مقالات سياسية

“بيت العنكبوت”: الاستقصاء داخل جهاز الأمن

صلاح شعيب

قليلة جدا هي تجارب التوثيق في الحراك السوداني عموما، والسياسي خصوصا. وبرغم أن سنوات الإنقاذ قد شهدت تحولات كبيرة على مناحي الحياة فإن الحاجة إلى توثيقها صارت من المستحيلات داخل البلاد. ففي ظل طبيعة هذا النوع من الأنظمة الديكتاتورية التي حكمت السودان فإن مجال التوثيق ظل ضيقا في بيئة تقوم ثقافتها أصلا، ولزمن طويل، على المشافهة عوضا عن التدوين. ومع توفر سبل النشر، وهجرة عدد كبير من المثقفين، والناشطين سياسيا للخارج، إلا أن محاولات التوثيق ظلت تعاني من عقبات كثيرة، من بينها أن هذا الضرب من العمل الثقافي يحتاج إلى دعم مادي، ومعنوي، أكبر قد لا يتوفر لدور النشر المضطلعة بالمهمة. كما أن بعض الأفراد المهتمين قد لا يستطيع وحده حمل أعباء التوثيق الذي يتطلب الجهد الجماعي. ولكن إذا تعذر وجود التوثيق في داخل البلاد لأسباب تتعلق بإهمال دور الثقافة، وتصحر المتاحف، وإهمال الآثار، وسرقتها، وفقر الميزانيات المقدمة للجامعات لرصد وتوثيق مراحل الحياة السودانية، فإن السودانيين الذين يعيشون في الخارج قد عجزوا عن توثيق بعض مظالمهم، أو الجرائم، التي اقترفها النظام القائم ضدهم حتى اضطروا للبحث عن أوطان يستظلون فيها بالأمان، والكرامة. وإذا أقمنا الأعذار للمهاجرين في ظل الانشغال بفترات الانتقال التي يعايشونها بمرارة وصعوبة، فإن الأحزاب، والحركات المسلحة، ومنظمات المجتمع المدني كان يمكن أن تقوم بتوثيق، على الأقل، الجرائم التي ارتكبت ضد عضويتها، أو نشر أسماء الذين استشهدوا دفاعا عن حقوقهم، وحماية لأنفسهم في ميادين القتال. وتنبع أهمية التوثيق لهؤلاء الذين ضحوا عبر هذه المظاهر السياسية تقديرا لدورهم النضالي لتحقيق دولة المواطنة التي رووها بدمائهم. وليس هناك جهد أقل من أن تتعهد قوى المعارضة أمر نشر سجل كامل بالأموات الذين رافقوا الأحياء، وتقاسموا معهم المبيت في الخنادق يوما.

الأستاذ فتحي الضو يعد من أكثر الكتاب، والصحافيين، الذين اهتموا بضرورات التوثيق لبعض التجارب السياسية التي كان ناشطا خلالها. فقد تمكن وحده من الاحتفاظ بعدد من قصاصات الصحف المعارضة في مستهل التسعينات، والوثائق المتعلقة بمرحلة تكوين التجمع الوطني إبان ابتداره العمل السياسي، والعسكري، لإسقاط النظام. وبوصفه كان جزءً من ذلك الحراك عبر انتمائه لإحدى فصائل التجمع المذكور، ولكونه آنذاك مراسلا صحافيا للحياة اللندنية، وجهات إعلامية أخرى، فقد تمكن من الإلمام بمسار، وإسرار، تجربة التجمع الوطني بكل تضاريسها التحالفية حتى مرحلة تلاشيها. وبهذه الخلفية تيسرت له دراسة التجربة التي وفر لها مصادر، ومراجع، مهمة حتى تسنى له تقديم سِفر استقصائي كبير أخذ منحى التوثيق، والنقد، وتقديم المقترحات. وهكذا قفز الضو من باكورة التجربة ليراكم جهدا مثابرا في العمل الاستقصائي عبر مجهود فردي لم تثنه فيه ظروفه الأسرية القاهرة التي عاشها أثناء، وبعد، فقد زوجته الكريمة، رحمها الله. وهكذا غالب قدره العاطفي، والأسري، وتغربه الممتد، بكل ما فيه من مشقات، ليعيش قضية شعبه لحظة بلحظة، معبرا عنها بالقلم، ولاهجا بلسان صدق مبين، ومواقف متسقة، وجسارة متناهية.

