وماذا عن السودان يا كرنكي ؟

وماذا عن السودان يا كرنكي ؟

بابكر فيصل بابكر
[email][email protected][/email]

مسئوليَّة الكتابة لا تنبعُ فقط من تأثيرها على الآخرين, ولكن أيضاً من كونها فعلٌ أخلاقيٌ يتسامى على العواطف الشخصيَّة والإنتماءات الضيِّقة ويعملُ على الإقتراب من الحقيقة بأقصى درجةٍ ممكنةٍ من الحياد. و من هنا فإنَّ مصداقيَّة الكاتب ترتبط إرتباطاً كبيراً بالمُحتوى الذي تبرزهُ كتابتهُ ومدى إبتعادها عن التحيُّز المُعبَّر عنهُ في الكتابة بأدواتٍ مثل التمويه والتعمية أو حتى التجاهل و السكوت.

إنَّ الإلتزام الأخلاقي للكاتب يفرضُ علي قلمهِ مُحاكمة الموضوعات المُتماثلة بنفس الحيثيات والمعايير بحيث يُصبح إعمال النقد والتشريح والتحليل, واتخاذ المواقف في بعض الموضوعات و التجاهل المُتعمَّد أو الصمت عن البعض الآخر إنحرافاً يطالُ مصداقيَّة الكاتب وجوهر الكتابة.

إنَّ أبسط مُقتضيات الحسَّ السليم والضمير الحي تتطلبُ من الكاتب الذي يُظهر إهتماماً و تفاعلاً كبيرين مع قضايا وتطلعات شعوب العالم المُختلفة أن يُبدي نفس الشعور نحو قضايا شعبهُ وبلادهُ.

في هذا الإطار وقعتُ على مقالٍ للكاتب عبد المحمود نور الدائم الكرنكي بصحيفة الإنتباهة بتاريخ 4/6/2012 تحت عنوان : “مبارك في السجن المؤبد في ليمان طُرة”, يتناول فيه الكاتب بالنقد سلبيات و مساوىء حُكم مبارك و فساد حزبه وبطانته و خطل سياساته الداخلية والخارجية.

يكتب الكرنكي مُصوِّراً الفشل الإقتصادي في ظل حُكم مبارك : (خلال فترة حكمه التي إستغرقت ثلاثين عاماً، فشل الرئيس حسني مبارك في تطوير مصر إقتصادياً. حيث تصاعد بدرجة كبيرة في سنوات حكمه الثلاثين مؤشر الفقر والعطالة وقمع المعارضة الداخلية بالسجون والتعذيب والقتل والنفي. خلال فترة حكم الرئيس مبارك التي استغرقت ثلاثين عاماً، أصبحت أندونيسيا ضمن أفضل عشرين دولة في الإقتصاد العالمي. أصبحت تركيا في المرتبة السادسة في الإقتصاد في أوربا. أصبحت البرازيل في المرتبة السادسة في الإقتصاد الدولي، بعد أن أزاحت بريطانيا عن تلك المرتبة. أصبحت ماليزيا في المرتبة السابعة عشر في الإقتصاد الدولي ). إنتهى

إنَّ الكرنكي الذي يتحسَّر على مصر و يكتب عن الفشل والتراجُع الإقتصادي الذي أصابها في ظل حُكم مبارك لا يُكلف نفسهُ ولو مرة واحدة عناء توجيه نقد مماثل للفشل الإقتصادي الذريع لحكومة الإنقاذ بعد ثلاثة وعشرين عاماً من الحُكم بلغت فيها نسبة الفقر 95 %, وتلاشت فيها قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار, وارتفعت فيها نسبة البطالة بين الخريجين لأكثر من 70 %, وهاجر ملايين المواطنين للخارج من أجل لقمة العيش, وتحطَّمت فيها الزراعة, و اختفت فيها الطبقة الوسطى, وبلغت الضائقة المعيشية وارتفاع الأسعار مستويات غير مسبوقة.

بالطبع سيتلو الكرنكي و أصحابهُ في المؤتمر الوطني والحكومة على مسامعنا أنشودة ” شوارع الأسفلت والكباري” التي إنتشرت في مختلف أنحاء السودان, وسنجيبهم بأنَّ مؤشرات النجاح الإقتصادي إذا كانت تقاسُ بعدد الطرق والكباري والأنفاق لنال نظام مُبارك في مصر أعلى مؤشرات النجاح, وفقط يكفيه في هذا المضمار تشييد “مترو الأنفاق” الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط.

أمَّا حديثه عن قمع المعارضة وكبت الحُريَّات فيكفي أن نقول لهُ إنَّ حُريَّة التعبير و الصحافة التي وفرَّها نظام مبارك في مصر ? بشهادة معارضيه – غير موجودة في السودان الذي يشهد كل صباح مُصادرة إحدى الصحف.

