دراجتي تحلو الحياة بها وبدونها مشقة وعناء.. رالي الفقراء

الخرطوم – محمد عبد الباقي
البعض يصفهم بالمشاغبين، وآخرون يضجرون مما يعتبرونه عبثهم المتكرر، وقلة قليلة تقف على الضفة الأخرى منشرحة تسترق النظر للهوهم، وكأنهم يسترجعون فيهم ماضيهم الآفل، لا يتجاوز عددهم نحو خمسة عشر طفلاً، لكنهم يجوبون عدداً من أحياء دار السلام غرب محلية أم بدة بحماس طاغ، وينثرون فيها الضوضاء، ويعفرون طرقاتها بدراجاتهم الهوائية رخيصة الثمن وسيئة الصناعة، إلا أن ضجيجهم يمنحها قيمة رفيعة تغري رصفاءهم من أطفال الأحياء التي يعبرونها خلال سباقهم الذي حين ينتهي يبدأ مسارهم لليوم القادم، وهم غاية في الحبور.
شلاقة لا تنتهي
محمد، هكذا نطق اسمه وداس على (البدال) ليتوارى بين أصدقائه الذين ضجوا بالضحك من طريقته في الرد على سؤال عن دوافعهم للتجمع باستمرار في أزقة الأحياء الفقيرة، وقضاء سحابة يومهم في (شلاقة) لا تنتهي. قبل هروبه من الأسئلة التي توالت عليه أجاب عن أسمه الأول، ولم يجد وقتا ليُعرف باسم والده، ولكنه لم يبخل بشرح قليل عن هواياتهم وعددهم، فقال “إن عددهم يتجاوز العشرين في بعض الأحيان، ولكنه لا يقل عن العشرة بتاتاً، وإنهم يتجمعون يوميا منذ الصباح الباكر، ولا ينسى كل منهم وضع خمسة جنيهات في جيبه تحت بند ? شيرنق- الفطور، وينطلقون وفقا لخطة وضعوها لأنفسهم مبكرا تستنفد يومهم بكامله”. ويضيف محمد وابتسامة خبيثة تعلو محياه “السباق بالعجلات بالنسبة لنا هواية مهمة استعضنا عنها بلعب كرة القدم لعدم وجود ميادين وأدوات للعب مثل الكرات والزي وغيره، بجانب أن هناك أصابات كثيرة تحدث بيننا عندما نلعب الكرة ولا نجد لها علاجاً، ولهذا كانت العجلات هي الهواية والوسيلة الثانية التي نلجأ إليها”.
إشادة وتقدير
الأزقة الواسعة بين تلك الأحياء النائية كانت ملهمة لمحمد ورفاقه ليجعلوا منها مضماراً ينطلقون فيه كل صباح في سباق حميم ينال فيه الفائز إشادة وتقدير من زملائه المتسابقين، ويمنح جائزة رفيعة تتمثل في إعفائه من دفع قيمة الإفطار، فيتكفل البقية بـ (الشيرنق).. وحتى ترتفع حمية السباق وتشتد المنافسة يتوج دائما فائز وحيد، وهو الأول ولن يكون هناك ثان أو ثالث تجنبا للمشادات التي تحدث بين المنافسين على المراكز كل أزداد عددها، وهذه فكرة ابتدعها المتسابقون قبل عام حفاظ على العلائق الأخوية بينهم وتجنبا لأي شجار قد يقود لحرمانهم من ممارسة هوايتهم إذا علمت أسرهم بأمره، فكرة السباق العجلاتي استهوتهم بالكامل وعلاقتهم الخالية من الشجارات الصغيرة والكبيرة جعلت أسرهم راضية عنهم، تاركة لهم خيار تحديد مسارهم اليومي لسباقهم.
تشجيع داوٍ
حركتهم الدؤوبة لم تثر وتلفت نظر أقرانهم فحسب، بل دفعت كبار السن لترقبهم وتتبع مسارات ركضهم، وكذلك لا يعدمون مشجعات من الجنس الآخر خاصة الطفلات الصغيرات اللائي يخرجن لمشاهدتهم حين يتجمعون في مكان ما قبل مواصلة سباقهم الذي ينطلق بنهاية العام الدراسي وحتى بداية العام الدراسي الجديد من كل عام. وعن سبب تحول أطفال في أعمارهم من لعب الكرة وألعاب الأطفال الأخرى إلى السباق بالعجلات يعزو (طه الأمين) معلم بمرحلة الأساس الأمر للتغيرات العامة التي طرأت على حياة الأطفال في السنوات الأخيرة، بظهور أنواع عديدة من الرياضات، خاصة سباقات الدرجات المختلفة والسيارات، وما يرتبط بها من بطولة ومغامرات، وهي أشياء تستهوي الأطفال دائما. هذا بجانب عدم توفر أرضية جاذبة للعب الكرة مثلا في الأحياء الطرفية التي لا توجد بها ميادين للعب، وأيضا عدم تشجيع الأسر لأطفالها للعب الكرة خوفا من الإصابات التي تنتج عنها، فيملأ الأطفال فراغهم بابتداع سباق بالدرجات، وهي خطوة مقبولة وجيدة، ولها فوائدة كثيرة منها أنها تقوي أجسادهم وتجنبهم العديد من الأمراض، وتنمي فيهم روح المغامرة، وواجب الجهات المجتمعية والرسمية تطوير من هذه الأساليب غير المكلفة لترفع من فائدتها

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..