بعض صحافة اليوم حروف كاراكاتيرية ، ورسوم تشكيلية ، وتورية بلاغية

بعض صحافة اليوم حروف كاراكاتيرية ، ورسوم تشكيلية ، وتورية بلاغية

فتح الرحمن عبد الباقي
[email][email protected][/email]

في ظل هذه الظروف المدلهمة بالسودان ، وفي ظل ضبابية الرؤية ، في سوداننا الحبيب في ظل هذه الأحداث والأوراق المتناثرة هنا وهناك ، وفي ظل استعصاء الكلمة ، وقوتها ، ورصانتها ، وأناقتها ، ظللنا نتردد عبر وسائل الإعلام المختلفة ، ابتداء بالمسموعة ، والتي هي أسهل الوسائل ، ونتنقل من القنوات الحكومية إلى التي تسمى نفسها بالمحايدة ، ومن ثم إلى التي يرى البعض بأن في نفسها غرض ، وبعدها تحولنا إلى الصحافة ، وفي الصحافة كنا ننظر إلى التحليل والرؤية بدلا من الخبر المجرد ، فكانت خيبة أمل كبيرة
بدأت أطالع الصحف الصادرة في الخرطوم ، وأتابع أعمدة الكتاب الذين أوهمونا ببعض الكتابات ، بأنهم أهلُ لقول الحق ، مهما كلفهم هذا الأمر ، وأن مهنة الصحافة ستظل هي مهنة الصحافة لا ينقصها ولا يكدرها كدر المكدرين ، وتدليس المدلسين ، في ظل هذه الظروف طُفت عبر صحافة بلادي لأقرأ الأعمدة ، فتعالوا معي لهذه السياحة الغريبة والعجيبة ، وطوفوا معي ، لتروا كيف أن الصحافة والتي هي السلطة الرابعة ، والتي باستطاعتها تغيير مجرى الأحداث ، وإحقاق الحق . كيف صارت .
لا يهمني هنا أصحاب الآراء الواضحة ، سواء كان من أتباع المؤتمر الوطني ، أو المعارضة فمن أبرز رأيا واضحا ، وكان صاحب فكرة ، مهما كانت فكرته ، تتفق أو تختلف معها ، فهو إنسان مقدر وواضح المعالم ، ولكن تعالوا نرى ماذا كتب البقية ، الذين يمسكون العصا من الوسط ، فهم ليسوا مع المعارضة ، ولكنهم معها ، وهم ليس مع الحكومة ولكنهم معها ، وأصبح الصحفي بين سندان الضمير ، والخوف من مقص الرقيب ، وكان في الماضي مقص الرقيب ، يقص بعض ما كتب ، أو قل جل ما كتب ، أو حتى كله ، ولكن المقص الورقي في هذا العهد ، إن لم يقص الرقاب ، فهو قادر على قص اللسان ، وأما صاحب الصحيفة أو الناشر فيخشى عدم صدور الصحيفة ، وليته كان عدم صدور فقط ، ولكن سحب العدد ، بعد الطباعة مباشرة ، يعني ميتة وخراب ديار ، وكذلك حرمانه من الإعلانات الحكومية التي يسيل لها لعاب صحيفته ، ورغم أن الحكومة قد أعلنت فلسها إلا أنها ما زالت تدفع أموالا مقدرة للإعلانات ، لذا ففقد اختار البعض الهروب عن التحدث في السياسة مختارا التحدث عن الإجازات الصيفية ، ومتعة الإجازة ، وتحول بعضهم إلى كاتب كاراكاتيري ، تحتاج إلى معاجم لغوية وخيال خصب ( يعني إلا تسطل ) حتى تتمكن من معرفة الإيحاءات التي يرمي إليها ، وأصبح معظمهم بارعا في التورية وعلم البلاغة وأصبحت كلماته وعباراته تحمل كل المعاني ، وانزوى بعضهم ، وتمنى لو كان كاتبا رياضيا ، أو مهمته مراسلة داخل الصحيفة ، بدلا من الكتابة في هذه الأيام ، ودعونا نختار عينات من هذه الكتابات عبر عدد من الصحف السودانية
