وزارة المالية: الإنفاق على الأمن مكلف ولكنه ضرورة حتى لا نندم

البرلمان: سارة تاج السر
أقر وزير الدولة بوزارة المالية عبد الرحمن ضرار بأن الإنفاق على الأمن مكلف، ولكنه شدد على أنه ضرورة وقال “حتى لا نندم فيما بعد”، ولفت الى أن المبالغ المخصصة للأمن ليست كبيرة مقارنة مع الدول الأخرى، فيما رصد مشروع الموازنة الذي أودعه وزير المالية بدر الدين محمود منضدة البرلمان في وقت سابق، أكثر من ١٦ مليار جنيه لوزارة الدفاع، وجهاز الأمن والشرطة.
ولم يستبعد وزير الدولة إجراء أي تعديل في موازنة العام ٢٠١٦م، حال وقوع أي حدث طارئ، وقال: (لن نأتي للبرلمان لإجراء تعديلات إلا للتعامل مع أي طارئ كما حدث أثناء احتلال هجليج).
من جهته شدد رئيس البرلمان إبراهيم أحمد عمر، على أن الجهاز التشريعي سيراقب عن كثب تنفيذ مشروع الموازنة بعد إجازتها من المجلس الوطني.
وأقر وزير الدولة بالمالية في تصريحات صحفية أمس، عقب اجتماع اللجنة العليا المكلفة بمناقشة مشروع قانون موازنة ٢٠١٦م، بحدوث ما وصفه بالـ”دربكة” من سياسات التحرير الاقتصادي، خاصة السلع المدعومة وحمل المسؤولية للوكلاء، وقال في رده على سؤال” الجريدة” عن الارتفاع الجنوني للأسعار “إنتو عارفين دي سياسة التحرير الاقتصادي المتبعة”.
وكشف ضرار أن حصة ولاية الخرطوم من غاز الطهي زادت بشكل أكبر بعد الأزمة الأخيرة نظراً للمضاربات التي شهدها السوق، وذكر: “أي زول بقى تاجر أنبوب وداير يشتغل في الغاز”، ولفت الى أن المؤسسة العامة للنفط وزعت بعد العطل الذي أصاب المصفاة، ٨٠٪ من استهلاك المواطنين، بينما خلقت الـ٢٠٪ أزمة في ثلاثة أيام فقط، وعجزت السلطات عن معالجتها وإعادة التوزان.
ونبه وزير الدولة بالمالية لانفراج أزمة الغاز اليوم وتوفره بالسعر المدعوم، بعد استئناف العمل في المصفاة، وكشف عن إجراءات لزيادة إنتاج الغاز منها اتفاق مع دولة روسيا للاستفادة من المواد البترولية المحروقة لاستخلاص الغاز والجازولين.

الجريدة

تعليق واحد

  1. تجربة كوريا الجنوبية: عوامل النجاح وتحديات المستقبل
    عبد الرحمن المنصوري
    آخر تحديث : الإثنين 24 يونيو 2013 14:30 مكة المكرمة

    المصدر (الجزيرة)
    حققت كوريا الجنوبية نموًا اقتصاديًا سريعًا خلال النصف الثاني من القرن العشرين ما سمح لها بتحقيق تنمية شاملة، فقد استطاعت -منذ سبعينيات القرن الماضي- بناء اقتصادها وصناعتها، بعد عقود من الاستعمار الياباني وسنوات من حرب مدمرة مع جارتها الشمالية. وبحلول القرن الحادي والعشرين أصبحت كوريا قوة اقتصادية وتجارية وصناعية وتكنولوجية لتسطر بذلك واحدة من أنجح قصص التنمية في عصرنا الحديث.

    إرث استعماري ثقيل وحرب مدمرة

    استطاعت مملكة شيلا خلال القرن الثامن الميلادي توحيد شبه الجزيرة الكورية سياسيًا، وحافظت الممالك المتعاقبة على وحدة البلد واستقلاله إلى حدود بداية القرن العشرين(1)؛ ففي سنة 1905، وُضع شبه الجزيرة الكورية الذي كان خاضعًا لمملكة جوسون (1392-1910)(2)، تحت الحماية اليابانية، وفي سنة 1910، أصبح خاضعًا للاستعمار الياباني لمدة 36 سنة. وفي سنة 1945 حصلت كوريا على استقلالها بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية على يد الحلفاء. ومباشرة بعد استقلالها، أصبح شبه الجزيرة الكورية مسرحًا للصراع بين المعسكرين الغربي والشرقي، وهكذا تم تقسيم كوريا إلى دولتين: واحدة في الشمال خاضعة للقوات السوفيتية، وأخرى في الجنوب تابعة للاستعمار الأميركي. وفي سنة 1948، تم انتخاب “سينغمان ري” ليكون أول رئيس لدولة كوريا الجنوبية، في حين تأسست دولة شيوعية بالشمال، وبحلول منتصف 1949 انسحبت القوات الأميركية والسوفيتية من الدولتين.

    كانت كوريا الجنوبية حين تأسيسها واحدة من أفقر دول العالم؛ حيث لم يكن دخل الفرد فيها يتعدى 80 دولارًا في السنة(3)، وكانت تعاني من دمار اقتصادي وفوضى سياسية، وبعد التقسيم ساءت الحالة الاقتصادية أكثر بسبب توقف النشاط الاقتصادي والتجاري الذي كان مترابطًا بين الشطرين. وجاءت الحرب الكورية سنوات 1950-1953، لتُلحق دمارًا واسعًا شمل كل القطاعات بالجنوب وقُدرت الأضرار الناجمة عن الحرب بحوالي 69 مليار دولار أي ما يعادل خمس مرات الناتج الإجمالي لكوريا الجنوبية حينها(4). فقد دمرت الحرب ربع البنية التحتية للبلد؛ ودمرت 40% من الوحدات السكنية تدميرًا كاملاً(5)، كما أتت على46.9 % من شبكة السكة الحديدية و500 كيلومتر من الطرق والقناطر ودمرت 80% من محطات توليد الكهرباء(6).

    بالإضافة إلى ذلك ألحقت دمارًا واسعًا بالبنية الصناعية؛ حيث دمرت 68% من مجموع المصانع وتراجع الإنتاج الصناعي بحوالي 75%، كما تراجع إنتاج الأرز بـ 65%(7). وخلّفت الحرب أيضًا خسائر بشرية كبيرة قُدرت بحوالي 1.3 مليون كوري جنوبي، من بينهم حوالي 400.000 ألف قتيل(8). ومع انتهاء الحرب، تراجع دخل الفرد إلى حوالي 50 دولارًا سنويًا، وأصبحت كوريا تعيش على المساعدات الخارجية بشكل كامل، ودخلت البلاد في مرحلة من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية.

    الإرادة والتخطيط في مواجهة التحديات

    وسط أجواء مضطربة سياسيًا واقتصاديًا، وصل الجنرال “بارك تشونغ هي” إلى سدة الحكم عبر انقلاب عسكري (1961-1979)، ومنح للتنمية الاقتصادية أولية كبرى، حيث كانت كوريا تعاني من نقص حاد في نسبة الادخار وتراجع كبير في حجم المساعدات الخارجية فأنشأ “بارك” لمواجهة هذه التحديات بنوكًا حكومية وأمّم البنوك الخاصة للتحكم في القروض وتوجيهها وفق ما تقتضيه الخطط التنموية، وغيّر الرئيس الجديد استراتيجية التنمية الاقتصادية من استراتيجية الإحلال محل الواردات(9) إلى أخرى تعتمد على اقتصاد موجه نحو الصادرات. وكان هذا التحول ضروريًا للحصول على العملة الصعبة لشراء المعدات والتكنولوجيا التي يحتاجها قطاعه الصناعي الناشئ، وبالتالي تسريع عملية التصنيع وتحقيق استقلال تام.

