الشعر النسائي العربي بين الانغلاق والتحرر

الحياء عند مديحة المرهش ليس هو النقاب أو التقوقع في زوايا البيت لتقدم ما لذ وطاب من وجبات الطعام اليومية للمجتمع العائلي المصغر فحسب.

ميدل ايست أونلاين

بقلم: د. علي حسون لعيبي

سحر حلال

عالم المرأة فيه من الجمال ما يجعلك عندما تبحث فيه تحلق نحو سماء واسعة فيها من النجوم المضيئة والاقمار وفسحة كبيرة من ذروة المتعة المقرونة بجمالية قصوى. ولكن تشعر فيه بقوة حين تدخل الى عالم الادب، حيث تلك المسحة الانثوية التي تجعلك تعيش تلك المتعة بين لذة وفكر متحرر, وقد ساهمت لحد كبير ثورة المعلومات ومنافذ التواصل أن يصل لنا الكثير من الاصوات.

وقد يسّر الإعلام للعولمة التغلل في الفكر النسوي واستطاع أن يسيطر في الكثير من القيم المجتمعية التي كانت تفرض على النساء، ولا ينكر ما لبعض الجوانب فيه من أثر في زيادة المعارف الفكرية النسائية تجاه العالم المحيط بها.

ويبقى للآداب فعلها على المتلقي وتأثيرها الواضح لما له من وقع حسي متميز. وهنا سوف نتناول بعض نماذجه.

ونبدأ بتجرية الشاعرة السورية مديحة المرهش، صاحبة النصوص المدهشة والضربات الايقاعية المتتالية المتميزة التي اقتحمت عالم الشعر بجدارة وتمكن وفرضت ذاتها الانسانية والادبية بصور جريئة تجاوزت الحدود المغلقة التي يحددها عادة المجتمع الشرقي.

سأخدش حياءه

ذاك القلب المليء بأمل فارغ

لتحمرّ خدوده … ولو قليلاً

الحياء عند المرهش هو ليس النقاب أو التقوقع في زوايا البيت لتقدم فقط ما لذ وطاب من وجبات الطعام اليومية للمجتمع العائلي المصغر فحسب، إنما هو الحفاظ على هويتها الانثوية ككائن إنساني له الحق في أن يقول ويفعل ما يشاء مع الحفاظ طبعا على القيم الخلقية التي تؤمن بها ولا تقيدها وتكبل تطلعاتها نحو الحياة:

أن أحترق وأذوب

رغم أنني لست شمعة

سحر حلال ..

وتزيد شاعرتنا مديحة وتؤكد على هذا المنحنى الاستقلالي من خلال حاجات مطلبية مشروعة. وباعتزاز واضح بهويتها الانثوية وتقول:

كفّ نهرك عني،

لم يكن مقدراً… ولم يكن بحسباني

أن يفيض منسوب حبك

ليصير خصب دهشتي،

أخشى والله أن أثمر عشتاراً

رغم عفتي

وهناك أنموذجا آخر للادب المتحرر وهو يتجول على شواطئ بيروت. يسرح هناك بلغة شعرية حسية ووجه جميل والقاء اروع. هي الشاعرة اللبنانية فيفيان طه التي تسعى وبقوة لرفض هيمنة فرض الصورة النسوية الواحدة للوجه والعين والأنف والشفاه، فالمرأة جمال متعدد. تحدده تلك المعاني والافعال المؤمنة بسحرها عندما تقرر أن تكون أنثى اخرى، فيكون لسحر النظرة أو اللمسة أو القبلة طعم آخر:

ثملة فيك انا

مذ لمستك

تلك التبادلية في الفعل ورد الفعل بين صورة عادية وأخرى مثل:

. اريدك شمسا

في يدي

قهوة ارتشفها

تعزي صمتي

في حدائق جنوني

كرياح فضية

تعري كبريائي

تنحني لاحتمي

ونبقى في شواطئ بيروت ونسمع صوتا آخر يغرد بعشق، ليعلن لنا مناسك خاصة لملحمة الحب، إنها الشاعرة اللبنانية فاطمة منصور، فتقول:

سأتوب عن الحب

لأزهد ..

وأعتكف … في قلبك

وليس بعيدا عن سحر الشرق بيروت نسمع أصواتا تأتي لتفرض ذاتها الادبية والشعرية في حمص سوريا، هناك صوت نسائي جميل ومهذب عندما ينطلق يتسرب اليك راضيا مستمتعا، هي الشاعرة السورية غادة عزيز:

لتنشدنا

عدني

ان تؤثث لغيابك بفكرة

او برغبة عارمة

نقطة في آخر السطر

لكن لا تنس أن تطفأ الجمرة

فلن افتش المعطف

طيرته فراشة في حقول التعب.

وتبقى بغداد الشعراء والصور فجرا يبزع شعرا وجمالا، فعند دجلة ثمة وجوه مليئة بالحب، في أن يبقى هذا النهر متدفقا، وان لا يمل الحبر الذهبي المذاب، حتى يبقى سماويا كما خطه الله.

والنموذج هنا هي الشاعرة د. ليلى الخفاجي، ذلك الصوت العراقي الموصول بتاريخ ماجد ولاد للحضارات والمدنية، فهنا تأسست أوائل الحضارات من سومر وأكد وبابل وأشور. والدولة التي لا تغيب عنها الشمس، حيث يخاطب الخليفة الرشيد السحابة فيقول لها: امطري حيث شئت فخراجك عاد الي.

ومن خصم ووجع والم نرى نور الشعر يبزغ ليعبر عن مكانة خاصة للمرأة خطها العراقيون كاستراتيج ثابت حتى تستمر الجياة بشكلها المعقول والمناسب لمكانتها في الحقل الثقافي والاجتماعي والسياسي. ولن تحول الجروح المؤلمة إلا أن تزيدها إصرارا وعنفوانا قل نظيره. فتقول الخفاجي:

معلّقٌ جرحي على أوتارِ قيثارةٍ سومريةٍ ..

على همسِ نايٍ خجولٍ..

وقرعِ طبولٍ يرقصُ على صوتِ المواويلِ..

طقوسٌ في أخاديدِ المنفى تتلو تراتيلَ..

شمعٍ ذائبٍ في محرقةِ الغيابِ ..

تتوسّدُ حرَّ الهجيرِ..

تلعقُ صبرَ المرافئِ الحزينةِ في سكونِ البحارِ ..

ودمدمةِ الموجِ

ويستمر عطاء المراة العربية في أن يعلن نفسه أنه هنا ينافس ذلك المجتمع الذي همشها ويحاول أجتثاث مشروعها الحضاري الذي كفلته الشرائع السماوية والوضعية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..