قراءة في مقال الكاتب عبد العزيز حسين الصاوي..!

قراءة في مقال الكاتب عبد العزيز حسين الصاوي..!

الطيب الزين
[email][email protected][/email]

قراءة في مقال الكاتب عبد العزيز حسين الصاوي..!
يعد الأستاذ عبد العزيز حسين الصاوي من الكتاب السودانيين، المهتمين بمشروع الحداثة والتنوير، في السودان، وهذه مهمة كبيرة وعظيمة، في بلد مثل السودان، غارق في وحل التخلف والصراعات والمجاعات، فكتاباته فيها سعى مقدر لتشخيص، أسباب الإحتقان السياسي الذي ترك بصماته على جوانب الحياة الاخرى، في أبعادها الإقتصادية والثقافية والإجتماعية. وصلت حالة الإحتقان مرحلة متقدمة، من التشظي، الرأسي والأفقي، تنذر بعواقب وخيمة على حاضر ومستقبل السودان، لذلك تأتي أهمية مساهماته.
ولعل آخرها، مقاله المنشور في سودانيزاولاين، تحت: أفكار حول الازمة الوطنية والمخرج /عبد العزيز حسين الصاوي، وفي تقديري أن هذا المقال، جدير بالقراءة، لما حواه من تحليل للصعوبات التي واجهت ترسيخ الديمقراطية، في السودان، لكن الأهم هو الإستنتاج الذي خلص إليه، أورد منه، النص التالي : “بناء علي هذا التشخيص للسبب القاعدي للازمة السودانيه فأن اي خطة عمل تتوخي تقدما مضطردا نحوالديموقراطية لابد ان يكون مرتكزها الترافق بين إعادة استزراع مقومات الحداثه والاستناره وإعادة تأسيس المشروع الديموقراطي وذلك عبر هدفين محوريين مترابطين هما الاصلاح التعليمي والمجتمع المدني”.
وفي تقديري برغم أهمية، المجتمع المدني، للديمقراطية، إلا إنه ليس مرادفاً لها. الأمر المهم، هو إستعادة الديمقراطية أولاً، والمجتمع المدني، ثانياً. مع ملاحظة أن قدرة المجتمع المدني أكثر تاثيراً وفعالية في خلق الإزدهار وتطوير الديمقراطية، والعكس صحيح. أي علاقة متبادلة دون أن يتحمل أحدهما إلغاء الآخر. أي إنهما متكاملان وليسا متنافسين. وتأتي أولوية الديمقراطية، لأن مسيرة المجتمع المدني، في الغرب عموماً، نمت وترعرت في وجود نظام دستوري حضاري، وقاعدة مواطنة واعية، توفر بناء المنظمات المدنية، وفق أسس أفقية، في حين أن فكرة المجتمع المدني، حتى الآن غير مفهومة في السودان، بل في معظم دول العالم الثالث، وإن فهمها البعض، ففهمه لها فيه قدر كبير من الضبابية، بجانب أن بنية المجتمع السوداني، قائمة على الأثنية والمناطقية، والقبلية، والقبلية هذه تسيطرعلى أفكار وسلوك الأغلبية، حتى النخبة، ليس داخل السودان فحسب، بسبب أن المجتمع السوداني، يخضع لسيطرة نظام كرس، ومازال يكرس للقبلية، بل هذه الظاهرة تطبع سلوك، حتى الذين عاشوا، خارج السودان، فترات طويلة في الدول الغربية، حتى في بريطانيا الذي يعيش فيها الأستاذ عبد العزيزحسين الصاوي، لذلك أجد صعوبة في التوافق معه حول الخيار الذي خلص اليه، ألا وهو بناء منظمات المجتمع المدني في ظل النظام القائم، والمراهنة عليها لتحقيق هدفين، هما الإسهام من خلال مؤسسات التعليم العامة والخاصة، في توفير بيئة تساعد العقل على النظر خارج الأطر المفاهيمة السائدة في السودان الآن وتسهم في إحداث تحول ديمقراطي في عقول مناصري النظام القائم. كما يمكن أن تساعد في ترسيخ الديمقراطية عند إستعادتها، وفي تقديري، إن الإحتمالين صعب تحقيقهما، إن لم يكن في حكم المستحيل تحقيقهما، وإستحالة بناء المجتمع المدني الفاعل في السودان، ترجع للأسباب التالية، منها سيطرة اقلية على السلطة والثروة، محصورة في النظام وحاشيته، والمرتبطين به من الإنتهازيين، مقابل أكثرية تعاني الحرمان والتهميش، وبطالة عالية، وأجور منخفضة، لا تتناسب من تكاليف المعيشة، وإنتشار الفساد الأداري، والأخلاقي، مما حدا بالنظام ان يستورد الواقي الذكري بملايين الدولارات، في ظل نظام يدعي تطبيق الإسلام.. بعد أن نخر الأيدز في جسد المجتمع، نتيجة للازمة الاقتصادية والحروب، التي دفعت الناس للهجرة والتشرد والنزوح، مما ساعد على إنتشار هذا الوباء،.
