في حوار مع إذاعة سلطنه عمان..شهادات من الناقد والروائي عيسي الحلو في ملتقي الإمارات للإبداع الروائي الشارقة عام 2013

إعداد: نور الدين علي ساتي
أجرت إذاعة سلطنه عمان لقاءاً مع الناقد والروائي الأستاذ عيسي الحلو في برنامج (مسافة قريبة) والذي يقدمه الأستاذ سليمان بن علي المعمري. وكان اللقاء علي هامش مؤتمر الرواية الذي عقد في الشارقة في يناير 2013.
صدر للناقد و الروائي السوداني عيسي الحلو مجموعة قصصية بعنوان (ريش الببغاء) ومجموعة أخري بعنوان (الوهم) ورواية (حمي الفوضى والتماسك) في الأعوام 1967و1971 و 1972 كما صدرت له راوية (صباح الخير أيها الوجه اللامرئي الجميل) عام 1996، ومجموعة قصصية بعنوان (اختبئ لأبحث عنك)، ومجموعة قصصية أخري بعنوان (قيامة الجسد) وأخري بعنوان (رحلة الملاك اليومية عام) 2008 كما صدرت له رواية (عجوز فوق الأرجوحة) عام 2010، و رواية (الورد و كوابيس الليل) عام 2013.
هو عضو الاتحاد العام للكتاب السودانيين واتحاد الصحفيين السودانيين. حاز علي وسام الجدارة من الدرجة الثالثة جائزة أحسن كاتب صحفي ثقافي عام 1977 من جمهورية السودان، كما فاز بجائزة أحسن صحفي للأداء الثقافي الفني عام 2008 من المجلس القومي للصحافة و المطبوعات بالسودان، وحاز علي شهادة تقديرية من منظمة الدولية الملكية الفكرية عن الإبداع في مجال القصة القصيرة بجنيف 2008.
الناقد والأديب السوداني عيسي الحلو مرحب بك في برنامج من مسافة قريبة. محطاتك الثقافية و الإبداعية متعددة، ولكن دعنا نبدأ بالصحافة، كونها كانت تحتل جزءاً حيوياً من شبابك، أنت أسست أول قسم ثقافي في الصحافة السودانية، من خلال الملف الثقافي في جريدة الأيام عام 1975 وأيضا جرائد سودانية أخري، نتمنى أن نبدأ الحوار بهذه ألنقطه؟
أنا كنت اعمل معلماً، و تركت التعليم، الي أن عرضت علي وظيفة في جريده الرأي العام عام 1976، وقيل لي نريدك أن تكون محرراً ثقافياً وبالفعل كنت أحرر صفحة واحدة أسبوعية ثم طلبت منهم أن تتسع المساحة، وفعلاً اتسعت إلي أربعة صفحات وسُميت هذه المساحة بملحق الآداب الفنون. وضعنا لهذا الملف خطة في أن يعكس كل ضروب الفنون و الكتابة و التشكيل و الموسيقي والغناء والمسرح وكل أجناس الإبداعية ونجح الملف نجاح باهراً و استمرينا لمدة 12 سنه في هذا الملف.
ثم انتقلت إلي جريدة السياسة السودانية؟
انتقلت إلي عدد كبير من الصحف: السياسة السودانية، و جريدة الجمهورية، و الرأي العام?
عملت رئيس تحرير لمجلة الخرطوم أيضا منذ العام1992 إلي 1995؟
نعم استمرينا فيها ثلاث سنوات ثم توقفت المجلة.
طبعا قبل هذا كانت تجربتك الإبداعية قد بدأت في التشكل و الظهور و أصدرت مجاميع قصصية ربما أولها مجموعة ريش الببغاء؟
نعم، أول مجموعة هي ريش الببغاء كتبتها وعمري في الثامنة عشر ولم تكون لدي أيه خبرة في الكتابة، و قراءاتي لم تكن قراءات موجهه التوجيه الصحيح، تقدر تقول كما لو كانت هناك فجوات في تفكيري و في منهجي في التفكير وفي معلوماتي وثقافتي حتى إني كنت اشتري كتب مختلفة وكنت أتفاجأ عندما اقرأ الكتاب إنني لا استطيع أن استوعب هذا الكتاب و أتخلي عنه وفكرت أن هذا الحال لابد له من حل، فبدأت اشتري كتاباً حتى ادخل به علي الكتاب الذي تركته، لأنه كانت تنقصني المعلومات الضرورية التي تنبني عليها معرفتي للكتاب الجديد. فهكذا اعد ترتيب مكتبتي بهذه الكيفية.