-2-
كذلك وثق الضو حواراته المهمة التي أجراها مع قادة الإنقاذ في أيامهم الأولى إبان زيارته للبلاد موفدا من صحيفة الوطن الكويتية، وكذلك قدم مساهمة مهمة في توثيق الحرب الإريترية ـ الإثيوبية بعنوان: “حوار البندقية: الأجندة الخفية في الحرب الإثيوبية – الإريترية”. وأصدر كذلك كتاب “سقوط الأقنعة: سنوات الخيبة والأمل) و”الخندق: أسرار دولة الفساد والاستبداد في السودان” وكذلك أصدر كتاب “نون والألم: المحظور والمنشور في الشأن السوداني”. ولاحقا تمكن عبر دعم من مصادره داخل بنية النظام من تقديم اختراق أولي لجهاز الأمن تمثل في كتاب الخندق، والذي عنى بنشر وثائق تخص جهاز الأمن، تلك التي تجنح إلى توطيد أركان النظام بكثير من التآمر، والفساد، والهوج في انتهاك حقوق المعارضين. ولم يكتف الزميل فتحي بذلك، وإنما ظل خلال مقالاته المقروءة في الصحف الإليكترونية ينشر بين الفينة والأخرى بعض الوثائق المهمة عن جرائم النظام، بجانب مقالات يقدم عبرها نقدا جريئا لسياسات النظام. ولعله عبر كل هذا الجهد قد خلق قاعدة عريضة من القراء الذين يلتمسون عبر حروفه كثيرا من الحفز الثوري، والتفاعل الحي مع القضية الوطنية، وشحذ الأمل نحو سودان حر ديموقراطي. إنه ظل يغذي عقل قرائه برؤى ترسخ الحلم الديموقراطي الذي طال انتظار أهل البلاد لتحققه. وبين سطوره يبعد فتحي الإحباط عن النفوس كي تتحرر البلاد من “العصبة الحاكمة” كما ظل يهجوها حتى صار كثير من المعارضين يستعيرون منه هذا الاصطلاح. والأهم فوق هذا أن الأستاذ فتحي الضو أبان في كتبه، ومقالاته، رصانة أدبية في التعبير عن مواقفه، وثقافة رفيعة، وشجاعة متناهية في الاستعداد لدفع ثمن هذا الموقف المجاهر ضد سلطة الإنقاذ، فضلا عن ذلك فقد ظل يزاوار تجمعات السودانيين عبر القارات الثلاثة محاضرا عن الشأن الوطني.

وأخيرا تمكن المؤلف من تحقيق اختراق آخر لجهاز الأمن السوداني يضاف إلى اختراقه السابق الذي نشر محتوياته عبر كتاب الخندق. وقد مثل هذا الاختراق الجديد الأول من نوعه لكشف الهيكلية التي تقوم عليها واحدة من أجهزة الحركة الإسلامية الأمنية التي كم أذاقت عددا كبيرا من السودانيين مر القتل، والاغتصاب، والتعذيب، وإفساد الذمم لصالح الطفيلية الرأسمالية. وربما لا يمكننا إدراك تأثير هذا النوع من العمل المعارض الذي تبناه الضو بمثابرة مشهودة إلا حين نقرأ مقالة الكاتب إسحق أحمد فضل الله بعد صدور كتابه الأخير. وقد أوجع محتوى الكتاب إسحق وسدر يتساءل عن الجهة التي قدمت المعلومات التي لم ينفها لمؤلف الكتاب. بل إن ذلك الإحباط إزاء صدورالكتاب تمثل في الإساءة إلى الأستاذ الضو عبر ترميزات لغوية يستشف منها التحقير والإساءة للمؤلف وشيخه الترابي الذي نال من قناته في ملابسات بحثه عمن سرب السر.

