في وقت تبدو خلاله الصورة الخرطومية للوجود المصري باهية تضيق الشرطة في القاهرة الخناق على السودانيين تحت حجج واهية

الخرطوم ? الزين عثمان
يقطع المسافة بين الحاج يوسف بشرق النيل وقلب السوق العربي بالخرطوم واضعاً قدمه على دواسة الوقود وعلى متن العربة الهايس بلهجة أهل مصر يخاطب السائق الركاب، ابتسامته المرسومة على وجهه تخبرك أن ثمة ابن بلد يمارس مهنته على (كيفه) يسكن في المكان الذي يختاره هو ويحمله الشعب على كفوف الراحة ولا تثقل عليه الحكومة بمطالبها كما تفعل مع أبناء البلد، يعود في نهاية اليوم حاملاً معه مدخراته ويعيد تقسيمها، والفائض يتم تحويله إلى القاهرة.
تلك هي الصورة الخرطومية للوجود المصري في السودان، لكن بعد معبر (أشكيت) تأتيك صورة أخرى؛ آلاف السودانيين تضيق بهم الشوارع القاهرية وتضيق عليهم سلطات الشرطة المصرية الخناق وتقوم بمصادرة أموالهم من العملة الحرة تحت حجج واهية.
قبل أسبوع كانت السفارة السودانية بالقاهرة تحذر رعاياها من حمل (الدولارات) حتى لا يصبحوا عرضة لمساءلات الشرطة المصرية والمصادرات وحين لم تجد التحذيرات بعثت سفارة السودان في القاهرة بمذكرة إلى وزارة الخارجية المصرية تحتج فيها على تعرض السودانيين المَوجودين بمصر لمُعاملة سيئة من قبل الشرطة والأمن الوطني الأمر الذي اعتبرته السفارة السودانية أمراً غير مقبول، بالنظر للعلاقات التي تربط بين البلدين والاتفاقيات المبرمة بينهما بالإشارة لاتفاقية الحريات الأربع، عليه وعقب تعرض عدد من السودانيين لاعتقالات الشرطة تنتظر وتأمل السفارة في كريم الاستجابة لمذكرتها الجديدة بعد عدم تلقيها ردا على رسالة أولى في ذات السياق.
سوء معاملة السودانيين فصل جديد من فصول التعاطي المصري مع السودان، أيام قليلة للوراء كانت الحكومة المصرية تضع صناديق انتخاباتها في حلايب السودانية وهي تسعى حثيثاً لفرض الأمر الواقع ومصرنة الأرض السودانية، حكومة الخرطوم التي وصلت لقناعة أن الصمت لم يعد مجدياً يخرج رئيس الجمهورية مؤكداً على سودانية المنطقة وعلى عدم التنازل عنها وهو التصريح الذي زاد من وتيرة المواجهات بين البلدين أو ثبت فرضية أن الخرطوم والقاهرة ليستا على ما يرام.. البعض يرسم المشهد بتيرمومتر المملكة العربية السعودية وموقفها المتقارب مع الخرطوم وابتعادها خطوات من القاهرة.
يقول كمال رزق إمام وخطيب مسجد الخرطوم الكبير في خطبة الجمعة إن حلايب محتلة بالكامل من قبل القوات المصرية ويستنكر موقف المسؤولين السودانيين واتجاههم نحو عدم التصعيد بمبررات العلاقات الإنسانية بين شعبي البلدين ويحسم الأمر بعبارة أن الاتجاه نحو إنسانية التعاطي لم يزدنا إلا (غبائن). حالة الغبن التي تنتاب السودانيين في علاقتهم مع الجارة الشمالية يردها الكاتب والصحفي محفوظ بشرى إلى الأرث التاريخي.. محفوظ يجيب في مقال له عن سؤال: لماذا شجع السودانيون الجزائر؟ يقول (إن العلاقة بين السودان ومصر، على المستوى الشعبي، معقدة للغاية، وليس كما تصوّرها، بسطحية، الدعاية الرسمية في البلدين، وهي تنثر بين طياتها عبارات “الأخوَّة، المصير المشترك، العلاقات الأزلية، النيل… إلخ”، فالأمر أعمق غورًا بكثير، وربما يعود في جزء كبير منه إلى ما رسخته فترة الحكم المصري للسودان (1821-1885) حين قادت الرغبة في امتلاك النيل حتى منبعه، محمد علي باشا، إلى احتلال السودان، وهي الرغبة التي أدت إلى أن ينظر الغزاة إلى السودانيين كفائض غير مهم إلا في حدود ما يمكن أن يدفعوه من ضرائب شاب تحصيلها سوء معاملة اختزنته الذاكرة الشعبية ونقلته الروايات الشفاهية جيلًا بعد جيل، مصر عند السودانيين هي محض دولة مستعمرة هذا ما يقوله التاريخ وتدعمه من وقت لآخر تصرفات الحاضر وإصرار بعض النخبة المصرية على توصيف السودان بأنه مجرد دولة انفصلت عن التاج المصري).
ويصف خالد الشيخ قنصل السودان بالقاهرة معاملة السلطات المصرية للسودانيين بـ(الفظة)، وتنقل الزميلة صباح موسى عن مصدر مصري قوله إن مصر تقوم بمراجعة شاملة لأوضاع الأجانب هناك، وإن الأمر ليس مقصوراً على السودانيين وحدهم.. لكن العودة إلى التاريخ القريب تضعك أمام المشهد برمته؛ الشرطة المصرية تحصد أرواح اللاجئين في ميدان مصطفى محمود.. لم يكن الأمر آنذاك لتحديد إقامة أجانب بصفة عامة وإنما اختار السلاح المصري الضحية السودانية وعلى بعد خطوات قريبة. كما أن خصوصية الحريات الأربع تمنح السودانيين وضعاً خاص في مصر مثل المتوفر للمصريين في السودان.
بالنسبة للسودانيين الموجودين في الأراضي المصرية فإن ثمة واقعا جديدا عليهم التعاطي معه خصوصاً في ظل نسخة جديدة للعلاقات السودانية المصرية عليهم التوافق معها، نسخة يطلق عليها المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية البروفيسور حسن الساعوري (نسخة العبور فوق كل الثوابت) مشيراً لأنه وطوال الحقب المتعاقبة من عدم التوافق بين الحكومتين السودانية والمصرية فإن الجانب الشعبي كان في مأمن.
الساعوري يعود لتسعينيات القرن الماضي حين أنهت الإنقاذ في نسختها الأولى الوجود المصري التقليدي متمثلاً في بعثة الري المصري والبعثات التعليمية المصرية، لكن هذا الأمر تم تجاوزه لاحقاً عبر إعادة العلاقة لسيرة التواصل الإيجابي.. الساعوري يرد الخطوات المصرية الأخيرة في التعامل مع السودانيين إلى تغيير بنية النظام الإقليمي وتحالفاته مقروءاً مع التغيرات في المشهد السياسي المصري الداخلي، كل هذه العوامل بحسب الساعوري ربما أدت لسوء المعاملة التي يلقاها السودانيون من قبل السلطات المصرية لكن الأمر في النهاية سيرتد وبالاً عليها ويتطلب منها إعادة النظر في التعامل معه كما أنه يتوجب على الحكومة السودانية القيام بواجباتها في توفير الحماية لرعاياها في مصر..
في ما يتعلق بصاحب الهايس المصري في الشوارع الخرطومية فإنه سيواصل مشاويره اليومية عابراً كل الجسور دون أن يعترضه أحد من المارة أو من السلطات الشرطية ولن يتم ترحيله برفقة آخرين إلى سجن دبك مثل ما حدث مع المعدنين السودانيين في مصر ومؤكد أن السلطات لن تطالبه بحصر الأموال التي يحملها في شنطته ولن تطلق عليه الرصاص في ميدان الحرية مثل ما حدث في مصطفى محمود قبل سنوات.

