تقسـيمُ السّـوْدان ليـْسَ مثلاً يُحتـذى. .

جَمًال مُحَمّد إبراهـيْم

أقرب إلى القلب:
(1)
إثر عملية سياسية ?قيصرية”، جرى التخطيط لإخراجها عبر عمليات تكتيكية معقدة، ولدت دولة افريقية جديدة من رحم دولة السودان القديم، الذي حددت القوى الاستعمارية حدوده السياسية، وذهب المستعمرون إلى حالهم. رسختْ تلك الحدود، إلى أن ولدت منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حالياً) التي منحت تلك الحدود قداسة وأكسبتها احتراماً والتزاما من طرف كافة البلدان الأفريقية. .
خرجت تلك الدولة الوليدة في إطار اتفاقٍ صيغت تفاصيله بين أطراف سودانية، ولغت في نزاع داخلي أهليّ، ثم جنحت للسلم عبر رعاية أطراف في المجتمع الدولي، أكبرهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ولك أن تلاحظ أن هاتين الدولتين العظميين قد نشأتا تاريخياً على معايير احترام التنوّع والتشارك برغم الاختلاف. يكفي أن نلاحظ، أن الاستفتاء في المملكة المتحدة لم يسفر عن انفصال اسكتلندا!
(2)
إن التنوّع الذي عليه دولة السودان، والاختلاف الذي تغذّي من تحريضٍ خارجيّ، أفضى إلى اتفاق مفروض، كان منح “حق تقرير المصير”، من بين بنوده الرئيسة، فانتهى الأمر في عام 2011 إلى استفتاء منح القارة الأفريقية دولة جديدة اسمها ?جنوب السودان”. كان حظها من انتاج النفط وفير، ولكن بقي شريان التصدير ممدوداً عبر السودان “الشمالي”، ليصل إلى ميناء التصدير في “بورتسودان”، عدا ذلك فما في الأفق من مقومات لدولة راشدة. هو انفصال أنجزته حبكة ذكية، لكنه أشبه بفصل قطتين سياميتين: لا مهرب من شراكةٍ لازمة، ولا غنىً عن تعاونٍ مطلوب…! !
(3)
لقد كان سيناريو الانفصال مستعجلاً، وتجاوز من أنجزوه ? سواء السودانيون أو الغرباء-ملفات عالقة كان ينبغي حسمها قبل إجراء الاستفتاء المصيري. ملفات رسم الحدود، وملفات اقتسام الثروات، وملفات الهوية، وملفات الديون الخارجية، وكلها ملفات كانت لدولة واحدة، فآلت بين يوم وليلة لدولتين متقابلتين. فقد شمال السودان نصفه الأفريقي الواضح، وأخرجته من “قرنه ” الأفريقي الجغرافي، فصار شمال السودان في التحاقٍ مأزوم وسط إقليم يتردّد في قبوله جزءا منه، هو الشمال الأفريقي.
لقد ورثت الدولة الجديدة في السودان الجنوبي، واقعاً متواضعا في خدمات الصحة والتعليم والبنية الإدارية والفنية، كما أن النخبة التي تولت إدارة الدولة الجديدة تحكّمت فيها المرجعيات القبلية والإثنية. ثمّة تنافس بين قبائل رئيسية في تلك الدولة، أهمها: قبيلة “الدينكا” و قبيلة “الشلك” وقبيلة “النوير” وقبيلة “الزاندي”، ثم القبائل الصغرى في أقصى الجنوب المتاخم ليوغندا والكونغو. لقد استأثرت “قبيلة الدينكا” التي قاد زعيمها الراحل جون قرنق تلك الحرب الطويلة التي انتهت باتفاق السلام الذي جاء بـ”سلفا كيير” رئيساً لحكومة ينازعه الحكم والقيادة فيها، الدكتور “رياك مشار” (وهو من قبيلة “النوير”)، وتشارك في المنازعة أيضاً قيادات أخرى من القبائل الأصغر حجما.
(4)