هذه الظروف وغيرها لم تأتي من فراغ وإنما كانت نتيجة طبيعية، لغياب العدالة في توزيع السلطة والثروة بين مكونات السودان، الأمر الذي قاد الى عدم الإستقرارالسياسي والإقتصادي الإجتماعي، الذي يواجهه السودان اليوم، إذن ما ذكر يعد أمراض إجتماعية، تقلص من فرص بناء المجتمع المدني، الذي يعتبر ضعيفاً جداً في السودان، إن لم يكن معدوماً..! لذلك كما قلت أجد صعوبة بالغة في قبول الإستنتاج الذي خلصه اليه الاستاذ عبد العزيز حسين الصاوي، وهو المراهنة على منظمات المجتمع المدني، لإحداث التحول الديمقراطي. بل أجد موضوعية في رؤية المعارضة السودانية التي ترى، أن مهمة تغيير النظام القائم، هي المدماك الأساسي، لإعادة بناء الدولة السودانية، بحيث تضمن مشاركة حقيقية لكل أقاليم السودان، عبر مجلس رئاسي، يهيء الأجواء لقيام مؤتمر دستوري، يحدد الطريقة التي تدار بها البلاد، ويقر التبادل السلمي، آلية لتدوال الحكم بين المكونات السياسية، وويضع أسس واضحة تحدد التوزيع عادل للثروة بين المواطنين، هذه هي البيئة الملائمة، لبناء المجتمع المدني. لأن وجود المجتمع المدني، شرط لبناء الأسس المؤسسية الدستورية التي تشكل الأرضية الأساسية لإزدهار المجتمع المدني. تتجسد علاقة المجتمع المدني بالديمقراطية في مجالات عديدة، فالديمقراطية تتطلب المشاركة المنظمة الواعية المستمرة، يضاف الى ذلك أن الحاجة الإجتماعية تتطلب توجيه وتسيير مؤشرات الديمقراطية من القاعدة إلى القمة، بدلاً من إقتصارها على خط واحد، من الأعلى إلى الأسفل. أن تنمية المجتمع المدني، هي محور بناء الديمقراطية، وتظهر هذه العلاقة أيضاً في أحد الأركان الرئيسة للمجتمع المدني : في حق الإختلاف في الأراء، والعيش وسط التنوع، أي التعددية التي هي في ذاتها، تعتبر إحدى الأعمدة المركزية للديمقراطية، بما توفر من آلية سلمية لإدارة الخلافات والصراعات المجتمعية بكافة أشكالها.يضاف إلى ذلك إرتباطها بالحياة الديمقراطية الداخلية لمنظمات المجتمع المدني، فهي تمارس دور التوعية والتثقيف والتدريب والتهيئة للقيادات لمختلف الهيئات والمؤسسات المدنية والسياسية بما فيها الأحزاب والحكومات. ولعل هذا الفهم الذي يقول بأولوية الديمقراطية، على المجتمع المدني، يجد سنده في كتابات واحد يعتبر من المساهمين البارزين في أدبيات الديمقراطية والحريات العامة، في الوطن العربي، وهو الدكتور، سعد الدين إبراهيم، الذي يحدد مفهوم المجتمع المدني، كونه مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة، التي تملأ المجال العام بين الأسرة، والدولة لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الإحترام والتراضي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والخلاف. وفي بلد مثل السودان يزخر بالتعدد والتنوع الأثني والثقافي ويسيطر عليه نظام لا يتعرف بهذه الحقائق الموضوعية، مما أدخل البلاد في حروب ظلت مستعرة منذ لحظة مجيئه في 30/6/1989 وحتى الآن ليس من سبيل للخروج من هذه الازمة إلا بتغييره اولاً، ومن ثم وبناء نظام سياسي يحقق المشاركة العادلة لكل أقاليم السودان في السلطة والثروة، حتى نضع حداً لحالة عدم الاستقرار السياسي التي عرفها السودان منذ 1965، التي أساءت للديمقراطية كقيمة ونظرية، ومفهوم المجتمع المدني كرسالة إنسانية تتجاوز الرابطة الأثنية، والمناطقية والقبلية والدينية، حتى نوفر الشروط الموضوعية لبناء مجتمع مدني يحقق المصالحة بين المجتمع والدولة..!
الطيب الزين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..