    كما ركن بارك إلى سياسة التخطيط المركزي؛ حيث أطلق المخطط الخماسي سنة 1962، وأنشأ مؤسسة جديدة تحمل اسم مجلس التخطيط الاقتصادي للإشراف على التخطيط وتنفيذ المخططات. وكان الهدف المعلن من المخطط الأول هو تحقيق نمو اقتصادي يبلغ 7.1% خلال السنوات 1962-1966 عبر تأمين مصادر الطاقة وتحسين البنية التحتية وتحسين ميزان المدفوعات الخارجية عن طريق زيادة حجم الصادرات. وارتفع الناتج الإجمالي المحلي من 4.1 % سنة 1962 إلى 9.3% سنة 1963 وحافظ النمو على معدل يزيد عن 8% في السنوات التالية(10).

    وعمل الرئيس بارك أيضًا على تقوية دور الشركات العملاقة وتسخيرها لخدمة الأهداف التنموية. وكانت هذه الشركات ضعيفة ولا تستطيع أن تصنع منتجات كثيفة رأس المال من دون المساعدات التي تقدمها الدولة. وقد اشترطت الدولة أن تحقق هذه الشركات أداء اقتصاديًا ناجحًا والاستثمار في مجالات اقتصادية وصناعية جديدة في إطار ما ترسمه الدولة من مخططات، والتعاون الوثيق مع الحكومة، كشروط أساسية لتلقي الحماية من الدولة والعديد من الامتيازات التي تشمل المساعدات المالية والتمويلات التفضيلية وضمان الدولة للقروض الخارجية والحماية من اتحادات العمال. وبفضل هذه الإجراءات تمكنت الشركات العملاقة من المشاركة في مخططات التنمية الاقتصادية وسياسة التصنيع التي رسمتها الدولة، واستهدفت في البداية الصناعات الخفيفة مثل الإسمنت والأسمدة والكهرباء. ونتج عن هذا التعاون توسع كبير للشركات ونمو كبير في حجم الصادرات الكورية من الصناعات الخفيفة، خصوصًا النسيج والملابس الجاهزة.

    ومع بداية السبعينيات، ستواجه كوريا تحديًا جديدًا يتمثل في المنافسة الشرسة مع دول صاعدة استطاعت تطوير صناعاتها الخفيفة مما فرض على كوريا التحول نحو استراتيجية مغايرة تهدف إلى إنشاء قطاعات جديدة تستطيع المنافسة على الصعيد العالمي. وجاء المخطط الاقتصادي الخماسي الثالث ليعطي الأولوية لإنشاء الصناعات الكيماوية والثقيلة. ولإنجاز هذا المخطط تم إنشاء العديد من مدارس التكوين المهني ومعاهد تكوين المهندسين والعلماء، وألزمت الدولة الشركات الصناعية الكبرى بتدريب مستخدميها. وتم تركيز جهود الدولة وتسخيرها لتطوير هذه الصناعات حيث تم إنشاء لجنة لتطوير الصناعات الكيماوية والثقيلة، وأنشئ صندوق الاستثمار الوطني للإشراف على الاستثمارات في هذا القطاع الذي عرف ارتفاعًا كبيرًا. واستفادت صناعات مثل بناء السفن والبتروكيماويات والصلب من إعفاء ضريبي كامل خلال السنوات الثلاث الأولى، وتكفلت الدولة بتجهيز المناطق الصناعية وربطها بشبكة الطرق والماء والكهرباء. وبحلول 1992، حققت هذه الصناعات نجاحًا كبيرًا في الأسواق الخارجية وأصبحت تشكّل 60.4%من حجم الصادرات(11). وحافظت كوريا على معدلات نمو مرتفعة حيث ركزت خلال فترة الثمانينيات وبداية التسعينيات على الاستثمار بكثافة في البحوث والتطوير وعملت على تطوير قدراتها التكنولوجية وتحسين تنافسية منتجاتها، مع الانفتاح على الخارج وتحرير سوقها المالي.

    وفي سنة 1997، انهار الاقتصاد الكوري بعد الأزمة المالية الآسيوية وواجهت كوريا تحديًا هو الأكبر من نوعه؛ فقد تراجعت أرباح الشركات إلى الصفر وارتفعت ديونها وانهار قطاع الصادرات والنظام المالي للدولة الكورية وغادرت الاستثمارات الأجنبية البلد. ولتجاوز الأزمة تخلّت الدولة عن دورها التنموي وأدخلت إصلاحات لتحرير اقتصادها وتحويله لاقتصاد السوق، واستطاعت كوريا أن تتعافى بفعل تنشيط قطاع الصادرات عبر تخفيض قيمة العملة الكورية وحزمة الإصلاحات المالية التي أدخلتها الحكومة، ناهيك عن حزمة الحوافز التي أطلقتها في مرحلة ما بعد الأزمة. ثم واصلت كوريا تقدمها، وبدأت تراهن على تكنولوجيا المستقبل خصوصًا تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الخضراء، لمواصلة نموها وتقدمها نحو القرن الحادي والعشرين.

    عوامل النجاح في التجربة الكورية

    تتمثل أهم عوامل نجاح التجربة الكورية في:

    1- العامل البشري
    لعبت اليد العاملة الكورية دورًا حاسمًا في إنجاح التجربة التنموية الكورية، ففي ظل غياب الموارد الطبيعية وضيق المساحة الجغرافية وشُح رأس المال، راهنت القيادة الكورية على رأس المال البشري كمورد للتنمية. فاستثمرت بكثافة منذ البداية في التعليم ومدارس التكوين المهني، لتطوير إنتاجية عمالها وتحسين مهاراتهم لمواكبة التطورات التكنولوجية التي واكبت عمليات التصنيع السريع. وهكذا ارتفعت نسبة الإنفاق على التعليم من 2.5% سنة 1951 لتصل إلى أكثر من 23% من الميزانية بحلول الثمانينيات(12). كما أولت الدولة التدريب والتكوين المهني اهتمامًا كبيرًا مع التركيز على العلوم والتكنولوجيا، وبلغ عدد الطلبة الذين يتابعون دراساتهم في الشعب التقنية والعلمية حوالي 70% من مجموع الطلبة سنة 1980(13). وعملت الدولة على ابتعاث عدد كبير من الطلبة والموظفين للدراسة والتدريب.

    وبالإضافة إلى المستوى التعليمي والمهني، كانت ظروف العمل جد مجحفة، فقد أصدر “بارك” أمرًا بمنع الإضرابات وحظر كل النقابات العمالية ومنع العمال من التنظيم تحت أي إطار كان أو التفاوض بصفة جماعية، ووجدت الطبقة العاملة نفسها تعمل لساعات أطول حيث كانت ساعات عمل الأسبوع في القطاع الصناعي تزيد بـ 13 ساعة عن نظيرتها في اليابان و6 ساعات عن مثيلتها في تايوان بحلول عام 1986(14).

    2- الشركات العملاقة
    كان القطاع الكوري الخاص منظمًا على شكل شركات عملاقة، تزاول كل الأنشطة الاقتصادية والتجارية وتستحوذ على جزء كبير من مجموع الإنتاج، وبالتالي جزء كبير من الصادرات. شكّلت هذه الشركات الخاصة الذراع التنفيذية للدولة؛ حيث كانت هذه الأخيرة تحدد الاختيارات الاستراتيجية والخطط التنموية، وتتولى الشركات الخاصة التنفيذ، واستفادت هذه الأخيرة من المساعدات الحكومية لتتحول من الصناعات التي تعتمد على يد عاملة كثيفة إلى الصناعات الثقيلة في السبعينيات ثم إلى الإلكترونيات والصناعات المتطورة التي تحتاج لرأسمال كثيف بحلول الألفية الثالثة.

