الجنيه السوداني.. اختلالات بنيوية

د. ياسر محجوب الحسين

لا حديث اليوم في السودان إلا عن الحالة المرضية المستعصية للجنيه السوداني الذي يترنح أمام الدولار كالذي يتخبطه الشيطان من المس.. فقد شهد الأسبوع المنصرم تسجيل أعلى رقم قياسي للدولار مقابل الجنيه السوداني في تاريخ البلاد، حيث ارتفع سعر الدولار ليبلغ سقف 14 جنيها للدولار.. ولم يعد الاقتصاديون يحبذون كلمة (هبوط) لوصف تراجع الجنيه، بل يفضلون كلمة (انهيار) لوصف حالة الجنيه الذي يلازم سرير غرفة الإنعاش دون جدوى.

وانخفض سعر الجنيه في السوق السوداء عنه في السوق الرسمية بنسبة تجاوزت 100%، في مقابل 6.4 جنيه للدولار الواحد في المنافذ الرسمية.. المفارقة أن الرئيس البشير قال في حوار تلفزيوني أجري معه في العام 2010 وتنتشر مقاطع منه بكثافة هذه الأيام في مواقع التواصل الاجتماعي السودانية، أنه يتوقع أن ينخفض سعر الدولار في 2013 ليصل إلى 3 جنيهات فقط.

وأكد البشير في ذلك اللقاء أن الحكومة ماضية في ترتيبات اقتصادية تؤمن تحقيق ذلك الهدف الذي أعلن عنه. وعلى عجل ترأس البشير الخميس الماضي، اجتماعا للقطاع الاقتصادي في الحكومة في أعقاب التراجع المفاجئ للجنيه أمام الدولار وبقية العملات الأجنبية، دون أن يخرج الاجتماع بقرارات أو توجيهات محددة، بل تسابق وزراء القطاع لتبرير الأزمة وتبسيطها مقدمين تقارير وردية تجافي الواقع الأليم.

ويأتي الانخفاض المذهل للجنيه السوداني في سياق إجراءات حكومية متعسفة في حق المواطن الكادح بيد أن ذلك لم يجد ذلك فتيلا.. فقد رفع الدعم عن الوقود والدقيق، فخزينة الدولة حصدت أموالا طائلة جراء انخفاض سعر البترول عالميا فضلا عن رفع الدعم، لكن لا أحد يعلم أين تذهب تلك الأموال؟ بينما يزداد الدولار بشكل مخيف ومستمر.

وفي ذات الوقت الذي تفشل فيه الدولة في ترشيد الإنفاق الحكومي، وتقليل المصروفات الإدارية، تفشل في توفير مدخلات الإنتاج بل تفرض الضرائب الباهظة والأتاوات على صغار المنتجين. ويعترف وزير المالية بأن الرسوم التي يجري تحصيلها، تصل إلى 36 ألف نوع، قبل بدء تطبيق النظام الإلكتروني الجديد الذي يواجه عثرات كبيرة، ويؤكد ذات الوزير أن هناك 40 استمارة ورقية غير قانونية كانت مستخدمة في عمليات التحصيل.. وتعتبر موازنة العام الحالي 2016 موازنة تضخمية اعتمدت بشكل كبير على زيادة الضرائب ولا تعول على زيادة الإنتاج.

ويشير الاقتصاديون إلى أن أهمَّ أسباب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه ضعف الإنتاج وتراجع مساهمة القطاعات المنتجة في الدخل القومي.. وترتب على ذلك شح العملات الأجنبية فتعجز الدولة عاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه شراء الواردات وتجاه المستثمرين الأجانب الذين يحتاجون إلى تحويل أرباحهم بالعملات الصعبة لبلدانهم. وتضاعفت معاناة المواطن عندما تخلت الدولة عن شراء الواردات وإصدار خطابات ضمان الاستيراد وتترك الأمر كله للقطاع الخاص الذي يحصل على الدولار من السوق السوداء. وتجاوزت واردات البلاد مبلغ سبعة مليارات دولار سنويا، في حين لم تتجاوز صادراتها أربعة مليارات دولار.

