أخبار السودان

قضيّة أطبّاء أم درمان: يا غِرِقْ يا جيت حازِمَها

عزان سعيد

لا يخفى على أحد العداء الذي ناصبته عصابة الجبهة الإسلاميّة للأطبّاء منذ إنقلابها المشؤوم في 1989. فقد تعاملت السّلطة منذ وقت باكر مع الأطبّاء بمبدأ “هم العدو فاحذرهم” و تربّصت بهم الدوائر و جعلت العسف بهم من أوْلى إهتماماتها بشكل لم يحدث مع أيِّ مجموعة مهنيّة أخرى. بدا ذلك واضحاً من القمع المبالغ فيه لإضراب الأطباء في 1989 و ما تلاه من الحكم بالإعدام على نقيب الأطبّاء الدكتور مأمون محمد حسين و تعذيب و إغتيال الدكتور على فضل. لقد بعث ذلك الإضراب برسالة واضحة للسّلطة مفادها أنَّ الإطباء ككيان واعي و متّصل بالشعب و مدرك لآلامه و حامل لتطلعاته سيقف حجر عثرة في طريق مشروعهم الإجرامي، و أنَّ من أولويات تثبيت قواعد حكمهم أنْ يقضوا على أيِّ كيان يجمع الأطباء في ماعون واحد، وأن يعملوا جاهدين على كسر هممهم و تقزيم دورهم.

كذلك، لم تدّخر السّلطة وسعاً في التنكيل بالأطبّاء و إذلالهم عبر “منسقيّة الكوادر الطبيّة” التابعة للخدمة الوطنيّة سيئة الذكر. و قد تصدّى لهذه المهمة أطبّاء من كوادر السلطة من أمثال “أنورمحمد على” و “الشيخ الصديق بدر”، حيث كان من يتولّى منصب المنسق فرعونا ً صغيراً في التكبّر و الظّلم، فعاملوا زملاءهم الأطبّاء من غير منسوبي السلطة بكثير من الصّلف و كمواطنين من الدرجة الثانية و قذفوا بهم في إلى مناطق الحرب خاصّة من كانوا ينتسبون لتنظيمات معارضة أيام مزاملة هؤلاء في الجامعة، بل و اجتهد هؤلاء في تحرّي إذلال الأطبّاء من غير طائل، فقد قام الأخير مثلاً عند تولّيه منصب المنسق بإلغاء قانون يعفي الأطبّاء ممّن تدرّبوا قبل الجامعة في معسكرات الدفاع الشعبي من التدرّب في معسكرات الخدمة الوطنية مرّة أخرى مجبراً المئات من زملائه على دخول المعسكرات من جديد و التعرض للذل و المهانة بينما هو نفسه قد تجاوز التدريب العسكري بتصنيفه من الفئة (ج).

و كي لا يقوم للأطبّاء كيان جامع قد يهدد النظام، فقد قام بحرمان الأطبّاء من ممارسة حقهم النّقابى بسن ما يسمى بقانون نقابة المُنشأة الذى يجعل من النّقابة مجتمع لشتيت متنافر من النّاس الذين لا تجمعهم ذات المصالح والآمال والتطلعات، بدلاً عن القانون القديم الّذى تقوم النّقابة فيه على أساس المهنة. فتكوّنت على أساس هذا القانون ما يسمّى بنقابة المهن الصحيّة، والّتى حشد النظام أنصاره لقيادتها كالعادة، ولم يهتم الأطبّاء بالتمثيل فيها أو الإنضمام أليها بإعتبار إنها أحد صنائع النّظام.

أما إتّحاد الأطباء فهو هيئة خدميّة أكثر منها مطلبيّة. ورغم سلبيّة هذا الإتّحاد ومحدوديّة دوره إلّا أن النظام لم يألْ جهداً أيضاً فى الدّفع بإنصاره للسيطرة عليه. وقد فشل الإتّحاد المذكور فى تبنّى العديد من قضايا الأطبّاء الملحّة و وقف موقفاً سالباً وعدائياً تجاههم فى بعض الأحيان مما دفع الأطبّاء لتجاهله وتكوين كيانات مخصّصة لتلبية مطالبهم، حيث وقف الإتّحاد موقف المتفرّج لدى مصادرة ميز أطبّاء مستشفى الخرطوم فى التسعينات وتشريدهم، فقامت لجنة الميز المكوّنة آنذاك بالتصدّى للسّلطة و فرض شروطها التّى أدّت لضمان عدم تشريد أىِّ طبيب وبناء الميز الجديد. وقام الأطبّاء بعد ذلك بتكوين لجنة الأطبّاء والنوّاب التى انتزعت من النظام مجموعة من الحقوق الماديّة والمهنيّة فى ظلِّ غيابٍ تام أيضاً للإتّحاد المذكور. بل إنّ مسؤوليه رفضوا السّماح للّجنة بالإجتماع مع قواعد الأطباء فى دار الأطباء فى تصرّف مُشين أدّى لتعميق الفجوة القائمة بين غالبيّة الأطباء والمجموعة القائمة على أمر الإتحاد.