    3- البيروقراطيون
    يعود نجاح التجربة التنموية لكوريا، في جزء كبير منه، إلى الدور الذي لعبه الموظفون الحكوميون في مجلس التخطيط الاقتصادي ومكتب التنسيق والتخطيط ووزارتي المالية والتجارة؛ حيث أُنشئت وحدات التخطيط والتسيير في كل وزارة. وتشكلت هذه النخبة الإدارية من ذوي التعليم العالي حيث كانوا يحملون شهادات عليا من جامعات محلية وأخرى خارجية رائدة على المستوى العالمي، وكانت لديهم رؤية اقتصادية واضحة، وكانوا يسهرون على التخطيط وتحديد الأهداف والخطوط العريضة وتطبيق الاستراتيجيات لحل مشكلات التنمية والتعليم والقضاء على الفقر، وبناء اقتصاد حديث وبنية صناعية وتكنولوجية متطورة وتحديث البنية التحتية وتحسينها وتحضير الصناعة الكورية لدخول الأسواق العالمية وتحويل البلد إلى قوة اقتصادية وتجارية عالمية.

    4- العوامل الخارجية
    ساهمت الولايات المتحدة في التجربة التنموية الكورية، بتوفيرها لمظلة أمنية للجنوب وتقديمها لمساعدات مالية مهمة؛ حيث قادت الولايات المتحدة قوات الحلفاء في الحرب الكورية وأعادت قوات الشمال إلى ما وراء خط 38، ثم وقّعت اتفاقية الدفاع المشترك مع كوريا الجنوبية سنة 1953، ويوجد حوالي 28.000 جندي أميركي في الجنوب، ولا تزال القوات الكورية خاضعة لقيادة أميركية منذ زمن الحرب، وتلعب دورًا أساسيًا في ردع أي هجوم عسكري محتمل من الشمال. وبلغ مجموع المساعدات العسكرية والاقتصادية التي قدمتها الولايات المتحدة لكوريا الجنوبية في الفترة الممتدة بين 1947 و1976 إلى 12.6 مليار دولار(15)، وبلغ حجم المنح الاقتصادية والقروض 6 ملايين دولار، وهو ما يقارب مجموع المساعدات الاقتصادية التي قدمتها الولايات المتحدة لكل الدول الإفريقية (6.89 مليار دولار) خلال هذه الفترة(16). كما فتحت الولايات المتحدة أسواقها أمام الصادرات الكورية منذ ستينيات القرن الماضي؛ حيث استقبلت السوق الأميركية 41.7 % من مجموع الصادرات الكورية سنة 1970 وحوالي 35% خلال الثمانينيات(17).

    تحديات المستقبل

    بفعل عقود من النمو الاقتصادي المستدام، أصبحت كوريا قوة عالمية من الحجم المتوسط وتحولت من بلد كان يعيش على المساعدات إلى بلد مانح لها، بعد انضمامها لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سنة 1996. وبعد تعافيها السريع من أزمة 1997 الآسيوية وأزمة 2008 العالمية، تواصَل نمو الناتج الإجمالي المحلي لكوريا ليصل إلى 1.116 تريليون دولار عام 2011(18). ويبلغ متوسط الدخل السنوي للفرد حوالي 29.920 دولارًا(19)، وتحتل المرتبة 12 اقتصاديًا والثامنة تجاريًا على المستوى العالمي(20)؛ مما جعلها تتبوأ المرتبة 12 عالميًا سنة 2012 على سلم التنمية البشرية للأمم المتحدة(21). كما استطاعت كوريا الجنوبية أيضًا بناء نظام ديمقراطي قائم على أساس التعددية السياسية واحترام الحريات العامة والحقوق النقابية لتستكمل بذلك معالم تجربة النهوض الكوري. وبالرغم من هذا التطور فإن كوريا الجنوبية تواجه تحديات جمة:

    أ‌- على الصعيد الاقتصادي
    إذا كانت بعض مناطق البلد قد بلغت درجات عليا من التطور والتقدم فإن مناطق أخرى ما زالت تكافح لتتطور؛ فقد ركزت السياسات التنموية التي اتبعتها الحكومات الكورية سابقًا على سيول ومقاطعة “كيونغ كي” المحيطة بها، وأصبحت هذه المنطقة تحتوي على 57% من الشركات الصناعية وثلثي الأنشطة المالية(22). ويتواجد جُلّ الجامعات ومراكز البحث العلمي بسيول وضواحيها، وبلغت نفقات سيول على البحث العلمي 20% من الإنفاق الوطني سنة 2010، وأنفقت “كيونغ كي” ضعف هذه النسبة(23). وساهمت سيول والمناطق المحيطة بها بحوالي 43% من الناتج الإجمالي للبلد سنة 2010(24). وهكذا أصبحت قبلة لكل الساكنة بسبب حيويتها والفرص الاقتصادية المتوفرة، في حين تعاني المناطق الأخرى من ركود اقتصادي وتناقص في عدد السكان؛ مما يؤكد حاجةكوريا لسياسة تنموية أكثر توازنًا.

    أما على مستوى بيئة الإنتاج فقد تفوقت الشركات الكورية العملاقة على التحديات التي رافقت رحلة التنمية وأصبحت رائدة عالميًا على جميع المستويات لكنها أصبحت في الوقت الحالي تعوق الأداء الاقتصادي الكوري. وبالرغم من الإصلاحات التي عرفتها هذه الشركات بعد الأزمة المالية الآسيوية فإن العائلات المالكة لهذه الشركات ما زالت ترفض التحلي بالشفافية والتبني التام للطرق العصرية في التسيير والإدارة التي تتبعها الشركات العالمية الكبرى ما يؤثر على تنافسية السلع الكورية في العالم. كما تتفجر داخل الشركات من حين لآخر مجموعة من الفضائح المالية المرتبطة بالفساد المالي والتهرب الضريبي. ويحول النفوذ الكبير لهذه الشركات والممارسات الاحتكارية والتجارية غير المشروعة دون تطور وازدهار قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة الذي يعتبر محركًا للنمو وموردًا لخلق مناصب الشغل في أغلب الدول المتقدمة.

    كما تحتاج كوريا الجنوبية لتطوير قطاع الخدمات الذي يبقى متخلفًا مقارنة مع الدول المتقدمة؛ فهذا القطاع هو القادر على خلق مناصب الشغل ذات الدخل المرتفع. وعلى خلاف الدول المتقدمة فإن الرواتب في قطاع الخدمات الكوري أقل من نظيرتها في القطاع الصناعي.

    ب‌- على الصعيد الاجتماعي
    يتوجه المجتمع الكوري بسرعة نحو ارتفاع عدد المسنين، ليصبح ثاني أكبر مجتمع شائخ في العالم بعد اليابان بحلول 2050، كما تدنت نسبة الخصوبة إلى 1.23 مولود لكل امرأة لتكون واحدة من أقل النسب في العالم(25). ويطرح هذان العاملان تحديًا كبيرًا يتمثل في تقلص حاد في نسبة السكان القادرين على العمل، وتراجع الاستهلاك المحلي مع ارتفاع نفقات الدولة لدعم المسنين.