كاتب مغمور شغل الساحة السودانية ، بكتاباته النارية ، على الرغم من معرفة توجهه السابق ، طاف بنا عبر سياحة قلمية مع صاحب صاحبه القديم ، الذي لا يظلم عنده أحد ، ووضح لنا كيف أن وزير المالية المتقشف ، قد بني عمارة ، وجاء ليقول لنا ، بان وزير العواسة والكسرة عندو عمارة ، ويعني يا جماعة أنا ما مع الحكومة ، أهو أنا بفضح الحكومة ، عشان نقول الكاتب دا ثوري ، أيها الكاتب الثوري ، الكل قد عرف رجال الإنقاذ ، فمشكلة السودان ، قد تعدت ، هؤلاء المفسدين المتمسحين بالدين ، فمشكلة السودان الحالية هي أن الإنقاذ قد فشلت ولمدة ( 24 ) عام في أن تقدم السودان شبراً واحداً للأمام ، بل تأخر السودان بسببها وفي شتى مناحي الحياة كثيراً ، وعليها أن تغادرنا غير مأسوفاً عليها . أما أن وزير المالية الذي يدعي التقشف ، فهذا المسلسل البايخ جدا قد عايشنا كل فصوله من قديم الأزل . وعندما دعانا لأكل الكسرة ، وعرفنا كيف قام بعلاج إبنه في أمريكا بعدها بأيام . أما مقاله بتاريخ اليوم 1/7/2012م فقد هرب من مشاكل السودان ليتناول خطاب مرسي .
وما زلنا في نفس صحيفة هذا الكاتب في عمود آخر فقد لاحظت فيه شيئا غريبا ، ولا أدري هل هذا الصحفي تخصص ، كتابات عربية فقط ، وليس من مجال اختصاصه التحدث عن الأخبار والأوضاع الداخلية ، في يوم 23/6 كان عنوان مقاله ( لبنان يتدحرج نحو عين العاصفة السورية ) ، وفي يوم 24/6 كان عنوان مقاله ( صباح الديمقراطية. وأجعلك عمار يا مصر ) وفي يوم 25/6 كان عنوان مقاله ( المصريون والبحث عن النقطة السوداء في الظلام ) ولا أدري فقد أحتجب الكاتب عن الكتابة منذ يوم 25/6 ولم يكتب الا يوم 1/7 ويبدو أنه لم يجد شيئا ليكتب عنه طوال هذه الفترة ، وحتى في يوم 1/7 لم يكتب عن الأحداث بالسودان ليكتب أيضا مقالا بعنوان ( مصر إرادة التغيير وكوابح التقدم ) فهذا النوع من الصحفيين ، آثر الهروب جملة وتفصيلا وصار يتحدث عن القضايا الدولية ، فهو من الصحفيين عابري القارات ، وأن أفقه ليس بشاذ ، ولكنه أكبر من أن يتحدث عن تفاهات مشاكل السودان .
وأيضا من المواضيع المضحكة ، فقد تحدث أحد كتاب الأعمدة عن أمسية سودانية في ليل سدني ، وبالطبع لم أرَ مدينة سدني البعيدة ، ولكن يبدو أن ليها ، وأماسيها وبريقها قد جذب هذا الكاتب ، وجعله يتحدث عنها ، وبكل حق لم أدخل إلى جوهر المقال ، فأنا أبحث وألهث ، عما يدور بالسودان . وتحرك آخر ليتحدث عن الجنرال ( سكوت قرايشن ) ويعتبره النموذج الأفضل ، والرجل ذو المبادئ والأخلاق ، والذي قدم استقالته ، وأن هذه الاستقالة قد تزامنت مع احتفال أقامته السفارة الأمريكية بنيروبي للشواذ جنسياً ، وفي نفس الصحيفة جاء احد الكتاب ليكتب عن المطربات أفراح وريماز وصباح . كما تحدث آخر عن إفطار تلميذ ، طويت هذه الصحيفة ، ورميتها ، ودعوني أذهب إلى أخرى ، ولكنني قبل مغادرة هذه الصحيفة ، قرأت مقالا للأستاذ الطاهر ساتى ، وتحدث فيه عن عائدات الذهب وأثرها في الاقتصاد السوداني ، وعلى الرغم من أن المقال افتقد للأرقام إلا أن ما أعجبني فيه ، الطرفة التي افتتح بها المقال ، وهي مقولة ( فلان مشى الذهب ) وأقول لأستاذنا الطاهر ساتي ، أتمنى أن يذهب كثير من الصحفيين ذوي الأقلام الباهتة ( الذهب )
وعلى الرغم من أنني ، حانق على بعض الصحفيين ، من هروبهم عن الواقع وابتعادهم ، عن الشارع الذي يفترض أن يكتبوا له ومنه وعنه ، بغض النظر عن توافق الأفكار من تناقضها ، وبغض النظر عن اتفاقنا ، أو اختلافنا حول الفكرة ، ولكن يجب أن ينقل الصحفي حراك الشارع ، وأن يكون جزءً منه ، وإذا كان يريد أن يعيش ، ويريد أن يدعه الغير لكي يعيش ، وخايف يمشي ( الدهب ) فعليه بهجر هذه المهنة التي لا تقبل القسمة على أكثر من ( 1 ) .
فتح الرحمن عبد الباقي
مكة المكرمة
3/7/2012
[email][email protected][/email]

