محمد وردي.. سقف الغناء الذي لن يطاله أحد.. فرعون على طريقته

الخرطوم – محمد عبد الباقي
بنهاية الحفل الساهر الذي أقيم في العام (2007م) بمناسبة اليوبيل الذهبي لمسيرة الموسيقار الراحل محمد عثمان وردي بالمسرح القومي بأم درمان، وقف رجل عجوز كان ضمن الحضور أمام البوابة الرئيسية للمسرح القومي بأم درمان الذي احتضن الحفل، وكأنه أراد أن يُشهد الجميع على ما يقول، وبدأ يردد بصوت جهور: “منذ خمسين سنة نركض خلف حفلاتك يا وردي، نتتبعك كظلك، حفظنا كل أغنياتك واستمعنا لها مرات كثيرة واليوم نأتي مع أحفادنا لنستمع لك بذات الجنون عندما كنا في أعمارهم.. إلى متى هذا؟ هرمنا نحن ولكنك لازلت ندياً كأنك لم تكبر معنا”.
أنهى الرجل حديثه والتحف بسواد تلك الليلة، وانسل رفقة شباب وشابات أظنهم أحفاده، لكن صوته لا يزال يتردد في مسمعي كأنه موسيقى مقدمة أغنية (لو بهمسة) التي لم يبرع وردي فيها فحسب، إنما وضع بها نهاية لتطلع كل من يأتي من بعده.
جدلية حب الوطن
بدءاً ليس لقامة بطول وردي حاجة في نبش سيرتها بالتعريف عنها.. فوردي يكاد يكون هو ضمن قلة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، يعرف بهم الوطن برمته، ولا يعرفون به.س فوردي وطن بذاته وكماله، كما أنه دون شك هو شمس الغناء السوداني التي دارت وستدور حولها كل الأصوات الغنائية ولن تتجاوزه في المستقبل القريب.. ولذا لن يستقيم القول إلا إذا قلنا إنه استطاع خلال مسيرته الماجدة أن يبرع في وضع ألحان خلدت الزمان بروعتها، وأبهرت عظماء الموسيقى بجودتها وعبقريتها التي لم تتجاوز الوجدان الأفريقي وحده، بل لامست شغاف قلوب كان عسيرا على الغناء السوداني والأفريقي أيضاً أن يدغدغها، ليس لعلة فيه، ولكن لأنه لم يخرج بعد عن طور وقضايا عالم يوصف جزافاً بالثالث، لكن وردي الذي وُلد قبل زمانه تمكن من تخطي عقبة الفوارق بين العالمين الأول والثالث الموصوف بالنامي، ويشنف أذن مواطن الأول كحالة فريدة ونادرة.
نهج خاص
فصوت وردي وعبقريته اللحنية والموسيقية منحته عمرا بدأ يوم وفاته، فارتقى مقاماً فنياً سيظل عسيراً على غيره أن يتجاوزه في المنظور القريب.. فهو الذي ابتدع نهجه الخاص في الغناء منذ أولى خطواته، ولم يرد أن يكون غير نفسه من خلال مزجه الفريد للألحان النوبية والطمبور بالسلم الخماسي لينتج أعمالاً غنائية ولحنية باللغة العربية والنوبية تميزت بالروعة والحسن، جعلت منه عقدة الغناء السوداني التي لن يتمكن من هم أدنى منه شكيمة من قطعها، وتوافق وردي مع غيره من الفنانين في الغناء الرومانسي والعاطفي، لكنه تجاوز الجميع بأغنياته الوطنية الفريدة والأناشيد المختارة، التي أصبحت أهازيج شعبية ليس محلياً فقط، بل انطلقت حناجر عربية وأفريقية ترددها في مناسبات قومية ووطنية وأيضاً في ثورات تحررها كما فعل الشعب السوري حين أجمع يردد أهزوجة الفيتوري الخالدة “أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باق”.
المعلم الفنان
شق محمد وردي طريقه من العدم وغير مسار حياته بجدية وتصميم قل مثيله، فكانت مهنته الأولى كما هو معروف معلماً بالمدارس الابتدائية، ولكنه تحول تدريجياً نحو الغناء إذ بدأ هاوياً إلى أن أجبر إدارة الإذاعة السودانية على تسجيل أغنياته ووضعه على قائمة فناني الدرجة الرابعة، ولكنها سرعان رفعته للدرجة الأولى، التي لم يكن ينالها سوى من تمرس فنياً وقدم أعمالاً غنائية مشهودة، جاء هذا نتيجة لموهبة توقدت منذ بدايتها، فكشفت عن عملاق يختبئ خلف حنجرته النادرة وقدرته الفائقة على الأداء والتنويع الصوتي.