و قد وصل الصدام بين الأطبّاء و النّظام ذروته عندما إعتقل جهاز الأمن اللجنة التنفيذية للجنة الأطبّاء لمدة طويلة على أمل أن يؤدّي ذلك لكسر شوكة الأطبّاء و ثني عزيمتهم.

لقد أدّي غياب الصوت النقابي لأطبّاء السودان إلي أن يُصبحوا ضحية للكثير من الإعتداءات و الممارسات غير اللائقة، و تعدّدت حوادث الإعتداء اللفظي و الجسدي على الأطباء خاصة من قبل منسوبي القوات النظامية. و تأتي قضية نواب إختصاصيي الجراحة بمستشفى أم درمان كتتويج لهذا العبث و كمثال لسكوت و ممالأة السّلطة لما يحدث بصورة مستمّرة و ممنهجة من إضّطهاد و إستهداف للأطبّاء.

تتلخّص القضيّة في أنّ مجموعة من أطبّاء مستشفى أم درمان قد تعاملوا مع حالة مريض مطعون مجهول الهويّة – وجد ملقياً في الشّارع و أُحضِر إلى المُستشفى بواسطة فاعل خير- بما يُملِيه عليهم ضميرهم المهني و إنسانيتهم فأخذوه لغرفة العمليات و قاموا بعمل الّلازم، إلّا أنّ المريض إنتزع أنبوب التصريف من بطنه و هرب من المستشفى و توفّي بعد ساعات في الشارع. رغم مأساوية الحدث، إلا أنه لا يخرج من إطار الممكن، ويحدث كثيراً أنْ يهرب مريض من المستشفى ضد نصيحة الأطبّاء و يُؤدي ذلك إلى تدهور حالته بعد أنْ يفقد العناية الطبيّة الّلازمة. إلا أنّ ما حدث بعد ذلك كان من الغريب و المدهش في آن، تصلح وقائعه لرواية خياليّة من روايات الإثارة، فقد قامت الشرطة بإلقاء القبض على الفريق الذى أجرى الجراحة بتهمة القتل العمد! بل أنّ الأمر تعدّي لمحاكمة الأطبّاء المذكورين بنفس التّهمة بمجمع محاكم أمبدة بناءاً على تقرير لطبيب شرعي يُرجع الوفاة لثُقب في الأمعاء.

لقد تداعى أطباء السودان و وقفوا كالعهد بهم صفاً واحداً خلف زملائهم ضد هذه المسرحيّة الهزليّة. و لا يراودني شك في أنّ ما يحدث يتم بعلم و مباركة النّظام الّذى لا يكاد يفوّت فرصة للنيّل من الأطبّاء و “تكسير مقاديفهم”. إنّ هذه الحادثة المؤسفة تُخبرنا أنّ معركتنا مع النّظام طويلة، و أنّ صمود الأطبّاء و إتّحادهم هوالسبيل الوحيد لإنتزاع حقوقهم للعيش و العمل بكرامة في هذه البلاد. ستكون وقفتنا خلف زملائنا بمجمع محاكم أمبدة رسالة قوية ضد الظّلم و ضد محاولات النّظام “لتصدير”ما إستطاع من الأطباء و تدجين من بقى منهم.

و لنْ ننسى أبداً أنّ هناك من الأطبّاء من رَضِى بأن يكون مخلباً في يد النّظام و خان زملاءه و قسم الأطباء و أخلاق المهنة، و قائمة العار هذه طويلة لا تبدأ ببشير إبراهيم مختار و أحمد سيد أحمد الّلذان قررا أنّ الشهيد على فضل قد مات بالملاريا، مروراً بمن إضّطهدوا زملاءهم الأطبّاء من على قيادة منسقيّة الكوادر الطبية، و من الأطباء ممّن إنتسبوا لجهاز الأمن، و من نفّذوا حد القصاص وقطعوا يد مواطن في مستشفى الشرطة، ولا تنتهى بكبيرهم مأمون حميدة.

