?قصر دينار? في دارفور? شيدته أنامل عثمانية ليبقى شاهدًا على تاريخ ?سلطنة الفور?

دارفور (السودان) ـ من محمد الخاتم ـ عندما تخطو 500 متر فقط داخل رواق قصر السلطان ?علي دينار?، الذي شيدته أنامل عثمانية، يعود بك الزمان إلى نحو ستة قرون مضت، حيث ?سلطنة الفور?، واحدة من الممالك الإسلامية القوية، التي كانت حدودها ضمن ما يعرف اليوم بإقليم دارفور، غربي السودان.

تاريخ هذه السلطنة، التي أسستها ?قبيلة الفور?، أكبر قبائل إقليم دارفور، يعود إلى عام 1445، لكنها لم تزدهر، وتكتسب سمعة سياسية وعسكرية، كتلك التي شهدتها في عهد آخر سلاطينها، ?علي دينار?.

ورث ?دينار? العرش من أجداده عام 1898، بالتزامن مع الغزو الإنجليزي للسودان، وكان من أبرز الشخصيات التي ناهضت ذلك الغزو.

كانت ?سلطنة الفور?، أو ما عٌرف لاحقا بـ?إقليم دارفور?، آخر رقعة من الدولة السودانية بشكلها الجغرافي الحديث استطاع الغزو الإنجليزي اخضاعها لسلطته عام 1916، بعد معركة حامية الوطيس استبسل فيها السلطان ?دينار?، ولقي حتفه فيها مع الآلاف من جنده.

عندما تولى ?دينار? العرش سعى إلى تحديث سلطنته الإسلامية من جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وكان من شواهد ذلك قصره الذي شيده ما بين 1911 و1912، على نحو 3 آلاف متر مربع.

صاحب هذا العمل الهندسي الفريد بمعايير عصره كان مهندساً من بلاد الأناضول، يدعى ?الحاج عبد الرازق?، حيث كان ?دينار? حليفا للدولة العثمانية، وعضد حلفه معها إبان الحرب العالمية الأولى، التي تزامنت مع الغزو الإنجليزي.

ووفق معايير العمارة في السودان في ذلك الوقت، كان القصر مفخرة للسلطنة، حيث شيد من طابقين رغم أن مواد تشييده اقتصرت على الطين والخشب.

تم سقف القصر بخشب ?الصهب? بينما تم نجر الأبواب والنوافذ من خشب ?القمبيل?، وكلاهما أخشاب أشجار جبلية تمتاز بالصلابة.ما يميز القصر ليس ارتفاعه فحسب، بمعايير تلك الفترة، بل متانته، حيث كان سمك جدرانه يتجاوز المتر.

ويوجد داخل القصر غرفتين للسلطان في الطابق العلوي، واثنتين في الطابق السفلي، يستقبل في إحداها ضيوفه مع حديقة في بهوه.

كما يوجد في جزء منفصل من القصر 5 غرف أخرى كانت تستخدمها زوجات السلطان، بينما تشغل حديقة القصر وبهوة من الجهات الأربعة بقية مساحته الشاسعة.

المرجعية الإسلامية للسلطنة كانت جلية في عمارة القصر، حيث كٌتب على باب الغرفة التي يستقبل فيها دينار ضيوفه بقطع صغيرة من العاج وسن الفيل ?لا إله إلا الله.. محمد رسول الله?، علاوة على أسماء الخلفاء الراشدين (أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب) رضي الله عنهم.

بعد سقوط السلطنة، اتخذ الإنجليز من القصر مقرا لهم، وبعد استقلال البلاد في عام 1956 حافظت الحكومات الوطنية عليه كإرث وطني، قبل أن يقرر الرئيس الأسبق، ?جعفر نميري?، عام 1977 تحويله إلى متحف يؤرخ للسلطنة، علاوة على حضارات السودان النوبية القديمة.