رحل وردي بجسده لكنه دون أدنى شك سيظل خالدا في سفر الغناء في السودان لسنوات طويلة قادمة، لن يتمكن خلالها أحد من تجاوزه مهما بذل من جهد. فوردي صار بحسب الكثير من المعطيات سقف الغناء في السودان.
اليوم التالي
( أرحل شمالا إلي صوارده ـ ورديات ـ 1 )
منذ زمن بعيد وفي أواخر سبعينيات القرن الماضي بدأ ولهي بهذا الفنان الموهوب ، الفنان الذي وهب حياته من أجلنا لنهيم بفنه في ظلمات الليالي الحالكة وكلماته المنتقاة أما موسيقاه فحدث ولا حرج ، فالتحية مقرونة باسمي آيات الحب والجمال للفنان الموسيقار عبقري زمانه الأستاذ / محمد عثمان حسن وردي فنان السودان الأول وبلا حرج وبلا منازع وأثبتت كل ذلك موسيقاه ، ألحانه ، الكلمات الرصينة المنتقاة ، رحل بنا في عالم بعيد الوصول والمنال إلا معه بهذا الفن الرائع المفعم بالجمال والجمال المتكامل .. كما علمت من أم درمان ولد فناننا بجزيرة وارفة الظلال وسط نهر النيل الخالد بخلود الأيام سميت بصواردة ( فحرف الصاد .. صبرت وإستنيت كثير أمني نفسي وأقول بكرة الجنة .. ما تخجلي يالسمحة قولي استعجلي عطشت قلبي كل يوم تتجملي أديني كلمة وسامحيني وطولي … وحرف الواو .. وتلقي فيها النيل يلمع في الظلام ذي سيف مجوهر بالنجوم من غير نظام تنزل هناك وتحي ياطير باحترام … وحرف الألف .. أبدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا للذي أصبح شمسا في إيدينا .. وحرف الراء .. رحلت وجيت في بعدك لقيت كل الأرض منفي .. وحرف الدال .. دموع الحسرة في عيني أخفيها ونار الشوق أقول الصبر إطفيها … وحرف التاء.. تمر المحنة ذي ضل السحابة حروف إسمك نغم يسدل غلابة .. حروف إسمك بشارة خير حبابة … بدأ هذا العشق والوله يتعلق بخاطري منذ زمن بعيد .. وأول مرة ألتقي بفناننا القامة العريق بحفل جامعة الخرطوم في أوائل الثمانينات من القرن الماضي وكان ذلك بمناسبة تكريمه وتقليده لوشاح الإبداع ، وعلقت بذهني هذه اللحظات العطرة وأبت نفسي إلا أن تجود بهذه القصاصات من الحروف علني أكون وفيا لهذا العملاق في تاريخ الفن السوداني والقصيدة هي ـ
يا من تغني بالحسن فأبدع النفس وأطرب
وأذاب الجرح القديم بالنغم وأعــــذب
لك مني تحية الأوفياء مقرونة باللحن المــعجب
تهدي لمن أضحي بنفسه لسعادة المكلومين وأطرب
لك وشاح الخلود تحية لمن أوفي ووهـــــب
وردي ياغنوة أنشدها التاريخ في ليل أطــــل
غنيت بأمجاد أبطال كانوا غرسا للغد الأصـــيل
بدأت مع الخليل ونخيل حلفا الجـــــــميل
طرزت أكتوبر وشاح النصر الأصـــــــيل
عانقت سماء الخلود مع الحنين وإسماعيـــل
وشدوت للحرية بمنظوم جميــــــــــل
غنيت للخرطوم ودارفور والنـــــــــيل
وجوبا وشندي وصوارده والثغر الأصــــيل
لم تنسي كرري والمك النمر والحبوب واللــيل
للوطن قطعت البيد وعبداللطيف بجنب عبدالفضيل
إن الحرف لن يفي بعيد الشمــــــــوس
والقمر لن ينطفي ببعد النفـــــــــوس
والسحر عندك إلهام فنان في الزمن العبــوس
وأتمني أن يجد هذا الموضوع القبول من أستاذنا الكبير محمد وردي وأتمني من الله أن يمتعه بالصحة والعافية وأن يروي ظمأنا بوردياته الرائعة المتجددة دوما والمؤثرة بطيات قلوبنا … والتحية للأستاذ وردي …
عوض الجيد إبراهيم البشير الشيخ
الجزيرة ـ الشبيراب
( نورت وفي الحفلة جات ـ ورديات ـ 2 )