    كما تعاني كوريا من تفاوت طبقي كبير بين الأغنياء والفقراء، بحيث إنها تُعتبر ثاني بلد بعد الولايات المتحدة من حيث سوء توزيع الثروة(26). وتراجعت نسبة الأسر متوسطة الدخل من 75.4% سنة 1990 إلى 64% من مجموع السكان سنة 2011(27).

    وإضافة لذلك يعتبر موقع كوريا الجغرافي أحد تحديات تجربتها في النمو الاقتصادي؛ حيث تتواجد في منطقة متوترة؛ فحالة الحرب ما زالت قائمة بين الشمال والجنوب ولم توقع الكوريتان اتفاقية للسلام بعد، كما تتنازع كوريا الجنوبية السيادة مع اليابان حول جزيرة دوكدو/تاكيشيما. كما توجد بالمنطقة بؤر توتر أخرى مثل قضية تايوان والنزاع حول جزر بحر الصين الشرقي بين اليابان والصين، وقد تعصف هذه البؤر بالاقتصاد الكوري في حالة اشتعالها.

    الدروس المستفادة

    من المؤكد أنه لا يمكن استنساخ تجارب الدول بحذافيرها؛ فالظروف التي تطورت فيها كوريا والموقع الجغرافي يجعل من التجربة الكورية تجربة فريدة وخاصة بالشعب الكوري. غير أن هذا لا يمنع من استخلاص بعض الدروس والعبر التي يمكن أن تكون مفيدة للدول العربية التي عجزت عن تحقيق نهضة شاملة بالرغم من توفر بعضها على موارد طبيعية ومالية ضخمة وتوجد في وضع أفضل من وضع كوريا بعد الحرب الكورية، بل كان بعضها في السابق يحتل مكانة أفضل من كوريا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي مثل مصر والعراق وسوريا والسعودية، ويتلخص أهم الدروس في:

    – دور الدولة
    لعبت الدولة دورًا كبيرًا وإيجابيًا في عملية التنمية الاقتصادية. ويشار إلى أن التدخلات كانت ترتكز على إرادة سياسية صلبة وثابتة وتعتمد التخطيط بعيد المدى والسياسات التنموية السليمة والملائمة للواقع الكوري. كما أن الدولة كانت ترى أن التنمية الاقتصادية ستساعدها على بناء قوتها لمواجهة الخطر الشمالي وعدم تكرار تجربة الاستعمار الياباني.

    – التعاون الوثيق بين القطاعين العام والخاص
    أظهرت التجربة الكورية أن الحكومة كانت قادرة على تقليل مشاكل التنسيق بينها وبين القطاع الخاص وكانت قادرة، بفعل العلاقات التي نسجها البيروقراطيون مع الشركات الكبرى والبنوك، على الحصول على المعلومات الضرورية لاتخاذ القرارات الاستثمارية وتوجيه الموارد إلى القطاعات التي يمكن أن تساهم بفاعلية في النمو الاقتصادي.

    – البحث العلمي
    أصدرت كوريا ترسانة من القوانين لتشجيع البحث العلمي، وأنشأت العديد من المكاتب والهيئات لتنسيق البحوث، وأنفق كل من القطاع الخاص والعام موارد مالية ضخمة لردم الهوة التي كانت تفصل كوريا عن الدول المتقدمة، ثم أصبحت تنفق الآن لتطوير تكنولوجيا جديدة وتحقيق المزيد من التقدم خصوصًا في مجالات تقنية المعلومات وتقنية النانو والبايوتكنولوجيا، للحفاظ على مكانتها كقوة تكنولوجية.

    – الاستثمار في العامل البشري
    أثبتت التجربة الكورية أن تطوير قدرات الشعوب عبر التعليم والتدريب ضروري لخلق شروط تسمح بمواكبة التطورات والقدرة على المنافسة وتحسين الإنتاجية مما يساهم بشكل حاسم في التنمية.

    – استغلال الظروف الدولية
    وجدت كوريا نفسها عالقة في الصراع الدائر بين المعسكرين الغربي والشرقي فاستغلت تحالفها مع الولايات المتحدة لتحقيق التنمية الاقتصادية كجزء من بناء قوتها الشاملة وتحقيق استقلال سياسي واقتصادي وتكنولوجي وصناعي.

    وكخلاصة يمكن القول بأن التجربة الكورية سواء على مستوى النهوض أو على مستوى تجربة إعادة الإعمار بعد الخروج من حرب مدمرة، كانت ناجحة لكنها لم تكن مثالية؛ فقد دفع الاعتماد على الشركات العملاقة إلى تغول هذه الأخيرة واحتكارها لكل الأنشطة على حساب الشركات الصغيرة، كما نتج عن السياسات التنموية لكوريا اختلال كبير في التنمية بين سيول والمناطق الأخرى، وتفاوت كبير في الاستفادة من فرص التنمية بين الطبقتين الفقيرة والغنية؛ ما جعل الطبقة العاملة تدفع أثمانًا باهظة خلال السنوات الأولى حيث جُردت من كل حقوقها تقريبًا.

    وتبقى التجربة الكورية مثالاً يبرهن على أن الإرادة السياسة والتخطيط السلمي والبعيد المدى وحسن استعمال الموارد، وقبل كل ذلك الانطلاق من تطوير ذاتي ونقدي للقيم والثقافة المحلية، قد يمكّن العرب، في حال استلهامه، من النهوض وتبوء مكانة تليق بتاريخهم وحضارتهم العريقة.
    ___________________________________________
    عبد الرحمن المنصوري – باحث متخصص بالشرق الأقصى

  2. تندموا انتو يا وزير الغفلة اذا فقدتوا
    قصوركم وامتيازاتكم وارصدتكم نحن ما
    عندنا حاجة نندم عليها وعشان انتو في
    عداء دائم مع الشعب وهم المحافظة علي
    امتيازتكم اخترت من الطوارئ الحرب وهجليج ولم تذكر
    الاوبئة والفيضانات والحريق والمجاعات لانها ما من همومكم.

  3. ((أقر وزير الدولة بوزارة المالية عبد الرحمن ضرار بأن الإنفاق على الأمن مكلف، ولكنه شدد على أنه ضرورة وقال “حتى لا نندم فيما بعد”،)) ..

    و هل تفتكر يا سيادة الوزير بأن الامن سيحميكم من غضبة الشعب القادمة ؟؟
    لو كان الامن يحمى الانظمة الفاسدة لظل حسنى مبارك فى سلطته و هو يملك أكبر قوة أمن و مخابرات فى الشرق الاوسط و افريقيا !!
    و مع ذلك لفظه الشعب و طرده هو و نظامه الامنى الاستخباراتى .
    و ستدور عليكم الدائرة بإذن الله قريباً مهما فعلتم .

  4. عبدالرحمن ضرار ده مش زوجتو الرفضت تتفتش فى المطار ولا واحد غيرو جاي يتكلم عن الاقتصاد والله مهزله مابعدها مهزله اقتصاد السودان كلو خارج السودان
    أمن شنو البتتكلم عنه وانتو كلكم حراميه
    الله ياخدكم

  5. حان الأوان أن نكون نحن المعارضين أيضا ميزانيتنا لكي نتمكن من التخلص من هؤلاء الكيزان السفلة وتسليم رئيس العصابة السفاح الهارب إلى لاهاي، وعليه أقترح أن تكون راكوبتنا هذه مكانا ننطلق منه .

