“العودة إلى سنار” ..ما قام به مجموعة من أبنائها ..”قصة نجاح” وحكاية عبد الله من “حلة البئر” إلى برم

سنار ? آدم محمد أحمد
تردي البيئة وتراكم الأوساخ بصورة لافتة كان أبرز ما يشغل تفكير مواطني سنار المدينة، طيلة عهد الوالي السابق، وما يثير حنق الناس هناك أن مدينتهم تستحق أن يهتم بها.. العراقة والتاريخ هما السمة والعلامة الفارقة في سيرة سنار، لكن يبدو أن الحكومة الجديدة قرأت الكتاب جيدا وبدأت بملف النظافة..
13 آلية تعمل اليوم لتنظيف المدينة ونقل أكوام ما يربو على 5 أطنان من النفايات المتراكمة يوميا، لكن مع ذلك يشكو القائمون على الأمر من قلة الأيدي العاملة فالوظيفة التي يوفرها القطاع غير مجزية؛ من جملة مائة عامل العدد المطلوب لإنجاز المهمة يعمل الآن حوالي 47 فقط، وإن كان أبو القاسم حسن فضل معتمد سنار بدأ يستعين بعمالة أجنبية سيما في قطاع السوق الذي يعاني الإهمال دون غيره.
ولكن ليست النظافة وحدها ما يجعل المدينة القديمة في حيرة من أمرها، فولاية سنار تعتبر ثاني ولاية من حيث الزارعة وفقا للوالي الضو الماحي، وهو ربما، ما جعل وزارة الزارعة ترفد سنار في خريف هذا العام بمبلغ 5 ملايين جنيه، وقال الضو إن رئاسة الجمهورية تهتم بالولاية اهتماما كبيرا، فزيارة حسبو عبد الرحمن للولاية نهار الأربعاء الماضي مثلت دفعة لحكومة الولاية التي ترجو من ورائها الكثير، لكون المسؤول الرئاسي يقف على تفاصيل مختلفة ودقيقة، وفي حاجة إلى دعم وقرارات تنفيذية.
1
منافع ومصائب
كونها ولاية حدودية جعلها تدفع ثمنا مضاعفا، تمثل في العدد الكبير من الأجانب الذين يتدفقون عبرها يوميا سواء بفعل النزوح كالمواطنين من دولة جنوب السودان أو طلبا للعمل من دول أخرى، وهذا الأمر له تبعات في الصحة. يقول محمد عبد القادر، وزير الصحة بولاية سنار: يأتي الوافد إلينا بخيره وأشياء أخرى، لكن مع ذلك تعاني سنار من بعض الأمراض المستوطنة بفعل طبيعة الولاية ذات المعدلات العالية من الأمطار، أبرزها البلهارسيا، الملاريا والكلزار. الوزير الشاب يسترسل بالقول إن وزارته وضعت برنامجا صحيا متكاملا للتعامل مع تلك الأمراض عبر عمل مسح شامل حدد من خلاله الواقع والمطلوب لمكافحة الأمراض الموجودة، لكنه مثله غيره من وزراء الصحة في ولايات البلاد يشكو عبد القادر من نقص في التخصصات النادرة بمستشفيات الولاية، وينوه إلى أن المستشفيات الموجودة في ريف الولاية مقارنة مع عدد السكان تعتبر كافية وفقا للقانون الدولي في مجال توفير خدمة الرعاية الصحية الأولية، لكن لم تمنع محدودية المال في الولاية وزير الصحة من الشروع في تطوير الخدمات الصحية عبر استنفار جهد المواطن لبناء وتشييد مرافق صحية كبيرة، فمستشفى الكلى الذي يجلس تحت التشييد الآن يمثل أكبر مشروع في هذا المجال. ويعتقد الوزير عبدالقادر أن المستشفى يضاهي في جودته مستشفيات كبيرة في العاصمة كرويال كير، يأتي هذا في ظل أن الولاية ليست من ذات النسب العالية في الإصابة بأمراض الكلى فهناك الآن حوالي 202 مصابين وهذه نسبة لا تزعج، لكن الفهم العام عند الوزارة هو أن يصبح المستشفى مرجعا لولايات كثيرة مجاورة.
