أيها الزنجي الجميل لماذا فعلت ذلك؟

غادة السمان
يسحرني إبداعه وجماله الزنجي .. ولا تبخل القنوات التلفزيونية الفرنسية بالبرامج الوثائقية عن الزنجي مايكل جاكسون الراقص والمغني والاستثنائي وعن أسرته، فرقة (الفايف جاكسونز).
وأعترف بأنني لا أفوت فرصة لمشاهدة فقرة منها تخصّ الأخ الأصغر مايكل جاكسون يوم كان صبياً صغيراً في العاشرة من عمره يغني بصوت إستثنائي أغاني عرائس البحر الصغيرات وصوت الريح في الغابات البكر وضوء القمر الأفريقي..
جسده وهو يرقص امتداد للضوء وليل الأحزان الزنجية وسطوة التفاؤل وأساطير الأجداد.
ثم ماذا؟ ثم نجح مايكل جاكسون وكبر، ولم يعد يعجبه وجهه الزنجي الجميل، وابتلعته أفكار تفوق (الرجل الأبيض) وقرر التحول إلى «رجل أبيض» بدون أن يدري أنه كاد بفعل العمليات التجميلية والثراء المفرط يتحول حين كبر إلى «مسخ» تقريباً?
موهبة دمرتها أوهام تفوق «الأبيض»
أين اختفى ذلك المراهق الزنجي الجميل وحل محله «فرانكشتاين» عصــري أبيض البشرة بفعل العقاقير السامة التي تقوم (بتبييض) البشرة والتي كاد يشيع استعمالها في فرنسا لدى بعض المغتربات الأفريقيات والعربيات قبل ربع قرن حتى تبين أنها تسبب مرض سرطان البشرة وتم منعها لحسن حظهن.
قيل إن مايكل جاكسون قرر أن يصير النسخة الأخرى عن الجميلة اليزابيث تايلور التي خلقت هكذا ولم يدر أنه يوازيها جمالاً ولكن على طريقته.. وظن أنه بالمال يستطيع شراء وجه مطابق لوجهها.. وكانت المحصلة متوقعة: مسخاً يخاف ضوء الشمس كي لا يفسد أفاعيل مبضع الجراح، وموهبة هائلة دمرتها على نحو غير مباشر أوهام تفوق «الأبيض».. وصار فريسة للعقاقير المنومة والمهدئة التي فتكت به وبموهبته الاستثنائية..
تُرى ألم يقل أحد لمايكل جاكسون قبل دخوله إلى غرفة العمليات (التجميلية) إن إلزابيث تايلور ليست أجمل منه وكل ما في الأمر أنها جميلة ولكن على نحو آخر؟
خيارهم؟.. إلغاء أنفسهم
إذا كان المبدع الشهير المليونير مايكل جاكسون قد دمر صحته بالعقاقير المهدئة والمنومة التي قتلته وكان أدمنها إثر العمليات التجميلية ليشبه (مثله الجمالي الأعلى) اليزابيث تايلور ـ وجمالها من الخالق لا من العمليات التجميلية ـ فإننا لا نستطيع أن نلوم اللواتي والذين ظهروا على شاشة القناة 25 الفرنسية في برنامج «هذا خياري» وقد اختاروا التشبه بالفنانة / الفنان الذي يعجبهم.. ونراهم يصففون شعرهم على طريقته ويحاولون (بالمكياج) وحتى بالعمليات التجميلية أن يحققوا الشبه به بأي ثمن وألم!.. هذا ناهيك من ارتداء الملابس التي اشتهر النجم بارتدائها على المسرح، لتحقيق التشابه الخارجي ربما للحصول على بعض المال من الملاهي المتواضعة.
أحد الإعلانات عن البضائع استغل ذلك فجاء بشبيه لجون هاليداي ومارلين مونرو وميشيل بولناريف بنظارته المربعة ذات الإطار الأبيض وإلفيس برسلي وكلود فرنسوا وسواهم.
حتى هنا والأمر يدخل في باب الطرافة (على حافة الأسف عليهم).
