الترابي.. حياته في السلطة ووفــاته

مصعب المشرف
بعد وفاته المفاجئة يوم السبت 5 مارس . فإن العديد من الأسئلة العاجلة لابد أن تثار … ولا يفوتنا أن نضيف بأن هناك أيضا هواجس ينبغي على العسكر في القصر الجمهوري أن تنتابهم عقب رصدهم لهذا الإهتمام الإعلامي ، والحشد الشعبي في تشييع جثمان الترابي إلى قبره .. هذا الحشد الجماهيري غير المسبوق في أيامنا المعاصرة ؛ والذي لم يحظى به قبله سوى جثمان المطرب الراحل المبدع الشاب محمود عبد العزيز.
الإهتمام الإعلامي الزائد عن الحد بالحزن على وفاة الترابي ؛ الذي لم يكن يحتل عند وفاته منصبا دستوريا رفيعا ….. هذا الإهتمام يشير إلى أن الإخوان المسلمين من أنصار الترابي لا يزالون جمراً تحت الرماد…… وأنهم يمسكون بمفاصل السلطة بأصابع من فولاذ .
المفارقة والدهشة من هذا الإهتمام الإعلامي منذ أمس وحتى نهار اليوم بما في ذلك التلفزيون الرسمي الحكومي ؛ تبعث برسائل معلنة إلى عمر البشير وبكري حسن صالح بأنهما يجلسان منذ زمن فوق برميل من البارود …… وأن وضع مخرجات الحوار موضع التنفيذ هي وحدها الملاذ الآمــــن.
ربما اليوم فقط أدرك عمر البشير أن الإخوان المسلمين وإن كانوا يأكلون في موائده ؛ إلا أنهم يؤدون فروض الصلاة خلف الترابي.
لا بل فإن قناعة عمر البشير ومجموعته اليوم ليست كافية بقدر ما يجب أن تكون هذه قناعة الشعب بأكمله .
وربما لو كان هناك من ناصح لكان قد همس لعمر البشير أن وراء الأكمة ما وراءها … وأن عليه أن لايرفع أصبعه عن الزناد ؛ وأن تظل الرصاصة دائما في جيبه.
ولا نشك مطلقاً أنه إذا كان الترابي قد جمع الإخوان المسلمين في السودان للصلاة خلفه وحده … فإنه بعد موته سيتعدد عدد الأئمة الذين يأنسون في أنفسهم الحق بمطالبة الإخوان الصلاة خلفهم…… ونتوقع أن يكون بأسهم بينهم بعد موته شديد.
على أية حال فقد ذهب الترابي عن هذه الحياة الدنيا بعد أن أسهم في الحياة السياسية العامة للبلاد بشكل مؤثر خلال حقبتين . كانت الأولى عند دوره في إصدار قوانين سبتمبر 1983م الإسلامية على عهد الرئيس السابق جعفر نميري . هذه القوانين التي أشعلت نار التمرد في الجنوب من جديد إلى أن تم فصله نهائياً كما هو معلوم.
أما الإسهام الثاني فقد كان لدور حزبه المباشر في التخطيط لإنقلاب العميد (وقتها) عمر حسن البشير .. والذي أهله لحكم البلاد من وراء ستار تارة ومن أمام ستار تارة أخرى طوال عقد كامل من الزمان إمتد من عام 1990م إلى عشية الألفية الثانية .
وخلال هذا العقد لم يألوا الترابي جهدا ولم يوفر وقتا إلا وإستثمره في التنكيل بالعباد وتخريب حاضر ومستقبل البلاد المنظور .
إحتضن الترابي أسامة بن لادن في البلاد ، وجعلها مأوى للإرهابيين من شتى بقاع العالم. فأصبح السودان بذلك يوصم بالإرهاب ؛ على العكس من طبيعة مواطنيه الذين تناقلت الألسنة من قبل سمعتهم الطيبة في مجال الأمانة والسماحة والموادعة والمسالمة والمحنة ، والأخلاق الحميدة بوجه عام.
وكان جراء ذلك أن تم وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب . ولا تزال هذه الوصمة تلاحق حكومته ، وتؤثر سلبا علةى حياة المواطن في الداخل … وتسبق كل من يحمل جواز سفر سوداني في مطارات العالم ونقاط الجوازات والجمارك حول العالم.