اليوم نادرا ما يزور أحد سواء من السودانيين أو الأجانب مدينة الفاشر، العاصمة التاريخية لدارفور، دون أن يمر بقصر السلطان المشيد على مرتفع أشبه بالهضبة.

في أقسام القصر الذي تحول إلى متحف يطغى عليه الإرث الإسلامي للسلطنة، حيث تُشاهد مصحفًا كتب بخط اليد وصل إلى السلطان كهدية، علاوة على إبريق للوضوء مصنوع من الفضة.

عسكريا، ستجد السيوف والحراب والدروع التي قاتل بها جنود السلطنة الإنجليز المدججين بالأسلحة النارية، وستجد أيضا بندقية أهداها العثمانيين لحليفهم ?دينار?.

لكن أهم ما في المتحف صورة أرشيفية لـ?المَحمل?، وهي قافلة سنوية كان ?دينار? يسيرها إلى الأراضي المقدسة، حيث تحمل كسوة الكعبة، علاوة على مؤن لإكرام الحجيج.

وحسب مؤرخين، فإن الإنجليز كانوا قد عطلوا آنذاك القافلة السنوية، التي كانت تذهب من مصر إلى مكة المكرمة حاملة كسوة الكعبة، ليبادر السلطان ?دينار? بتسيير قافلة بديلة.

أيامها حفر السلطان ?دينار? آبار في الأراضي المقدسة ليسقي منها قوافل الحجيج، والتي كانت من بينها أفواج الحجيج القادمين من غرب أفريقيا، والذين كانوا يمرون بـ?سلطنة الفور? أولا، ليتولى السلطان تأمينهم ضمن قافلته في طريقهم إلى الحجاز.

يقول مؤرخون إن الآبار الشهيرة التي يطلق عليها ?أبيار علي? في الأراضي المقدسة تحمل اسم السلطان ?علي دينار?، وليس رابع الخلفاء الراشدين، علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).

وبحسب ?أحمد هنو?، مراقب المتحف، فإن القصر ?جزء من ذلك التاريخ المشرق لسلطنة الفور?، لذا يستمتع يوميا باصطحاب زوار المتحف إلى مختلف أقسامه لتعريفهم بتلك الحقبة.

وبولع وذاكرة حديدية يشرح ?هنو? لزاوره وبالتفصيل القطع الأثرية المحرزة بالزجاج، الأمر الذي صار مع تقادم السنين ?هواية? له أكثر من كونه وظيفة، كما يقول لمراسل ?الأناضول?.

في حديقة القصر، وبشكل يومي، اعتاد طلاب ?جامعة الفاشر? أن يأتوا لمراجعة دروسهم في أجواء هادئة تذكرهم أيضا بإرثهم ?العظيم?، كما تقول الطالبة ?حليمة عيسى?.

?هنو? سعيد بأنه يرى الطلاب يوميا في بهو القصر، لأن هذا التاريخ ?يلهمهم? لبناء مستقبل أفضل، لكن ما يلهم الرجل نفسه، وربما يعزيه، هو تلك العبارة التي أمر السلطان بكتابتها على أحد جدران القصر عندما اكتمل تشييده.

إذ نقشت على الجدران كلمات تقول: ?حياتها باطلة، ونعيمها يزول، ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حيا وباقيا (?) كل شيء فان وليس يبقى إلا وجه الله?. (الأناضول)

تعليق واحد

  1. رحم الله علي دينار واسكنه فسيح جناته انه مفخرة لبلاد السودان ونسال الله سبحانه ان تعود دارفور لتلعب دورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني بعد ان فرقتها ايادي العابثين