وتعجز وزارة المالية عن التحكم في عرض النقود، بسبب وجود أكثر من ثلثي الكتلة النقدية خارج القطاع المصرفي.. وبهذا لا تستطيع الدولة إدارة الكتلة النقدية لصالح برامجها وسياساتها المعلنة. ومن السهولة بمكان القيام بعمليات مالية عديدة دون علم البنك المركزي.. وفي ظل هذه الدوامة قد تلجأ الحكومة لزيادة طباعة العملة الورقية السودانية دون أن يقابلها إنتاج أو غطاء من الذهب.. وتلجأ الحكومة ومؤسساتها المختلفة لشراء الدولار من السوق الأسود لمقابلة الاستيراد الحكومي الذي يوصف بالبذخي، فهي المتهم الأول بزيادة سعر صرف الدولار مقابل الجنيه.

عدم الاستقرار السياسي أو ربما الفوضى السياسية ظلت علامة مميزة للأوضاع في البلاد، ومعلوم أن عري العلاقة بين معاش الناس، وبين الفعل السياسي جدُّ وثيقة، وتزداد تعقيدا والتباسا حينما يكون الفاعل السياسي، فاعلا اقتصاديا في الوقت نفسه، أي أن تحتكر السلطة ورموزها السوق. فيتراجع الاقتصاد في ظل انعدام أجواء وشروط المنافسة الحرة، وفي ذات الوقت تنحدر السياسة لهوة عميقة لا قرار لها، وقديما حذر ابن خلدون من الجاه المفيد للمال، وهناك من يذهب إلى عدم جواز الجمع بين الإمارة والتجارة شرعًا.

ويظهر من خلال التجارب العديدة للنظم الديمقراطية الليبرالية أن هناك علاقة وثيقة بين النمو الاقتصادي والنظام السياسي الديمقراطي. وعليه فبدون نظام سياسي ديمقراطي لا يمكن للاقتصاد أن يتحرر كليًا من منظومة القوانين المعيقة للتطور والتحديث على صعيد الدولة والمجتمع.

ليس أمام الخرطوم اليوم من خيار سوى إقرار إصلاحات سياسية جذرية ومفضية إلى واقع اقتصادي يتجاوز الاحتكار السياسي، بل الفساد الحكومي المستشري الذي لم يعد في حاجة إلى إثبات.

الشرق

تعليق واحد

  1. لم تتطرق يا دكتور/ياسر الى ان البطانة الفاسدة التى تتحكم فى البلاد , والتى تشترى الدولار وترسله الى الخارج اما لاستثماره أو لحفظه فى البنوك خوفا من ضياع اموالهم فى الداخل ,لأنهم يعلمون بأن البلاد مقبلة على ” توسنامى ” اقتصادى ومالى كبير , سوف يكسح ويدمر كل شئ . الحل هو عودة الأموال التى تم نهبها وتهريبها الى الخارج والتى يقال بأنها فى حدود ( مائتى بليون دولار ) لأستثمارها فى الداخل . بخلاف هذا الحل لا يوجد اى مفر من انهيار الدولة عاجلا أو آجلا . لأن الأقتصاد يدار بالنظريات العملية وليس بالتمنيات والتوجيهات .

  2. كلامك دا الناس قالو قبل سبعة وعشرين سنة
    الواحد فيكم من ما يطردو يعمل فيها ضبان ضكر انت الفساد دا ما غرقت فيهو لى اضنيك على الصعيد الشخصى عملت شنو عشان تتحلل وانت الودوك تقراء على حساب الشعب
    الزم صفك مع ناس مسيلمة ديل لمن يقضى الله امرا كان مفعولا زتانى ما تحاول تعيد اختراع العجلة