  6. لو الانفاق لبناء جيش قوي يصون البلاد وحدودها..
    لكن الإنفاق على الأمن لحراستكم وحماية حكمكم البغيض
    نسأل الله ألا تحسوا بأمن ابدا حتى تكنسوا كنسا

  7. المبالغ المخصصة للامن ليست كبيرة مقارنة مع الدول الاخرى!!!
    دول اخرى زى منو كده؟؟
    والدول الاخرى دى دخلها القومى كم اى كم النسبة المئوية للصرف على الاجهزة الامنية؟؟؟
    بعدين يا سعادة وزير الدولة الامن بيتحقق بالوفاق والتراضى القومى والسياسة الخارجية الرشيدة التى تطفىء الحروب والنزاعات حتى يكون الصر ف على التنمية البشرية والمادية كبير عشان نبقى دولة غنية ونقدر نصرف على الاجهزة الامنية صرف كبير مش يجى حزب واحد او جماعة مثل الحركة الاسلاموية السودانية ةيت الكلب وبت الحرام وتستولى على السلطة بقوة السلاح وتفرض برناموجها الواطى على البلد وتقعد تحارب فى معارضيها فى فرق بين انك تحارب مواطنيك البعارضوا حكمك الغير شرعى وبين انك تحارب الاعداء الاجانب حفاظا على الوطن والمواطن!!!
    عليكم الله يا قراء ومعلقى الراكوبة انحنا هنا فى السودان مش متولين امرنا الفاقد التربوى؟؟؟
    كسرة:مافى زول بيحب الحرب والموت الا فى سبيل الوطن الا من ظلم من اناس بيفتكروا ان السودان ملك خاص لهم ولحزبهم وهم افشل من مشى على قدمين وكدى ادعموا الامن لمحاربة المعارضة السودانية مدنية او مسلحة ونشوف كيف ح تستقروا ايها الجهلة الاغبياء عديمى الرؤيا والوطنية!!!هل كان فى اجهزة امن اقوى من الكى جى بى واوروبا الشيوعية اين هم واين انظمتهم الآن ايها الفاقد التربوى؟؟

  8. ((وقال “حتى لا نندم فيما بعد”،)) .

    أكيد حتندم و تشبع ندم و تنعل اليوم الذى فيه دخلت فى حكومة الانقاذ الفاسدة المعزولة داخلياً و خارجياً , بس شد حيلك على الراجيك حينما تصلك المحاسبة و المسآئلة و القصاص على جرائم النظام (وانت جزء منه) بمواطنى السودان و ببلدهم ..

    و غداً تشرق شمس الحرية و الإنعتاق و تحرير البلاد و العباد من قبضتكم الآثمة , و ان غداً لناظره قريب , ترونه بعيداً و نراه قريباً جداً .

  9. من اعان ظالم سلطه الله عليه قول الرسول العظيم
    هذا البلاد ليست فيها حكومه
    من الافضل ان تتفكك هذه البلاد لانه ان بقيت فستبقى على جثث وقتل وجوع وجرائم
    هذه اعمالكم الشريره يا سودانيين ردت اليكم
    هذه بضاعتكم ردت اليكم اي والله

  10. ستندمون على إنفاقكم هذا يا ضرار أنت ورئيسك ووزيرك. نظام البشير يريد أن ينفق كل هذه المبالغ على الأمن من عرقنا ودمنا ويريد أن يعيشوا في أمن من بشيرهم إلى خفيرهم؟ خاب فألكم بإذن الله فكل ما فات حده انقلب ضده، وكل هذا الإنفاق على الأمن بمشقة الناس سيعرض امن البشير وعصابته للخطر وأتوقع أن يستمروا في إنفاق أموال الغلابى على الأمن وسيخسرون الناس ولن يكسبو الأمن، (ضعف الطالب و المطلوب)! المعقول هو إن إنفاق المبالغ الطائلة على غالبية الشعب من الناس في شكل تخفيض للسلع الضرورية وخدمات صحية وتعليمية ومواصلات سيوفر الأمن الحقيقي للنظام الحاكم، ولن يوفر الأمن للناس حرمانهم حتى من الخبز بسعر معقول حتى ينفق النظام الأموال الطائلة على أجهزة الأمن وهو ما سيوفر للنظام أمناً مزيفاً، كاذباً عاقبته كعاقبة أنظمة القذافي وبن علي ومبارك!

  11. قراءة في التجربة السنغافورية في مكافحة الفساد
    د. الهادي على بوحمره
    59
    قراءة في التجربة السنغافورية في مكافحة الفساد

    بعد أن كانت تعتبر من أكثر الدول فسادا ، أصبحت سنغافورة خلال الثلاثين سنة الأخيرة أقل الدول فسادا في أسيا ومن بين اقل الدول فسادا على مستوى العالم وفق معايير منظمة الشفافية العالمية.

    ونجحت إدارة الدولة في تحويل مجتمع متعدد الأعراق وقليل الموارد الطبيعية إلي مجتمع مزدهر متطور يوفر أفضل الخدمات لمواطنيه، ونقلت الدولة الفقيرة العديمة الموارد إلي احد أهم عواصم التجارة والمال.

    ومن خلال الفرصة التي أتيحت لنا بالإطلاع الجزئي على تجربة سنغافورة بشـأن مكافحة الفساد بفضل البرنامج الذي نظمه المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات لاحظنا أن النظام في هذه الدولة انطلق من إرادة سياسية ثابتة وواضحة في إيجاد نظام يضمن للدولة البقاء في ظل الظروف الصعبة التي وضعت فيها بعد استقلالها عن ماليزيا. هذه الإرادة حددت منهجا يقوم على عدة مرتكزات عند انطلاقه منها:

    ـ التركيز على وجود قوانين صارمة وضمان سيادتها بتطبيقها الفعلي وعدم التساهل في ذلك، مع العمل على استقرار أجهزة الدولة واتصافها بالكفاءة والنزاهة والانضباط.

    ـ ضرورة ترتيب الاولويات وتحديد المصالح الأولى بالرعاية بشكل واضح، ومن ذلك تعارض المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة أو الحريات والحقوق الفردية يوجب تغليب المصلحة العامة كما سيظهر لا حقا في عدة مجالات منها المجال الجنائي في شقيه الموضوعي والإجرائي، وتعارض الحريات الفردية مع موجبات التنمية الاقتصادية والحكومة الفعالة يوجب تغليب الثانية. وبناء على هذا المرتكز المتمثل في خصوصية ترتيب الأولويات ينظر أيضا في إمكانية تبني المعايير الدولية، والاستفادة من التجارب المقارنة.

    ـ النظر في مآلات الأفعال بغض النظر عن أي تأصيل فلسفي أخر، فلتبني نظام أو حكم قانوني معين، وللنظر في إمكانية الإبقاء عليه أو تعديله أو إلغائه يجب قياس نتائجه السلبية والايجابية المتوقعة أو المترتبة على إعماله. ومن ذلك، بناء وتعديل معايير اختصاص السلطة التشريعية والتنفيذية على أساس عملي مرن يضمن سرعة الإنجاز وفاعلية الأداء لا على أساس نظري مجرد، فالمسائل الفنية التي يجب أن يضعها متخصصون لا يجب أن تكون من اختصاص البرلمان.

    ومن ذلك ? أيضا- دراسة القوانين من خلال تتبع تطبيقها واستخلاص الإشكاليات الناتجة عنها، فكثرة القضايا التي تنجم عن قانون معين هي من الأسباب الرئيسة لتعديله.

    فمع أن القاعدة القانونية عامة ومجردة إلا أن الحالات التطبيقية الجزئية هي التي تؤسس لتعديل في الحل الكلي.

    فالمنهج هو منهج برجماتي عملي مرن ، لا تحكمه أي محددات أيدلوجية.

    ـ النظر في مدى الاستفادة من حلول ومشاكل الدول الأخرى في جميع المجالات.

