الخلاص السوداني في فتاوى «المساطيل»

محجوب حسين

ضمن النشاط الكثيف لفاعلية وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها العديدة على كل الصُعد، جاءت تطبيقات «الواتساب» التي شكلت وحدها ثورة في عالم التواصل والتفاعل.

أطلعني صديق، عضو مع مجموعة ما، على رسالة لعضو آخر، نقله عن مجموعة أخرى على ما يبدو. فحوى نص الرسالة التي نسبت إلى «مسطول» وهو»حشاش» في بعض الدول، تقول الرسالة «مسطول طرح لمسطول سوداني، الأزمة في البلاد السودانية، فقال له، الحل، أن ندعو سريعا لمؤتمر المساطيل، وسوف تطرح عليهم خطة اغتيال الديكتاتور لحل الأزمة السودانية».

جدير بالإشارةإلى أن ظاهرة «المسطول»، التي تعج بها صفحات التواصل السودانية بشكل خاص، أصبحت تشكل رمزية أدبية وعنوانا مهما للإسقاطات واللامبالاة والنقد الذاتي للعديد من الظواهر، سواء جاء ذلك في الوعي أو اللاوعي، إلا أنه محل اهتمام لدى قطاع كبير من السودانيين.

ظاهرة توظيف رمزية «المسطول»، أصبحت تشكل أدبا اجتماعيا، له سلبياته وإيجابياته، حيث النصوص تنسب إلى مجهول، والرمزية تعيش على الخيال، حيث النصوص التي تنسج وتبنى ومن ثم تنسب إلى «المسطول»، هي ذات رسائل نقدية عميقة، وتحريضة واستفاهمية، فيها السياسي والاجتماعي والثقافي والديني والتاريخي واليومي الحياتي لحال ومآل السودانيين، إنه فن أدبي خاص، ينتجه عقل واع يتحدث برمزية «المسطول» الذي يركب حصان خياله في رصد الأشياء وظواهرها ومن ثم الحكم عليها ومعالجتها على طريقته.

الأمر طبيعي في حالة الأزمة السودانية، كما أن له مرجعيات ومبررات ومسوغات، في ظل انعدام وانسداد أي أفق لحل الأزمة السودانية، وفق متطلبات حراكها التاريخي. الواضح للعيان، أن أزمات البلاد في الاتجاهات الأربعة والتمركز الحاكم، لا تحل إلا بسقوط الإسلام السياسي من دائرة الحكم، والإسلام السياسي لا ولن يتخلى عن السلطة، عبر تسوية مزعومة أو مفاوضات مرتقبة أو ما يسمى بتقنية «الحوار الوطني»، كتقنية لاحتواء القوى الوطنية المعارضة، لأن القناعة السياسية التي يستند إليها الرئيس السوداني منذ توليه السلطة، هو توازن القوى العسكري، الذي يحسب لصالح الحكم في الراهن التاريخي، حيث، بالمقابل، لا يؤمن بإرادة الجماهير السلمية، التي استطاع حكمه، عبر أدوات عديدة تعطيلها من الفاعلية والدينامكية. كما أن القوى النشيطة التي تتصدر مهام الثورات السودانية تعيش أزمات وجدلا داخليا يتعلق بسؤال لفائدة من تقوم الثورة؟ أي سؤال البديل في ظل بنية الوعي الجمعي السوداني وشكل صراع الإرادات المجتمعية السودانية، التي هي شديدة الوطأة وظاهرة وبائنة، ولم تعد مخفية، أن ثمة تواطؤا ما.

