هل تنجح دولة جنوب السودان في اجتياز أزمتها الراهنة؟

محجوب محمد صالح

ظلت أنظار المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي ودول الجوار مصوبة على مدى أسبوعين على دولة جنوب السودان وهم يكتمون أنفاسهم ويتساءلون: هل سيبدأ تنفيذ اتفاق سلام دولة الجنوب بعودة قائد المعارضة الجنوبية المسلحة د.ريك مشار إلى جوبا ليؤدي القسم نائباً لرئيس الجمهورية ويسهم في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ومن ثم يبدأ العمل الجاد لإنقاذ الدولة الوليدة من حافة الهاوية أم أن العودة ستتعثر والأمور ستتعقد والاتفاق سينهار؟.
واشتد القلق والزيارة تتأجل من يوم لآخر بسبب عقبات مصنوعة تشير إلى عدم قناعة هذا الطرف أو ذاك أو تردُّده وكلما تأجل الموعد زاد القلق، ولكن أخيراً حدثت المعجزة ووصل د.ريك مشار بعد طول انتظار إلى جوبا وأدى القسم ليمارس مسئوليته السابقة كنائب أول لرئيس الجمهورية تحت ظروف أشد سوءاً وأكثر تعقيداً.
ورغم انفصال الجنوب وإنشاء دولته المستقلة فنحن في شمال السودان معنيون أكثر بأمره لأن أي أزمة وصراع دموي حاد في الجنوب من شأنه أن ينعكس سلباً علينا وبنفس القدر فإن أزمات الشمال لها انعكاساتها على دولة الجنوب والأزمة في البلدين حصيلة أوضاع تاريخية مشتركة وطبيعتها متشابهه وهي كانت في أصلها أزمة واحدة تواجه بلداً واحداً لكنها مع الانفصال انقسمت لأزمتين في البلدين وليس من الحكمة وبعد النظر أن نتناسى هذه الحقيقة، ومن المهم أن نتذكر دائما أن هذا التأثير المتبادل سيعيش مَعنا دهراً طويلاً.
نحن ندرك صعوبة الأوضاع التي تواجه دولة الجنوب والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها في بلد ليس له مصدر دخل آخر سوى بتروله الذي انخفض إنتاجه كما انخفض سعره إلى درجة لم يعد يوفر للحكومة عائداً يذكر، وقد قفز معيار التضخم إلى (240) في المائة وأحاطت قسوة الحياة بالجميع بينما المعارك ما زالت تدور في أجزاء متفرقة، ومع تشظي الحركات المسلحة إلى مليشيات عديدة هناك شكوك حقيقية في أن تنجح حكومة الوحدة الوطنية في تحقيق وقف إطلاق نار دائم والخشية الأكبر هي أن يتجدد الصراع المسلح على نطاق أوسع.
إن المسئولية الأولى تقع على عاتق النخب السياسية في الجنوب وقدرتها على خلق واقع جديد يتجاوز مرارات الماضي القريب وأحداث العامين الماضيين ومَرارات الصراعات القبلية الدموية وتأسيس نظام حكم يستمد شرعيته من رضى الناس وقبولهم ولن يُجْدِي أي دعم أو مساعدة من دول الجوار ولا المجتمع الدولي ما لم تنجح النخب الجنوبية في تحقيق هذه المتطلبات.
إنها نفس المعادلة التي يحتاجها الشمال وفشلنا حتى الآن في تحقيقها ولن نستطيع أن ندعم الجنوب في وضعه الحالي ما لم نعالج أزمة الشمال معالجة شاملة وأن ننشئ على أرضه نظام حكم يستمد شرعيته من قبول ومشاركة كل أهله وغاية ما نستطيع أن نقدمه للجنوب تحت ظروفنا الراهنة هو الدعم المعنوي لكل جهود للتسوية السياسية الشاملة في الدولة الوليدة ويحدونا الأمل في علاقة أكثر رسوخاً حينما نعالج أزمتنا الداخلية ونحدث التغيير الذي يحقق هذه التطلعات، ولكن هذا لا يمنع من أن يسعى الشمال في حدود الإمكانات المتاحة حالياً لمساعدة دولة الجنوب لتتجاوز هذه المرحلة الحرجة في تاريخها وهو بحكم العلاقة التاريخية الجهة الأكثر تأهيلاً للقيام بهذه المهمة.

العرب

تعليق واحد

  1. رلك خالص التحية العم المقدر محجوب محمد صالح فقد اسمعت ولا زلت تسمع من كان حيّا ولكن الحياة لمن تنادي اجد نفسي عندما اقرأ مقالاتك متفائلا رغم القتامة التي تعشعش على واقعنا المرير في بلدنا المنكوب قليلا جدا من يقول مثل كلامك

  2. حكومة وحده وطنية في دولة بها جيشان ونائبين للرئيس وقائدين للاركان…ومسائل عالقة لم تحسم في الاتفاقية وغبن متراكم وغياب الثقة ، تحديات كبيرة تواجه الحكومة الانتقاليه.

  3. الصحفي المحترم محجوب محمد صالح اعرف ان الطرفين المتصارعين في جوبا يحترمان رؤاك ويقدرانها ولهذا اري ان تقوم بتكوين مجموعة من الوطنيين الذين لهم وزن في الجنوب لتبني اطروحة جديدة للسلام ومحو الخلافات ففي هذا حل للمشكلة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..