“رطن صوت الكرباج هرج” سياط العنج.. تبادل بين بوادي الأبالة وبيوت الأعراس

الخرطوم – سارة المنا
عشرات الرجال يفنون اليوم كله في عمل لا يفهمه غيرهم ولا يقدره سواهم، تجدهم مدثرين بخرق بالية عليها بقايا القطران والزيت، كأنهم منفيون في صحراء بعيدة لا يغشاها إنس ولا جان، يتحدثون همساً ويضحكون بمقدار، ولا أحد يكلمهم ولا يكلمون إلا بعضهم.
إذا جاء وقت صلاة الظهر تحديداً يتركون كل أشغالهم ويهرعون نحو (الأباريق) يتوضأون ويتراصون في صفوف طويلة، يكبرون خلف الإمام بتلذذ ومتعة نفسية، ويؤدون صلواتهم بخشوع، ويرفعون أكف التضرع إلى الله بعد فراغهم منها، ينجيهم من كل مكروه، وأن يدخلهم الجنة جميعاً وأن لا يجعل بينهم شقياً ولا مكروهاً أو محروماً من رحمته.
في سوق السياط
هكذا يقضي عمال وتجار (سياط العنج) سحابة يومهم بالأسواق يعملون في مهنة لا يجيدها غيرهم وينتجون بضائع لا يشتريها أحد غير الأبالة والخيالة والسياح وبأسعار تبدو خرافية، ولكنها لا تدر عليهم عائداً مجزياً، لم نعثر على أحد يبين لنا سر تسمية السياط المأخوذة من جلد فرس البحر بسياط العنج، فالجميع قالوا إن التسمية تعود لمئات السنين، ولا أحد يستطيع أن يكشف كنهها أو مصدرها أو تاريخ إطلاقها، إذن هي عريقة بذات عراقة السياط نفسها التي اشتهر بها السودان دون غيره من الدولة المجاورة.
ورغم النفي القاطع بمعرفة مصدر التسمية إلا أن قلة توقعوا أنها جاءت من أن السياط نفسها كان تستخدمها مجموعة العنج التي عرفت في منطقة سنار والنيل الأزرق قديماً.
سودانية خالصة
“كانت سياط العنج من الصناعات السودانية التي لم تدخل فيها أي مستحضرات قادمة من الخارج” هكذا قال محمد الطاهر – أحد تجار السياط – وأضاف شارحاً معنى (سودانية خالصة) المادة التي تصنع منها السياط هي جلد فرس البحر المعروف شعبياً بالقرنتي، وهو يعيش في النيل الأبيض منذ قديم السنوات، وهناك مجموعات سكانية معروفة تخصصت في صيده ذكرها في مناطق بالنيل الأبيض وجنوب السودان، وأبان أن صيادي فرس البحر بعد أن يسلخوا جلده يستهلكون اللحوم محلياً ويبيعون الجلود إلى تجار من الشمال يصنعون منها السياط. وأضاف: فرس البحر يستخرج من النيل داخل الحدود السودانية، وكل المواد التي تدخل في صناعته سودانية خالصة، ولكن بعد انفصال الجنوب طرأت الكثير من المتغيرات، فصار الجلد يستورد من الدولة الوليدة.
مترع بالقطران
تباع السياط بالكروج، بحسب علي الشيخ، أقدم تجار السياط، الذي قال: إن الكروج به (40) قطعة وهي عبارة عن شرائح أو رقائق، كل شريحة يُستخرج منها سوطان فقط لا تزيد ولا تنقص. وأردف: هنالك عشرات العمليات تجري بواسطة أناس متخصصين ومدربين على الشريحة من أجل أن تستخرج منها السياط، وتستخدم عدد من المواد المحلية في الصناعة على رأسها القطران الذي يمسح به السوط بعد إعداده، ومن ثم تبدأ عملية أخرى غالباً ما يكملها الشاري أي الشخص الذي يشتري السوط.
أسعار باهظة وفوائد ضئيلة
“كل المواد التي تستخدم في صناعة السياط هي مواد محلية وأهمها القطران، ورغم هذا أن أسعار السياط مرتفعة ولا نجني منها فوائد تذكر بسبب التكلفة العالية لإعدادها”. هكذا تحدث الرشيد تميم عن صناعة السياط. واستدرك بحزن “لو أن الجهات الرسمية أعدت لنا موسماً محدداً أو دعتنا إلى مشاركات في معارض السودان الداخلية والخارجية لعادت علينا هذه المهنة التي أفنينا فيها أعمارنا بالقليل من المال”.
أجانب ينافسون الأبالة
يقول الطاهر أحمد – أحد عمال السياط – إن من أكثر الذين يقبلون على شراء السياط هم الأبالة وسكان البادية، وفي بعض الأحيان يشتريها العرسان ومن أكثر الولايات التي يأتي سكانها لشراء السياط كردفان وشرق السودان. وأوضح: “قريباً دخل إلى سوق المنافسة الأجانب، وخاصة المصريين الذين يأتي بعضهم بنفسه للشراء، وإنها تصدر إلى تشاد ومصر بواسطة تجار سودانيين
اليوم التالي