-3-
الإصدار الجديد للأستاذ فتحي الذي حمل عنوان “بيت العنكبوت: أسرار الجهاز السري للحركة الإسلاموية” يمثل عملا وطنيا خلاقا يضاف إلى مجهوداته الكبيرة التي أشفت بعضا من غليل الأسر المكلومة التي تضررت من النظام، إذ ساهمت الأجهزة الأمنية للحركة الإسلاموية الباطشة في قتل أبنائها بدم بارد في المعتقلات، واغتصاب فلذات كبدها، وعملت على جندلتهم صرعى في ساحات التظاهر في المدن، وفي القرى الآمنة. وهذه الوثائق التي أوردها الضو قد كشفها مصدر من مصادره، والذي كان يمثل ركنا أساسيا داخل الأجهزة الأمنية. بل إنه المصدر التائب الذي ساهم بقدرما في توطين سياسات تنتهك حقوق الإنسان بأشكال تنافي القيم الدينية، والإنسانية، على حسب اعترافه المبين. ولقد أوضح المصدر الذي أعان المؤلف أنواع الوسائل، والأساليب، القذرة التي اتبعتها الأجهزة الأمنية بتخطيط ممنهج ومدروس من قادة الحكومة وتحت إشراف البشير شخصيا، ومن هم دونه. ومن هنا تنبع أهمية هذا الكتاب كملمح أساسي من ملامح التوثيق المطلوب، والذي ربما سيساعد يوما في الاعتماد عليه لمقاضاة هؤلاء الذين انتهكوا حقوق الإنسان بشكل لا مثيل له في تاريخ الحكم الوطني. ولعلهم أولئك المحميين بنص القانون الذين ما يزالون يواصلون الإفلات من العقاب. إذ من خلال عملهم في جهاز الأمن يقومون بإيذاء المواطنين الشرفاء لمجرد تعبيرهم السلمي عن مواقفهم المبدئية ضد سياسات النظام الخرقاء التي وطدت للرأسمالية الطفيلية الإسلاموية. وهكذا لم تكن الأجهزة الأمنية إلا الغطاء للنخبة الإسلاموية التي سرقت موارد البلاد عبر الغش الديني والسياسي، وعبر إلهاء المواطنين بقنوات فضائية تتكامل أدوار مذيعيها، ومقدمي برامجها، وقارئي أخبارها مع أدوار أفراد الأمن، وقوات الدعم السريع.

لقد احتوى “بيت العنكبوت: أسرار الجهاز السري للحركة الإسلاموية”، بجانب المعلومات الوافرة التي قدمها مصدر المؤلف عن هيكل الجهاز التابع لأمن التنظيم، ستة فصول، إذ تعلقت بتقديم عمل بحثي عن مفهوم الأمن، والذيول التاريخية، والسياسية، التي ارتبطت به، ورصد للاغتيالات السياسية التي قامت بها الأجهزة الأمنية للنشطاء السياسيين، والطلاب، وكذلك بعض طرق اغتيال الحكومة لرموز العمل العسكري والسياسي. وقدم الكتاب نماذج للذين دبرت الحركة الإسلامية أمر اغتيالهم خارج البلاد، وتوثيقا لبعض الجرائم التي اقترفت ضد الطلاب. ونأمل ان يواصل الزميل فتحي في درب استقصاء الحقائق في مناخ بانت فيه حقيقة المشروع الحضاري الذي استخدم الأمن وسيلة لنهب ثروات البلاد، والإفساد بكل معطيات البلاد الاجتماعية، والثقافية، والفنية. وكذلك ينبغي أن تحذوا جموع السودانيين في الخارج، خصوصا الذين تضرروا بشكل مباشر من النظام حذو الأستاذ فتحي الضو للعمل على تكوين مركز للتوثيق يهتم برصد كل الانتهاكات التي أرتكبها النظام في كل مستويات الحياة، ونشرها سنويا عبر إصدارة. ومن شأن هذا المركز تقصى كل المعلومات المتصلة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان داخل السودان عبر التعاون مع المنظمات الناشطة في المجال داخليا وخارجيا.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. رجعنالك عشان فيك الاحرار اولاد ملوك النيل نحييكم تخية الصمود والثبات وانتم لا تتزحزحوا عن مبادئكم ونضالكم النضيف من اجل الوطن وليس كاولاد بالوعات حزب التيوس ووجهه الاخر بدجاله الذى جلس فى وضع الانقضاض والقنص وفى كنناته الكثير من ادوات الصيد الوسخ بحثا عن الشرعيه التى لن يجدها بوجودكم ويقظتكم فهو من فشل الى اخر الى ان وصل المرحله الثالثه منه والتى تتعارض مع ما يعلن عنه قالمهم عنده السلطه باى طريقه ولكن المصيبه ليست فيه بل فى بعض اصحاب الضمائر الميته