مسيحيو أفريقيا الوسطى يرشحون مسلمين لرئاسة الدولة

في هذه المرحلة التي تعيشها الإنسانية، والمتسمة بسرعة التطور والتركيز على الملفات ذات الطابع الكوني والعالمي، أصبحت الإشكالات الدينية والطائفية ضربا من ضروب العودة إلى التخلف والشد إلى الوراء. وقد وعى شعب أفريقيا الوسطى أخيرا، أن الأصل في بناء الأوطان يكمن في حس المواطنة والمشاركة في تحقيق الأهداف السياسية للبلاد وليس الانقسام على الذات بتعلة الانتماء إلى دين معين. ولعل الانتخابات الرئاسية التي تجري حاليا في البلاد تعد نموذجا راقيا في المواطنة والتعايش يمكن الاستفادة منه في وطننا العربي.

العرب [

بانغي ? كشفت الحملة الانتخابية الأخيرة لمرشحي الرئاسة والبرلمان في أفريقيا الوسطى، عن أجواء إيجابية من التعايش بين المسلمين والمسيحيين في هذا البلد الذي شهد توترات دينية وطائفية دامية في العامين الأخيرين.

وبعيدا عن التباينات السياسية والدينية، بات من المألوف خلال الأسبوعين الماضيين مشاهدة مسلمين يحيطون بمرشح مسيحي ويعبرون عن تأييدهم له، ومسيحي يقود الحملة الانتخابية لمرشح مسلم، وهي مشاهد لم تعتدها أفريقيا الوسطى، منذ اندلاع الأزمة الطائفية في ديسمبر عام 2013.

وفي هذا السياق، أكد خبراء على أن البلاد تسترد تقاليدها السابقة، بمنأى عن الخلافات الطائفية، مما يعبد الطريق نحو تحقيق الاستقرار الدائم، بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي بدأت عملية التصويت فيها وسط الأسبوع الجاري.

وقال يوسف الصديق، أستاذ الأنثروبولوجيا الأسبق، بجامعة باريس 3 السوربون الجديدة ?إن التبايانات الدينية لم تعد مهمة في نظر السكان، فنجد أن من بين المرشحين الأوفر حظا بالفوز بمنصب رئاسة أفريقيا الوسطى، مسلمين اثنين، في بلد لا تتعدى فيه نسبة المسلمين الـ10? من مجموع السكان?. وسلم المرشحان المسلمان للانتخابات الرئاسية، كريم ميكاسوا وبلال ديزيريه كولينغبا مسؤولية إدارة حملتهما الانتخابية لمسيحيين.

واعتبر باسكال كويامين، مدير حملة كولينغبا الانتخابية، أن مرشحه الذي تقلد مناصب هامة في الدولة قادر على تحقيق ?التغيير الحقيقي، باعتباره ليس له أي يد في ما وصلت إليه الأوضاع من حالة تدهور منذ 30 عاما?.

وفي مقر الحملة الانتخابية بالدائرة الثانية بالعاصمة بانغي، يعمل فريق كولينغبا، الذي يتكون من مسيحيين ومسلمين على حد سواء طوال اليوم، على حملتهم التي ترفع شعار ?التغيير الحقيقي?. وأوضح باتريك، أحد أعضاء حملة بلال كولينغبا الانتخابية، وهو مسيحي، أن الفريق يولي كافة تركيزه على موضوع الحملة لا غير، مضيفا أن ?لا شيء يبقى كما كان، فحتى الأوضاع الأمنية المتأزمة التي خلقت شرخا بالغا في العلاقات الاجتماعية في البلاد تركناها اليوم وراءنا?.

وتؤكد تقارير الملاحظين الأمميين أن السكان قد تمكنوا من التغلب على خلافاتهم مع مرور الوقت من خلال المبادرات المشتركة، على غرار، المسيرة التوعوية التي نظمها رئيس أساقفة بانغي وإمام المسجد المركزي من أجل إعادة فتح المقبرة الإسلامية بحي المسلمين ?بي كا 5? ببانغي.