أمام هذا الإنسداد التاريخي لواقع الأزمة السودانية وورطة القوى الوطنية المقاومة التي تعيش على الخطاب أكثر من الفعل، أخفقت هذه القوى حتى اللحظة، رغم شاكلة النداءات «نداء برلين وباريس والسودان «، في بناء توازن قوي حقيقي، يقوم بمقام الممثل الشرعي، وقد تكون لأغراض القوى النشيطة ذاتها، عوض التمثيل الذي يتولى مهام السيادة باسم الشعب، استنادا لأغراض الشرعنة، فيها فقد الدين الإسلامي محل الشرعنة، وتعرض «للتجارة» من طرف الإقطاعيين الإسلامويين بفئاتهم وبذاتهم العسكرية المختلفة، بدون أي معتقد سياسي أخلاقي محلا للاستناد، كما تبين، من خلال سيرورته التاريخية، فقد فيها الدين السمح، الكثير من القيم والخصوصيات وأعترته التشوهات، وأحسب بعد مرحلة «كنس» غزو الإسلام السياسي للبلاد بعلله وترهاته، قد يحتاج الدين الإسلامي نفسه، لمراجعة، بفصله عبر قطيعة معرفية بين قيم الغزاة الذين تاجروا بفكر متسطح لحد البلاهة وحقائق الدين الإسلامي، بشقيه الشعبي والرسمي.

أمام هذا، طبيعا أن يأتي هذا التشريح الدقيق لما روي أو ما ُنقل عن «المسطول» وفتاواه، وإن كانت محض خيال، كفكرة للخلاص السوداني واستعادة الدولة، عبر توازن جديد، غير توازن القوة العسكرية، بتوازان للرعب أو الإرهاق أو بتوازن الاغتيال، الذي ليس جديدا في الساحة السياسية العالمية، رغم وجوده كثقافة في المجتمع السياسي السوداني، مع أنه ممارس وبطريقة صامتة في الحكم، سواء فيما بينهم أو مع آخرين.

معلوم، أن الخلاص السوداني مفتتحه، هو إسقاط البشير وأركان حكمه، الذين سيظلون على مواقفهم، لأن أي تسوية أو حوار يقود إلى تفكيكهم معناه مراجعة السجل الكبير لجرائمهم الجنائية والاقتصادية في حق الشعب السوداني، وبالتالي ليس هناك من معنى للحكم الذي يقوم بقيادته، الرئيس الحامي لعرش الإجرام في البلاد، القيام بمبادرة حقيقية إلا بتجديد توازن القوى، والعسكري فيه أساسا. وفي غياب أو تأخير هذا المعادل أيضا هناك موضوعية لجراحات أخرى فيها قد لا نتبني علنا ظاهرة الاغتيال، لكن نجد لها من الموضوعية وموقعا للإعراب السياسي.

بالأمس القريب، يتحدث ممثل الحكومة السودانية في المشاورات غير الرسمية بين القوى الحركية العسكرية الوطنية في دارفور والحكومة السودانية، أن ما تقوم به الحكومة من تجديد وتطبيق للإبادة الجماعية الثانية في دارفور لاغراض نهائية في الإقليم، تتحدد حصرا في إلغاء إنسان تلك الأرض. إن ذلك يقع تحت مهامها الدستورية وحماية المواطنين، بل هي فرصة لتكملة مخطط الإبادة الأولي، وهنا الدستور، ليس وثيقة عقدية إنما هو وثيقة تحمل مصالح ولحماية مجموع الأجندات الشخصية. هو ليس محل اعتراف، كشأن القوانين، ولكنه الغطاء القانوني، رغم عدم شرعيته ومشروعيته يدير به البشير كل أشكال الخراب السوداني.

دعوتنا للجان المجتمعة في الحوار الوطني السوداني أن يطرحوا ملف العدالة في السودان، وإمكانية تحقيقها، هو الطريق القصير لحل الأزمة في البلاد، بحيث تكون «الجنائية» واستحقاقاتها هو استحقاق «وطني» فهو أكثر عقلانية من استيراد ثقافة الاغتيال، حسب فتاوى المسطول.

٭ كاتب سوداني مقيم في لندن

محجوب حسين
القدس العربي

تعليق واحد

  1. الاقتيال السياسى الحكومة عاملة ليهو وقسم ووحدات فى التنظيم الادارى لجهاز الامن
    اغتيال المتظاهرين فى سبتمبر اقتيال سياسى وحكم بالاعدام وتنفيذه ليس فى المحكمة وانما على الهواء مباشرة فى الشارع . اقتيال الطلاب فى جامعة الخرطوم وبحرى والجزيرة ونيالا وبورتسودان اقتيال سياسى .. اقتيال من شاركوا او كانوا يعلمون بمحاولة اغتيال حسنى مبارك اقتيال سياسى .