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. أمرك عجيب ياسودان خلاص رأس السوط لحقكم يااولاد المصارين البيض من هم الذين يحملون الدولارات في مصر هل كل السودانيين ام بعضهم من هم الذين فضلوا العيش في مصر …. لماذا لم تكن هذه الحملة حينما قتل عشرات اللاجئين في ميدان المهندسين.. لماذا لم نسمع هذا الضجيج والعواء والعويل وابناء الهامش يوميا يقتلون في صحراء سيناء … لماذا تحركت السفارة واصدرت توجيه للسودانيين وخاطب وزارة الخارجية المصرين .. ولماذا صمتت صمت القبور وكانت المحرض في مجزرة المهندسين … ياسبحان محن السودان

  2. لماذا يتعامل السودانيين في مصر بهذه الطريقة ويجب على حكومة الخرطوم حصر كل المصريين الموجودين بالسودان ومصادرة كل ممتلكاتهم كما حدث للإخوة السودانيين بمصر وتعويض كل متضرر من سوء معاملة الفراعنة ويجب على حكومة الخرطوم وضع فترة زمنية لإرجاع ما نهب من السودانيين بمصر ولا يتم ترك أي مصر يخرج من السودان بأي فلس الا بعد أن يتم ارجاع ما أخذ من السودانيين بمصر والا يتم معاملة المصريين بالسودان بنفس الطريقة التي تمت معاملة السودانيين بها بمصر. كفاية بهدلة ومسكنة والمثل يقول التكيسة دقة وأعتذر له كفاية بهدلة وفوضة ولماذا لا تطبق مصر الحريات الأربعة مع السودانيين بمصر ويتم تطبيقها للمصريين بالسودان ويجب ان يعاملوا الرعاية المصريين بالسودان بالمثل.