سارع الترابي بدون مبرر وعلى حماقة لايحسد عليها بتأييد ومؤازرة غزو صدام حسين للكويت عام 1990م . وقام بتوجيه كوادر حزبه لتدبير مظاهرات ومسيرات في شوارع السودان تؤيد هذا الغزو وتسيء إلى رموز وقيادات عربية لم يكن السودان وأهله يجدون منهم سوى كل الحب والإحترام والتقدير .
والذي يستغرب له المرء هو كيف يتوجه الترابي الأخ الأصولي المسلم لمصافحة وتأييد صدام حسين البعثي العربي الإشتراكي في قلب بغداد … وعلى نحو جعل بعضنا يستشهد بقول الشاعر عمر بن أبي ربيعة:
أيها المُنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيانِ
هي شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا استقل يمانِ
والذي ترتب على هذه الحماقة التي لانرى سوى أنها قد نبعت من قلب حاقد ونفس مريضة … ترتب عليها أن فقد السودان تعاطف ودعم ومساعدات إخوانه العرب الأثرياء …. ولا تزال في نفوس هؤلاء أشياء ؛ وتدني في درجات الثقة على أقل تقدير.
سمح الترابي عام 1995م بالتنسيق مع مجموعة الجهاد المصرية في التخطيط لإغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا ، وتوفير الدعم اللوجستي والإستخباراتي لتنفيذ هذه العملية التي كان من أهم آثارها إنتهاز حسني مبارك الفرصة والمبرر لإحتلال أراضي حلايب وشلاتين السودانية ، والتمدد لعدة كيلومترات داخل حدود السودان الشمالية في بحيرة السد العالي… وتكريس هذا الإحتلال وتقنينه لاحقا على نحو لم يفعله حتى الخديوي محمد علي إبراهيم أغـــا باشا.
إبتدع الترابي قانون ما يسمى بالصالح العام بمبرر التمكين لأتباعه …. وترتب على قراره هذا إعفاء مئات الآلاف من وظائفهم وتشريدهم في الآفاق . فمنهم من هاجر ومنهم من جاع وتسول وباع كل ما يملك . ومنهم من مرض ومات كمداً .. وتشردت وإنحرفت نساء وفتيات وحتى الصبيان لأجل سد الرمق وإطفاء سعار الجوع …… وعجبي أن العرب في الجاهلية كانت تردد “أقطع الأعناق ولا تقطع الأرزاق” … ثم نرى الترابي تحت شعاراته الإسلامية الزائفة ومشروعه الحضاري الفاشل يلجأ أول ما يلجأ إلى قطع أرزاق مواطني البلاد مسلمهم وغير مسلمهم.
على أية حال فلا مندوحة اليوم من الإقرار بأن الترابي هو من أسس لما يسمى بالإسلام السياسي في السودان …. وقد مارس منذ عام 1990م تخريب غير مسبوق للبلاد أكبر وأعظم من أن يحاط به في سطور وكلمات …..
تمسك اسلام الترابي السياسي بالقشور وجعل الغاية تبرر الوسيلة …. اعلى من شان المسلك واهمل الاخلاق …. وويل لشعب بلا اخلاق ….
التاريخ لا يرحم … اليوم انطوت صفحة الترابي ككائن بشري وفتحت صفحتان… صفحة في ظلمات قبره خاصة به وحده مع الله … وصفحة في تاريخ السودان خاصة بنا نحن أبناء هذا الوطن الذي احترق بالنار.
وبحسابات النجاح والفشل في ختام المشوار نرى أن أكبر مؤشر على فشل الترابي أنه لم يتمكن طوال هذه العقود ومختلف العهود التي تحالف معها أو تملك زمام قيادتها …. لم يتمكن الترابي من توحيد المسلمين وجمعهم خلفه أو تحت لوائه رغم أن الإسلام حاضر وسط شعبه بقوة.
وبدلاً من أن يجمع الترابي الشتات ؛ إذا به يخلق شتاتاً أكبر ؛ ليس فكريا فحسب .. ولكن عبر قوانين ممنهجة ليس أقلها “الصالح العام” ، وأنتهاءاً بمصطلح “الآخـر” للتفريق بين أتباعه وبين عامة المسلمين.
آخر لحظة
اترك الصحن دا روح إلي الجحيم لعيش الفقراء في أمان لنحصل علي بعد الاكل. ..لانك كونت تكل لوحدة. ..الصحن باقي يكفينا. ..