  2. اقتباس “أكثر عقلانية من استيراد ثقافة الاغتيال، حسب فتاوى المسطول.”
    كل الجبناء في كل الاوقات استطاعوا ان يمنطقوا عدم قيامهم بالمهام الضرورية في الوقت الضروري للفعل الضروري.

  3. قالوا…
    في سواق أمجاد مسطول..وركبوا معاه ثلاثة مساطيل وعرفهم إنهم مساطيل وركبوا الأمجاد السواق المسطول أساسا شغل الأمجاد وقبل ما يتحرك طفا..وقال ليهم خلاص وصلنا ..نزلوا إلا واحد صقعوا كف حااااار…السواق إعتقد إنهم كشفوه…السواق قال ليهو مالك…المسطول قال ليهو …مالك كنت مسرع كدا…

  4. أرفعوا أسعار كل مقومات الحياه من غاز
    وقفة الملاح ولكن ،،،أياكم وأياكم تمنعوا وترفعوا أسعار البنقو
    لو،،،عاوزين تطيروا في رمشة عين ياكيزان ألهم والغم .

  5. الراكوبة (برلمان الشعب) ، و كما أستنكر الأخ أبو الأفيال في تعليقه إدخال الأفيال ، لذلك أقترح على إدارة الراكوبة تعيين إخصائيين لفحص المقالات المتأثرة بالأفيال ، و عدم نشرها مراعاةً لقراء الراكوبة و أسرهم.

    الأخ الكاتب المقيم بلندن:

    واضح أن برودة شتاء لندن قد تأثرت بسيرة الأفيال فأخرجت مقالك عصياً على الفهم.

    لقد تجلدت و صبرت و أصريت على إكمال المقال ، رغم مروري على بعض الأسطر و الكلمات مرور الكرام (بدون فهم) ، و تكبدت كل ذلك لأعرف الحل الذي ستطرحه ، خاصة عندما قرأت إشارتك للإغتيالات ، فصُدمت بالنتيجة !

    لم تراعي تكبد لقراء الراكوبة معاناتهم في تكبد مشاق فهم مصطلحات مقالك و تجازيهم بشحدة لمؤتمر الحوار الذي لا يهتم به غالبية الشعب السودان:

    [دعوتنا للجان المجتمعة في الحوار الوطني السوداني أن يطرحوا ملف العدالة في السودان]

    أليست هذه كلماتك؟
    هل بعد المسافات و إقامتك بلندن ، حجبت عنك الحقائق التي يعرفها غالبية الشعب السوداني عن المشاركين بالحوار؟

    الشئ الوحيد الذي يهم الشعب السوداني ، هو مصاريف النثريات التي تصرف (للمشاركين بالحوار) ، و التي ستزيد إستقطاعات الحكومة من أرزاق الشعب و ظهرت بوادرها في زيادة أسعار أنبوبة الغاز التي تحتاجها كل أسرة لطبخ الوجبة الوحيدة التي يتناولونها في اليوم.

    أدناه عينة من مصطلحاتك التي لم أفهمها أو حشرت حشراً في الموضوع:

    إقتباس:

    [ مرحلة «كنس» غزو] ، [ قطيعة معرفية] ،

    أما فيما يخص هذه الكلمات:
    [تاجروا بفكر متسطح لحد البلاهة وحقائق الدين الإسلامي، بشقيه الشعبي والرسمي].

    هل يوجد دين إسلامي شعبي و دين إسلامي رسمي ، أهذه رسالة جديدة ، يا أخي خاف الله فينا ، هذا موقع عام تضطلع عليه جميع الفئات و الأسر ، و يكفينا ما نالنا من الرساليون الجدد (عقيدة الجماعات المتأسلمة) و الأفكار الغريبة و المتطرفة التي نتجت من ممارساتهم و تلاعبهم بوكر الشواطين.

