أخبار السودان

عيب عليكم يا مندور وغندور

صلاح شعيب

دعنا نسلم لبرهة أن عناصر الثقافة العربية ـ الإسلامية تواجه تحديات لا مثيل لها في تاريخ القطر. ولكن السؤال هو هل يشرف الذين يقدمون أنفسهم كمستنيرين إسلاميين أن يعتمدوا التسلط على العباد بديلا عن الترفق بهم، والإستبداد سبيلا للدفاع عن هذه الثقافة، ومحاشاة تحدياتها المتفق حولها.
الحقيقة أن هناك عددا من حملة الشهادات العليا داخل الحركة الإسلامية، بداية من (البروفسيرات)، ثم حملة الدكتوراة، إلى حملة الماجستير ممن تلقوا تعليما عاليا، وهم من بعد مثقفون فقهيا، ويعايشون ثقافة العصر، وبعضهم عاش في الغرب، وخبر كيفية فلاح الديموقراطية. بل أن حاجة أقران الإسلامويين في البلدان القامعة هي الديموقراطية، كما حاجة المستبد بهم في السودان إليها.
ربما تأتي الإجابة السريعة من أحد المبرراتية الجازهين للدفاع، حقا أو باطلا، أن السودان حقق نموذجا في تطبيق الشريعة. ولكن لن يستطيع هذا الأحد أن يجزم بأن نخب الحركة الإسلامية في الحكم أسسوا نظاما مدنيا حقق الديموقراطية الكاملة، بما فيها من حرية تنظيم الأحزاب، والنقابات، والصحافة، وغيرها من موجبات النظام الديموقراطي التي تكشف عن نفسها، وتمنع الإستبداد، مثل الذي يناضل ضده إسلاميو الشرق الأوسط.
وقد يستطيع واحد آخر القول إن الإستبداد، وإن جابه العلمانيين و(السودانيين الجديدين) والأحزاب الطائفية و(المطلبيين الجهويين) إنما هو لصالح الدين، ذلك على إعتبار أن فقه الضرورة ألزم الإسلاميين ـ وهم جزء من صراع دنيا ــ بأن يقطعوا الطريق أمام عودة العلمانية التي تقتلع شأفة الإسلامية، وأنه لا بد من وأد الطائفية التي تعيد البلاد إلى مربع البيوتات، كما تقول أدبيات الإسلاميين، وأدبيات آيدلوجيين آخرين.
غير أن هذا الواحد لن يجزم كذلك بالقول إن رأيه منزل. بمعنى أنه لا يأتيه الباطل من خلفه أو يمينه. فالأحق أن هذا الرأي المكابر يعتبر قسطا من الرؤى التي يتداول الناس حولها ديموقراطيا، في حال تساوي الفرص. وهو، بالتالي، ليس أكثر من مجرد رأي. ولا يمكن أن يمثل رأي الله، إنما يمثل فقط رأي ذلك الذي يفسر بناء على معطيات فهمه للسياسة المعطونة في بحر فقه ديني.
وقد يقول عروبي إلتحق بخدمة المؤتمر الوطني إن الظروف التي تجابه الدولة المركزية إستثنائية، أو إنتقالية، أو إستهدافية، أو سمها كما شئت، وعليه ليس أمام الإسلاميين والعروبيين إلا التعامل مع الواقع المعطي في وقت يبدو الإستناد على مثال إسلامي في الأخلاق، وما إلى ذلك من (أمثال خالدة) مدخر للظروف العادية. أي الظروف التي لا تحتاج فيها الدولة الإسلامية إلا إلى تقديم النموذج الأرقى، أي ـ مرة ثانية ـ إستنادا على أن الدعوة الإسلامية في بادئ عهدها إستخدمت آيات الفروع الحاضة على إستخدام القوة، ولذلك لا مناص من الرجوع إلى آيات الأصول الرحيمة كل الرحمة. وذلك الرجوع يتم في حال غياب المبرر لفرض آيات الفروع تجسيدا لتفسير يأخذ أحسن ما أنزل في القرآن الكريم.
كثير من كتابات الإسلاميين قد تترى لإزالة الحرج. ولكن تظل ثقافة الإستبداد التي عايشناها طوال العقدين ـ وأكثر ـ مرئية ومحسوسة، ولا يغالط حولها إلا من له منفعة في غستمرارية هذا الوضع الذي يشوه الإسلام. محسوسة سواء على مستوى توظيف قوة الجيش والأمن، أو خنق حرية الصحافة والصحافيين، أو على مستوى السياسات المتبعة لضبط الشارع. والحال كذلك فإن هذه التبريرات المكلفة بواسطة الإسلاميين لا تشفي الغليل، بقدرما أنها تفتح اسئلة مشروعة عن ماهية المشروع الإنساني الذي كلف أولئك المثقفين بذل حياتهم لتحقيقه بينما إتضح في واقع الأمر أن الاستبداد هو لحمته وسداته.