    ويمتد ذلك لمحاولة أن تقدم الدولة حلا للآخر يشكل مورد دخل اقتصادي لها، ومن ذلك أن تقوم الدولة بما لا يتوافر لدي الدول الأخرى أو لا تستطيع القيام به أو لا تريد عمله.

    ومثال ذلك الاستفادة من التنافس بين المنتجات اليابانية والأمريكية بحل مشكلة المنتجات الأمريكية بتقديم حل لها يمكنها من الإنتاج بتكلفة اقل وجعلها اقرب للسوق الاستهلاكي الآسيوي.

    وتوفير حاجة المستثمرين بإيجاد نظام شفاف ومنضبط يمكن المستثمر من حساب نتائج استثماره.
    أما بخصوص مكافحة الفساد، فان النظام قائم على دعامتين أساسيتين يكمل كل منهما الأخر. حيث تنقسم سياسة الدولة في هذا المجال إلي سياسة الوقاية من الفساد وسياسة الكشف عنه والعقاب عليه.
    أولا / سياسة الوقاية من الفساد:

    سياسة الوقاية من الفساد في هذه الدولة واسعة النطاق، فبالإضافة إلي التوعية وتأمين الضبط الاجتماعي بوسائله المختلفة، عملت الدولة على سن عدة تدابير منها:

    ـ الفصل بين الوزارات وإدارة التنفيذ، حيث يتولى التنفيذ في الغالب هيئات ومؤسسات منشأة بقانون. ومن شأن ذلك تفريغ الوزارة من سلطة التنفيذ وإزالة سبب ما يمكن أن يترتب عليه من فساد ولا يبقي للوزارة إلا التفكير الاستراتيجي للمدى المتوسط والبعيد.

    ـ رفع مرتبات الموظفين في الدولة بشكل يجعل منها كافية لتوفير مستوى حياة كريمة، فدفع أجور مرتفعة أهم رادع للفساد.

    ـ تبسيط الإجراءات الإدارية والحد من المستندات المطلوبة للحصول على الخدمة مع وضع مدونة إجراءات إدارية واضحة.

    ـ تفادي المنطقة الرمادية في سلطة الموظف العام بالتضييق من سلطته التقديرية بوضع معايير دقيقة يستند عليها في أدائه لعمله، لان التوسع في السلطة التقديرية للموظف العام موجب من موجبات الفساد وسبب من أسباب إضعاف الرقابة الفعالة على عمله.

    ـ تركيز الاختصاص في جهة معينة من اجل تركيز المسؤولية.

    ومن ذلك وحدة الجهة المختصة بمنح الترخيص في مجال معين.

    ـ الحد إلي اكبر قدر من تعامل الموظفين بالمال(الموظف لا يرى المال وإنما يرى الأرقام)، فالرسوم والغرامات تدفع الكترونيا، ذلك لان التقليل من لمس الموظف للمال يوفر الجهد والوقت ويقلل من الفساد.

    ومن اجل ذلك وجدت عدة نقاط لتعليم الناس كيفية الدفع الالكتروني.

    ـ التوسع في تقديم الخدمة بالطريق الالكتروني، حيث هناك 1600 خدمة تتم من منزل الشخص الطالب لها، ومن ذلك خدمة الحصول على 71 نوعا من التراخيص عبر الانترنت( e citizen).

    ومن شأن ذلك كسب الوقت والجهد والتقليل من الاتصال المباشر بين الموظف وطالب الخدمة.

    ـ إيجاد أنظمة شفافة تؤدي إلي التقليل إلي حد كبير من الأسرار التي يملكها الموظف العام بسبب وظيفته، بحيث أن الموظف الذي لا يملك أسرارا لا يجد أسرارا لبيعها.

    ومن ذلك وجود نظام واضح المعالم ومفتوح للمشتريات الحكومية يمكن الإطلاع عليه من خلال مركز الأعمال الالكترونية (Ge Biz) وهو بوابة للمشتريات الحكومية تسمح للمتقدمين بعروض رؤية كل الصفقات والمواصفات المطلوبة.

    ويقع في نفس الإطار ضرورة نشر إجراءات العقود الإدارية ونتائجها عبر الانترنت.

    ـ الفحص المسبق للحالة الاجتماعية للأفراد قبل التوظيف، وإمكانية تدخل الهيئة العامة لمكافحة الفساد كتدبير وقائي لمنع موظف ما من تولي منصب قيادي أو عمل سياسي بسبب شبهات سابقة بالفساد. كما الهيئة يمكن أن تتدخل بالتوصية بعدم التعاقد مع شركة ما لسبق اتهامها بالفساد. ويلاحظ هنا كفاية الاتهام دون الحاجة لان يصدر حكم قضائي بالإدانة.

    ـ الحد من نشر ثقافة الفساد ومن الحديث عن الفساد في الوسط الاجتماعي، ومن اجل ذلك يعتبر نشر إشاعات حدوث فساد أو الحديث مع أخر بشأن قضية فساد دون وجود أدلة واضحة جريمة في حد ذاته.

    ـ حظر استعمال الصفة في الأماكن التي تقدم خدمات بالنسبة للقضاة وأعضاء النيابة العامة والموظفين العامين كافة. وإذا ما ظهر بيان الوظيفة في مستند رسمي، فيجب أن يكون ذكره بالقدر اللازم، كأن يدون انه قاضي دون أي تفصيل أخر.

    ـ تحديد أجل ستة أشهر يجب أن تفصل فيه المحاكم في القضايا المعروضة عليها وعدم التأجيل لتاريخ يتجاوز هذا الأجل، مع تحديد اجل سنة كحد أقصى يجب أن ينتهي فيه التحقيق والإحالة إلي المحكمة أو حفظ الأوراق. ذلك أن إطالة عمر القضية في التحقيق ومرحلة المحاكمة مؤشر من مؤشرات الفساد أو الإهمال. كما أن العدل المؤخر هو عدل مرفوض.

    ثانيا/ السياسة الجنائية بشأن مكافحة الفساد:

    تشمل السياسة الجنائية في مجال الفساد- كغيرها من السياسات الجنائية – جانبا موضوعيا وآخر إجرائيا.

    فبالنسبة للجانب الموضوعي تبني المشرع السنغافوري تشريعا خاصا بمكافحة الفساد توسع في تجريم الفساد ومن ذلك تجريم الرشوة في القطاعين العام والخاص واعتبار عدم إبلاغ الموظف عن جريمة عرض الرشوة عليه جريمة مستقلة.

    ونص القانون المشار إليه على جرائم الفساد بعبارات واسعة شبيهة بتلك التي تلجأ إليها كثير من التشريعات عندما يتعلق الأمر بالجرائم الماسة بأمن الدولة ومنها الباب الأول من الكتاب الثاني في قانون العقوبات الليبي.

    يلاحظ أن هذا المنهج في التجريم لا يستجيب لمتطلبات مبدأ الشرعية الجنائي في شقه الموضوعي.

    ونص هذا القانون الخاص على عقوبات السجن والغرامات المرتفعة والمصادرة والرد، وفي حالة عدم الرد تضاعف عقوبة السجن.

    مع استبعاد التداخل بين العقوبات في حالة التعدد، حيث يجب أن تتعد العقوبات بتعدد الجرائم دون أي اعتبار للتتابع بين الجرائم ووحدة الغرض الإجرامي ( الارتباط غير القابل للتجزئة والجريمة المتتابعة).

    أما بالنسبة للجانب الإجرائي، فهو قائم على فكرة أساسية هي حتمية العقوبة بحيث صيغت أحكامه على أساس ضرورة إدراك كل شخص انه في حالة ارتكاب جريمة من جرائم الفساد لابد أن يكتشف ويعاقب، وان جرائم الفساد قليلة المردود بالنظر لكثرة مخاطرها.