قوله تعالى : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم)
اعلق فقط علي اللغة الرصينة واختيار المفردة الجميلة ،، اقرا يوميا ولكن يبدو لاول مرة اطالع مقالا للاستاذ ، والله قمة الروعة في التناول المثير والسرد الرائع ، كاني اقرا لاول مرة ،، بغض النظر عن الموضوع . جميل انت يا استاذ
الاخ المشرف لك التحية.. قرأت المقال من اوله لآخره بتأني وتمعن شديد..المقال ممتاز.. ورأيي هو ان الموت هو عظة للاحياء.. فهل يعي هؤلاء من قتل وتدمير وحرق وتقسيم للوطن.. هذا ما يجب اعطاؤه أولوية التفكير.. لك تقديري..
انفسهم داخلها ولعل هذا الفراغ المصطنع سيكون سببا لصراع شديد بل وربما نهاية لم يكن يتوقعها احد . هذا ما ستكشف عنه الاشهر القليلة القادمه .
مقال ممتاز اخى الكريم .
مبارك (المبارك) ، خفف عنك يا أخي.
حتى النبي صلى الله عليه وسلم كان يستشهد بقصص المؤمنيين السابقين و شدة تعذيبهم من الكفار.
و عدد كبير جداً من المعتقلين ضحايا النظام تعرضوا لنفس التهديد (لذويهم) ، خاصة في بداية سنوات الإنقاذ ، و هم يقرأون كلامي هذا.
في بداية عهد الإنقاذ كان الجميع (الضحايا) مندهشين من نوعية البشر الذين يمارسون التعذيب في بيوت الأشباح ، و من أي البيئات أتوا.
لا أعلم لما الجميع صامت ، لكن لك أن تعلم إنه في تلك الأيام كانت أقاليم و ولايات كاملة تؤيد الإنقاذ و تؤمن أن المعتقلين كفار ، و كثير من المعتقلين عندما يتم ترحليهم من معتقلات الأمن إلى سجن كوبر و باقي السجون ، و عندما كانوا يصلون ، كان حراس السجون يندهشون من ذلك ، إذ كانوا يعتقدون إنهم ملحدين (أعداد كبيرة شهود و يقرأون كلامي هذا)
لو كان الجميع يقرأ مثلك و يعتبر لأنار الله بصيرتهم و هداهم لطريق الحق ، لكن عميت البصائر و غُيبت العقول ، و عندما إكتشف الناس الحقيقة ، كان التنظيم قد دمر و تمكن من مفاصل الدولة (أو ما تبقى منها).
واصل نهجك و طول بالك ، و لا تهتم بنوعية كاكا ، فهم أسوأ من الإنقاذ.
و نسأل الله السلامة و أن ينور قلوبنا و بصيرتنا.
لقد مدح الله المؤمنين بقوله : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } (الأنفال : 2).
يقول أحد السلف : (( ما من عبد إلا وله عينان في وجه يبصر بهما أمر الدنيا ، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة ،فإذا أردا الله بعبد خيراً فتح العينين اللتين في قلبه ، فأبصر بهما ما وعد الله بالغيب ، وإذا أردا به غير ذلك تركه على ما فيه ، ثم قرأ { أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } ( محمد:24) .
{أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} ( النحل : 108) .
يلا امشي اكل هناك الاكل الجد جد
واضيف ايضا رحل الترابى من غير ان يرجع لنا ارضنا المخصوبةمن المصرين نشكر كاتب المقال على الموضوع الجميل
في ستين داهيه اللهم أنعمت فزد. يمهل ولا يهمل
ودعا ودعا العالم والسودان أصبحت حرة الي الجحيم. …مات كلاب. ..السوائل متي يموت البشير لكي نرتاح ..ياربي أرجوك متي تطلب البشير وباقي الشل. …أسراعلى الباقين. ..ماقدرين نتحمل ظروفهم. ..
الحق يقال أن صورة الراحل الشيخ الترابى وهو يتناول طعامه وحيداً بها كثير من الإستفزاز لمشاعر الكثيرين من فقراء أهل السودان الذين لا يجدون قطعة خبز ناشفة لإسكات مصارين بطونهم وهو الشيخ والداعية الإسلامى والقانونى الذى يعرف الحديث ( عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به.) .وهو يعلم كم عدد الجياع فى سوداننا ..
ولا بد لى أن أشيد بالمقال الرصين الرائع ..
الي جهنم و بئس المصير … غير مأسوف عليه