والذين يبحثون عن السلطه والمال والشهره بالكذب والغش والخداع ولن يحصلوا عليها ونحن احياء وكثيرين هم منهم احزاب كامله تخدع منسوبيها وهى لا تملك من امرها شى بل مجرد منفذى تعليمات الدجال الاكبر وتوجيهاته وسياسته الغذره ومنهم صحفيين يبحثون عن المال او وعد بمنصب كالخنذير الديوث عارض عرضه فى سوق دعارة الكيزان ويتكلم عن الرجاله التى لن يطالها حتى لو فرشت فى السوق دلاله وسياتى يومه الذى نحاسبه فيه ونرى شكل الرجاله التى يدعيها ونحن نتحدى اسياده علنى ونشتمه ونشتمهم ونعلم مدى اجرامهم وما يفعلونه من جرائم ولن نتراجع لو حشدوا علينا كل الكلاب والخنازير من كل اصناف القذارات التى يجلبونها منها وسنبصق عليهم ورؤسنا مرفوعه عاليا ( وننتظر تعليمات القياده)

  2. الامن السوداني يفبرك حوارا صحفيا لتوصيل رسائل للسعودية ويوجه تهديدا للصحفيين المعارضين في الخارج

    مجموعة سودان حرية
    فبرك جهاز الامن والمخابرات السوداني قبل حوالي 3 اسابيع حوارا صحفيا اراد من خلاله ان يوصل عددا من الرسائل المبطنة، اولها لحكومة المملكة العربية السعودية وهي رسالة تأييد وتأكيد للموقف الرسمي، وهو ما يمكن ان نسميه بالعامية السودانية (حشدة) وكما هو معروف أن الوضع المالي في البلاد أضحى يرتكز على المعونات المالية من السعودية وقطر ودول آخرى، وفي جزء مهم من الحوار المفبرك يرسل الأمن السوداني رسالة تهديد واضحة المعالم للصحفيين المعارضين المقيمين في دول الخليج العربي، وللمعارضة السودانية ككل.
    مع العلم بأن جهاز الامن أنشئ مؤخرا عددا كبيرا من مجموعات هاتفية على الواتساب وضم فيها العشرات ومن بين عضويتها عدد من ضباط الامن ومن إدارات مختلفة، لتعويض الهزائم الكبيرة التي لحقت بالنظام الحاكم من مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية الكبيرة مثل (الراكوبة) و(حريات) وغيرها والتي شكلت رأي عام سوداني قوي جدا ضد النظام، لذلك يستهدفها ويهدد من يكتبون فيها.
    والقارئ السوداني بفضل الله وكما عرف عنه من حصافة ومن معرفة وثقافة سيدرك إلى أي مدى وصلت عبقرية الحاكمين في السودان للدرجة التي يفبركوا فيها حوارا مع شخصية وهمية، لكن مستوى الذكاء الذي دمر البلاد والعباد لم يمكنهم من أي يختاروا الشخصية الصحيحة، إذ ان الحوار حسب ذكاءهم مع شخصية أجنبية وكان معقولا جدا إذا كانت الشخصية عربية لأن الكثير من العرب يخافون على مصالحهم فيظهر الواحد منهم يظهر باسم مستعار، لكن الاجانب من الذين عناهم الحوار المفبرك انه انسان مُحلل وذا قدرة على التحليل واستقراء المستقبل في القضايا الشائكة..عمرنا لم نعرف ان محللا بريطانيا او أمريكيا او اوربيا او غربيا اخفى شخصيته ليظهر في حوار داخلي بـ(ب أ جونسون) واحيانا (ب أ ج)، ولم تحدد إذا ما كان محللا بمعهد دراسات او بحوث او صحفيا كبيرا، المهم في الحوار الرسائل التي بلا شك قد وصلت إلى الأشخاص والجهات المعنية.
    ومن هنا نقدم للقاري الكريم نص الحوار المفبرك وهو قادر على ان يعرف الحقيقة:
    توصلت س.س.ن من مصادر موثوقة ان التغييرات فى منطقة الشرق الاوسط ستفرض واقعا جديدا فى المنطقة ? فالاعتداء على السفارة السعودية فى طهران اثر الاحكام التى صدرت بحق مواطنين سعوديين خالفوا القوانين وطبقت عليهم العقوبات التى نص عليها القانون السعودى هى اعراض لشتاء حار ربما تتمايز فيه المواقف، تلى ذلك طرد الحكومة السودانية للسفير الايرانى احتجاجا على التدخلات الايرانية فى الشئون الداخلية للمملكة التى اصبحت حليفا استراتيجيا للسودان بعد الموقف الذى تبنته الحكومة السودانية فى مشاركتها فى عاصفة الحزم وذلك وفق ما نشرته وكالة الانباء السعودية قبل ساعات من نهاية ظهر اليوم.