استغلال تشابه الأسماء أو الشكل
لكن (الإعجاب) بفنانة / فنان ما، يصير مرضياً حين يحاول المعجب أن يتقمص ذلك المبدع و(يصيره)! بل ويشاركه مجده انطلاقاً من تشابه سطحي في الإسم أو الشكل.. والبرامج التلفزيونية الفرنسية ترصد هذه الظاهرة المسلية باستمرار والمحفزة لآراء الأطباء النفسانيين. وشاهدنا في أحد البرامج المكرسة للتشابه السطحي (بين مغمور ومبدع مشهور) بعض اللواتي والذين اعترفوا باستغلال تشابه الأسماء في مجال التكسب.. وإحداهن قالت إنها كانت تحجز مائدة في المطاعم الفخمة الباريسية باسمها (المطابق لاسم نجمة مشهورة) وتحظى بالمائدة الأفخم موقعاً ثم تتركها لسائح وزوجته مقابل عمولة مالية!! وقامت بتلاوة فعل الندامة، معتذرة بأنها مفلسة.
وأخرى قررت إصدار ألبوم غنائي لها (على الرغم من تواضع صوتها) يحمل اسم مغنية شهيرة بذريعة تشابه الاسماء لتتمكن من بيع آلاف النسخ منه (لتقبر الفقر) ولكن القانون الفرنسي كان لها بالمرصاد? وتراجعت قبل الإقدام على تلك السرقة الحمقاء فهي تستطيع سرقة الاسم لا الموهبة!
سرقة رصيد الأسماء أو النزاهة عندنا
في بيروت التقيت مرة بالمحامي نزار قباني وكان يعرف قرابتي والشاعر الكبير وقال لي إنه هو أيضاَ شاعر ولن ينشر شعره إكراماً لنزار الكبير.. وقلت له إن بوسعه نشره باسمه الثلاثي والظهور على شاشة التلفزيون باسمه الثلاثي بدون خداع المتفرج على الرغم من رغبةٍ بعض مقدمي البرامج بالإثارة والحصول على المزيد من المتفرجين حين يشهر نزار قباني المحامي تذكرته الشخصية ليثبت أنه يحمل الاسم نفسه. كان المحامي نزار قباني رحمه الله بالغ الأمانة والأدبية!
في المقابل ثمة أشخاص في كل بلد بلا موهبة ولكن تصادف أنهم يحملون اسم موهوب، فيتاجرون به على عكس سواهم كالاقتصادي الشاعر رياض نجيب الريس الذي يحمل حتى الاسم الثلاثي للشاعر نفسه صاحب دار النشر لكنه أعرض عن النشر على الرغم من اقتراحي بأن ينشر باسم مستعار كأدونيس.
وحينما يذهب احدهم إلى البنك (ليسحب) مبلغاً من رصيد شخص آخر تعب في جمعه بحجة تشابه الأسماء فتلك سرقة يطالها القانون يتضاعف ذنبها في حقل السرقة الأبجدية من «بنك الأدب». والبعض لا يتورع عنها متاجراً بتشابه الأسماء، وحين يتجاوز الخمسين من العمر يلحظ انه هدر حياته في محاولته لسرقة إبداع شخص آخر وأنه كان بوسعه استغلال طاقاته في حقل آخر يصلح له.
فتشابه الأسماء ليس استنساخاً أدبياً أو فنياً. فقد ذكرني بكل ما تقدم فيلم على القناة الفرنسية 20 حول معجب حتى الهوس بجوني هاليداي يجد نفسه في عالم افتراضي مواز ليس فيه «جوني» محور حياته. لكنه يلتقي بشبيه له ويحاول تحويله إلى المغني الشهير هاليداي ويفشل لأن الشبيه في كل شيء تنقصه شعلة نار الإبداع الداخيلة.
فالمبدع بصمة إصبع لا يشبهها أحد مهما حاول بعضهم الاسترزاق من ذلك مالياً ودعائياً!
القدس العربي