الكوبرا على أكتاف نساء والنمر أسير أقدام الرجال.. الزواحف.. حقائب وأحذية

الخرطوم – خالدة ودالمدني
تراها مطأطأة رأسها نحو الأرض وكأنها تبحث عن ضائعة لها، وعندما تقترب منها تدرك أنها ترعى الحشائش التي تغطي البسيطة مد البصر، ذاك المنظر الملهم للتعبير آسرني عندما كنت أجول أرجاء كردفان جنوبها وشمالها وقتئذ، علاوة على أن ما خفي منه في الأنحاء الأخرى، كان أعظم. لا أظن أن أحدًا ممن رأوا ما رأيت يخالفني بأن السودان غني بثروة حيوانية ضخمة، ومع ذلك ينحصر استخدام جلود الحيوانات في الصناعات التقليدية، بيد أن ذات الجلود تصدر خاماً ليُعاد استيرادها غالية الثمن، بحجة حداثة تصنيعها، إن كانت أحذية أو حقائب أو خلافها، بجانب الأغراض المتنوعة المصنوعة من الجلد الخالص.
أنامل فنانة
وفي السياق، تتميز جلود الحيوانات الموجودة في السودان، بمتانتها ويرجع ذلك إلى تكوينها النسيجي والليفي، بالإضافة إلى كبر مساحة (الجلود) ذاتها، بحسب خبراء، ورغم تعدد استخدامها لم تتطور كثيراً، والجدير بالذكر أن أجمل وأرقى الحقائب الجلدية تصنعها أنامل فنانة، ما يعني (عمل يدوي تقليدي) وليست مصانع كما يظن البعض، فصناعة الأحذية الجلدية في السودان لا نصيب لها من التحديث رغم عراقتها، وأشهرها المركوب الفاشري، أما مركوب النمر، فلا ينتعله الا القليلون نسبة لغلاء سعره.
في موازاة ذلك يشير التاجر محمد صديق من أمدرمان إلى امتهانه تجارة الجلود حتى اشتهر بها في الحي، حيث يوجد محلة التجاري الكائن بمنزله. وأضاف: أجمع الجلود من الجزارين من حولي، إضافة إلى من يأتوني بها من أحياء أخرى، وأبيعها لشركة الصاوي المتخصصة في هذا الصدد. وأردف: الجلود ذات قيمة اقتصادية كبيرة، يصدر جزءاً كبيراً منها، بجانب ازدياد الطلب المحلي عليها في الآونة الأخيرة.
المصنع الحربي
أنشئت أول مدبغة حديثة في العام ١٩٤٥، وكان الغرض منها سد حاجة السوق المحلي من الجلود علاوة على جلب العملات الصعبة من المصنعة وشبه المصنعة منها، وتُعد مدبغة عثمان صالح بأمدرمان الأولى من نوعها لكنها خصصت لصنع الحذاء العسكري، وبذلك سميت بالمصنع الحربي وبعدها توالي إنشاء عديد من قريناتها، حيث تبلورت صناعة الجلود آنذاك ما جذب القطاع الخاص للاستثمار فيه، باعتبار أن العائد من الدباغة سريع وملموس ومجزٍ.
شارع الخراطين
في غضون ذلك، أفادنا أمير حسن عثمان – مالك محل للمصنوعات الجلدية والخشبية في شارع الخراطين بسوق أمدرمان – قائلاً: الأناتيك أوالتحف اليدوية كانت تستورد سابقا من الصين وهي عبارة عن زهور، أما نحن نصنعها من الجلد الطبيعي وخشب الأبنوس والتِك، جلها تصنع يدويا ومعظم صانعيها من منسوبي أسر فقيرة ممن حباهم الله بهذه الموهبة النادرة. وأضاف: جلنا يعمل كحلقة متكاملة، أحيانا يعيقنا شح بعض المواد كأخشاب الأبنوس نسبة لقانون قطعة الذي يقضي بقطعه عشر سنوات متتالية ثم التوقف عن ذلك سنوات مماثلة، عكس الجلود المتوفرة دائمًا بجميع أنواعها، وعزا الأمر إلى كثرة الثروة الحيوانية في البلاد. واستطرد أمير: لجأت الصين مؤخرا إلى استيراد الجلود السودانية الخام، وبالتالي ارتفعت أسعارها، خاصة وأنها لا تحتمل التخزين لأكثر من ستة أشهر، لذلك لا نستطيع احتكار كميات كبيرة منها.
جلود الزواحف
إلى ذلك، وفي ما يتعلق بجلود الزواحف كالتمساح والكوبرا والأصلة يشير أمير إلى توفرها. ويستطرد: ربما يروج لندرتها أو انعدامها ربما يكون لتبرير ارتفاع أسعارها. وأردف: بالفعل تباع غالية، لذلك ثم نحن بدورنا نزيد أسعارها بعد التصنيع، رغماً عن أنها لا تحتاج تزييناً كغيرها، ويرتفع الطلب عليها وسط السياح أو الطلبة الدارسين بالخارج. وأرجع محدثي قلة السياح إلى الحظر الاقتصادي، بجانب منع صيدها عالمياً للزواحف وبعض الحيوانات النادرة، وهذا ما جعلهم يترددون في أخذ منتجاتها
اليوم التالي