القات قوراقي وأبو مسمار

أديس أبابا – أنور إبراهيم
تُعدُّ نبتة القات من أكثر أنواع النباتات ذائعة الصيت في القرن الأفريقي وتُعدُّ إثيوبيا وكينيا أكثر الدول المصدرة له، وفيما يُعدُّ القات ممنوعا في بعض الدول، فهو في إثيوبيا مصدر مهم لإدرار العملات الصعبة، حيث تطور من ظاهرة اجتماعية تتأرجح بين الرفض والقبول ومصدر للرزق لبعض الأسر إلى مورد مهم في اقتصاد الدولة.
وفي السياق، نشير إلى أن القات يزرع في إثيوبيا في مناطق مختلفة مثل قندر وهرر وبحر دار، وهو نبات لا يحتاج لمياه كثيرة بجانب أنه ينمو في بيئات مختلفة .
تمضغ أوراق القات لفتراتٍ طويلةٍ حتى تذوب وتتحول سائل، ويقول ماضغوه إنه يمنحهم إحساساً بالخمول والكسل لبعض الوقت ما يلبث أن يتحول إلى شعورٍ طاغٍ وعارم بالانتعاش والنشاط والحيوية، ويتطلب تعاطي القات عقد حلقات (جلسات) لفترات طويلة خلال اليوم، إلا أن البعض خاصة كبار السن يستحلبون من أوراقه سائلاً ويشربونه.
جدير بالذكر، أنه توجد أنواع عديدة من القات في إثيوبيا، تكتسب في الغالب أسماء المناطق التي تنتجه، مثل بحردار ووندو وقوراقي وبلجي، وأحايين بحسب تأثيرة مثل أبومسمار.
صفاء الأذهان
يعتقد بعض الإثيوبيين أن القات يساعدهم على صفاء الأذهان والتركيز العالي، خاصة الطلاب لدى استذكارهم لدروسهم، وهو اعتقاد قديم لا يزال سائداً حتى الآن، فيما يعتقد كبار السن من الشيوخ أنه يمنحهم الطاقة اللازمة لمواصلة الذكر والدعاء وإقامة الليل خاصة في شهر رمضان الكريم.
من السر إلى العلن
وفي السياق، يقول السيد شافي، أصل القات في إثيوبيا واليمن، ويضيف هناك رابط قوي بين القات والدين، إذ أن بعض شيوخ الدين القدامى كانوا يستخدمونه عندما يؤلفون الكتب، بيد أن طائفة منهم كانت تمنعه، بحجة أنه يتسبب في بعض الأضرار، ويقال إن هناك رسائل متبادلة بين علماء الدين الإسلامي الإثيوبيين بصدد القات ينصحون بعضهم البعض باستعماله بكمية قليلة كي لا يخفف العقل ويذهب به، وهذا ما ورد في عدد من المكاتبات بين فقهاء إثيوبيا منهم الشيخ بدر الدين الذي كان يحرم القات.
من جهته يقول السيد إدريس أحمد، إن كثيرين من متعاطي القات يبررون ذلك بأنهم يساعدهم على الذكر والخلوة من أجل العبادة. ويضيف: القات كان مستخدماً منذ آلاف السنين في دور عبادة المسلمين فقط، لكنه الآن انتشر بين كافة الشرائح الدينية من غير المسلمين، وأصبح شعبياً، الأمر الذي ألقى أعباءً مالية جديدة على كاهل المواطنين. ويستطرد: قبل عشرات السنين كان تناول القات مرفوضاً اجتماعياً لذلك كان تعاطيه يتم في الخفاء، لكن الآن تغير الوضع تماماً.
بين المنع والإباحة
جدل كبير ظل ولا يزال يدور بين علماء الدين الإسلامي الإثيوبيين حول القات، إذ يذهب كل من القاضي زكريا والرملي وابن عابدين والسيد علوي إلى أنه حلال، مع وضع شروط لتعاطيه أولها الإكثار منه، ثم عدم استخدامه بنية ارتكاب المعاصي أو الاعتقاد بأنه يمنح المتعاطي قوة ونشاطاً، كل ذلك بحسب كتاب صادر باللغة الأمهرية في العام 2014م.
يطغى على المحاصيل الأخرى
صار الكثير من المزارعين يفضلون زراعة القات عوضاً عن المحاصيل الأخرى، لجهة أن نموه لا يتطلب مياهاً كثيرة، كما أنه سريع النمو، ولا تحتاج جهداً كبيراً في الاستزراع والحصاد، بجانب قدرته على التكيف مع كل البيئات.
في المرتبة الثالثة
ما يؤسف له، أنه في بعض مناطق إثيوبيا مثل إقليم هرر، كف المزارعون عن زراعة بعض المحاصيل النقدية التي تحتاج لأوقات نمو طويلة، كالبن والبرتقال والموز، ليحل القات محصولاً رئيساً في مزراعهم، ويعزون ذلك إلى تزايد الطلب عليه، وبالتالي ارتفاع أسعاره وعائداته المجزية.
الآن يمثل القات أحد أهم الصادرات الإثيوبية، فهو ثالث محصول بعد البن والجلود، يوفر العملات الصعبة للبلاد، إذ يتم تصديره إلى كل من جيبوتي واليمن والصين والصومال، كما يصدر إلى بعض البلدان المتقدمة، حيث يتم تصنيع بعض الأدوية منه.
أسواق داخلية وخارجية
يُبيِّن محمد علي – تاجر قات – في أديس أبابا، إن للمحصول أسواقا داخلية وخارجية، وأن العديد من الأجانب يطلبون أغلى أنواعه.
إلى ذلك، يتسبب القات في الكثير من الأمراض مثل السرطان وسرطان اللثة على وجه الخصوص، والسكري وفقدان الشهيّة والشهوة الجنسية، والاكتئاب بعد ساعات طويلة من تناوله، كما يعد محفزاً على البطالة، حيث يجلس مدمنوه ساعات طوالاً لتناوله، فيما تصيب مكوناته من المواد المخدرة والنيكوتين متعاطيه بحالات من الخمول والكسل.
اليوم التالي