حوار مع التشكيلي حسن موسي

أجراه : عيسى الحلو

الدكتور حسن موسى تشكيلي له العديد من المعارض ومفكر وناقد ناشط في الشأن الثقافي سودانياً وعالمياً. ومحاور شرس في سبيل قناعاته الفكرية وبهذا وإلى جانب صفات أخرى كثيرة فهو من الكتاب الذين يديرون المعارك الفكرية بضراوة عالية، مما جعل الساحة الفكرية بسبب جهوده تدب بالحيوية حيث وضع الكثير من القضايا علي طاولة الحوار.
هنا نلتقي به حول قضايا حية.
«المحرر»


* الكلام عن الهوية دائما عندك هو أختيار حر. رغم أننا نولد ونحن مشروطون بهذه الهوية التي تصبح هنا ليست فعلاً أختيارياً حراً؟

– المسألة أكثر تعقيداً من هذا التوصيف الموجز، لأن سؤال الهوية ينطرح داخل جملة من الملابسات التاريخية ومن هذه الزاوية فنحن مطالبون بفحص سؤال الهوية مع مراعاة الظروف التي طرح فيها هذا السؤال. وسؤال الهوية في السودان قد انطرح ضمن بحث الطبقة الوسطى الحضرية بذات تعريف دورها التاريخي في السودان باعتبارها هي التي ورثت مقاليد الأمور بعد الاستقلال.
ومن هذه اللحظة التي بدأت فيها اجراءات السودنة الأدارية بدأ السؤال الفلسفي يتكون من الخاطر الجمعى،
ماذا يعني السودان؟ وماذا تعني الصفة السوانية؟

هذا السؤال تأثر بواقع الحرب الأهلية التي لازمت عملية الاستقلال ويمكن ان نقول ان هذا السؤال تأثر أيضاً بملابسات البحث عن تنمية اجتماعية واقتصادية من طبيعة الواقع السوداني، ولهذا السبب بدأت الأسئلة تصاغ بعد اكتوبر المناقشة حول الوحدة الوطنية وحول التنمية وحول دور الثقافة في عملية التنمية، كل هذه المناقشة هي مناقشة عامة على مستوى المجتمع السوداني. ضمن هذه المناقشة كان هناك عدد من الشعراء والأدباء والفنانين التشكيليين والمسرحيين والموسيقيين حاولوا ان يعقلنوا دور المبدعين تجاه اسئلة الواقع السوداني، وكانت نتيجة لهذه المناقشة ان ظهرت محاولات في تعريف الثقافة السودانية والفن السوداني والموسيقى السودانية كل أجناس الابداع «محمد عبد الحي، محمد المكي إبراهيم «الأدب» » وفي الموسيقى «جمعة جابر ومكي سيد أحمد» في المسرح «النصيري ويوسف عيدابي» وفي الفن التشكيل «الصلحي وشبرين».
من هذه المناقشات تكونت المفردات واللغة التي صارت مبذولة لكل من يرغب في الحديث عن قضايا الهوية الثقافية في السودان. وقد بدأ السياسيون السودانيون يتكلمون عن قضايا الهوية في وقت متأخر ولكنهم استفادوا من جهود المبدعين في المصطلح والمفردة والأطار المفهومي، لهذا من النادر ان تجد سياسياً يجهل قصيدة العودة إلى سنار.. وعلى هذا قس باقي الأمور.
* أما الهوية كأختيار حر، فهنالك طرف الحرية حينما تصنع أما الأخذ بالمصلحة، فليس هناك من يختار هوية ليست له فيها مصلحة.
لكن خيار الهوية وخيار المصلحة فيه طرف الجبر على أساس ان الشخص يولد وهو محكوم بجملة من الالتزامات المادية والرمزية التي تدفعه في اتجاه معين، على صعيد الخيارات التي يمكن ان يتخذها. وحينما نضع هذا الاعتبار ما بين طرفي الحرية والجبر نجد ان كل شخص يقضي جملة وجوده وهو يفاوض تعريف الهوية ما بين الطرفين «الجبر والحرية
».
* نرجع مرة أخرى للتشكيل.. ونرى أن النقد التشكيلي استعاد المصطلح الادبي حينما أسمى مدارس التشكيل في السودان -مدرسة الخرطوم، الواحد، الكرستالية..
الخ.. وهذه التسميات تفترض ان اللوحة هي تعبير مضمون عن معادل موضوعي خارج فضائها.. كيف ترى أنت المسألة؟

بالنسبة لي كصناع لوحات، اللوحة أو الأثر التشكيلي يستغنى بطبيعته عن الأدب وعن الكلام كوسيلة تعبير، لان الأثر التشكيلي يتم بوسائل ليست من جنس وسيلة الكلام الادبي وبالتالي من الممكن لأي شخص يقف أمام أثر فني ويعجب به مثلما يقف أمام منظر غروب الشمس أو أمام ورد ويعجب بذلك. ولكن هذا الوضع لا يمنع الناس من انتاج ادب حول موضوع منظر الغروب أو منظر الوردة، لكن هذا الأدب لا يعبر عن المضمون البصري وأنما هو محاولة التأطير نظر المشاهد ومحاولة التأطي غايتها توجيه نظر المشاهد في نفس الوجه التي ينظر إليها الشخص الذي ينتج هذا الأدب النقدي، لكن في نهاية المطاف فإن هذا الادب لا يلزم أي شخص بخلاف الشخص الذي انتج هذا الأدب. ويبقى العمل رهين العلاقة التي تقوم بين المبدع والمتلقي

