الذكرى الرابعة لرحيل وردي

حيدر المكاشفى

أيام قلائل تفصلنا عن الذكرى الرابعة لرحيل الموسيقار والمطرب الفذ محمد وردي، ومع هذه الذكرى نذكر ذلك اليوم المهيب الذي خيّمت فيه حالة من الحزن العميق والبكاء المر على قطاعات واسعة من المجتمع السوداني فور سماعهم نبأ وفاة فنان السودان وإفريقيا الأول عن عمر ناهز الثمانين عاماً، حيث توفي في ساعة متأخرة من المساء بالمستشفى، وتقاطرت جموع حاشدة من الجماهير ضمت كل ألوان الطيف المجتمعي لتشييعه الى مثواه الأخير بمقابر فاروق، وتقدم هذه الجموع رهط من قيادات الدولة وأهل الفن والثقافة، إضافة إلى أعداد ضخمة من محبي الفنان الراحل، وكانت مراسم الدفن التي شاركت فيها لأول مرة وفي ظاهرة استثنائية أعداد كبيرة من النساء والفتيات، قد تواصلت منذ الفجر حتى منتصف النهار، وسط تغطية إعلامية واسعة من قبل الإعلام المحلي والإقليمي والدولي، ويذكر أن الفنان محمد وردي كان قد عانى طويلاً من داء الفشل الكلوي الذي تعافى منه بعد إجراء عملية زراعة كلى ناجحة له في تسعينيات القرن الماضي، غير أنه قبل وفاته بنحو أسبوع؛ تعرض لوعكة مفاجئة بسبب التهاب حاد وحموضة في الدم، أدخل على إثرها العناية المكثفة، ثم ساءت حالته بعد ذلك بسبب ضيق شديد في التنفس ليسلم الروح ويودِّع الفانية.
إن وردي الذي نذكره اليوم سيبقى خالداً فينا لن يزول بما خلّفه من روائع خالدة دغدغت الوجدان الوطني السوداني والأفريقي والعربي بعطائه العابر للحدود وللشعوب، وتلك هي رسالة الخلود التي أخذها وردي بحقها فحمّل فنه بكل محمولات القيم الجميلة ليؤكد بياناً بالفن أن الفن أقوى من السياسة، وأنه عابر للحدود؛ يجمع بين الشعوب، في حين تفرق بينها السياسة. ومن باب أولى فإنه على توحيد وجدان بني الوطن الواحد كان أقدر وأجدر، فوردي لم يكن للسودان وحده ولا للسودانيين وحدهم، بل طار صيته وذاع فنه عابراً الحدود ليشنّف أسماع الكثير من الشعوب تجده أينما حللت في مشارق القارة ومغاربها، في تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون والسنغال وبلاد الهضبة وما أدراك ما الهضبة اثيوبيا واريتريا و…. و… مما تعدون كلما عبرتم الحدود، كيف لا وفن وردي كان هو مرآة كل هذه الشعوب، والمعبِّر عن تاريخها وقيمها وصعودها وهبوطها، وكان هو ابن الشعب الذي خرج من نسيج الشعب ورحمه وتشرّب آماله وطموحاته، وعايش آلامه وعذاباته، وسيكون من العبث لو حاولت أن أحصي مناقب وردي وفضائله التي رفد بها الغناء السوداني وغذّى بها الوجدان الوطني في هذه العجالة، كما أنني لست المؤهل للحديث عنه سوى بهذه الإشارات المعممة العابرة، فهناك من هم أقدر وأعرف وأحق بمثل هذا الحديث، وما كان لي أن أتقحّم هذا المقام لولا أن ذكرى موت فنان بهذه القامة والكاريزما لا يمكن تجاوزها، له الرحمة والغفران.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لقد اثرى الفنان القامة وردى وجداننا بالألحان الشجية وبالتطريب وبالاداء الرائع القوى وبالاحترام منقطع النظير الذى أولاه وردى لفنه ولجمهوره وللمتلقى عموما.ان المشكلة الكبرى هى اننا جميعا معجبين ومتلقين ونقاد لا نستطيع ان نوفى وردى حقه من التقييم لأننا اقل قامة من قدراته على الإبداع. الترحم الله وردى ليس فقط بقدر ما قدم بل بقدر رحمته الواسعة التى وسعت كل شىء

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..