ويُضيف الكرنكي ? لا فضَّ فوه – قائلاً : ( لم تكتفِ حقبة الرئيس مبارك في مصر بانتشار الفقر والعطالة والبطش بالمعارضين، بل امتزجت بفساد مؤسَّس ضارب الجذور. فكان من البديهي عندما اشتعلت (ثورة الياسمين) في تونس وأطاحت بالرئيس زين العابدين بن عليّ، ألا يحتمل شعب مصر أكثر مما احتمل، من مزيج الفقر والفساد ليفجِّر بركان ثورة 25/يناير ويطيح بالرئيس مبارك. وقد كشف انهيار نظام الرئيس مبارك عالماً مروِّعاً من استغلال النفوذ والتربُّح وفساد كبار المسؤولين). إنتهى

إنَّ المثال الأوضح لمزيج الفقر والفساد الذي تتحدَّث عنهُ ? يا كرنكي ? هو بلدنا السودان الذي إحتلَّ العام الماضي المرتبة الثالثة بعد الصومال وميانمار ضمن الدول العشر الأكثر فساداً في العالم .

شواهد الفساد في السودان لا تخطئها العين ولا تحتاجُ لدليل فهى تستند إلى أساسٍ أسمنتي, وحديدٍ ذو بأس شديد مُجسَّد في البيوت الفاخرة والعربات الفارهة لمن كانوا بالأمس القريب فقراء مُعدمين, ولكل واحدٍ من هؤلاء قصَّة تروى في مجالس الأهل والجيران والعشيرة في كل مُدن السودان وقراهُ.

ويقول الكرنكي : ( أيضاً في عام 1990 – 1991م برز الرئيس مبارك كقائد في التحالف العسكري الذي قادته أمريكا لتحرير الكويت من الإحتلال العراقي. حيث أرسل الرئيس مبارك أربعين ألف جندي لهذه المهمة. ذلك مثال آخر على أن الرئيس مبارك كانت تعنيه خدمة الأجندة الخارجية ). إنتهى

في الإقتباس أعلاهُ يُحاول الكرنكي التمويه لإثبات عمالة الرئيس المصري للغرب غير آبه بذكاء القارىء الذي يعلم أنَّ موقف الرئيس المخلوع مبارك في حرب الخليج أملتهُ ضرورات السياسة و مصالحها, بل أبعد من ذلك يُمكن المجادلة في أنَّ مشاركة مُختلف الدول في تحرير الكويت كانت تعبِّر عن موقف أخلاقي في التضامن مع بلدٍ مُستضعفٍ تمَّ إستهدافهُ من قبل طاغية يمتلك جيشاً جراراً إستباح الأرض والعرض والمال والأرواح وابتلع ذلك البلد في ساعات. ويعلم الكرنكي أنَّه ما كان لصدَّام حسين أن يخرُج من الكويت إلا بواسطة هذا التحالف الذي قادتهُ أمريكا, وأنَّ أى حديث آخر عن إخراجهِ بواسطةِ قوَّاتٍ عربيةٍ أو إسلامية ما هو إلا حديثٌ للإستهلاك و “طق الحنك”.

لقد مدَّت حكومة السودان ثوَّار ليبيا بالسلاح, وشاركت ? بإعترافها – بفعالية في إسقاط نظام العقيد الليبي مُعمَّر القذافي مثلما فعل التحالف العسكري الغربي بقيادة ” الناتو” الذي نفذ الضربات الجويَّة, فهل يُمكننا القول أنَّ الحكومة السودانيِّة تحالفت مع “الصليبيين” لإسقاط حاكم عربي مسلم ؟ وهل كانت حكومة السودان بدعمها للثوَّار تخدم “مصالح أجنبيَّة” ؟ ولماذا لم تعارض حكومة السودان تدخل الناتو في ليبيا وتطالب بإسقاط نظام العقيد بواسطة قوات عربية أو إسلاميَّة مثلما طالبت أبَّان غزو الكويت ؟ إنهُ ? يا كرنكي – تقاطع المصالح السياسية الذي وحَّد هدف السودان والناتو في العام 2011, مثلما وحَّد هدف حسني مبارك مع أمريكا في العام 1990.