    ومن الواضح ان هنالك تحالفا استراتيجيا قويا جمع دول الخليج بخلاف العراق و سلطنة عمان بالسودان الدولة الاكثر ظهورا فى هذا التشكيل مقارنة بالدول العربية الاخرى فى افريقيا و فى مقدمتها مصر و هذا جعلنا ان نتقدم ببعض الاسئلة للخبير فى التخطيط الاستراتيجى بمركز واشنطن لدراسات الشرق الاوسط و شمال الصحراء ب.جونسون ماكلين بواشنطن دي سي
    1. مستر بيتر الا تعتقد ان الحكومة السودانية ربما تدفع ثمن موقف قد يحسب في خانة المواقف غير الموفقة بخصوص مستقبل علاقاتها الخارجية ؟
    بيتر : لا اتفق معك فى ذلك , وانا كنت اقول دائما ان الخرطوم و ان ظهرت فى بعض الاحيان تتكتل مع الفريق الخاطئ ,لكن موقف الخرطوم الان اكد و بعد مضى اكثر من 15 عام على النظرة الاستراتيجية الفاحصة عندما رفضت اى تدخل ضد العراق وكانت اشد الرافضين لتدخل قوات التحالف التى قادتها الولايات المتحدة لازالة نظام صدام حسين , و كان موقف الخرطوم انذاك نابعا من معرفة الخرطوم العميقة بقوة العراق كدولة يمكنها ان تخلق التوازن فى المنطقة و كان فى مقدور العراق بقيادة صدام ان يكسر اى طموحات لايران فى اطماعها التوسعية المرتبطة بمرجعيات دينية لها طموح فى نشر مذاهبها عبر السياسة الدولية و المحلية , ان موقف الخرطوم الان اكد لى ان السناريو الذى حللته الحكومة السودانية كان فى صالحها و هذا دليل على ان الدرس الذى يجب ان تتعلمه دول المنطقة تعلمته ولكن بعد مضى ربع قرن من الزمان , وللتو ربما تعرف الخليجيون على ان موقف السودان الذى ناهضته مصر انذاك كان هو الموقف الصحيح و الذى تبناه قلة من العرب , انا اعتبر ان السودان ظل يمثل بعدا استراتيجيا و يتمسك بمواقف كنا نعتبرها بانها متطرفة و غريبة و بليدة لكن اتضح ان تمسك السودان بمواقفه طيلة تلك الفترة كان يدعمه موقف استمدته الحكومة السودانية من خبرة من كانوا يخططون لذلك.
    2. ما قولك ان الخرطوم ورغم رفضها للتدخل فى العراق كانت اكثر العرب ودا مع ايران قبل عاصفة الحزم؟ وما دور المنظومة العالمية من ذلك؟؟
    ب.ج هذا دليل كبير على دهاء و ذكاء هؤلاء الناس , لقد انتصر الحلفاء على صدام الذى رفضنا نحن فى ذلك الزمن ان نقحم نفسنا فى دخول دوامة محاربته و لكن الاخرون من صناع القرار فى امريكا و بايعاز من اسرائيل اصروا على ابعاده و اخراجه بالقوة والبديل الذى ظهر انذاك فى المنطقة من حيث العتاد العسكرى كانت ايران , السودانيون كانوا يعرفون ان ستكون وسيلة لوجود الولايات المتحدة بالسودان و معرفة قدراته و طريقة تخطيطه للاشياء استطاع السودانيون جرجرة ايران و ايقاعها فى فخ صداقة وذلك لتعضيد قوتهم العسكرية و لقد تم ذلك بالفعل وبدلا من تنجح ايران فى ذلك المخطط نجحوا هم فى اخذ مايريدون (….يضحك..) ولا ابالغ لك لو قلت ان القوة العسكرية و القوات الاكثر تنظيما فى المنطقة هى القوات السودانية حسب رصدنا الذى بالطبع لا ينشر لاسباب تعرفها جيدا … انا اعلم ذلك … فقد دفعت بعض القوى بكامل عتادها و قوتها لتغيير النظام الحاكم فى السودان عبر عمل سياسى و عسكرى لكنها لم تفلح … فقد دعم القذافى حركات دارفور ودعمت اسرائيل ايضا هذه الحركات ووفرت بعض الدول الغطاء الجغرافى و منصات العمل السياسى واستخدام كل الوسائل للتضييق على الحكومة السودانية لكنها لم تنجح و اذكر قبل ان يتم التوقيع على اتفاق السلام بكينيا ان الجيش السودانى كان على مشارف اقصى اراضى الجنوب و كنا نستغرب اين كل الدعم الذى نقدمه و بالرغم عن ذلك تأتى قوات بعتاد بسيط وتغير الواقع على الارض لسبب ان لديهم دافعية كبيرة وحماس لقتال التمرد و هو مالم يكن بمقدور الغير ان يشتريه للمتمردين لذلك تفطنت الادارة الامريكية بأن الامر لن يجدى و على الادارة ان تخرج من هذا المأزق بوضع حد للاستنزاف الذى عانت منه الخزينة الامريكية و الاسرائيلية واصررنا على ان وضع اتفاق يوقف استنزافنا قبل حقن دماء السودانيين فى ذلك الوقت.
