سوء استخدام الحقوق الديمقراطية

عادل إبراهيم حمد

يعرف أن الديمقراطية كنظام حكم تتيح بطبيعتها الحريات العامة والتداول السلمي للسلطة والشفافية واستقلال القضاء وسيادة حكم القانون وصون حقوق الإنسان، هذه المبادئ ليست برنامج حزب، هي إطار حكم يمنح الأحزاب المتوافقة عليه فرصة الانصراف للتنافس الحر في ميادين الخدمات التعليمية والصحية وغيرها, وخطط التنمية في مجالات الصناعة والزراعة وغيرها.. لكن، على الرغم من هذا التفوق فالديمقراطية ليست مستثناة من الانتكاس إذا أسيء استخدام الحقوق الديمقراطية.. هذه حقيقة توجب على المتوافقين على النظام الديمقراطي مسؤولية، تلزمهم تجنب كل ما يمكن أن يقود إلى ابتذال هذه الحقوق.

هذا تقديم نتناول بعده باختصار بعض أوجه الابتذال التي تعرضت لها تجربة الديمقراطية الثالثة في السودان، حتى سقط النظام الديمقراطي. وليس غريباً أن تجتهد بعد ذلك القوى السياسية الديمقراطية لاستعادة النظام السليب كما تفعل الآن, وأن تكشف ضمن جهودها الحثيثة لاستعادة الديمقراطية، الظلم والفشل اللذين حلا بالبلاد بغياب الديمقراطية، لكن لا يكتمل هذا العمل إلا بنقد ذاتي تقر فيه هذه القوى بما فعلته بالديمقراطية وهي حاضرة، قبل أن تفلت من أيديهم وتصبح مطلباً عزيزاً.. أما إذا رفع الديمقراطيون عذر الانشغال بإسقاط النظام ذريعة لتأجيل نقد تجربتهم السابقة، فسوف تعاد التجربة بذات أخطائها، بل وتصاحب أداء المعارضة الآن أخطاء هي امتداد لأخطاء وقعت خلال الحقبة الديمقراطية، فإذا ما مورس النقد الذاتي بأمانة وشجاعة، فسوف تبدو واضحة النتائج السلبية لسوء استخدام الحقوق الديمقراطية، وحسب رأيي سوف يظهر حق الإضراب كأكثر الحقوق ابتذالا في الديمقراطية الثالثة.

لقد عايشت النقابات خلال حكم مايو القهر، وحق الإضراب غير مكفول، فشاركت النقابات في النضال ضد نظام مايو، حتى تفوق التجمع النقابي على بعض الأحزاب في الدور السياسي, ويظهر ذلك بجلاء في دور التجمع في انتفاضة أبريل، إلا أن التجمع النقابي تصرف بعد حلول الديمقراطية وكأنه يريد تعويض حرمانه الطويل، فكانت الدعوة للإضراب شبه يومية، تنطلق من التلفزيون الحكومي كمظهر آخر لابتذال حق ديمقراطي آخر هو حق التعبير.. وابتذلت حرية العمل السياسي، حتى تحول إلى كيد سياسي تبدى بوضوح في الرفض الخفي من قوى اليسار لنتائج الانتخابات، التي لم تعبر عن حقيقة الواقع السياسي بعد الانتفاضة. وبدلاً من مراجعة تلك القوى لأدائها التنظيمي أو الدعوة لتغيير قانون الانتخابات، سعت للاستقواء على الأحزاب الحاكمة بالحركة الشعبية، وظهرت للحركة الخارجة على الحكومة المنتخبة أصوات قوية في المركز، تنطق باسم حاملي السلاح.. وسيرت في العاصمة مظاهرات مناصرة للجيش الشعبي وأخرى مناهضة، حتى سقط في الخرطوم قتلى من فريقين يديران بالوكالة معركة تخص الجيش الشعبي في غابات الجنوب.. لقد تعدى الأمر ابتذال الحقوق الديمقراطية إلى تزوير الحقوق الديمقراطية، وذلك بجعل حمل السلاح في وجه الدولة حقاً ديمقراطياً.
تلك أجواء لا يستغرب معها ظهور تيارات ترى الديمقراطية -في أفضل الأحوال- نظاما لا يصلح لشعوب العالم الثالث.. هنا بذرت بذرة الانقلاب.

العرب

تعليق واحد

  1. هذا ماكنت اتمني ان نكتب عنه بوضوح شديد ومنذ زمن بعيد.
    ماهي الممارسات الحذبية التي ادت واد الديمقراطية في وقت حكمها في السودان؟ حتي لاتتكرر الاخطاء.
    شكرا لك.

  2. مين بيحب مصر؟؟؟ السؤال موجه لكل من يحب مصر في مصر والسودان ,,ولا يخفي علي احد انت من المحبين لمصر,,

    اخونا العزيز عادل لعلك متابع لما كتبته الصحفيه الكويتيه فجر السعيد وادعائها بتبعية السودان لمصر ودعوتها للفريق السيسي لغزو السودان ,,!!!

    وطبعا لن يخفي عليك ما تصريح جماعة مين بيحب مصر وادعائهم بانهم يملكون الوثائق التي تثبت تبعية السودان لمصر وان وفودهم ستذهب لمقر المحكمه الدوليه للطالبه بتبعيه السودان لمصر,و

    عايزين نسمع منك اخونا عادل وهل انت معنا نحن اهل السودان ام انك مع مجموعة مين بيحب مصر ؟؟

    في انتظار ردك اخي الكريم..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..