إلحاقا لموضوع البداية ( وإنت منك لا بداية .. وإنت منك لانهاية ) ولأغنية الحنينة السكرة ذكريات عطرة في خاطري وأريد من القاريء أن يتابع معي جيدا لأرسم له تلك اللوحة التي علقت بخاطري وأنا طالب في العقد الثاني من العمر وحدثت تلكم الخواطر في خريف العام 1979م حينما كنت طالبا بمدرسة حنتوب الثانوية العليا ، وبينما نحن نتسامر بحدائق حنتوب الغناء الجميلة الوارفة الظلال المخضرة دوما وألوان الهداهد الزاهية الجميلة متكئة علي الأغصان اليافعة المخضرة الوارفة الظلال بينما صوت القماري الحاني الصداح يشدوا نغما جميلا ويسترعي إنتباهنا .. وتتخلل تلك اللحظات نسمات النيل الممزوجة بأريج الزهر وعطوره الفواحة العطرة المميزة التي تسعد النفس وكذلك ميادين حنتوب الجملية ولم يذكر إسم حنتوب وإلا وكان مقترنا ب ( حنتوب الجميلة ) وفعلا هي جميلة بمعني الكلمة والحقيقة تطابق الواقع لأنها واحة ورافة الظلال علي شط الأرزق الدفاق يزينها ألقا وجمالا ونضرة … وكذلك مبانيها الفخمة العريقة وميادينها الفسيحة المخضرة التي توهب الهناء والبهجة لناظرها ..ورغم هدوء المكان .. يترامي إلي مسامعنا صوت عذب وموسيقي قوية النغم ينقلها لمسامعنا صدي الأزرق العاتي .. نورت وفي الحفلة جات يالله غنن يابنات .. للفرح للأمسيات ..أستوقفني ذلك الصوت الشجي والموسيقي المتفردة الحالمة ويأتي هذا الصوت من الجانب الآخر لضفة النيل الأزرق عبر سيارة دعائية لحفل ما في مدينة وادمدني .. فأكون صادقا فالصوت شجي والنغم عذب والكلمات والموسيقي واللحن تتسلسلان لمسامعنا في تماذج يقف الإنسان حائرا أمامه .. فصوت الموسيقي واللحن عبر النيل الأرزق الدفاق وإنعكاس الصدي يمثل لك لوحة متموجة ترتفع وتنخفض في حراك راقص دائم كالموج في حراكه مزينا بأشعة الشمس الذهبية البراقة والتي تضفي عليه بريقا وألقا وجمالا …
وتترامي لآذاننا تلك الموسيقي الحالمة فهي كالناظر للأمواج في حركتها فهي تقترب ثم تبتعد لتقترب ثانية وهكذا … موسيقي رنانة تهتف شجنا وعشقا وولها .. ذلكم هو الفن الرائع .. الإبداع الأصيل .. الجمال ذو الشجون .. للأستاذ ذو الحس المرهف والفن الرائع البديع ( أبو الورود كلها ) وكلنا يعلم ما للورود من جماليات وألوان زاهية وروائح عطرة ومناظرها البديعة هي التي تجلب للنفس الهناء والسرور والبهجة في كل زمان فهي تعني أريحية النفس .. ومناظرها الخلابة تملأ المكان عبقا وعطورا زكية فالتحية موصولة لعملاقنا وردي وإنني مهما رسمت من أحرف وتعبير لأصف ذلكم العملاق أجــد نفسي محتارا عن الوصف .. فالتحية لفنانا العريق المبدع الرائع ، وأتمنى أن يجد هذا الموضوع القبول من أستاذنا الكبير محمد وردي ..وأتمني من الله أن يمتعه بالصحة والعافية وأن يروي ظمأنا بوردياته الرائعة المتجددة دوما والمؤثرة بطيات قلوبنا … والتحية للأستاذ وردي…
عوض الجيد إبراهيم البشير الشيخ
الجزيرة ـ الشبيراب
12.07.2007
قرأت كثيرا عما كتب عن الهرم وردى ولكن كنت أحس بأن كل من كتب عنه لم تسعفه الحروف بما يجيش بدواخله ليفيه حقه وهذه حقيقه لأن وردى هو البعد الرابع وهو الزمن ولذلك نحن بأجسادنا الماديه لا يمكننا عبور الزمن او السفر من خلاله.
أشكركم علي نشر الموضوع وسوف نتابع معكم مت ما سنحت الفرصة
سقف الغناء(حتى الغناء عملتو ليهو سقف)فارغة ومقدودة
قرأت كثيرا عما كتب عن الهرم وردى ولكن كنت أحس بأن كل من كتب عنه لم تسعفه الحروف بما يجيش بدواخله ليفيه حقه وهذه حقيقه لأن وردى هو البعد الرابع وهو الزمن ولذلك نحن بأجسادنا الماديه لا يمكننا عبور الزمن او السفر من خلاله.
أشكركم علي نشر الموضوع وسوف نتابع معكم مت ما سنحت الفرصة
سقف الغناء(حتى الغناء عملتو ليهو سقف)فارغة ومقدودة