  2. هو السلطان علي دينار ( 1856 – 1916 ) ابن الأمير زكريا بن السلطان محمد الفضل الذي حكم بين 1807 و1838 حيث شهدت فترته الطويلة دخول المصريين الاتراك السودان وإسقاط ممالك وإمارات ومشيخات الشمال ونهر النيل وسلطنة سنار وإمارة كردفان التابعة للسلطان محمد الفضل سلطان دارفور في 1821 .خلف السلطان محمد الحسين أباه محمد الفضل واستمر عهده طويلا إلى أن كف بصره وتوفي 1873 فلخلفه ابنه السلطان إبراهيم الذي لم يدم ملكه طويلا إذ قضى الزبير رحمة الجموعي على ملكه ومملكته في آخر 1874 واول 1875 وبقي جمع من أمراء الأسرة الكيراوية المالكة في الظل يرقبون تبدل الأوضاع ومنهم الأمير زكريا والد السلطان علي دينار الذي كان دون العشرين وقتها والأمير حسب الله والأمير أبو الخيرات أبناء السلطان محمد الفضل والأمير يوسف بن السلطان ابراهيم .. للدكتورة فيفيان ياجي تفصيل بارع لتلك الفترة التي اسمتها بفترة ( سلاطين الظل ) وهو اسم كتابها الممتاز حيث شكل الأمراء جيشا فوراويا ملتزما بعد أن كان سلاطين العهد السابق يعتمدون على النفير العام في القبائل لشن الحروب أو الدفاع أو ضبط الأوضاع .. وهم في غمرة تنظيمهم ذاك لاسترداد السلطة والملك ، فاجأتهم الثورة المهدية بأحداث متسارعات نقضت ما ابرموه قتل خلالها الأمير يوسف السلطان إبراهيم وغيره واستدعي الأمير علي دينار الذي بلغ ال 34 إلى أم درمان سنة 1890 وبقي بها مع الخليفة إلى صباح يوم 2 سبتمبر 1898 حيث نشبت معركة كرري وانهارت دولة المهدويين الوطنية ورجع الأمير إلى فاشره حيث استعاد ملك آبائه. في 1914 نشبت الحرب الكبرى الأولى وتواصلت العلاقات مع السلطنة العثمانية بواسطة المشيخة السنوسية التي كان أحد مقدميها الكبار الشهيد عمر المختار 1858 – 1931 يقود حربا ضد الطليان منذ 1911 وكان شيخ الطريقة وأمير الزوايا الشيخ أحمد الشريف السنوسي (1873 -1933 ) ينسق مع تركيا والثوار من سائر البلدان للجهاد ضد الإنجليز . فكانت معركة السلوم وسيدي براني ومعركة العواقير في 1916 .. حيث تنبه الإنجليز لخطورة اتصالات السلطان علي دينار بالاتراك والسنوسيين فوجهوا له جيشا يسنده طابور خامس من قيادات إدارية وعسكرية مهدوية وتركية سابقة التحقت بخدمة السلطان بعد استقرار ملكه وأنبساط نفوذه بعد 1900 تحديدا .. واستشهد السلطان علي دينار في 11 محرم 1335 هجري = 6 نوفمبر 1916 .. يراجع كتاب السلطان علي دينار لالان ثيوبولد والذي ترجمه فؤاد عكود لأخذ صورة تفصيلية عن ذاك .. كما يمكن الإلمام بالفترة السنوسية ونشاطها الصوفي في جنوب شرق ليبيا وشمال شرق تشاد وشمال دارفور . وأيضا النشاط الجهادي والصلات التي قام بها السيد أحمد الشريف السنوسي وهو أحمد بن محمد الشريف ( 1844-1896 ) بن السيد محمد بن علي السنوسي مؤسس السنوسية ( 1787-1859 ) وهو تلميذ السيد أحمد بن إدريس الفاسي ( 1750-1837 ) أي أنه اخ في التلمذة والسند للسيد محمد عثمان الميرغني الختم ( 1792-1852 ) وللشيخ إبراهيم الرشيد الدويحي ( 1808 -1874 ) و الشيخ محمد المجذوب الصغير ( 1796-1832 ) في كتاب حاضر العالم الاسلامي ل لوثروب ستودارد بترجمة عجاج نوه وملحقات الأديب شكيب ارسلان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..