الصحيح أن التعليم وحده لا يخلق للإسلاموي، وغير الإسلاموي، مرجعا ينطلق منه لتحقيق الخير والشر بالنسبة للثابت والمتغير في حركة البشر. ولكن الأصح، أيضا، أن هؤلاء المتعلمين من المثقفين الإسلاميين يدركون عند أوان الصدق أن الحلال بين والحرام بين.
وعلى هذا الاساس يستطيع الإسلامويين، وغيرهم، التمييز بين ثقافة الإستبداد وثقافة التسامح، بين الصحافة الحرة والصحافة المكبلة بالقيود، بين الجامعات التي تنتج المعرفة والعلم والأخرى التي تخرج أجيالا تفتقر للغة العربية، بين الواقع الإقتصادي الذي يكفي المواطن حاجته والآخر الذي يكلفه الخروج عن القيم، والوقوع من ثم في مصيدة الأجهزة العدلية وهي لا تفهم السياقات التي أدت إلى الجريمة، بين شفافية أجهزة الدولة وفاعليتها في خدمة وحماية المواطن والأخرى التي تخدم أفرادها من حيث أنها أرادت خدمة السلطة، بين النظام الصحي الذي يوفر الضمانين الصحي والإجتماعي للمواطنين ويجعلان الوصول إلى العلاج، والعيش بكرمة، سهلا وميسورا والأوضاع التي تمنع وجود هذا النظام . إن الإسلاميين يستطيعون التمييز، أخيرا وليس آخرا، بين القيادة السياسية القادرة على إنجاز وحدة الوطن والتي تقوده للتمزق كيفما إتفق.
الدين بطبعه دين، ولا يكون كذلك حين يسقط الأخلاقي والمثالي. والسياسة بطبيعها سياسة. ولن تستجيب، في كثير من الأحيان، إلى الأخلاقي، أو المثالي، أو أن ترتقي إلى درجة الكمال كما لو أن الدين يسعى. والأخير له حزم معانيه الثابتة لكبح جماح حركة الفرد، ولا يهم مقامه، أو موقعه في المجتمع.
عند هذا التعارض بين وظيفة السياسة ووظيفة الدين خاض الإسلاميون في تجربة جلب المثال إلى الواقع، أو إخضاع سلطان الدولة إلى روح الدين. بيد أن هذه التجربة لم تملك الإسلاميين تدينا زائدا عما كانوا عليه. ولم تدفع الدولة إلى التقدم خطوات بإتجاه الدين وإطفاء حرائق العسكري، والإقتصادي، والإجتماعي، والثقافي. وإذا جلس الفرد الإسلاموي في بيته، أو بيت أبيه لتمعن التجربة، فهماً ثم مقاربةً، ولأمكن له أن يصل إلى النتيجة: تخثر المشروع، وتبعثر الدولة.
ما من واقع ندرسه الآن من خلال أثر سياسة الحاكمية لله عليه إلا واصابتنا النتائج بالغثيان. وذلك هو لب التخثر المعني. ومع ذلك هل من أمل، والحال هو ذا، أن يبادر الإسلاميون للخطو نحو الإصلاح الذي يبدأ بالإعتراف.؟
(ـ) أعتقد أن الإعتراف بالخطأ هو البداية للإصلاح، وللأسف يبدو أن فرص الإصلاح قد لاحت أكثر من مرة، وكانت آخرها عبر نيفاشا، غير أن ماكنيزم التغيير الإسلاموي فضل المزيد من الإستبداد كخطوة وحيدة نحو إصلاح (غفلات وعلات نيفاشا) اكثر من إصلاح الطريقة التي بها تفكر القيادة السياسية للإسلامويين في إجازة الربا الذي يدخل في باب شغل العلمانيين. والإعتقاد الثاني أن حركة الإسلام السياسي التي تنفر، خفافا وثقالا، لتطويع الواقع للتماهي مع المثال الديني ما كانت محتاجة كل هذه اللفة لتفكر الآن، والآن فقط، حول مشروعية القبول بالقروض الربوية. ألم يكن في هذا القوم رشيد ينظر لهم تحسبا لمثل هذه المطبات التي تفرضها علمانية الدولة؟ ثم لماذا النقاش من أصله حول الربا الذي قال عنه عز وجل أن يمارسه سيبوء بحرب من الله. ومع ذلك، مبروك هذه الإجتهادات العلمانية الطبع يا حركة، ويا وبركة.