  3. جاء الوقت المناسب جدا والأنسب للرئيس عمر حسن البشير بالإستقالة عن منصب رئيس الجمهورية الإنهيار الأقتصادي سبب قوي لتقديم الأستقالة والتنحي عن الحكم لبلد غير معروف .. إلى أين إتجاه يسير … وشعب السودان بالحق والحقيقة المرة شعب غير منتج في بلده وطنيته .. وطنية وا في كلمة وطني فداك دمي ما في مافي مافي مافي إلا وطني لمصلحته الشخصية فقط لاغير .. إذا كان بالفعل رئيس البلاد يحب وطنه وشعبه فعلي أن يتنحي قبل دخول البلاد في نزاعات أكثر مما هو عليه الآن … متى ومتى يفكر السلطة في السودان عن التنحي والدخول في إنتخابات حرة تشارك فيها جميع أطياف السودان سلطه تشارك فيها كل أهل السودان .. شريطة أن تكون للسودان جيش موحد لا لحماية السلطة الحاكمة بل لحماية تراب البلد ( الوطن ) لا مثل جيشنا اليوم لحماية السلطة أولا والجهاه ثانيا والكيزان ثالثا ومال العصابة رابعا وجيوبهم خامسا وووو سادسا ألخ
    نريد سودان موحد جيش وطني مائه في المائه لا دخل له في السلطة إلا أمن البلاد وعرضه .. نريد سلطه تحميها القانون والبرلمان والشعب …
    وسؤالي لماذا الرئيس عمر البشير وعصابته لا يدور في أذهانهم فكره التخلي عن السلطة؟
    وهل عمر البشير وعصابته يعتقدون أنهم باقون للأبد ؟
    لماذا لا يفكرون في الربيع العربي ؟وأن السودان الدولة العربية الوحيدة التي تأخر عليها الربيع العربي لسوء المناخ ..
    ولو جاء الربيع لدولة السودان ما مصير السودان والسلطة الحاكمة .
    وهل سيتم أبادة شعب السودان من قبل جيش العصابة الحاكمة كما أباد بشار سوريا شعبه ودمر بلده من أجل دفة الحكم؟ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
    وأين سيتجه اللاجئون السودانيون إلى اوربا مثلا عبر مصر أم إلى أثيوبيا وأريتريا وبحرا إلى الجزيرة العربية أم إلى ليبيا عبر الصحراء ؟
    ماذا يتوقع الشعب السوداني وأهل السياسة في السودان عن مستقبل السودان في خلال 10 سنوات قادمة ؟
    هل سيفضل البشير حاكما ظالما للسودان طوال هذه الفترة ؟
    أقول الله يرحم الكثير ممن هم على قيد الحياة من أهل السياسة .. ويبارك فيمن مد الله في عمره .. والله لا يمد في عمرك يا عمر البشير … مات الترابي والدور على ألي بعده .
    يا ترى مين .. يمكن عمر البشير أو على عثمان أو نافع على نافع وإحتمال الثلاثة مع بعض وأخرون .. الله أكبر الله أكبر العزة لوطننا السودان .

  4. الكلام كمل…انا شخصيا ما شايف اي حل..الا ان تقوم الحكومة بطباعة دولارات .. هع هع هااااااع البصيرة ام احمد….

  5. اذا اريد خير لهذه البلاد وشعبها وهذا التنظيم الفاشل يجب فعل الاتي
    اولا حل هذه الحكومة وتاتي حكومة وطنية من المستقلين ذوي الكفاءات العالية الذين عملوا في المؤسسات الدولية وما اكثرهم في الاقتصاد والخارجية ويراس هذه الحكومة رئيس وزراء مستقل فير حزبي
    تانيا مدة الحكومة اربع سنوات مهمتها الدستور وقانون الانتخابات واصلاح العلاقات الخارجية مع كافة دول العالم والتطبيع كفانا شعارات زائفة
    ثالثا اعادة تقسيم الولايات وحصرها في خمس او ست ولايات فقط
    والقاء كل المجالس التشريعية الولائية
    رابعا تتكون الحكومة من 15 وزارة فقط
    خامسا اصلاح الخدمة المدنية والعسكرية والقاء جميع المليشيات
    سادسا البحث عن السلام مع حاملي السلاح
    وفي ظني اذا لم نتبع هذه الخطوات فدعكم عن التنظير فكل الكلام يكون خارم بارم ولن نحصد غير الوهم

  6. اساس التدهور الحكومة البتاجر دي كانو السودان ده حقهم براهم.دمرو كل شي جميل في البلد قضوا على كل شيء.

  7. ان ياسر محجوب الحسين الذى برز اليوم فى تياب الواعظينا !!هو رءيس تحرير صحيفة الرائد الموؤدة لسان حال المؤتمر الوطنى فلماذا لم يكتب مثل هذا الكلام وفت كان رئيسا للتحرير .لماذا لم يحدث جماعته بقول ابن خلدون انه لا يجوز الجمع بين الامارة والتجارة ؟ ولماذا لم يحدثهم عن انهيار الاقتصاد وسياسات وزارة المالية الفاشلة وبدلا عن ذلك ظل يطبل للمؤتمر الوطنى حتى لم يعد يصدقه احد بل حتى جماعته انفسهم لم يصدقوا تطبيله الاجوف فاغلقوا الصحيفة التى كسدت على راسه.ثم بعد ذلك اخذ يهيم على وحهه فهو صحفى بلا قدرات. ان ياسر محجوب وامثاله ممن لفظهم المؤتمر الوطنى غير جديرين بانتقاد الحكومة وسياساتها لان الشعب اكثر وعيا من امثال ياسر فما يقول به ياسر اليوم هو ماعرفه الشعب منذ 30 يونيو 89. ولذلك الاكرم لياسر ان يستسمح جماعته ليعيدوه الى وظيفة يرتزق منها ولا يحرق مراكبه معهم لانه لا احد من الشعب السودانى يمكنه ان يصدق او يتقبل ياسر وامثاله من المتسلقين النفعيين.

