إعتقال شارع ومعتقلي رأي الشعب

بشفافية
إعتقال شارع ومعتقلي رأي الشعب
حيدر المكاشفي
أذكر أنني كنت قد كتبت هنا قبل حوالي العامين ونصف تحت عنوان «قلنا موسى طلع فرعون»، انتقد تصرف أحد كبار المسؤولين بالدولة وصاحب سلطة مباشرة على إحدى القوى النظامية حين استخدم رجاله ذوي السطوة في إغلاق عدد من المداخل المؤدية إلى داخل أحد أعرق الأحياء الأم درمانية، ليس لأي غرض أمني بل فقط لتوفير أجواء آمنة وهادئة لحفل «السماية» الذي كان يقيمه على شرف استقبال مولوده الأول من زوجته الثانية، وقد ظل الكثير من سكان هذا الحي «تحت الاعتقال» لا يعرفون طريقاً لمغادرة منازلهم أو الدخول إليها إلا بشق الأنفس وبعد سلوك أزقة ملتوية، فقد كان العسس منتشرون على المداخل يهشون عنها ويصدون كل من يحاول إقتحام «المنطقة العسكرية المحصنة»، وهل قلت عسكرية محصنة، آسف بل منطقة «السماية المقدسة»، وظل الحال على هذا المنوال إلى أن انتهت المناسبة وتفرّق الجمع الكبير والكريم ممن تشرفوا وشرّفوا بحضورها بعد أن أولموا وطربوا، ولولا أنني كنت قد تحصنت للأمر وتحسبت له بالكتابة عنه على طريقة «أسرار» لكان مصيري المبيت عدة ليالي على «التخشيبة» فقد علمت أن الرجل قد «لبس الطاقية» وكانت مقاسه بالضبط فاستشاط غضباً وأرغى وأزبد وبحث ونقّب عن أية ثغرة لإيداعي الحبس فلما لم يجد لحسن حظي لم يسكت بل أوعز لآخرين أن يردوا عليّ فتهاطلت الردود، تذكرت هذه الواقعة حين تلقيت بالأمس عدة اتصالات من بعض ساكني «الخرطوم 2» يشكون من إغلاق الفريق أول صلاح عبد الله الشهير بـ «قوش» مدير جهاز الأمن والاستخبارات السابق والمستشار الحالي للرئيس للشارع الذي يقع عليه منزله لعدة أيام، امتدت منذ ما قبل بداية المناسبة التي أغلق لأجلها الشارع وإلى ما بعد نهايتها أمسية الأول من أمس السبت، إذ يقول آخر متصل انه وحتى هذه اللحظة التي يتحدث فيها وكانت منتصف نهار أمس الأحد مايزال الصيوان «الحدادي مدادي» منصوباً على طول الشارع وعرضه حتى بعد نهاية المناسبة أمسية الأمس ولمدة خمسة أيام متتالية، وقد أجمع المتصلون ممن يسكنون على جانبي الشارع وأولئك الذين اعتادوا المرور عبره على أن هذا «الاغلاق» قد تسبب في «تأزيم» عملية مرورهم إلى مقاصدهم والتي هي أصلاً معقدة و«مأزومة» بسبب حركة المرور، تلك كانت هي الشكوى، وإن كان لنا ثمة تعليق فالواجب يقتضي أن نقدم التهنئة أولاً للفريق أول صلاح قوش على المناسبة السعيدة، ثم من بعد ذلك نتساءل عن لماذا لم يعمد سعادة الفريق لعقد قران كريمته بأحد المساجد «الرئاسية» التي اعتادت قيادات الانقاذ على اقامة مناسبات «العقد» فيها مثل مسجد القوات المسلحة والشهيد والسيدة سنهوري وغيرها، بل لماذا شذّ عن هذه القاعدة فأقام المناسبة بمنزله وسط حي مأهول بالسكان وفي منطقة حية يكثر مرتاديها وعابريها مع علمه المسبق بأن المناسبة التي سيقيمها تستدعي نصب صيوان «طول بعرض» وسيؤمها خلق كثير وسيتداعي إليها نفر عظيم لابد أن يستنفر له أي شئ حتى «الشارع» لابد أن يوظفه لخدمة المناسبة، لا أدري ما الحكمة وراء هذا الاختيار ولكنه على كل حال تسبب في إثارة ضيق البعض ولا أظن أن سعادة الفريق يسعده أن يتضايق منه البعض في هذا اليوم السعيد..
وعلى ذكر الاعتقال والمعتقلات والسجون والمسجونين، أسعدني أن تتبنى الزميلة صحيفة الشاهد عبر نائب رئيس تحريرها الأستاذة منى أبو العزائم مبادرة لاطلاق سراح زملائنا الصحافيين بصحيفة رأي الشعب الموقوفة والذين قضى حكم قضائي بحبسهم لمدد متفاوتة تتراوح ما بين خمسة سنوات «أعلاها» وسنتان «أدناها» بدأت منذ يوليو الماضي، وقد سعدت أكثر بتجاوب الوزيران، كمال عبد اللطيف وسناء حمد مع المبادرة واعلان استعدادهما للذهاب بها بعيداً، والشاهد بعيداً عن ا لخوض في تقييم الأحكام القضائية هو أن هناك اجماع شبه كامل في كل دول العالم تقريباً على استبعاد قضايا الرأي والنشر من أحكام السجن والحبس وأن لا يسجن أحد بسبب رأي كتبه، إننا نعضد هذه المبادرة ونؤازرها ونتمنى أن تصل إلى غايتها النبيلة باطلاق سراح هؤلاء الصحافيين ولو بعفو يسقط عنهم بقية مدة الحكم…
الصحافة