2
أوضاع مغايرة
اللافت في زيارة حسبو إلى سنار ما وقف عنده الرجل في قرية حلة البئر التي تقع حوالي 9 كيلومترات من سنار المدينة، فالداخل إلى تلك القرية الهادئة يجزم بأنه عبر حدود البلاد إلى دولة أخرى متقدمة، وليس في ولاية عادية، حجم الإنشاءات التي تمت وجودتها سيما المدارس أعطت صورة مغايرة عن مدى التفكير الذي يعمل عبره القائمون على الأمر هناك.. ثلة من أبناء القرية خرجوا مثلهم وآخرين يطلبون مستقبلا أفضل لهم ولأسرهم من الاغتراب لكن ربما وجودهم الطويل في خارج وتمازجهم وتزاوجهم من ألمانيات غير من طبيعة تفكيرهم كثيرا وخلق في دواخلهم رغبة في اللحاق بالتقدم، تكوين رابطة أبناء حلة البئر في ألمانيا كان الخطوة التي دفعت هؤلاء الشباب بقيادة عبد الله محمود لتقديم هذه الخدمة، يقول عبدالله لـ(اليوم التالي) إن الفكرة بدأت في العام 2001 عندما زاروا المنطقة ووجدوا كمية الضغط الموجود في المدرسة الوحيدة بالقرية حوالي مائة طالب في فصل واحد، ففكروا في بناء مدرس أخرى وبعد أن تم إنجازها قدموا طلبا لوزارة التنمية الألمانية لعمل مشروعات أخرى فكان إنجاز مركز صحي ومدرستي أساس وروضة ومساكن للعاملين بعدها.
تم إنجاز خمس مدراس، ينوه عبد الله إلى أن هذا العمل تم خلال 14 عاما، لكن الفكرة حفزت الكثيرون في أن يدفعوا برغبتهم في الاستفادة من خدمات الرابطة، ويشير عبدالله إلى تلقيهم طلبات من قرى مجاورة لبناء منشآت، ويضيف: “سنرى كيفية عمل ذلك خلال الفترة المقبلة”.
3
قصة نجاح
قصة عبد الله تمر بمراحل كثيرة ومحطات متعددة، يقول الشاب إنه نشأ وترعرع في حلة البئر وبعد أن أكمل مراحله الابتدائية ذهب إلى مصر ليدرس الجيولوجيا وقال إن الصدفة لعبت دورا كبيرا في أن يغير مجاله لدراسة هندسة الحاسوب بألمانيا قبل أن يلتحق بشركة ميكروسوفت للبرمجيات، ويشير إلى أن علاقته بدأت علاقته تتطور مع عدد من الألمان بعد أن تزوج من ألمانية، وينوه عبدالله إلى أن فكرة تكوين الرابطة جاءت عند حضوره للسودان بصحبة زوجته في إجازة سنوية كانت حينها عدد من المدارس تعاني نقصا كبيرا في الأثاث إلى جانب البنيات التحتية لم تكن بصورة مرضية عندها اقترحت له زوجته أن تقوم الجمعية وعلى الفور فكانت هذه الثمار التي أمامكم.. ولم ينس عبد الله أن يزجي شكره وتقديره إلى اللجنة الشعبية بالمنطقة وقال إنها لعبت دورا كبيرا في توظيف المال بالصورة الصحيحة.
4
أجانب بزى سوداني
تضم الرابطة في عضويتها عدد من الأجانب الألمان، الذين شكلوا حضورا بارزا في الاحتفال وارتدوا الزي السوداني العادي (الجلابية والثوب)، من ضمنهم زوجة عبدالله التي تدعى أندريا، حيث يقول البعض إن المرأة كان لها دور في توجيه بوصلة زوجها إلى منفعة أهله لكونها وقفت معه في بلادها واستقطعت جزءا من وقتها لكسب الدعم والمال لبناء تلك المؤسسات، تقول أندريا إنها التقت بعبد الله خلال العام 1995 أثناء الدراسة قبل أن تتزوجه وتنجب له من الأبناء نورا وفارس، وأصبحت واحدة من نساء حلة البئر تأكل معهن وتمشي معهن في الأسواق، تعبر عن سعادتها، وتقول: “أحب الأكلات الشعبية ولي علاقة مميزة مع أهل زوجي بصفة خاصة ومع والدته الحاجة حليمة علي موسى” وأشارت إلى أنها لا تتوانى في خدمتها من غسيل للأواني والملابس وغيرها من الأعمال المنزلية.. وحول مرورها بمواقف طريفة تقول أندريا إنها حضرت ذات مرة مع زوجها إلى السودان وكان ذلك في موسم خريف ولم تكن هناك وسيلة مواصلات لرداءة الطريق فما كان منها أن تستقل تراكتور بصحبة من معها لتصل إلى المنطقة.
5
حلة البئر
قرية البير إحدى اهم المناطق الزراعية في المنطقة، يقول معتمد محلية سنار أبو القاسم حسن فضل إن المنطقة تشهد طفرة كبيرة في التنمية والخدمات، مشيرا إلى تحسن أوضاع التعليم في كل المراحل في ظل الاهتمام الكبير من قبل أبناء المنطقة وأشار أبو القاسم إلى أن مجهودات رابطة أصدقاء قرية البئر بدت واضحة وهم يقدمون هذا النموذج الذي بدأ قبل أربع سنوات بمدرسة أساسية عبر مجموعة من أبناء حلة البير حيث ذهبوا إلى ألمانيا وبعد تخرجهم تزوج أغلبهم من ألمانيات وأشار إلى أنهم ظلوا مرتبطين بمنطقتهم ولم ينقطعوا عنها وفكروا في النهوض بها، ونوه أبو القاسم إلى أن رابطة أصدقاء البير مسجلة في ألمانيا ضمن الجمعيات التعاونية العاملة في مجال العمل الطوعي بوزارة التعاون والتنمية هناك، لافتا إلى أن أعضاء الرابطة يساهمون في كل مشروع بنحو 20 % على أن تكمل وزارة المالية الألمانية بقية المبلغ..