صلاح شعيب
[email protected]

تعليق واحد

  1. الاغبيا الحبل والمفترين هم الذين لايعلمون بما يفعل يتصرفون علي رغبت هوائهم ونذوتهم ولا يلتفتون علي مصلحة الوطن وسفك الدما وعاميه غرورهم

  2. مندور وغندوروالشعب الغدور…وشعيط ومعيط..ونطاط الحيط

    زعيط : الحمار

    معيط : الكلب

    نطاط الحيط : القط

    أمثال شبيهة

    عوير وزوير والمافيه خير

    شعيط ومعيط وفتال الخيط

    كان لأحد البسطاء حمار و كلب و قطه الف منهم شبه عائله فأعتني بهم و أهتم بأمرهم فكان ينفق علي عليق الحمار مبلغا لا يقل عما ينفقه علي قوته الشخصي . اما الكلب فكان عزيزا لديه بهذا المقدار حتي كان يربض بجانبه علي المائده و لقمه في فمه و الأخري في فم الكلب . اما القط فكان مدللا لحد انه يجلس معه فوق المائده يأكل اطايب الطعام . و كان الرجل كبير الثقه برفاقه الثلاثه . فلما وافت ليله جلوس الملك و أعتزم الناس السهر طوال الليل يترقبون مرور موكب الحاكم الذي اعتاد في مثل هذه الليله ان يحقق لكل ذي طلب مطلبه اذا بصاحب الثلاثه يمرض فيوكل لهم الأمر و طلب منهم السهر حتي اذا ما ابصروا الحاكم يبلغوه بما يتمناه كل واحد منهم لصاحبهم و نام مطمئنا علي وساده من الثقه . فلما أقترب الملك من الثلاثه قاموا بصوت واحد يطلبون و لكن لمن طلبوا ؟ و ماذا طلبوا ؟ طلب الحمار لنفسه أن يكون واليا علي بعض البلاد . أما الكلب فطلب أن يصبح وزيرا و القط أكتفي بأن يكون كبيرا للقضاه . و هنا سألهم الحاكم اذا كانوا يريدون أن يطلبون شيئا أخر لأنفسهم أو لغيرهم فأجابوا بالنفي فلم يمر سيدهم علي بالهم فلم يطلبوا له شيئا حتي الصبر علي غدر الزمان . فلما استيقظ صاحبهم من نومه و نزل الي رعيته و أصحابه و كله أمال فيهم ليسألهم ماذا طلبتم من الملك ؟ فأبتدر حماره بالسؤال : ماذا طلبت لي يا حماري المحبوب ؟ فما كان من الحمار الا ان أجابه برفسه كادت تؤدي بحياته و قال (صه) لا تدعني من الآن فصاعدا بالحمار لأنني طلبت من الملك أن أكون واليا علي بعض البلاد . فالآن أنا صاحب الأمر و النهي . أن شئت أميتك و أن شئت أحييك . فأرتد الرجل الي الخلف مذهولا . و عندما أفاق نظر قليلا الي كلبه و قال : و أنت ايها الصاحب ماذا طلبت لي فأجابه في نباح و خربشه لآ تقل كلبا لأني طلبت أن أكون وزيرا و ها أنا اليوم لي تصاريف الأمور و بيدي أن انفيك من البلاد و أجعلك شريدا طريدا فأسقط في يده و كاد اليأس يقتله لولا قليل من الأمل في القط الذي عندما تقدم اليه في تأدب قائلا : و أنت يا قطي الجميل ماذا طلبت لصديقك الحميم . فما كان من القط الا ان تنمر و زام زومته و قفز في وجهه قفزته و قال:أياك ان تدعوني من الآن قطا لأني أصبحت اليوم قاضي القضاه و لي المقدره أن احكم عليك بالسجن أو الأعدام . فما كان من الرجل المسكين الا رفع بصره الي السماء و صرخ صرخه مدويه و قال : كفي يا ربي خذ نفسي عندك و لا تسمح لي أن أحيا مره أخري في هذا المكان الذي يحيا فيه زعيط و معيط و نطاط الحيط .

  3. احييك الاستاذ صلاح شعيب على هذا المقال الدسم والممتع والشامل على

    حقائق ودلالات وصدقت حينما قلت ان الاسلاموين لم يزيدوا شىء ماوجدوا

    ولم تتقدم الدوله الى الامام فى وجودهم مما جعلهم يتخبطون وان شئيت قل

    لا ياخذون لا بالاصول ولا بالفروع ياخذون مايمشى مع هواهم وطبيعتهم

    ويبررون لانفسهم ما يحرمون للاخريين ما فقه السترة ببعيد .