    ويمكن إجمال خصائص النظام السنغافوري في مكافحة الفساد على النحو التالي :

    ـ وجود هيئة تتبع رئيس الوزراء ويعين أعضاؤها بقرار منه بعد أن كانت تابعة لوزارة الداخلية، تتولى دون غيرها جمع الاستدلالات والتحقيق في قضايا الفساد ، وتختص بمباشرة ذلك في مواجهة الكافة دون تفرقة بين المدنيين والعسكريين وبين القضاة وأعضاء النيابة والسياسيين وغيرهم من الموظفين العامين والعاملين في القطاع الخاص.
    ويتجاوز دورها الضبط القضائي ليمتد إلي الجوانب الإرشادية والضبط الإداري الوقائي، ومن ذلك أن لها أن تمنع شركة من الدخول في مناقصة لمدة خمس سنوات أو نهائيا وتحول دون تقلد موظف عام مركز قيادي .

    ما يعني أنها يمكن أن تفرض عقوبة لمجرد شبهات بالفساد، وهو ما يتعارض مع مبدأ قضائية العقوبة.

    ويلاحظ انه يجب أن ينظر لتبعية هيئة مكافحة الفساد لرئيس الوزراء في أطار خصوصية نظام النيابة العامة في سنغافورة الذي يقوم فيه النائب العام بوظيفيتين احدهما قضائية والأخرى استشارية، والذي يختلف بشكل جدري عن نظام النيابة العامة وصلاحياتها وعلاقتها بالسلطة التنفيذية وعلاقة مأموري الضبط القضائي بها في النظام القانوني الليبي.

    ـ إعطاء سلطات واسعة لأعضاء هيئة مكافحة الفساد في الكشف عن الجرائم ومنها مراقبة التغييرات التي تطرأ على حياة الموظفين وإمكانية الإطلاع على حساباتهم المصرفية، حيث لا وجود للسر المصرفي في هذا المجال( تغليب متطلبات فاعلية مكافحة الفساد على متطلبات حماية الخصوصية الفردية).

    ـ يعتبر نظام المخبرين من الجمهور والموظفين من أهم الوسائل التي تعتمد عليها هيئة مكافحة الفساد ومصلحة الضرائب وغيرها من الجهات التي تختص بالتحقيق في قضايا الفساد والتهرب الضريبي في التحريات وجمع الاستدلالات ( نظام استخباراتي يبدو انه فاعل ودقيق بالنظر إلي نتائجه والتي منها أن 80% من حالات التهرب الضريبي اكتشفت بواسطة المخبرين). بالإضافة إلي البلاغات التي تقدم من الأكثر دراية بها عند وقوعها وهم العاملون في القطاعين العام والخاص بشأن جرائم الفساد والتهرب الضريبي.

    وتعتمد الجهات المختصة على آلية المكأفاة التي تقاس على أساس نسبة معينة من قيمة المال محل الجريمة على أن لا تتجاوز مائة ألف دينار لمن يبلغ عن الجريمة.

    مع ملاحظة أن النظام يضمن سرية المخبرين حتى بعد انتهاء التحقيق لحمايتهم ولضمان فاعلية أدائهم لإعمالهم، ولا يعطى اسم المخبر حتى للقاضي إلا إذا أصدرت المحكمة أمرا خاصا توجب فيه الكشف عن شخصيته.

    ـ تسهيل إثبات جرائم الفساد بإيجاد ما يسمى بقرائن الإدانة، والتي منها أن أي زيادة غير مبررة في دخل الموظف العام تلاحظ من خلال مراقبة طريقة معيشته تعتبر قرينة على كسبه مال فاسد، إلا إذا اثبت العكس.

    كما انه ليس من حق المتهم الصمت وإخفاء معلومات عن المحققين( وكأنه يلزم بالشهادة ضد نفسه).

    ـ استعمال أعضاء هيئة مكافحة الفساد للوسائل التقنية للتحقيق ومنها جهاز كشف الكذب لجمع المعلومات والتأكد من مصداقيتها وللتوصل لضبط التحقيق في اتجاهه الصحيح مع ملاحظة عدم إمكانية الاعتماد عليه كدليل للإدانة.

    ـ استبعاد الحصانة الإجرائية ، بحيث يمكن أن يباشر التحقيق وترفع الدعوى الجنائية ضد كل من تتوافر دلائل على ارتكابه جريمة من جرائم الفساد وترفع الدعوى الجنائية في مواجهته دون أن يتوقف ذلك على أذن جهة ما .
    وهذا على خلاف التشريع الليبي الذي يتوسع في منح الحصانة الإجرائية، ويعطي إمكانية تعطل تفعيل القانون بالقانون، ويمد الحصانة لما بعد انتهاء الوظيفة وهو ما عليه نص المادة ( 21 ) من القانون رقم (1) لسنة 2006 ف.

    ـ إتباع نظام في المحاكمة وتنفيذ أحكام الإدانة يسمح بدعم الثقة في النظام القضائي وتحقيق وظيفة الردع العام ووصم مرتكب الفعل بوصمة الفساد في المجتمع بحيث يكون عبرة لغيره، فالمحاكمات علنية والأحكام الصادرة في قضايا الفساد يجب أن تنشر ويمكن للكافة الإطلاع على منطوقها.

    ويلاحظ هنا أن أهم الإشكاليات التي يعاني منها النظام القانوني الليبي هو عدم تنفيذ الأحكام القضائية والتوسع في العفو الخاص، الأمر الذي يضعف إلي حد بعيد من فاعلية النظام القانوني.

    ـ عند التحقيق في قضية من قضايا الفساد يجب أن يتعدد المحققون ، بحيث لا يجوز أن يتولى القضية محقق واحد، لضمان الشفافية وعدم التأثير عليه ( تعدد المحققين ضمان عدم التلاعب في القضية).

    كما أن النظام القضائي في مجمله قائم على أساس تبسيط إمكانية اللجوء إليه ووضوح إجراءاته وتنفيذ أحكامه ، فهناك اعتماد على النظام الالكتروني في تسجيل الدعاوى وفي الحصول على المستندات الخاصة بها لكل من له الحق في ذلك وفي الاعتراف بالجرائم وفي دفع الغرامات ، ويمكن الإشارة لما يعرف بالمحاكم الليلية التي تمكن من استعمال حق التقاضي خارج ساعات الدوام الرسمي المعتاد للدولة.

    باختصار يمكن القول أن الإرادة السياسية الواضحة في سنغافورة أنتجت قانونا فعالا ونظاما للتقاضي حياديا وسريعا وإدارة ضبط إداري وقضائي تتميز بالصرامة والمهنية. مع ملاحظة بعض حالات اختلال التوازن الإجرائي بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة.

  12. دروس في التنمية الاقتصادية من سنغافورة النشر على الإنترنت: الأحد, 29 يونيو 2014
    يمكنك أيضاً تنزيل نسخة PDF من التقرير عربي أو English

    تعتبر سنغافورة قصة نمو مدهشة حيث كانت واحدة من أفقر البلدان في آسيا خلال الستينيات من القرن الماضي. ولكن منذ ذلك الحين، حولت نفسها إلى واحدة من أكثر الاقتصادات تقدماً بثالث أعلى مستوى لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العالم بعد قطر ولوكسمبورغ. و قد مرت سنغافورة عبر مراحل عديدة في هذا المسار المذهل من التنمية، حيث بدأت بالتصنيع الخفيف ثم انتقلت إلى صناعات أكثر تطوراً قبل التحول إلى مركز إقليمي للتجارة والخدمات المالية. وتتمثل أحدث مرحلة في مسار تنمية هذا البلد في إنشاء اقتصاد قائم على المعرفة. ويقدم هذا التطور الكبير في سنغافورة أمثلة مفيدة لدول مجلس التعاون الخليجي التي تسعى إلى تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط ونحو نموذج أكثر استدامة للنمو والتنمية.