الردود

تعليق واحد

  1. يا ابننا فتح الرحمن .. كلامك في مجمله جميل ..وأنت ذكرت نماذج بسيطة جدا وسط طوفان من الأقلام الجريئة و الرمادمية المواقف ، وأخري متخاذلة ، وغير ذلك من الأقلام التي لم تحد عن خط الانقاذ ظالمة دائما ولم تكن مظلومة يوما !
    وهذا التباين موجود في كل العالم ، حتى في بلاد الغرب ذات سقف الحرية المفتوح ، فباسم تلك الحرية هنالك من هو متعصب في تأييده لتمليك المثليين رجالا ونساء من الزواج بين الجنس الواحد ، الا يتساوي ذلك مع تاييد الآنقاذ من انسان يرى بأم عينه فسادها وكل ما فعلته بالناس وهي تلبس دين الفضيلة الذي يحرم الزنا في حد ذاته بين الجنسين المتقابلين ، ناهيك عن زواج المثليين والمثليات في أى مكان وزمان !
    الفارق الفيصل هنا ، هو درجة الحرية وكيفية استغلال قدرها في توصيل صدق الضمير الانساني.
    ففي بلاد الغرب الانسان مسئؤل عن حريته أمام نفسه قبل أن يخاف القانون ، ولكن هنا عندنا الأغلبية هي من تخاف القانون ، قبل أن تستأنس بقوة قناعتها الذاتية !
    أى أن دورة الحرية ، لا يستقيم اطارها أو قطرها متماسكا في بعضه ليؤدي الغرض الا اذا كان داخل محوره ، انسان يؤمن بمبدأ الحرية أخلاقيا قبل كل شيء في التعاطي مع نفسه وزوجته وأولاده ومحيطه الصغير والمتوسط ومن ثم ينتقل بكل ذلك باعتباره ايمانا قاطعا وليس تمثيلا الى المحيط الأوسع ، صحفيا كان أو معلما أو شاعرا أو سياسيا ، أو راقصا حتى !
    وأرجو أن يكون ملخص المعنى واضح ولك تقديري على حماسك ، ودونك قلمك لتجعله يسير في الاتجاه الصحيح ليكون ضمن جيل قادم يؤسس لحلمك بصحافة افلاطونية يتطلب قيامها صياغة انساننا في حد ذاته بدءا من جديد ومن هنا تتخلق النواة الجديدة لكل شيء بما فيها الحكومات في حدها المعقول ولا أقول المطلق في عدالة الحكم ، فهي تتشكل ببشر ومن البشر الذين لن يبلغوا الكمال الذي هو أبدا لله عز وجل .. وشكرا مجددا..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..