    3. لكن الحكومة السودانية يعتقد بعض المراقبون ان موقفها كان نتيجة لضغوط اقتصادية و سياسية من الداخل ربما مثل ضغط المعارضين فى السودان للحكومة مبررا لان تتخذ مثل هذه المواقف؟؟
    ب.ج : لا … انا اعلم ان بعض معارضى الحكومة السودانية استخدموا كل التكتيكات لتغيير الحكومة و ليس مواقفها , لكن اصرت الحكومة السودانية على مواقفها و لم تستطع المعارضة فعل شئ وهذا يذكرنى بذات الموقف فى حرب الجنوب … لقد قدمت بعض الدول دعما سخيا للمعارضين فى السودان … المعارضين سياسيا و عسكريا … وفرت بعض الوكالات التى تعمل فى حقوق الانسان وبعض الحكومات التى تتعارض سياساتها مع رؤية السودانيين منصات انا اعرفها جيدا و كنت قد حدثتك عنها فى مقابلة سابقة … فقد تم دعم بعض الصحفيين المناوئين للحكم فى السودان و تم تمويلهم ليقوموا بعمل سياسي تحت غطاء صحفى بل وبعض من اعضاء حزب الحكومة السودانية من الناشطين من الصحفيين تم دعمهم ليعملوا على خلخلة الحكم ا لكن كانت المفاجأة ان علمنا ان الحكومة السودانية تستخدم بعض الافراد من ذوي المهارة و الذكاء المهنى فى العمل الاستخباراتى و المعلوماتى الاستراتيجي و هم ليس اعضاء بحزب الحكومة …. وحسب رصدنا ليسوا اعضاء فى احزاب سياسية و غير معروفين ولايمارسون اعمال سياسية و قد وضعت خطة قبل حوالى 5 سنوات لزعزعة الحكم الداخلى فى السودان لتقوده بعض المؤسسات الصحفية و بعض مؤسسات الخدمة العامة فى الخرطوم وبعض السياسيين فى بعض الاجهزة الحساسة , كان العمل يركز على اظهار الفساد فى الممارسة التنفيذية للحكم فى السودان لخلق حالة من عدم الرضى و استغلال هذه الحالة لدى السودانيين للثورة على الحكومة وتغييرها وايضا لم ينجح ذلك رغم ان بعض المؤسسات المدنية فى السودان قد وصلها الطعم كالمراجع المالى العام و الذى نجح فعلا فى تحقيق اهداف هذا الطعم … لكن المؤسسات الاكثر تاثيرا بلعت الطعم ( … يضحك…) و فطنت الحكومة السودانية لهذا الشرك و قامت بتقوية وزارة القضاء و العدل ببعض القانونيين الخبراء و حولت تلك الخطة الى فرصة بالنسبة لها … أنا أوؤكد لك ان اثارة قضية الفساد عبر بعض المؤسسات الاعلامية كان عملا جيدا حسب الخطة الا ان ذلك فشل بعد ان اكتشفت الحكومة السودانية ان كل الصحفيين و الاعلاميين الذين استخدموا لهذا الغرض.