  8. بالله هو كان مع الجماعه؟ في تقديري ان الانتهازيين والذين يغيرون جلدهم كالحربويات هم اخطر من الكيزان، و ساهوما في استمرارية هذا النظام ، قرات ان فضل محمد خير الذي يشاع انه المشتري لجامعة الخرطوم ويقال انه صاحب اكبر اسهم في بنك الخرطوم كان يعمل في جهاز امن نميري، و عندما جاء نظام الاتقاذ قام علي الفور بتقديم فروض الطاعه ولبس عباءة الإسلاميين. …وما اكثرهم أولئك الذي يتحورون ويتشكلون حسب ما تمليه مصلحتهم فقط، و كيف السبيل لمحاربة هؤلاء ؟ ….وخوفي اذا جاء تغيير ان يركب هؤلاء الاتتهازيون مياه التغيير، و يبدوا ان بعضهم قد بدا التفكير في هذا الاتجاه وبدا يدين ويشجب النظام بعد ان كان من اعوانه الاساسين …..اتمني ان ينتبه الوطنيين لذلك و يقوموا بالتوثيق الامين و الصادق لكشف الانتهازيين ووجود الصحف و المنابر الاسفيريه سوف يساعد في التوثيق ……و من فوائدها ايضا انها تتيح للمتهمون بالانتهازيه التصدي للاتهامات و الدفاع عن ا نفسهم اذا رغبوا ….للتاريخ؟

    و الكره الان في ملعب دكتور ياسر محجوب الحسين …..من المؤكد انه يقرأ التعليقات علي مقاله .

  9. هو فاهم شنو الرقاص دة لحدي ما يترأس إجتماع إقتصادي عاجل؟!!.
    نفسي أعرف الناس دي مارقة الشارع متين

  10. د.ياسر محجوب الحسين دا كان أكبر كوووووز وادوهو بالشلوت بقي الان مع الشعب!! الله يخيبك يادابك عرفت النظام فاسد وانت كنت تتنعم بنعم الشعب السوداني ياريت تعمل معروف وتذهب مع المفسدين اخوانك الكيزان!!!!!

  11. .
    لا جديد في ما يُقال اليوم عن ما آل اليه الحال في السودان
    تردي اقتصادي سبقه تردي سياسي اعقبه تردي اجتماعي ، فضاعت القيم الاجتماعية والإنسانية والمهنية .
    منذ ان حلّ نظام الإنقاذ على البلاد ظل هذا التردي في تواتر وتتطاول وقد أشار الكثيرون لهذا الذي حدث اليوم قبل عقود من الزمان ، ولم يرعوي نظام الإنقاذ ولم يستفد من النصح الذي قدم من اقتصاديين مشهود لهم بالامانة المهنية ومنهم من لاقي الكثير من المضايقات بسبب اختلافه مع النظام من حيث المبادئ الفكرية والسياسية ..
    الملاحظ في هذه الأيام نجد سدنة النظام هم من يتحدثون عن التردي وكأنه لم يحدث بسبب فشلهم وسوء ادارتهم ، هذا السوء الذي تجاوز الحد حتى اصبح امر شاذ ومستغرب .
    لن يجدي الحديث فتيلا عن ما جرى وما يجري في الوضع الاقتصادي الحال على البلاد اليوم ، ولن يكون هناك اصلاح ولا صلاح الا بثورة تقضي على هذا النظام المستبد الفاشل واقتلاعه من جذوره .
    قد آن الأوان ولا نظن الا ان الساعة قد أتت وقد دنى اجل هذا النظام الى النهاية الحتمية ، ولم يتبق الا خروج الشارع ومما لا شك ان أسباب الثورة على النظام قد تعددت والظروف قد أصبحت مواتية ….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..