    كانت سنغافورة مستعمرة بريطانية في سنة 1960 حيث كان اقتصادها في الأساس بمثابة محطة تجارية إقليمية. وكانت القواعد العسكرية البريطانية تمثل نحو خمس الناتج المحلي الإجمالي الإسمي وكان ما لا يقل عن 75٪ من السكان بدون تعليم أساسي. لكن، ومنذ ذلك الوقت، تطور الاقتصاد بسرعة ملحوظة حيث تضاعف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ما بين 1966 و 2013 خمسة عشر مرة، أي بمعدل أسرع ثلاث مرات من نظيره في الولايات المتحدة.

    حصل هذا التحول الهائل عبر مراحل مختلفة، كما لو كان ذلك يتم عبر اتباع كتاب منهجي في الاقتصاد. فمن المعروف أن الاقتصاد ينمو إما بسبب الزيادة في المدخلات (العمالة، أو رأس المال، أو الموارد الطبيعية) أو عندما تصبح تلك المدخلات أكثر إنتاجية. وفي حالة سنغافورة، فإن معظم النمو الأولي جاء من الزيادة السريعة في العمالة ورأس المال. لكن في الآونة الأخيرة، أتى معظم النمو في سنغافورة من زيادة إنتاجية المدخلات حيث أصبح الاقتصاد قائماً على المعرفة بشكل أكبر.

    نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة وسنغافورة

    (دولار أمريكي، لما يعادل القوة الشرائية)

    GDP per Capita in the US and Singapore

    المصادر: صندوق النقد الدولي وتحليلات مجموعة QNB

    اشتملت المرحلة الأولى من التنمية في سنغافورة على تعبئة كبيرة للمدخلات لتحويل الاقتصاد إلى قاعدة للصناعات التحويلية الموجهة نحو التصدير. ويعزى ذلك لسياسة صناعية متعمدة من جانب الحكومة وممولة من المدخرات الوطنية وتدفقات الاستثمار الأجنبي. نتيجة لذلك، ارتفعت حصة الاستثمار في الناتج العام من أقل من 10٪ في عام 1960 إلى أكثر من 40٪ في منتصف الثمانينات مما أدى إلى تراكم كبير في رأس المال واليد العاملة الماهرة. إضافة لذلك، وسعت سنغافورة امن قاعدة العمالة من خلال الهجرة الوافدة ومشاركة أكبر لسكانها في القوة العاملة.

    صعدت سنغافورة بذلك تدريجياً سلّم القيمة المضافة منتقلة من الصناعات الخفيفة مثل النسيج، والملابس، والمواد البلاستيكية إلى صناعات متطورة كالإلكترونيات، والمواد الكيميائية، والهندسة الدقيقة، وعلوم الطب الحيوي. بالإضافة إلى ذلك، مضى هذا التطور جنبا إلى جنب مع زيادة كبيرة في الخدمات، وخاصة الخدمات المصرفية. غير أن نموذج التنمية القائم على زيادة المدخلات فقط يصل إلى طريق مسدود في نهاية المطاف مع تناقص العوائد الهامشية لتلك المدخلات وتوظيف القوة البشرية للبلاد بشكل كامل.

    ونظراً لأوجه قصور نموذج التنمية السابق، احتاجت سنغافورة للانتقال إلى مرحلة جديدة من التنمية تعتمد على نمو إنتاجية المدخلات المتاحة بدلا من زيادة حجم هذه المدخلات. للقيام بذلك، وضعت سنغافورة استراتيجيتين. تعتمد الأولى على استيراد أحدث التطورات التكنولوجية العالمية لزيادة إنتاجية رأس المال والعمالة، وذلك من خلال تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوظيف المواهب الأجنبية كوسيلة لنقل المعرفة. بينما ترتكز الاستراتيجية الثانية على توفير البيئة القانونية، والفكرية، والحوكمة الرشيدة للنمو ورعاية المواهب المكتسبة من أجل خلق مجالات للابتكار والتقدم التكنولوجي. وفي هذا الصدد، تحتل سنغافورة المرتبة الأولى في نظام الحوافز الاقتصادية لاقتصاد قائم على المعرفة، والرابعة في العالم من حيث الابتكار في مؤشر اقتصاد المعرفة للبنك الدولي. كما يصنف البنك الدولي سنغافورة في المرتبة الأولى في العالم في تقريرها عن جودة مزاولة أنشطة الأعمال.

    ويمكن لقطر استخلاص أمثلة مفيدة من تجربة سنغافورة في تنفيذ رؤية قطر الوطنية 2030 حيث أن كلتاهما بلدان صغيران يتميزان باقتصاد مفتوح على العالم. ورغم أن قطر تنعم بموارد طبيعية أكثر بكثير من سنغافورة، إلا أن الإنتاج في قطاع النفط والغاز قد وصل إلى مرحلة الاستقرار في الوقت الذي يمر الاقتصاد بمرحلة التنويع.

    تتميز مرحلة التنويع الاقتصادي بتوسع سريع في الإنفاق الاستثماري في البنية التحتية والصناعات مما يؤدي إلى تراكم كبير في رأس المال المادي مثل الطرق والآلات والمباني. ويرافق ذلك زيادات سريعة في اليد العاملة الماهرة عن طريق الهجرة. و هو ما يشبه من حيث الجوهر المرحلة الأولى من النمو السريع في سنغافورة. لكن، ومثل ما حدث في بلدان أخرى، فإن عملية زيادة مدخلات الإنتاج ستصل محدوديتها في نهاية المطاف مما سيتطلب نموذجا جديدا للتنمية تماشيا مع رؤية قطر الوطنية 2030. و ستكون قدرة دولة قطر على جذب وتطوير والحفاظ على رأس المال البشري عاملاً رئيسياً في تغيير ذلك النموذج من النمو بنفس الطريقة التي تقوم بها سنغافورة اليوم.

    على المدى الطويل، يعتمد النمو بالأساس على زيادة المعرفة وتحسين الإنتاجية، حيث تشير تجربة سنغافورة إلى أن توفير تعليم ممتاز، وجذب يد عاملة ذات جودة عالية، وتوفير البيئة المناسبة والبنية التحتية للابتكار والتقدم هي شروط لازمة لخلق مستويات عالية من النمو الاقتصادي على نحو مستدام. وتحدد رؤية قطر الوطنية 2030 خارطة الطريق لهذه المرحلة الجديدة من التنمية.

  13. كلاب الأمن في الكع الشديد بيقوموا (صوف) ويخلوكم براكم في النقعة
    احسن قريشاتكم حولوها لبلاد برة بتنفعكم في المنافي

  14. وقال “حتى لا نندم فيما بعد”، ماتمشوا ياخى قاعدين لشنوا…يازول انت غريب جدا..,..معقول بس … عاوزين شنو بعد خراب سوبا؟؟؟؟؟حريقه تأخذوكم فردا فرد..

  15. * لا..ستندمون ندما شديدا, على صرفكم 16 مليار على “”الأمن و الجيش و الشرطه, دون جدوى!!
    * ستقتلعون قريبا و لو صرفتم 160 مليار!..لأنها سنة الحياة و ضرورة الواقع!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..