  3. اعيب على كاتب التحقيق الصحفي تعريضه بهذا الانسان المحدد الذي يجري وراء رزق حلال قسمه الله له في الحاج يوسف ونحن لاندري ماالذي دفعه للهجره من بلاده ليكابد معنا حق لقمة العيش في ظروف بلادنا الصعبه.
    كان يمكنك التركيز على وضع السودانيين في مصر وان كنت لاتملك هذه المعلومه فلاحاجه لتحقيقك الصحفي.

  4. لقد طفح االكيل من أفعال سلطات الشرطة المصرية و أمنها على السودانيين بمصر , حان الوقت لحكومة السودان ان تفعل شيئ تجاه هذا الامر و بسرعة ..

    هناك مثلاً ما يسمى ب “إتفاقيات الحريات الاربعة” ي تنص على حرية التملك والتنقل والاقامة والعمل , و التى وقع عليها البلدان منذ اكثر من عشرة سنوات (منذ 2004) و التى يلتزم بها السودان ولا تلتزم بها السلطات المصرية .

    و السؤال المهم هنا هو لماذا يصر السودان على تطبيقها من جانب واحد ؟؟ و ماهى الفائدة التى جنتها البلاد من هذه الاتفاقية ؟؟

    يجب على حكومة السودان ان تلغى اتفاقية الحريات الأربع مع مصر طالما مصر لا تطبقها ..

    لكن أولاً يجب طرح اتفاقية الحريات الأربع مع مصر فى إستفتاء شعبى حتى يقول مواطنى السودان رأيهم فى هذه الإتفاقية التى تخصهم و تخص بلدهم و اراضيهم و ممتلكاتهم .

  5. حملة لالغاء الحريات الاربع والعودة لنظام التاشيرة مالم يطبقوا هم الاتفاقية ويحترموا مواطنيننا طالما نحن حكومة وشعبا متساهلين فسوف يتمادون فى غيهم وتعاملهم الفظ مع ابنائنا افيقوا يرحمكم الله مااخبار تصريحات الرئيس حول سودانية حلايب

  6. أولا مصر لم تكن في يوم من الأيام مستعمرة مصرية محمد على باشا لم يكن مصرياً و إنما كان على سدة الحكم التركي في مصر ، الغزو الثاني كانت مصر مستعمرة بريطانية فكيف يمكن لها ان تستعمر السودان ؟ في كلا الحالتين إستعمل الاتراك و البشوات و الإنجليز اليد المصرية قسراً في الوصول للسودان ،إذن نظرة الشعب السوداني لمصر لم تكن بسبب الإستعمار الذي يزعمه المصريين في رسم صورة الأقوى دون طائل ، نظرة السوداني للمصري بأنه لا امان له في أغلب الأحوال و لا أقول دائما ففي كل مكان يوجد من هو صالح و لا تخلو مصر من ذلك بالتأكيد ، المسألة ليست نظرة شعب لأخر و انما المسألة هي وجود حكومة ضعيفة في السودان إمتطتها الحكومة المصرية لتنفيذ مآربها و هذا يعكس نظرة السوداني العامة للمصري كما ذكرت بانه لا أمان له ، ثم الأدهى و الأغبى هو تعامل الحكومة المصرية مع الشعب السوداني فهم لا يميزون بين الشعب و حكومته و بذلك يزيدون من تدهور نظرة الشعب السوداني لمصر بشكل عام ، بإختصار الأزمة أزمة حكومات غبية في البلدين .

  7. الحكومة تب فوقا سيدي الامام ما يشوف لينا حل
    قبل أيام قلائل كانت أم العيال تزور مصر لمناسبة خاصة تعرض سوداني واخته
    للاحتيال او السلب وفقد 10 الف دولار كان يريد بها علاج اخته ما أعرف اذا كانت الشرطة هي صادرتها ام من قبل عصابة

  8. الحكايه واضحه ومادايره ليها تفكير ,,, {{المعامله بالمثل }},,, المصريين الآن في أضعف حالاتهم ,, ومكروهيين من كل شعوب العالم ,, ومن دول الخليج بالذات فهم شعب لايمشى إلا ينضرب بالجزمه,, وهو شعب يخاف ما يختشى ,, وهم أصحاب المثل البيقول ,, ( لو كان عندك حاجه عند الكلب قل له يا سيدى )
    شعب مصر شعب جاهل بليد متشدق ,, وبلدهم قمه الوساخه والعفانه ,, والله الخرطوم أجمل من القاهره بألف مره , والآن إنعدم عندهم الامان ,, محاصرين من الاسلاميين ومن داعش من كل الجهات

  9. يا ناس الحاج يوسف ، ابدوا لينا أولا بمقاطعة صاحب العايس دا وطرده من الحاج يوسف بل من الخرطومكلها بس ما تضربوه شيلوا منو الهايس بس وخلوه يتطلب الله ومع الف سلامة الى بلده وما يقول ليكم نحن اخوات وللا موية النيل والكلام الفاضي دا.والله نظرة معظم المصريين للسودانيين انهم عبيد حارسي عمارات فقط .اصحوا ياعالم ياسذج.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..