الوداع.. لحظة انفجار الأسى

مصعب محمدعلي :
أذكر أن رجلاً مغرماً ومحباً للرئيس عبود قال وبأعلى صوته «ياحليل عبود»، جاءت هذه العبارة عندما قرأ في الصحف عن اكتوبر، وفي نفس الوقت قال شوف بالله 21 اكتوبر دي عظيمة كيف، الرجل حدث له خلط، أو قال عبارته بحكم العادة، وهي التغني لكل ما سبق، وكأنه لا يعرف أن نفس الثورة التي تغني بأمجادها قد أزاحت الرجل الذي يحب.

حديث الرجل جاء في سياق حالة الوداع لمرحلة أو فترة يراها الأخصب والأجمل، وكلمة الوداع رغم قساوتها لكنها في نفس الوقت تتحول الى كلمة احتفالية، خاصة عند الكتاب الذين يغرمون بالمكان، فتجد كلمة كان أو كانت عند وصف المكان.. أما الزمان فعادة ما تعتريك القشعريرة عند لحظة تدوين اللحظة والزمان.. حضوراً وغياباً ووداعاً.. وكلاهما الزمان والمكان قد يتحولان الى حالة معاصرة بامتياز.. ولأن السودانيين أكثر شعوب الأرض استدعاء للحالتين.. فعادة ما تسمع (ياحليل أيام زمان) ياحليل أيام السخاء والرخاء)وياحليل أيام فلان.. وفلان هذا قد يكون رئيساً، لذا تجد اسمه ورسمه يتصدران عنده المحبة
٭ الوداع السياسي
عند سؤالي لعدد من السياسيين عن الوداع- وداع الزمن السياسي- قال لنا عباس الطاهر شطة سياسي: الوداع في السياسة قد يكون مفرحاً للبعض وضرورياً، ومؤلماً وقاسياً لطرف آخر.. والعمل السياسي هو أكثر حقل تحدث فيه المتغيرات رحيل ووداع واستقبال
٭ الوداع الثقافي
يرى عدد من المثقفين السودانيين أن فترة الستينيات كانت أزهى وأخصب فترات السودان الثقافي، وفيه شهد السودان حركة.. أما بعد ذلك فقد تأرجحت الحالات بين النشاط المتقطع، وموات التجارب، لكن أقسى حالة عند المثقفين هي رحيل وموت المبدعين، ويرى كثيرون أن الألفية الجديدة شهدت وداعاً كبيراً لرموز فنية وإبداعية
٭ وداع الجيران
العم خيرالله قال: إنه عانى كثيراً من الرحيل، وعدم استقرار الجيران, ويرى أن وداع الجار مر ومؤلم للطرفين.. لذا أصبح يبتعد عن العلاقات الجديدة مع الجيران الجدد
٭ الوداع الرياضي
عندما يقرر النجم الرياضي (الاعتزال) يودع جماهيره من خلال مباراة كرة قدم احتفائية على المستطيل الأخضر الذي أحبه، وقد يبكي بكاءً حاراً.. وقد يصفق لمودعيه، وفي نهاية مسيرته عادة ما يجزل له العطاء، الساحة الرياضية السودانية شهدت وداعاً إجبارياً لم يك مرضياً عنه.
٭ وداع المسافر
المسافر عادة ما تجده يكثر من وصاياه (عليك الله خلي بالك من فلان، وفي أحسن الأحوال خلي بالك من روحك).. وهي لحظة تشهد دموعا وبكاءً حاراً، وتجد من يهرب من هذه اللحظة ويفضل عدم وداع الاحبة.. لذلك كثيراً ما تسمع (مابحب الوداع).. وأقسى أنواع الوداع وداع الأم لابنها.. وقد تجدها تتأوه حرقة وأسى قبل أيام من زمن السفر، وخاصة الذين يهاجرون من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية.. فتتخيل الأم أن ابنها عندما يرجع قد لا يجدها، لأن أقدار الزمن ما معروفة.. حيث تجتهد الأم لكي يعدل الابن عن رأيه.. وماكان للشاعر أن يجسد ذلك في كلمات معبرة فيقول:
كان مسافر شان علاجي٭٭ بلقى في شوفتك دوايا
كان عشان كرعينا راحل٭٭ نحن ببعدك حفايا
كان عشان تسقينا مالك٭٭ نحن بحِنك روايا.
كان مسافر شان تعرس٭٭ خير أبوك مالي التكايا
كان دا كله كمان شوية ٭٭ بتلقى في دهبي الكفايا

اخر لحظة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..