    هل ستر الرسول الكريم (ص) المراءة المخزومية التى سرقت او قبل شفاعة

    لا لم يستثنى حتى بنته الشريفة فاطمة

    المهم مقال موفق شرح النفسية التى عليها القوم وطريقة تعامهم مع الاخر

    شكرا لك استاذ صلا شعيب

  4. اعتقد ان مثقفي الانقاذ الاسلاموية وقعوا في الفخ الذي تقع فيه الثورات المبنية علي تزاوج العسكربالايدولوجية!!! مما اقعد التفكير المنطقي خاصة في ظل تعمق المصالح الذاتية وانكشاف عورة التدافع بين الرغبات وبين التطلعات و بحيث انتصر الانتهازي علي المثالي المقنع فانكب دعاة المثالية والتدينن علي دنيا زعموا انهم لايعملون لها !!! مما اقعد بهم عن الدفع بالحقيقة وتقديم المشورة !!! اجتمع معها صراع القصر الذي جعل الكثيرين اما متوجسين من الابعاد او مبعدين!! فتحولوا الي مخدمين وموظفين في بلاط العسكر!! ليس حرصا علي مشروعهم الحضاري! بل علي مكاسبهم ومشاريعهم الاستثمارية! وخوفهم من اللحاق بشيخ!! خرج بخفي حنين!! لايقدروا هم عليها!! فقد اماطت السلطة كل الشعارات وابانة الحقيقة المرة! انهم لايختلفون شكلا ولامضمونا من سابق الحكام والحكومات غير بشعار يغضي علي المصالح الدنيوية الحقيقية! التي يتدافع الكل اليها ولايحتاج الامر لتزوير او تعمية! للحصول عليها دون العالمين!! لابل قضت تجربتهم علي كل المزاعم التي كان يسوقها ويسوقها الاسلاميين.ليس في السودان ولكن من حولها ! بحيث اصبحت تجربتهم لاتتمني ولاتذكر غير بالفشل والفساد وتدمير الاقتصاد وتشريد البلاد والعباد!!! بحكم تجاوز قسوة وفشل الكنائس والبابوية في غابر القرون!! رغم بعد الشقة والقرون!! فلم يتعلموا من التجارب الثيوقراطية الفاشلة!! ولا من التجارب المعممه بالاسلموية في تركيا!! بل قدموا مسخا!! لايبقي ولايذر!!!فيه اجر فشلولااجر محاولة!! لاصرارهم علي استمرارية الفشل !!

  5. انا من الكيزان حسب مصطلحكم ولكنى ضد هذا النظام واعرف كثيرين مع الانقاذ وهم ما كيزان واذا اردتم بالاسماء ستجد اغلب الذين فى مفاصل السلطة الان ما كيزان المهم فى الموضوع ونحن نتظلع للتغيير توحيد الحد الادنى من التوافق مع كل مكونات المجتمع المتطلع للتغيير ولم يلوث مع النظام فى سلوك مشين اما الاتهام للاسلاميين والتناسي ان العلمانيين هم من يحكمون فى اغلب الانظمة العربية المخلوعة والتي في طريقها الي الخلع كلهم كانوا يحكمون بما يسمي بالحكم العلماني وإذا إستخدم الدين يستخدم لتبرير ممارساتهم فعليه فإن الدولة المدنية التي نطالب بها جميعاً ليس معناها دولة علمانية وخاصة أن العلمانية فشلت منذ الإستغلال حتي الان في كل الدول العربية ولاكن بما أن أغلب الشعوب العربية مسلمة فلا مانع من وضع قوانين مدنية ذات مرجعية دينية كما أن للغربيين قوانينهم ومرجعيتهم فالرجوع إلي رأي الأغلبية جزء من الحياة الديمقراطية في المجتمع

  6. سامحك الله يا اخ شعيب ضيعت وقتك ووقتنا في تحليل اقل ما يوصف بأنه نفخ في الهواء او كتب لحاجه في نفس يعقوب , اين الشريعه هذه التي تتحدث وتنقض فيها ,وهل الي الآن تدعو هؤلاء القوم المافيا اسلاميين بعد ما ظهرت حقيقتهم؟ يا اخي لا تلوثوا اسم الاسلام بهذه الجرثومه التي لوثت كل مبادئنا وعاداتنا واخلاقياتنا السمحه.

  7. هذا الثنائي فوضه المؤتمرجية للحديث باسمهم وهم لا يحملون أي صفة تنفيذية تخولهم للتحدث في أمور الدولة ..ما يلقونه من قول هي بالونات اختبار فقط ..ان وجدت القبول كان بها..وان لم تجده فالقول لا يعبر عن سياسة الدولة بل هذا مجرد رأي قياديب بالحزب …
    بلدنا قدل فيها الورل يا أستاذ صلاح ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..