    إقتباس:

    [ كفكرة للخلاص السوداني واستعادة الدولة، عبر توازن جديد، غير توازن القوة العسكرية، بتوازان للرعب أو الإرهاق أو بتوازن الاغتيال]

    إستخدمت مصطلح [توازن القوة] أكثر من مرة و الصحيح هو (توازن القوى) ، و هو مصطلح شائع و معروف في جميع الصحف و المجلات ، و يعرف الجميع إنه حساب لإمكانيات و قوى أي طرفين متصارعين أو متنافسين ، و يقارن كل صنف على حدا من حيث الكميات ، النوعية ، التأثير ، المميزات .. إلخ ، و يختلف ميزان القوى حسب الغرض ، فيمكن أن يجرى لحساب الربح و الخسارة بين فريقين رياضيين لمعرفة إحتمالات الفوز أو الخسارة ، أو أي مجال ، لكن بالطبع توازن القوى في الأساس يجرى في حالة توقع الدخول في قتال عسكري و الذي على ضوءه يتم تحديد ، كيف يتم القتال و كيفية الإستعاضة عن نقص الإمكانيات ،، و هكذا !!! فالأمر يطول.

    لكنك إستخدمته إستخدام غريب لا يخدم السياق (الغير متوازن في الأساس) ، و كأنك تعني شيئاً آخر غاب علينا !!

    أما ما ذكرته في الشق الأخير من الإقتباس: [بتوازان للرعب أو الإرهاق أو بتوازن الاغتيال]

    فهذا التوازن المزعوم ! ما أنزل الله به من سلطان في علوم البشرية على كوكب الأرض أو حظائر الأفيال ! فكيف ستحسب ميزان الرعب و ما هو المعيار الذي ستبني عليه دراستك؟
    لو فرضنا إنك تقصد التهديد بدلاً من كلمة توازن ، فهذه يمكن أن تنطبق على كلمة [إغتيالات] ، رغم إنها لا توضح إن كان التهديد من جانبك أم من جانب النظام ، لكن قطع شك لا تتناسب مع [الرعب أو الإرهاق] ، و دعني أُخمن مرة أخرى ، أعتقد إنك تقصد إستخدام سلاح الإرهاق بتطويل أمد الصراع ، لكن [الرعب] ، فهذه حشرتها حشراً ، و ربما كان الأولى أن تفرد لها مجالاً خاصاً ، إلا إذا كنت تعني أفلام الرعب.

    من المآخذ في مقالك ، إستخدامك لمصطلح إسلام سياسي ، ربما لديك العذر في إستخدامه لأن الكثير من المتنطعين خاصةً سياسيِّ هذه الأيام ، يكثرون من إستخدامها ، و هو إصطلاح ، إن كنت لا تدري ، قد أطلقته الجماعات المتأسلمة في سبيل الترويج لإفكهم و ضلالهم! فالإسلام واحد ، يعني الإسلام هو الإسلام ، لكن السياسي و الرياضي و المصرفي فهذه كلها إختراعات و إبتكارات مطبخ المتأسلمين لجرأتهم على الدين و العقيدة و لميكافيليتهم للإستيلاء على السلطة بإسم الدين.
    و أعتقد إنك لم تقصد إستخدام أدواتهم التضليلية بإستخدام مصطلحاتهم ، اللهم إلا إن كان إلتبس عليك الأمر و نسيت في أي جانب أنت تقف؟!
    و في كل الأحوال من الأفضل ترك إقحام الدين و الإسلام في الصراعات أو السياسة

    (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [سورة الأنعام: 153] .

    و أخيراً أقول لك لا تعلق آمالك بالحوار ، إلا كنت على شاكلتهم ، أو عينك على مصلحة أو مكسب من العصابة ، فهذا شأن آخر ، و نستشهد فيه عليكم ، بقول المولى عز وجل:

    (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) [123-سورة النساء]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..