    4. لكن فعلا هناك فساد ؟؟ اليس كذلك؟؟
    ب.أ.ج : الفساد موجود فى كل انظمة العالم بل و بكثرة فى بعض انظمة الحكومات الاكثر ثراءا و استقرارا .. القمع وتكميم الافواه لاتتبناه الحكومة السودانية كما تفعله بعض حكومات المنطقة ولكنها نجحت فى حسم النقطة السوداء فهى تفتح المنابر و تستمع للراي الاخر وهذا ما مكنها من التحكم فى الامر الداخلى … الامر الذى جعلنى اضع كثير من الاستفهامات بعد استقراء متأنى لحالات الفساد فى السودان كنموذج فى افريقيا هو أنني وجدت انها حملة فشلنا فى تحقيق اهدافها …اغلب الحالات التى عرضتها الصحف أما حالات لاشخاص زرعوا لتنفيذ الخطة التى ذكرناها انفا او لحالات لبعض الاشخاص الذين اسهموا فى تقوية الحكومة السودانية ببرامج كان يمكن لها ان تؤثر سلبا على خططنا و غالبية هؤلاء الاشخاص هم من الخريجين الاوائل لجامعة الخرطوم فى تخصصات مختلفة جمعتهم تنظيمات العمل الاسلامى … فهم اكثر الناس انضباطا و ذكاءا وقدرة على التغيير و الابتكار فكانوا هدفا مباشرا لبرنامج التشويش و عملت بعض الدوائر ذات العلاقة مع اسرائيل على استبعادهم عبر اشخاص موجودين داخل تنظيمهم الجديد الذى نشأ بفضل التفاعل مع المشاركين فى الحكومة السودانية مع معارضي الحكومة من الحركة الشعبية التى حاربت الحكومة ردحا من الزمن.. اعود واقول ان هؤلاء الاشخاص لديهم دافعية ترتبط بحالة الايمان الشديد بمبادئهم و لن يكون من السهل هزيمتهم فى ظل هذه الظروف وبعد ان اتضحت اغلب معالم اللعبة السياسية و هنالك من يؤمن بمبادئهم وهو غير معروف لدى هذه الدوائر وهذا مكمن قدرتهم على الصمود . الفساد الذى تحدثت عنه الصحافة لايعدو ان يكون الا حالات تكررت بسبب بعض الانتهازيين الذين اصروا ان يدخلوا عالم الاعمال عبر بوابة السياسة ولم ينجحوا لكني مازلت اذكر ان اكثر الذين تحدثت عنهم الصحافة هم الاكثر انضباطا و ذكاءا ولم تنجح هذه الحملات كما ذكرنا و لن تنجح فى ظل اصطناع المواقف السياسية و ضعف الايمان بالمبادئ و اتخاذ المعارضين لطريق اصبحوا فيه لوحدهم فقد وصلت الحقيقة للمواطن البسيط فعلم ان الذى يثار عبارة عن تنافس و صراع مواقع و تصفية حسابات ولا وجود له على ارض الواقع.
    5. لكن من داخل هذا التنظيم الاسلامى الان من خرج يعارض الحكومة السودانية و يتهمها بالفساد؟
    ب.ا.ج : هذا صحيح … بل و بعضهم وصل الى وكالات حقوق الانسان و اصبح جزء من الخطة الهادفة لاضعاف الحكومة .. لكن وبعد المراجعة الدقيقة للبيانات و المعلومات المتوفرة نجد ان بعضهم اصابته حالة احباط لكن غالبية الذين تشربوا بمبادئهم والذين التزموا بالوفاء و الولاء التنظيمى لمشروعهم و هم من الفاعلين الذين لايمكن تجاوز قدراتهم وقدرات من عمل معهم … حسب تحليلات ما يردنا من هناك ان الولاء و الادب التنظيمى فقده غالبية التقليديون لكنه سمة غالبة فى الذين ذكرناهم وهم بعيدون عن ساحة العمل السياسى .. هم فنيون و اكاديميون و عسكريون لديهم التزام فقط بالاسلام الذى يؤمنون به و هنالك من تنظيمهم من وقع فى ذلك الفخ اسوة بكل انسان فى الحياة قد يقع فريسة لتلك الخدع و لكن ذوى النظرة و الحكمة و العقل و المعرفة ابتعد بصمت و هذا الصمت يجعل من الحكومة السودانية حكومة لازالت تحتفظ باوراق قوية و فاعلة و لديها القدرة على اعادة تشكيلها فى أى وقت .
