الأواني والأقمشة زمان.. حكايات من سوق أمدرمان.. سياحة في البقعة

توثيق – أماني شريف
الحديث عن أزمان مضت بحلاوتها وطلاوتها ونداوتها وعبق أيامها وشخوصها من أجمل الذكريات التي لا تدعو للملل، وإنما تمنح الأجيال الجديدة آفاقاً أرحب للوقوف على تجارب من سبقوهم في عديد المجالات.
وفي هذه المساحة نصطحبكم في سياحة لشيخ عمره (110) أعوام يعمل في أحد أزقة سوق أم درمان العتيقة ذات الدلالة والنكهة السودانية يدعى العم (محمد نصار) صارع السنوات وصرعته منذ العهد التركي، ولايزال يعمل في مهنة بيع الأباريق والأحذية الشعبية يعيش عليها، وله قصص تستحق التوثيق لفائدة الأجيال الحالية والقادمة لما كانت عليه خرطوم الأمس وتفاصيلها بمفارقاتها التي تثير الدهشة كثيراً، وهذا الحديث الأرشيفي التوثيقي وجدناه بأرشيف صحيفة (الثورة) الصادرة في 13/6/ 1961، بأرشيف صحف دار الوثائق القومية بالخرطوم.
بخاف العين
سُئل عم نصار عن عمره، فقال بعد مراوغة (110 سنوات)، وتضاحك، ثم قال: “سأقول لكم الحقيقة ما دام أن هذا الحديث سينقل للصحيفة فإن عمري يزيد عن الـ (120 عاما) وقد أخفيت حقيقته، لأني أخاف العين”.. وصار يحكي “كنت في زمن موسى باشا جنديا وكان أبي يوزباشا أجره مائة قرش أما راتبي فكان 30 قرشا، ومنازلنا في حي سلامة باشا (الرميلة) الآن، حيث (سوق عينة) وفيه المتاجر والأسواق الشعبية وأغلى قماش سعر المتر منه (50 قرشا)، ويوجد قماش شعبي اسمه (سكنيته) وسعر المتر منه خمسة مليمات، أما الخضار والسمن، فمن العيلفون ولم تكن الحياة سهلة – كما يظن الكثيرون – فقد كان الأتراك حين يشعرون أن أحد الوطنيين يملك مالا يوثقونه بالسلاسل ويدخل رأسه في ماء البئر حتى يكشف عن ما عنده، فينهبوه ولم تكن المشنقة موجودة، وإنما آلة تسمى (الخازوق)، وهي حديدة مدببة يجلس عليها المذنب، فتخترقه حتى تخرج من نافوخه، وبصفتي جنديا فقد شاهدت حوادث كثيرة من أمثال تلك”.
سر قبب أبوجنزير
“أما القبب الواقعة وسط الخرطوم بجانب ميدان أبي جنزير، فهي مقابر أحمد باشا الجزار وموسى باشا، وقد كنت في الموكب الذي سار في جنازة موسى باشا”. وحكى قائلا: “ترى الفتاة فتعجبك ثم تذهب إلى أهلها وتخطبها، وبعد ذلك تدفع المهر حسب قدرتك وأغلى مهر هو خمسين جنيها، وهو خيالي ثم تأتي الشيلة، وهذه تحمل على الجمال، فجمل محمل بالدهن (سمن وودك) وآخر محمل بالتمر وحين يصل الأخير لمنزل أم العروس تحرق (العدلة)، ويرجع الجمل ثانية إلى منزل العريس والتمر يتساقط منه والناس يلتقطونه حتى يفرغ، وتأتي الحفلات بعد ذلك، وتستمر أياما كثيرة وأدوات الموسيقى هي الطنبور والدلوكة”.. وتحسر العم نصار على الأغاني زمان.
حلاوة العيد
والأعياد تبدأ بالصلاة، فيخرج الناس بملابسهم النظيفة، فيؤدون الصلاة، ثم يرجعون لتقام حلقات الذكر ومائدة العيد تحوي التمر والفول واللالوب، فالزائر يجد اللالوب مقشرا ونظيفا، فيمتص منه ويقضي وقته مع مضيفه. ويرى العم نصار أن القهوة السودانية الأجمل والأفيد هي قهوة القرض، فقد كانت تتم عن طريق تقشير القرض وأخذ حبته الداخلية وغليها ثم سحنها وصنع القهوة منها ممزوجة بالسكر الأحمر وشربها مرتين في اليوم صباحا ومساء، ولم يكن هناك طبيب واحد، ولا توجد أدوية، والقرض يلعب دورا مهما في الطب، وكذلك العجين والملح والزيت.
مشهد مقتل غردون
ويقول العم نصار إنه كان ضمن الحرس وشهد بأم عينه غردون، وهو يقتل أمامه ويتذكر هذا المشهد وكأنه حدث الآن في لحظة حديثه هذه، الذي قتله هو (ودنوباوي) وعيناه مكسرتان، وقد هوى بالسيف على عنق غردون وأطاح به، عكس ما أشيع بأن اللذين قتلا غردون من البجة، والعم محمد نصار أسره الإنجليز في كرري وكانوا يعاملونه بقسوة ويعطونه الفضلات.. وتنهد وهو يحكي عن المخاطر التي تعرض لها، فقد حوصرت فرقته في جبل أولياء ولم يذق الطعام لمدة يومين، وكان طعامه في أغلب الأحيان عبارة عن الذرة التي يحملها في جيبه، وعن المدارس يقول توجد مدرستان فقط هما (مدرسة البحر) و(مدرسة طه باشا) وأدوات المطبخ (كزرونة والحلة الاسطنبولية والكشوش) والطعام الأوفر هو العصيدة
اليوم التالي
مثل هذا الرجل يكرم ايما تكريم فى بلاد تحترم الانسان عامة وابناء البلد خاصه ولكن لك الله ياانسان بلادى–بلادى وان جارت على عزيزه واهلى وان ضنوا على كرام
شهد مقتل غردون عام1886 و كان عمره عام و احد فكيف ذالك الرجاء تحري ما تكتب