ويواصل الكرنكي قائلاً : ( لم تكن ثورة الملايين فخورة بتوريث الحكم أبناء الرئيس أو بالحزب الحاكم الجاثم على صدرها ثلاثين عاماً، حتى أحرقت دوره في القاهرة وكل المدن المصرية. لم تكن ثورة الملايين فخورة بالبرلمان الورقي الكرتوني الذي صنعه تلاعُب مبارك بالديمقراطية ). إنتهى

و نحنُ من جانبنا نتساءل : وماذا عن برلمان السودان ؟ إنْ كانت الورقيَّة الكرتونيَّة التي يقصدها الكرنكي تعني تماهي البرلمان مع الحكومة, وتحوُّلهُ لمجرَّد أداة في يد السُّلطة التنفيذية فهذا أمرٌ يبدو بوضوح في برلمان السودان أكثر منهُ في برلمان مبارك الذي ضمَّ في نسخته قبل الأخيرة ثمانية وثمانين نائباً من الإخوان المسلمين إضافة لعدد آخر من المعارضين المُستقلين, فكم معارض يضمُّ برلمان السودان ؟ إنَّ حزب المؤتمر الوطني يُسيطر على أكثر من 95 % من عضوية المجلس الوطني, و جميع المجالس التشريعية بالولايات, فهل هناك تلاعب بالديموقراطيَّة أكثر من هذا ؟

إنَّ جميع أنظمة الحُكم العربية ? يا كرنكي – بما فيها نظام الإنقاذ السوداني تشتركُ بدرجاتٍ متفاوتةٍ في خصائص أربعة هى : فقدان الشرعية الدستورية والقانونية , والإعتماد على الإقتصاد الريعي ,و القمع والإبتزاز, والفساد, وهذا يعني أنه لا توجد فوارق جوهرية بين الأنظمة التي سقطت على أيدي الشعوب الثائرة في مصر وليبيا وتونس, وتلك التي تشهد حالياً زلزالاً تحت أقدامها, والأخرى التي ما زالت تنتظر, سواء جثمت على صدر الشعوب ثلاثين عاماً أو ثلاث وعشرين سنة.

تعليق واحد

  1. يا دكتور بابكر فكرك الثاقب وقلمك الرفيع نحن ندخره لما هو أثمن من الرد على أمثال المدعو الكرنكي . انهم نكرات صنعت منهم الانقاذ كتبة ومسئولين ورتعوا في المال العام ليكملوا به نواقصهم

  2. الكرنكى ده ما بيذكركم بالنكتة بتاعة الامريكى والروسى ايام سيطرة الحزب الشيوعى والكى جى بى على الاتحاد السوفيتى حينما قال الامريكى للروسى انا استطيع ان اقف امام البيت الابيض واهتف وانادى بسقوط الرئيس الامريكى فرد الروسى بانه يستطيع ان يقف امام الكرملين ويهتف بسقوط الرئيس الامريكى ايضا!!!! ناس الانقاذ يا اخ بابكر كلهم كرور ساكت ولا يمكن ان تحترم او تقدر اى واحد فيهم انهم ليسوا بقامات سامقة فى ادارة دولة متنوعة مثل السودان وما عندهم خيال كبير او قدرة فكرية او سياسية فى توحيدالبلد وخلق من التنوع قوة وقدرة ولوحة فنية سياسية تسر الناظرين فى بلد متنوع الاثنيات والمناخات والمحاصيل وذو امكانيات كبيرة زى المياه والثروة الحيوانية والبترول والمعادن والاهم من ذلك الثروة البشرية ولغابات والحياة البرية الخ الخ!!! الانقاذ الفشل وقصر النظر والغباء السياسى يمشوا على قدمين!!!!! معقول انحنا شعب قزم وتافه عشان يحكمونا ناس زى ديل ونفضل ساكتين كمان؟؟؟ ولا ابرىء نفسى!!!!!

  3. منطق وحجة قوية …

    لكن تتكلم مع مين ؟ مع قلوب غافلة ، الله جعل في عينيها غشاوة …

    فأنى لها نور القلوب الذي يري الله الناس به الحق حقا فيرزقهم إتباعه

    هذه رحمة من رب العالمين يهبها لمن يشاء ويضل بها من يشاء فهم في طغيانهم يعمهون

  4. المشكلة الحقيقية في الكيزان أنهم لازالوا يتحدثون بأشواقهم ما قبل إستيلائهم على الحكم
    يا كرنكي صحي النوم

    فاصل موسيقي:
    أنا شفت ناس ظالمين كتير بس إنت أظلم من ظلم

  5. مقال جميل و موزون كما عودنا بابكر فيصل .. الكرنكي رجل محترم كشخص لكن مواقفه مخزية تماما , يعني صحي البوديهو يهبش نظام مبارك شنو وهو جزء من نظام أرزل و أضل ..كان أخير ليهو يلبد بس و يشوف ليهو كتابة مسيخة أخري عن أمريكا و دستورها و ما عارف شنو كما عودنا ومافي داعي للشلاقة

  6. الكرنكى اسم تعرفه مدنى اما كان الاجدر به ان يتكلم عن فساد اخيه معتمد مدنى عازف البنقذ والكلام كتير فى ذاكرة مدنى ده منافق بمثل

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..