    6.مستر ب.أ جونسون ماذا بعد …؟؟ هل تعتقد ان هنالك مياها تجرى تحت الجسر؟؟ اعنى عن السودان؟؟
    ب.أ : حسب متابعاتي ارى ان السياسة فى المنطقة العربية حدثت بها تغييرات جذرية تتطلب الدراسة العميقة و تتطلب بعض الصبر لمعرفة بواطن الاشياء …. النظام الدينى الوسطى ساعد السودان كثيرا خصوصا بعد ظهور حركات التطرف والارهاب فى المنطقة استغلته بعض الجهات لتصفية حسابات سياسية و الانتقام من خصوم سياسيين … وفطن السودان لذلك فى وقت مناسب حسب الدراسات التى تتوفر لدينا عن ذلك وايران الان تشرب من كأس سقته للعرب فى العراق بتلك الخطة التى ذكرتها لك سابقا لذلك اعتقد أنه وحسب ما رجح لدى بعض المؤسسات الدولية التى ترتبط بالاستقرار فى تلك المنطقة ومنها ماهو ذو طابع استخباراى و عسكرى بأن الكثير من الخطط الاستراتيجية للنيل من السودان قد وضح انها تصدعت الان …. تلك الخطط التى وضعت قبلا الحرب الاقتصادية على السودان و التى كان هدفها تثبيط قدرة السودان من ان يتحكم فى زراعة القمح بعد ان اكتشفت بعض المؤسسات الاقتصادية ان المنطقة العربية تستهلك ما قيمته 50 مليار دولار سنويا فى تأمين القمح و السلع الاخرى يمكن ان يوفر السودان منها سلع تقدر بحوالى 25 مليار دولار سنويا وهذا بالطبع سيجعله دولة قوية و ذهابا الى تسليح الحركات بغرب السودان لاستنزاف الحكومة و افشال اى محاولات للحفاظ على الاقتصاد بعيد عن تلك الحرب ولقد عمل بعض الاعلام فى الصحافة السودانية التى حدثتك عنها على ذلك ولكنه قد فشل ايضا و اخيرا بعض الدول التى تتلاقى مصالحها مع بعض الدول التى تجاهر السودان بالعداء كمصر لازالت تحاول الا ان هذه المحاولات لن تكون ذات جدوى … واخيرا حسبما اعلمه ان هناك شتاءا حارا اخرا قد يقضى على امال المعارضين بعد الذى تغير على ساحة العلاقات السودانية الخليجية …. فأغلب التدوين والذى هرب به النشطاء من الصحافة و المعارضين الى مواقع التواصل الاجتماعى يبدو انه رصد من قبل تلك الدول و اصبح غير مرغوب فيه بعدما رجح ان بعض الناقمين على الحكومة السودانية منهم من قد تحول الى معسكر ايران كما تحول الذين قبلهم لاسرائيل بحثا عن تمويل لحملاتهم ضد الحكومة السودانية و نكاية بها بعد ان لفظتهم بعض الانظمة التى اصبحت توجهاتها الاستراتيجية لا تتفق مع رؤيتهم و هناك حسب معرفتى تعاونا عسكريا و امنيا وهذا العمل قد تتطور بشكل ملفت للنظر خلال الفترة القليلة السابقة وقد قد قطع شوطا كبيرا و كذلك بعض قواعد البيانات الخاصة بالتغريدات و التدوينات لبعض المواقع التى تنشط فى معارضة الحكومة السوانية بعد الوصول اليها وسلمت الى فرق من الخبراء خصوصا بالسعودية و الامارات و قطر وربما سيفرض هذا الواقع اقامة محاكمات تاريخية لبعضهم فى بعض الدول الخليجية التى لا تسمح بمثل هذه الانشطة فى بلدانها خصوصا و ان اخر تقرير اوضح ان السودان و حكومته لا تستضيف اى مجموعات مناوئة او معارضة لانظمة تلك الدول .
    4. مستر ب.أ.ج : شكرا لك
    ب.أ.ج : على الرحب و السعة

  3. يبفي الكتاب الثاني بيت الفساد لكي يعلم الشعب انجازات الحكومة خلال نصف قرن

  4. الاح شعيب اوافقك علي انشاءمركن لتوثيف جراىم العصبه المجرمه وارجو من الجميع المساهمه

  5. كيف يمكن الحصول على نسخة من كتب الاستاذ فتحى الضو …واى دار نشر يمكن ان تتوفر فيها مؤلفاته …

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..