وبعد تحركهم من سوق الشعبي أم درمان يقسمون رحلتهم بالساعات، ويفضلون التحرك وقطع أطول المسافات ليلاً، سيما بعد خروجهم من ولاية غرب كردفان تفاديا للمضايقات التي يواجهونا في بعض نقاط التحصيل بعد بوابة عبور مدينة النهود، ويضيف محدثي بأن بعض سائقي الشاحنات يواجهون معاملة سيئة من الذين يعملون في تلك النقاط ابتداءً من نقطة تحصيل الدودية مرورا بود بندة حتى الفاشر، واستطرد قائلاً: إن كتب لك وعبرت إحدى النقاط دون أن تتوقف فيها فربما تتم مطاردتك أو يعترض طريقك في المحطة التالية لإرجاعك وإرغامك على سداد قيمة مخالفة مالية “تخطي بوابة” يحددها المتحصل أو صاحب “الراكوبة”، حتى وإن كانت جميع أوراق الشحنة مكتملة، وأحياناً تفرغ الشحنة بحجة أن الحمولة مشكوك فيها، وهذا النوع من التعامل يتم بعد أن تفشل ربما محاولات السائق في الوصول لتسوية.
سلكنا الطريق الدائري الذي يعبر بعيدا عن الفاشر بعد ساعات من السير على الأسفلت تفاديا لازدحام طرقها الداخلية صباحا، لتعانق إطارات الشاحنة مرة أخرى الطريق الترابي رغم وعورته ورماله قبل أن نتوقف عند ملتقاه مع الأسفلت مرة أخرى عند بوابة (معسكر زمزم) للنازحين جنوبا، حيث نتشط صباحا حركة البصات السفرية المتجهة صوب مدينة نيالا بجانب حركة العربات الصغيرة التي تقل المواطنين بين القرى والأسواق سيما منواشي التي تتوقف فيها جميع الشاحنات والبصات السفرية الأخرى لتناول وجبة الفطور والتزود بخيرات سوقها الذي تنشط فيه الحركة منتصف النهار حيث تعرض نساء المنطقة على جانبي الأسفلت الذي يشقها مصنوعاتهن السعفية مثل (البراتيل والقفاف الملونة)، بجانب سوق الشواء الذي يميزها عن بقية المناطق الواقعة على طول الطريق حتى مدينة نيالا.
رغم القرار الجمهوري (283) الممهور بتوقيع رئيس الجمهورية والذي منع بموجبه قطع واستخدام الأشجار إلا أن عمليات القطع لازالت مستمرة حيث رصدت الصحيفة كميات كبيرة من الفحم المعد للاستخدام على جانبي الطريق بجانب جبال من الحطب في طريقها لكمائن تصنيع الفحم وأخرى لكمائن الطواب والاستخدام المنزلي، وبحسب هارون آدم فإن ظروف الحياة هي التي تدفع المواطنين في القرى لقطع الأشجار وتصنيع الفحم منها وأقر بأن كميات الأشجار التي تقطع كبيرة جدا، وعند سؤال الصحيفة له: لماذا لا يستخدم الناس الغاز بدلا من الفحم؟ رد قائلا: “نحن ناس خلا وبيوتنا قش والغاز دا سمعنا بيه، إلا ما وصلنا وكان وصلنا ذاتو ولا نعرفو نستخدمو”.
استقرار الأوضاع الأمنية هذا العام ساهم في عودة الكثير من أهل قرى شمال دارفور من معسكرات النزوح سيما معسكر زمزم وأطراف منطقة منواشي التي اكتست سهولها بخضرة بعض المحاصيل الزراعية مثل الذرة والفول السوداني والكركدي وغيرها من المحاصيل، وبالرغم من قلة هطول الأمطار هذا العام إلا أن رحلة المواطنين نحو مزارعهم لم تنقطع على طول الطريق راجلين وعلى ظهور الدواب، وبحسب المواطن (سليمان عمر) من منطقة (دمة) فإن استقرار الوضع الأمني ساهم في زيادة حجم الأراضي المزروعة هذا العام لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن بعض المناطق حرقت المساحات المزروعة فيها نسبة لشح الأمطار، ولم يخف في حديثه لجوء الكثير من المزارعين للعمل في كمائن الفحم المنتشرة بالمنطقة رغم انخاض أسعاره، سيما أن المنطقة بها كمائن وسوق ضخم للفحم النباتي والحطب.
رحلة أخرى من المعاناة والتوقف المتكرر بالنسبة لسائقي الشاحنات والبصات السفرية التي تنقل المواطنين بين المناطق والقرى بمجرد الدخول في حدود ولاية جنوب دارفور، أكثر من (45) راكوبة تحصيل، لا أحد يستطيع عبورها سيما أنها تكون مغلقة بالحطب وإطارات السيارات، يقول الهادي الصديق سائق شاحنة لــ(اليوم التالي): أكثر ما نعاني منه كسائقين في هذا الطريق كثرة البوابات والمبالغ التي ندفعها دون أي مستند أو إيصال، وأن الشاحنة التي تتخطى البوابة توقف بالقوه، وأضاف الصديق: أحيانا تتم معاملتنا بصورة غير طيبة ويتم تعطيلنا عن المسير لساعات طوال إن لم ندفع لهم ربما رسم عبور .
حكومة ولاية جنوب دارفور كانت قد أعلنت في وقت سابق عزمها إزالة كافة نقاط التحصيل العشوائية، وبدأت فعليا في إزالة بعضها، إلا أن الرحلة التي قامت بها الصحيفة خلال الأسبوع الماضي كشفت عن زيادة حقيقية في عدد بوابات العبور ونقاط التحصيل، وبحسب مواطن فضل حجب اسمه، فإنه يشك في أن المبالغ التي يتم تحصيلها ربما كانت تورد لصالح أفراد وليس وزارة المالية، مشيراً إلى إن الذين يعملون في تلك النقاط لا يستثنون أحدا ولا يقدرون الظرف المالي لسائقي الشاحنات والعربات الصغيرة الأمر الذي تسبب في خلافات ومشاجرات بينهم خلال الفترة الماضية عقب افتتاح طريق الإنقاذ الغربي قطاع النهود الفاشر

اليوم التالي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..