وعلى الصعيد الأمني، يبدو أن أفريقيا الوسطى أزالت العقبة الأمنية من طريقها لتمضي قدما نحو إنجاح المسار الانتخابي، وذلك بعد إعلان الجنرال نور الدين آدم، رئيس الجبهة الشعبية لنهضة أفريقيا الوسطى (الفصيل الراديكالي لميليشيا السيليكا، ذات الأغلبية المسلمة)، عن إنهاء ?العمليات العدائية?، في البلاد، والمشاركة في الانتخابات، بفضل وساطات إقليمية ودولية.

وفي نفس السياق، عين المرشح المسلم الثاني كريم ميكاسوا، الذي يحتفظ بحظوظه كاملة لنيل منصب الرئاسة، المسيحي إيلي أويفيو، مديرا لحملته. وقال كونستنتين، أحد الناخبين المسيحيين الذي يميل بعض الشيء لبرنامج ميكاسوا الانتخابي ?لقد بعث الرجل رسالة إيجابية للناخبين المحتملين، باعتباره مرشحا يجمع ولا يفرق?.

وفسر الباحث يوسف الصديق أجواء التعايش الانتخابية هذه بالقول إنها ?تحمل بذرات التخلي عن حالة عدم الثقة بين المسلمين والمسيحيين التي سادت في مرحلة ما في أفريقيا الوسطى، لتسترجع البلاد تقاليدها الأفريقية النبيلة?، لافتا إلى أن ?أفارقة جنوب الصحراء لا يعرفون أنفسهم على أسس دينية، فالأخوة الأفريقية حاضرة في خطاباتهم وتتجاوز الفوارق الدينية?.

كما أشار الصديق إلى أن هذا النموذج المتعايش والمجسد في استحقاق سياسي في البلاد، يجب أن يكون مصدرا للإلهام لعديد التجارب العربية التي تشهد تنوعا في أديان مواطنيها، مثل العراق ولبنان خاصة، ?فمواطنو أفريقيا الوسطى الآن أثبتوا للعالم أن التعايش على أساس القانون والمواطنة والدولة أمر ممكن، بل هو الأصل والباقي استثناءات?.

وفي الاتجاه نفسه، اعتبر الأستاذ في المعهد العالي للعلوم السياسية بنجامينا، التشادي برونو دجاسنابيي، أن التعايش بين المسيحيين والمسلمين في أفريقيا الوسطى، خلال الأيام الأخيرة يعد بمثابة ?عودة إلى الزمن الجميل?، موضحا أن لأفريقيا الوسطى ?خاصية اجتماعية وثقافية مميزة، حيث أنه من بين الأعراق والعائلات نجد مسلمين ومسيحيين، على حد سواء في العائلة الواحدة?. ولفت دجاسنابيي إلى أنه في صورة ?إفراز الصناديق مرشحا يجمع السكان ولا يفرقهم ويتمتع بميزات سياسية تدفع نحو السلام والتطور والمشاركة والعدالة، لن نتحدث فقط عن التعايش السلمي والدائم بين السكان بل على حب الوطن والمواطنة?.

وترشح لازار ندجدير المسيحي، عن حزب تحرير شعب أفريقيا الوسطى، للانتخابات البرلمانية، بالدائرة الثالثة ببانغي، معقل المسلمين بالعاصمة، ليتبع خطى الكثيرين من بني وطنه الذين ينشدون العيش المشترك. وإلى جانب مرشح حزب تحرير شعب أفريقيا الوسطى، يقف مدير حملته المسلم أحمد حسن، للتأكد من الانتهاء من كافة الاستعدادات اللازمة، قبل انطلاق الانتخابات.

تعليق واحد

  1. لو السميح الصديق و مليشيات حكام الخرطوم
    ابتعدت من افريقيا الوسطي ،ما بتجيهم عوجة مسيحين و مسلمين
    “بوم الخرطوم البيعجبو الخراب” هو سبب أزمات الإقليم
    الدينية و الثقافية التي خلق منها أزمات سياسة و اقتصادية داخليا
    و خارجيا تمتد الي افريقيا الوسطي ،النيجر ،مالي ،السنغال ،الكميرون
    ونيجيريا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..