* وعليه يمكن ان نقول ان هذه العلاقة ما بين المبدع والمتلقي هي تتبلور بما يعرف بالنقد التشكيلي.. فكيف نضبط هذه العملية التي تتراوح ما بين العملية «الموضوعية» والانطباعية «الذاتية»؟

لا يمكن ضبط وتحديد معيار بين الطرف الموضوعي والطرف الذاتي في العملية أنما هي مسار كفاح بمعني هي أسهام الطرفين أو هي مشروع مفتوح فمنه قد يتقدم المبدع على المتلقى أو قد يتقدم المتلقي عن المبدع أو أنهما يسيران معاً. لكن ليست هنالك وصفة نهائية.
* ظهر الآن ما يسمى بعلم اجتماع القراءة «الكتاب الفيلم اللوحة» وهذا العلم «النقد» يؤسس لموضوعية نقدية جديدة.
هذا مضمن فيما القول السابق .. فلا داعي تكراره.
* عالمياً يرى جورج لوكاش «صعود الرواية» ان الطبقة الوسطى هي المحرك لحداثة الابداع.. فما هو دور الطبقة الوسطى السودانية وهل انتهى الدور بانتهائها وزوالها؟

– الطبقة الوسطى هي المحرك للحداثة.. ولكنها هي حداثة مجتمع رأس المال وهي حداثة جزئية لا تعني القطاعات الشعبية الواسعة في الريف وفي المدن لان هذه القطاعات مستبعدة من خطوة التعليم ومن خطوة الثقافة وبالتالي فهي «الطبقة الوسطى» المحرك لحداثة طبقية توافق مصالحها هي كطبقة ولو نقلنا هذه الفكرة بعلاقة الطبقة الوسطى السودانية بحركة الابداع فيمكن اثبات بعض التوازي بين الحالتين. فما يسمى بالطبقة الوسطى السودانية لو أردنا التحديد هي الفئة الحضرية من الطبقة الوسطى والفئة الحضرية هذه هي التي حازت على حظوة التعليم، وفي المدرسة الحديثة ثم معظم قيم ثقافة الحداثة في الشعر والتشكيل والموسيقى. وهي قيم حداثة ابداعية لا صلة لها بالتقليد الثقافي المحلي السائد بين القطاعات الشعبية في الارياف وفي المدن. وحتي اليوم هناك ناس في المدن لا قدرة لهم على مواصلة تعليم ابنائهم بشكل مستمر وطبيعي وعن الريف حدث!!… كل هؤلاء مستبعدون من ثقافة الحداثة.
وفرصتهم بالإلتحاق بثقافة الحداثة قد تتسع بقدر اتساع فرصهم في التعليم..
فمفهوم الطبقة الوسطى نفسه سيتعرض للتغيير من اللحظة التي تلتحق بخطوة التعليم من ثم بخطوة الحداثة.
هذه الخطوة «خطوة الحداثة» هي خطوة حداثة رأس المال وحداثة رأس المال معرضة بطبيعة تناقضاتها الداخلية لهزات وفرز طبقي جديد فالمسألة موضوعة ما بين الثابت والمتحول. ضمن هذا فإن مفهوم الطبقة الوسطى نفسه هو رهين بالتحولات والتخلقات الحادثة داخل المجتمع. وليس هناك تعريف للطبقة الوسطى نهائي وثابت وابدى وانما هي حالة تحول مستمرة
.
* أطلعت على الممالك التشكيلية الأخيرة.. وأراك قد وظفت «الحروفيين » فيها بشكل غير المعروف عند الحروفين العرب. إذ أصبح الحرف مادة من مواد بناء اللوحة.. كيف ترى هذا؟

– الحروفيون العرب «وأنا أقول «
الحروفيون العرب» فارزاً لهم من الحروفيين الأوروبيين وحتي الآسيويين»الحروفيون العرب طرحوا مشروعاً جمالياً ذا منفعة سياسية مربوطة باجهزة البروباغندا الرسمية.
ومعظم أعمالهم كانت تستلهم الحرف العربي كقيمة سياسية في منظور الحركة القومية في العالم العربي. وانصع الأمثلة كانت في بلدان مثل العراق وسوريا في الستينيات والسبعينيات. ومحاولاتي في مبحث الكتابة ليست رهينة الكتابة العربية وحتى حين أعمل على «موتيفات» الكتابة العربية في إحتمال الخط العربي فكتابتي تبقى مقروءة على المستوى البصري فقط. وهي نوع من كتابة عربية «مزيفة» من حيث النص لكنها كتابة عربية «حقيقية» من حيث الحاصل البصري. وكحاصل بصري فالكتابة تبقى بعض من أدوات الرسام في بناء اللوحة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..