ذلك التطور كان متوقعاً، وإن لم يكن بحرارة منازعات “التوتسي” و”الهوتو” في رواندا، لكنها إفرازات أوضاع رسخت فيها التباينات القبلية في الجنوب السوداني. حين اندلع القتال الداخلي في المواجهات القبلية في تلك الدولة الوليدة، كان طبيعياً أن يكون النزوح السكاني متجهاً إلى دولة الشمال السوداني. من تداعيات نتيجة الاستفتاء الذي أفضى إلى الانفصال، أن صار سلوك السلطة في الخرطوم وكذا شرائح كبيرة من سكان الشمال السوداني، أقل ترحيباً بالنازحين من جحيم تلك الدولة الوليدة.
ثمّة تداعيات لا يتكلم حولها الرّسميّون في السودان الشماليّ، أو هناك في الدولة الجديدة، وتتصل بملف الهوية وتحديد معايير الانتماء وتبعاته، من أوراق ثبوتية وبطاقات هوية، لواقع جرى فيه تداخل اجتماعي منذ عقود طويلة بين الشمال والجنوب. أفرز التشدّد من قبل الخرطوم في معايير الهوية، إلى حرمان أعدادٍ مهولةٍ من المقيمين في الشمال وأصولهم-القريبة أو البعيدة -في جنوب السودان. واقع كهذا سيفرز فئة من “المواطنين السودانيين”، لم تكن لديهم معضلة هوية في سودان ما قبل الانفصال، لكنهم الآن قد يشكلون فئة من “البدون”، أشبه بمشكلة “البدون” لتي اندلعت في الكويت منذ إعلان استقلاله، وبقيت تبعاتها عالقة إلى الآن. .
(5)
إن نظرة استراتيجية أعمق مطلوبة، لتنفذ بجدية إلى مثل هذه التطورات، وأن حكمة مطلوبة للمعالجة بأشمل نظر لتجنب مسببات التنازع ومحرّكات التنافس القبلي في الدولة الجديدة. إنّ سيناريوهات التقسيم المعجل بما يخدم أجندات الغرباء، والتي زعموا أنها سيناريوهات ستحقق السلام والأمن لسكان المنطقة، فإنها على عكس ما خططوا، فتحت أبواباً لجحيم مستطير.
علينا التنبه للسيناريوهات الخائنة التي تستهدف المزيد من التقسيم في المنطقة.
ليس تقسيم السودان مثلا يحتذى. .
+++++
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. اننا لا نعرف الي اين نساق , لكن كل الدلال تشير علي ان كل السودان بلا استثناء اي اقليم فيه يساق الي الهاوية وبسرعة ولكن البعض يعتقد بانه بعيد عن مناطق الصراع وبالتالي هو واسرته في امان وفي حماية الدولة من شرطة وجيش وجهاز امن, ويقرا او يشاهد قصف طائرات الجيش للقري وفظائع مليشيات وجيش النظام عن طريق الاجهزة الاعلامية المعارضة او العالمية عبر النت او التلفاز ثم يقول لنفسه هذا مجرد تضخيم للواقع من جهات معادية للنظام ويغلق الجهاز ثم ينام كأنه كان يشاهد فيلما خياليا او احداث في كوكب اخر, معن الامور تتعقد يوم بعد يوم..اذا سارت الامور بهذا المنوال في القريب العاجل سوف نري دولة دارفو ودولة الفونج ودولة البجا ودولة شمال السودان ودولة السودان الشمالي ولكنها كل دول متقاتلة ومتناحرة والكل يتوقع الفظائع التي تشاهدها في في اليوتيوب سوف تصبح وقائع تمشي برجليها بين ظهرانينا وكون تفقد اخوك وابوك وعمك برصاص مجهولين عدرا سوف تصبح من الامور المعتادة واختك وامك او احدي قريباتك او معارفك يتعرضن للاعتداء سوف تصبح من الامور غير الغريبة, لا تتعجبوا في اجواء الحروب كل شئ وارد كل المحرمات مباحة , السودان القوة الرئيسية التي تحرسه هي الجنجويد وجهاز الامن وكلها اجهزة مفصلة لحماية نظام او بالاحري الشخصيات النافذة في النظام ولا تنسوا فان الجنجويد مرتزقة وشغالين بالمقطوعية…اتمني الذ يدور في خلدي يكون مجرد كابوس

    ا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..