شح أدوية الأطفال بين الاحتكار والبيروقراطيّة.. فشل الإدارات

الخرطوم – زهرة عكاشة
بالرغم من أن الحل سهل وفي متناول اليد، الآن الجهات المعنية بأمر الدواء تغض الطرف عنه، بقصد واضح، دون النظر إلى تأثير ذلك على الأطفال، وما يمكن أن يحدث إذا لم يتناولوا العلاج المناسب وجيد النوعية، ومن هنا تأتي أهمية الأدوية والعقاقير الطبية للصغار المرضى من اللائي يمكن أن تتعرض حياتهم للخطر إذا لم يجدوا العلاج المناسب في الوقت المناسب، ويعانوا من تبعات اجتماعية ونفسية ترهقهم ومجتمعهم، سنقف من خلال هذا التقرير على الأسباب الحقيقية لشُح أدوية الأطفال، ومن المسؤول من ذلك وما هو الحل المناسب؟
ضعف فعالية الدواء
يرى اختصاصي الأطفال صابر أبو القاسم أن العلاج المجاني المقدم للأطفال دون الخامسة في المستشفيات الحكومية، محدد وقديم، لا يواكب التطورات الحديثة، وعفى عليه الدهر. وقال: لذلك معظم أدوية العلاج المجاني مفعولها ضعيف جداً، ويظل يتعاطاها المريض لفترة طويلة، ويضطر الرجوع للطبيب عدة مرات، لافتاً إلى صعوبة شراء دواء آخر فعال في ظل الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعاني منه المجتمع. ومن خلال عمله في المستشفيات أكد د. صابر توفر الأدوية المنقذة للحياة. وأضاف: بالنسبة لعلاج السكر والكلى متوفرة لأن هناك جمعيات ومنظمات وخيرين يعملون على توفيرها باستمرار، لكلفتها العالية وحاجتها المستمرة، التي تجعل الحصول عليها أمر غاية في الصعوبة، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة.
رقابة معدومة
من جانبه، أقر الدكتور الصيدلاني عمر عبدالكريم بأن الدواء سلعة استراتيجية تخضع للعرض والطلب. وقال: احتكار سوق الدواء أهم أسباب ندرته وشحه من الصيدليات، بسبب الجهات المسؤولة والشركات المحتكرة له. وحمل د. عمر مسؤولية ذلك لبيروقراطيّة المجلس القومي للأدوية والسموم في تسجيل الشركات الموردة للأدوية والعقاقير من الخارج، مؤكداً أنه وضع طبيعي لفشل الإدارات. وأضاف: احتكار شركات توزيع الدواء للدواء يؤثر بصورة مباشرة في السوق، خاصة الأدوية المنقذة للحياة التي توضع لها استراتيجة محددة. ولفت د. عمر إلى انعدام الرقابة من قبل المجلس القومي للأدوية والسموم. وقال: “إن المجلس لا يبدي أدنى اهتمام بذلك، حتى صرنا نعاني من خطورة ضعف فعالية الدواء”.
تشخيص وعلاج
وأشار د. عمر إلى أن الصحة العامة في المجتمع تكمن في أطفالها. وقال: في المرض تتوقف صحتهم على التشخيص ثم العلاج، الذي يتأثر الأطفال بانعدامه من السوق. وأضاف: المضاد الحيوي يمكن أن يجد له بديلاً لكن العلاجات المرتبطة بالأمراض العصبية والمخ يمكن أن يكون لها تبعات أخرى، فهي تولد العنف والعدوانية والحركة الزائدة، لافتاً إلى أن المسؤول كان لابد أن يضع ذلك في الاعتبار، لأن الحالة التي يتعرض لها الأطفال دون (18) سنة في حال عدم توفر الدواء، تجعلهم يقاطعون المجتمع ويعيشون في عزلة بسبب شيء لا ذنب لهم فيه، في حين أن الحل أبسط من تلك النتائج الوخيمة. وأكد د. عمر أن التصنيع المحلي يمكن أن يسد الفجوة إذا عمل بكفاءة عالية. صمت ثم قال: لكنه محاصر بالعديد من المشاكل التي يجب أن تحل حتى يساهم بصورة فعالة في ذلك. وتابع: ولن يكون ذلك إلا بفتح السوق وإتاحة الفرص للعديد من الشركات بالمشاركة في استيراد الدواء الذي سيوفر علاجات مختلفة، فضلاً عن الابتعاد من بيروقراطيّة تسجيل الأدوية المستخدمة.
معاناة مستمرة
وأكد د. عمر تعرض عدد من الأطفال للخطر بسبب شح بعض الأدوية، وقال: على سبيل المثال جاءت طفلة برقفة والدتها تعاني من الصرع ولأن العقار يستورد فقط من سوريا وبسبب المشاكل التي تواجهها توقف. واختفى بذلك من السوق، فعانت البنت من الحركة الزائدة وهي أفضل الفروض، وأخرى كانت تعاني من مشكلة في النخاع الشوكي ولأن المضاد الحيوي الذي تتناوله لا يتوفر في الصيدليات كادت أن تموت، وكل ذلك مسؤولية المجلس القومي للصيدلة والإمدادات الطبية التي لها دور أيضاً في ذلك.
توفير النقد الأجنبي
فيما عبَّر الخبير الاقتصادي د. محمد الناير عن ارتياحه لما يحدث من حراك فيما يخص العقاقير الطبية سيما تلك المنقذة لحياة الأطفال. وقال: هناك جهود تبذل لتصنيع الدواء بالداخل، وهي أحد توجيهات البرنامج الثلاثي لرفع نسبة الاعتماد على الذات. وأضاف: هناك أدوية وعقاقير تستورد من الخارج لسد النقص، وهذا يتطلب نقداً أجنبياً، لذلك هناك ضوابط من البنك المركزي لتحسين نسبة الصادر توظف للاستيراد. وأردف لكن يتطلب الأمر مزيداً من الجهد وتوفير المال بالنقد الأجنبي للدولة مع وجود متابعة للصيدليات، لأن الدواء يختلف عن أي سلعة أخرى، وقطعاً لا يستطيع المريض معرفة سعر الدولة، لأن هناك شركات تقوم بذلك، وبالتالي لن يستطيع معرفة السعر الحقيقي للدواء.
وأضاف د. الناير: شُح أي دواء أو عقار محدد يكون سببه الرئيس عدم التنسيق بين الجهات التي تستورد الدواء والجهات المختصة بتوفير النقد الأجنبي. وقال: لابد أن تكون أولوية بنك السودان توفير النقد الأجنبي لاستمرار استيراد الدواء وتفادياً لحدوث فجوة مستقبلاً، مشيراً إلى الأدوية التي يتحصل عليها الأطفال دون الخامسة من المؤسسات الحكومية مجاناً، ونتطلع إلى أن تشمل خدمة العلاج المجاني الأطفال في سن (10) سنوات لأنهم يحتاجون لذلك
اليوم التالي