في شهادتك في ملتقي الإمارات للإبداع الروائي قلت انك دخلت الكتابة الإبداعية بدون قصد ووجدت نفسك بطل الشيخ و البحر لهمنغواي؟
حقيقة كان لدي أصدقاء منهم شاعر معروف جدا انتقل في عز شبابه وهو الشاعر الغنائي عمر الدوش و كان موهوباً جدا كان صديقي ناقد أخر وقاص اسمه محمود محمد مدني رحمه الله . عندما نلتقي، وكانا مشغولان بقضايا الفكر و الثقافة وكنت أجد نفسي من حيت ادري ولا ادري متورطاً في هذه المسالة. فانتقلت إليً العدوي بشكل ما، يعني بشكل غير مقصود وغير مخطط وهكذا بدأت الكتابة صدفة.
ولم تكن تعرف في بداية كتابتك ماذا كنت تريد من الكتابة؟ كما قلت في شهادتك.
نعم، لم تكن واضحة لأنني لم أكن ناضجاً و راشداً بما يكفي، وتفكيري لم يكن تفكير ناضجين. المسائل تبدو لك وأنت في سن صغيرة اعتباطاً. لم تكن خياراً واضحاً لأنه غير مُفكر فيه بما يكفي.
جنباً إلي جنب مع كتابتك القصصية أيضا كتبت رواية في السودان في وقت مبكر نهاية الستينيات ؟
أنا كنت أتخبط. كتبت مجموعة ريش الببغاء، و مُدحت وشُجعت فيها كثيراً، في ذلك الوقت كانت القصة تقليدية. مجموعة ريش الببغاء خرجت من ذلك التقليد. خروجها من هذا التقليد، حقيقة لم يكن مقصوداً لكنه خروج من لم يعرف، أو من لم يدرس، أو من لم يكتشف كتابة القصة، أو من لم يتدرب علي كتابة القصة بالشكل التقليدي حتى. أو من لم يكن له نموذج يحتذي به. هذا ولًد لدي شعوراً بالنقص. كنت اعرف أنني لم اطلع علي نمازج من القصص، ولا اعرف تقنية كتابة القصة، مما اولد لدي نوعاً من النقص. هذا النقص جعلني أفرط في امتلاك الشكل، فأصبح شبه هوس أن اكتب بأشكال مُتقدمة، وان اقرأ نقد، وبجانب قراءاتي بدأت اقرأ نمازج إبداعية قصصية وروائية، الي جانب ذلك بدأت اقرأ نقد في كل اتجاهاته وكل مدارسه لعلني استطيع أن أري نصي بعين الأخر
هل هذه لِنقُل عقدة النقص من المجموعة القصصية الأولي، اختلفت عندما أصدرت مجموعتك الثانية (الوهم) ؟
مازالت هذه العقدة تلازمني! أصبحت مثل تلميذ رغم إنني في السادسة والسبعين وأصبحت مثل أي تلميذ صغير يذاكر ويُعد واجباته المنزلية لكي يقدم النص. أحياناً قد يُلم بي الفرح الجمالي، ذلك الفرح ذلك يفرح المبدع حينما ينجز عملاً ما، وسرعان ما يزول هذا الفرح. وفرحي بأي نص وتقديري الشخصي لنصوصي سرعان ما يزول.
طبعا حالة صحية بمعني انك تبحث عن الأفضل!
أصبحت هاو، رغم إني أنال اجري وأنال استحقاقاتي مما اكتب، إلا إنني أتعامل مع نفسي باعتبار إني هاو ولست محترفاً.
أريد أن أسالك عن عبارة قلتها في شهادتك انك تري الموهبة كسباً وليس عطاءاً؟
أنا لا اصدق أن المبدع إنسان ممتاز، اعتقد أن كل البشر يتمتعون بقدرات ومقدرات، وكل منهم يوجه مقدرته في ما يتعلق به هو، أو فيما يظن انه يحبه، أو يجيده، أو لديه حافز شخصي فيما يختار. المبدع يختار طريق الإبداع، وشخص أخر قد لا يختار هذا الإبداع، هذا لا يعني انه ليس لديه قدرات، لكنه اختار بها طريقاً أخر اعتقد أن الموهبة هي معرفة و خبرة وانتباه واستعداد وإصرار وإرادة تطور مستمرة هذا ما اعرفه وافتكر أن هذا مقصود به الموهبة
أريد أن أسالك عن روايتك (صباح الخير أيها الوجه اللامرئي الجميل)، هذه الراوية كتبتها عام1996 أسالك عن هذه الرواية وأنا استرجع كلامك في شهادتك، أن الكتابة ليست تجربة شخص بل تجربة ثقافة؟
حينما أقول أنا، أنا مجموعة عناصر و مجموعة ظروف رُكبت مع بعضها، من ثم كانت كيمياؤها هي التي أدت إلي هذه النتيجة ، تلك هي الطريقة التي أفكر بها و التي انفعل بها و الطريقة التي أري بها الأشياء الطريقة التي أحب بها الأشياء و الطريقة التي لا أحب بها الأشياء. وهذا نتيجة المحيط الذي أعيش فيه وهو ثقافتي و الظرف التاريخي الذي اوجد فيه صحيح أن لدي خيارات لكن حتى خيارتي لا تتحدد عفوياً، تتحدد داخلياَ بناء علي إيقاع حركه هذه العناصر كلها مجتمعة، حركه الكيمياء و التفاعل التي تحدد لي أأحب هذا؟ ولا أحب هذا ينبغي أن افعل هذا?وهكذا. صحيح إن هنالك عوامل موروثة: الجينات و الاستعدادات الأساسية، لكن في النهاية أنا موجود في وسط ثقافي في بيئة ثقافية هي التي تحدد كل هذه الأشياء.