ستبوء محاولات النّظام لكسر شوكة الأطبّاء بالفشل، و ستذهب جهوده لتدجينهم أدراج الرياح. فالخبر الذى لا يُسعد عصابة الإنقاذ أننّا هنا باقون، و سنكون جزءاً أصيلاً و قائداً في التغيير القادم الذى سيقذف بهم إلى حيث يستحقون .. و يعيد للوطن كرامته و لأهله عزّتهم.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ان قضاياكم مع هذا النظام لم ولن تنتهى فانهم يخشونكم ويخشون كل من يحمل فى رأسه ويده علما يمكن ان ينفع الشعب .
    نتمنى ان تقفوا بصلابة شديدة مع زملائكم واقول ان كبار الاطباء الاخصائيين اصبح عليهم عبء مضاعف ولا يجب ان تترك هذه القضيه فيتمكن النظام الهالك منكم .

  2. دا كلام فارغ ،، قال الحكومة ضد الاطباء ،، يعني خايفة منكم تقلبو الحكومة ولاشنو ،، قايلين روحكم ضباط جيش وامن ومخابرات ولا شنو الحكومة ضدكم ،، انتو اكتر ناس اعتدي عليهم الشعب في مواقع عملهم وطلعتو البيانات ودا دلالة علي انكم اسوء موظفي الدولة
    قومو بلا اطباء بلا كلام فارغ اصلو قاعدين تعالجونا بالقروش بحقنا لانجم تجار

  3. دا كلام فارغ ،، قال الحكومة ضد الاطباء ،، يعني خايفة منكم تقلبو الحكومة ولاشنو ،، قايلين روحكم ضباط جيش وامن ومخابرات ولا شنو الحكومة ضدكم ،، انتو اكتر ناس اعتدي عليهم الشعب في مواقع عملهم وطلعتو البيانات ودا دلالة علي انكم اسوء موظفي الدولة
    قومو بلا اطباء بلا كلام فارغ اصلو قاعدين تعالجونا بالقروش بحقنا لانجم تجار

  4. هل الكاتب يدافع عن بعض الاطباء وما هي الادلة التي يعتمد عليها, ام يتهجم علي أطباء آخرين لهم مكانتهم داخل البلد وايضا ماهي الادلة,نرجو عدم الاعتماد علي ( يقولون ) لاننا حصلت لنا مناعة من كلام الجرائد

  5. يجب الاستفادة من التجارب السابقة … تمليك الحقائق للاطباء القيام بالتعبئة و دراسة الخيارات وسد منافذ الفشل 0123652351

  6. الاطباء كغيرهم من المهنيين تعرضوا للظلم والتشريد فنظام الحكم والتنظيم الاسلامي يضم عددا كبير من قادته من قطاع الاطباء قلايمكن ان يعادي الاطباء فالولاء في التنظيم للعضوية فقط مهما كانت مهنهم فلا يفرق بين طبيب ومهندس وعامل فكم من مهندس وقاضي ومحامي وعامل مهني تعرض للاقصاء والصالح العام من اجل تمكين الجماعة اما الحديث عن النقابات فقد حكم عليها بالاعدام منذ ان تحولت الى التعيين بدلا عن الانتخاب فتمت السيطرة عليها بل وجمعها في سلة واحدة يحملها شخص واحد ويتحكم في محتوياتها ويحدد مسارها الى ان تمت مكافأته اخيرا بمنصب وزير الخارجية
    الامر لا يعدو عن كونه تصفية حسابات او اخفاء لمعالم جريمة اتخذ من الاطباء ككبش فداء والا لماذا لم تركز الجهود في القبض على من قام بطعن هذا الشخص والتحقيق في موضوعه ومن استخرج له اورنيك 8
    ان توجه تهمة القتل العمد لاطباء امر مضحك فكيف يتهم طبيب بالقتل العمد وهو يعمل من اجل انقاذ المريض صحيح ان هناك الاخطاء الطبية ووارد حدوثها في كل دول العالم ولكن الم يكن من الممكن تدارك هذه الاخطاء فيما اذا ظل المريض في فراشه ولم يغادر والموضوع فيه قصور اداري واضح تتحمله ادارة المستشفى كيف سمح كادر التمريض وحراس الشركات الامنية بمغادرة مريض دون اذن خروج وما هو دور حراس الشركات الامنية هل هو طرد المرافقين فقط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..