ووصف معتمد سنار ما حققته الرابطة بالإنجاز الكبير وقال إن الرابطة قدمت مساعدة للحكومة ولأهل المنطقة موضحا أن الحكومة تعهدت بتوفير المعلم والكتاب والإجلاس.
6
فيلم وثائقي
أكثر ما أثار إعجاب نائب الرئيس خلال زيارته إلى سنار ما قامت به رابط حلة البئر، مما جعله يوجه بإعداد فيلم وثائقي عن قصة نجاح الشاب عبد الله يحوي كيف ينجح السودانيون في الخارج، وأضاف: “لكونهم يعملون لجمع الأموال وتوجيهها لمنفعة البلاد وليس لشرب الخمر”، وسرعان ما عقد حسبو خلال كلمته أمام الاحتفال بالمنطقة مقارنة بين مواقف أبناء السودان في الخارج وقال إن بعض أبناء السودان ممن وصفهم بالعاقين خرجوا وحملوا السلاح ووجهوه لقتل أهلهم وتدمير قراهم وأعرب عن شكره وتقديره للحكومة الألمانية التي دعمت هذه المنشآت عن طريق رابطة أصدقاء حلة البير بألمانيا وحيا السفير الألماني في الخرطوم الذي شارك في الاحتفال وأضاف: “ما عندنا عداوة مع أي زول في العالم نريد تبادل مصالح مع كل الشعوب دون التدخل في الشؤون الداخلية”، وأكد حسبو على دور الدبلوماسية الشعبية في تحقيق التواصل بين الشعوب..
ويبدو أن الإنجاز الذي وجده النائب أثار فيه الحماس للاستجابة إلى بعض مطالب أهل القرية الذين رددوا: “عايزين الزلط” وكانوا يشيرون إلى أن المسافة الفاصلة بين القرية وسنار والبالغة تسعة أمتار تحتاج إلى سفلتة، يقول عمر شلبي ممثل اللجنة الشعبية إن الطريق أصبح مثل (جبة الدوريش) ترقيع هنا وهناك، فما كان من حسبو إلا أن صادق على تشييد الطريق ووجه وزارة الكهرباء والموارد المائية بإكمال مشاريع الكهرباء والمياه بسنار، وقال إن علاقات السودان الخارجية تقوم على تبادل المصالح والاحترام ورفض التدخل في السياسة الداخلية.
من جانبه أعلن السفير الألماني رولف جلبرس استمرار بلاده في تقديم الدعم لإنشاء مشاريع تنمية في السودان، وقال إن الاحتفال يمثل له لحظة تاريخية في التعاون ما بين السودان والشعب الألماني وأشار إلى أن فكرة إنشاء مؤسسات تعليمية في المنطقة بدأت صغيرة ولكنها تطورت بفضل جهود رابطة أصدقاء حلة البير بألمانيا ومشاركة الحكومة الألمانية في دعم هذه المنشآت وأضاف: هذا ما يجعلنا نشارك في هذا الحدث، وأعرب عن شكره لأصدقاء الرابطة والتعاون المشترك بين ألمانيا والسودان.
7
تفاعل وزاري
تفاعلت سعاد عبد الرازق وزيرة التريبة والتعليم مع ما شاهدته في تلك القرية، فتحدثت بإحساس من يعيش المشكلة، وقالت إن ما قامت به رابطة أصدقاء حلة البير بألمانيا يعد نموذجا متفردا وثمنت الجهود التي بذلها ابن المنطقة عبد الله تجاه أهله ومنطقته وقالت إنه خلق من وظيفته دعما للتعليم وتعهدت بالحفاظ على المدارس التي تم إنشاؤها وحرضت وزيرة التربية خريجي المدرسة على أن يعاودوها ويقفوا علي أحوالها ويسترجعوا ذكرياتهم فيها ويقولوا: (هنا كان مقعدي) وتكفلت وزيرة التربية بتوفير معامل العلوم للمدارس الثانوية ورعاية المتفوقين إلى جانب تدريب المعلمين، وناشدت سعاد أن تقوم المدارس على خلق مجتمع آمن ومستقر ومتكافل وأشارت إلى أن ما قامت به ألمانيا يمثل نموذجا للدبلوماسية الشعبية التي لا تلونها السياسة، مشيدة بالسفير الألماني لنزوله من الدبلوماسية الرسمية إلى الدبلوماسية الشعبية وأكدت سعي الدولة لتحقيق صداقة شعبية ونظيفة مع كل الشركاء في العالم مؤكدة دعمها للرياضة والأندية

اليوم التالي