أريد أن أسالك الآن عن الشكل الفني في كتابتك الروائية أو القصصية لفتتني عبارة قلتها أيضا في شهادتك أن الكتابة ليست مضامين فقط وليست موضوعات ولكن أيضا عناية بالشكل الفني.
أظن أن في الجلسة الأخيرة في مساء اليوم كان هنالك أخ من البحرين كان يتكلم عن كتاب عبد الملك مرتاض الناقد الجزائري ?نظرية الرواية? واعتمد عليها، ويبدو لي أن الأخ وصل إلي رأي أسنده إلي الكتاب. الكتاب لا يقول ذلك. يعرض وجه النظر النقدية المحدثة أو الحديثة عن رواية العصر الآن الرواية الحداثة و ورواية ما بعد الحداثة شكلها كيف يكون شكلها. الرواية الحديثة تعتبر أن الشكل القديم سقط، الشكل الذي يعني بالمضمون ويجعل من المضمون أولوية. هذه المسالة سقطت في الرواية وفي القصة حتي هذا بفعل مدارس كثيرة ظهرت في هذا العصر بدأت منذ منتصف القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عند الشكلانيين الروس وهو العناية بالشكل، ثم تطورت إلي أن وصلت إلي البنائيه، أن النص لا يرجع مصداقيته إلي واقع خارجه، فالنص هو عبارة عن بناء مكتمل، و ينبغي أن تكون صحته أو كذبه مرتبطة بتركيبة. وليس مرتبطاً بمطابقة الواقع الواقع الخارجي وهو يختلف مع الواقع الداخلي، هذه المصداقية تكون في التاريخ لكنها لا تكون في الأدب. في التاريخ، هل هذه والواقعة حدثت سنه 1820؟ أم لم تحدث؟ فهنا نرجع الي خارج الواقعة ونكشف صدقها أو كذبها. الكذب و الصدق في المنطق يرجع إلي هذه المصداقية و كذلك، لكن وبالنسبة للنص الأدبي مصداقيته في داخله، في داخل تركيب النص في ذات نفسه. وبالتالي لا يمكن إرجاع النص إلي شيء خارجه، لا يمكن إرجاعه إلي الواقع الخارجي. النص عبارة عن واقعة مكتملة التكوين. نحن بسبب ظروف سياسية و تاريخية معقدة جدا منذ الاستعمار و حركات التحرر و مطالبة الثقافة القومية أو الروح الوطنية بجلاء المستعمر من كل انحاء الوطن العربي. ارتبط الخطاب الأدبي بالخطاب السياسي. الرعيل الأول ربط السياسة بالأدب. وأصبح النضال نضالاً أدبياً، و النص الجيد هو ما يكون محموله أو مضمونه أو خطابه هو البسالة و الوطنية و الشجاعة. وبالتالي في فترة أخري بعد جلاء المستعمر، النص أصبح يواجه القضايا الاجتماعية: اقتصادياً، سياسياً، صحياً، أخلاقياً، أي أن تكون له رسالة، الأدب كان ملتزماً أو إن شئت قل مُلزم. كانت جودة الأدب وجودة الأدب الإبداعية في أثناء حركات التحرر مربوطة بهذه القضايا. حقيقة هذا الشغل هو عمل علوم أخري، لكي ادرس رواية تدرس لي أولاد الشوارع مثلما يحدث الآن في روايات سودانية التي صدرت مؤخراً، هذا عمل علم اجتماع. انحراف الشباب الصغار، هذا علم النفس الاجتماعي، الانهيارات الاقتصادية، هذا علم السياسة و الاقتصاد وهكذا. كل هذه الخطابات هي خطابات حقول أخري. أم الفنون قضيتها قضية جمالية بحتة. يعني في الفن في القصة في الرواية في المسرح في اللوحة ليس المهم ما تقول ولكن المهم كيف تقول ما تريد أن تقول. يعني القصيدة الجيدة هي التي تُكتب في شكل جيد.. وليست تلك التي تجمل فقط مضموناً جيداً.
الراي العام