بين الكورة والمسرح حكايات قديمة “2-2” مع السر قدور

الخرطوم – محمد غلامابي
كأسرى حرب لدى عدو رحيم، أو كتلاميذ مدرسةٍ غشيتهم نسمةٌ شتويةُ لطيفة في صيفٍ لا هب، وهم يستمعون بخشوع لنشيدٍ سماويٍ بديع في طابور الصباح، أو كحلقة ذكر صاخبة بصوت صامت، هكذا كنا في حضرة أستاذ الأجيال السر قدور مساء الثلاثاء الماضي بمنتدى الصحفيين الذي تنظمه طيبة برس.
أما السر فقد كان سراً جهيراً ليلتها، أعدنا اكتشافه كما يقول الصديق العنيد عادل كلر، إتخذ السر قدور من ذكرياته وحكاياته وقصصه بيتاً خاصاً لا صلة له بالجمهور الحاضر، ذهب إلى ذكرياته كطفل غرير، يلهو ويلعب، يبكي ويضحك، (وما هماهو شي)، وهو في كل ذلك يقدم الفائدة التعليمية والمتعة معاً في محاضرته المسماة (مقومات النقد الفني)، في عزلته المجيدة تلك مع ذكرياته والموصولة.
بين الكورة والمسرح
بحكايته القادمة أراد الأستاذ السر قدور تعميق مفهومه عن النقد الفني، يقول: كنا نقدم مسرحية قريباً من دار الرياضة بأم درمان، بالكاد وزعنا خمسين تذكرة، بينما خرج من الاستاد الآلاف، ولم يغش مسرحيتنا إلا القليل.. فقلت لماذا لم يدخل الجمهور إلى المسرحية؟ فانتبهت إلى أن الفرق بين جمهور الكرة وجمهور المسرح، الأول يدرك قواعد اللعبة جيداً، يعرف الخطة والتشكيل، والحركة في الملعب، ويتجول بين كونه مدرباً إلى حكم أحياناً، فلان عليه أن يلعب في تلك الخانة، وذاك مكانه دكة البدلاء، الحالة التي احتسبها الحكم لا تستحق، والوقت المحتسب بدل الضائع ليس بهذه الدقائق، وهكذا، فإن جمهور الكرة أصبح جزءاً من اللعبة، بينما جمهور المسرح لم يصل إلى تلك الدرجة، بالتالي عمل الناقد الفني في المقام الأول تثقيف الجمهور بقواعد اللعبة الفنية، ليحدث التفاعل والتطور والوعي، وهو أي الجمهور هو من تتوجه إليه الرسالة الفنية أولاً، ذلك أن الفنان مثلاً يكون قد أنجز أغنيته ثم مضى، فتعود الفائدة على الجمهور بالوعي بالأغنيات، حتى لا يرقص على جثتها، وقال قدور بحسرة إن النقد الفني ظلم هؤلاء الشباب الوثاب من المسرحيين بإهمالهم، وإهمال ما يقدمون. وأضاف “منذ ثلاثين عاماً ظللنا نهتم بالمحتوى الأخلاقي لا فن الممثلين، فهل يبدأ المسرح قبل صعود الممثلين؟ عند صعودهم الخشبة يتحول الفنان إلى روح وإحساس وشخصية”.
لبوس ولبوس
كان الأستاذ السر قدور في تلك الليلة ينتخب بعض الأغنيات لبعض الفنانين في معرض حديثه عن المدارس الفنية المختلفة لكل منهم، وتكنيكات الغناء والأداء والموسيقى، فحين ذهب إلى أغنية “يا جميل الذوق يا الجمالك صاغ”.. لعبيد عبد الرحمن انخرط في غناء الأغنية، ثم توقف فجأة، وقال “الأغنية عاطفه لابسة توب الفن، وفن لابس توب العاطفة، أي أن الفن يتوسل بالعاطفة إلى الناس”، ثم ما لبث أن بدأ يغني لعتيق “أنا من صفاك مسحور”، والصالة تردد معه بنشوة (هزّت المزامير). وتوقف الأستاذ السر كثيراً عند الفنان عثمان حسين، وعرّف بمدرسته الغنائية، وكذا الكاشف، وحسن عطية، وإبراهيم عوض، وأبو داود، وبرعي محمد دفع الله، وغيرهم.
وثراء الحضور
أضاف الحضور الكثير من المعلومات حول عديد الأسماء والمعلومات، حتى أن السر قال: لو أنني تتبعت كل الأسماء التي قلتموها وغيرها مما أثرتموه فإنني في حاجة لوقت إضافي كبير، لكنه توقف عند سؤال الزميل هيثم كابو حول العلاقة بين الفنان والناقد الفني قال “استخدموا معه قاعدة أنصر أخاك ظالماً أو مظلوما، لكن ردوه عن الظلم بلطف” لا تحسنوا له القبيح، ولا تقبحوا له الحسن، هي إذن علاقة تذهب في صالح الفنان، ثم حكى قصة، قال “بعد فراغنا من إحدى المسرحات بالإذاعة لم ترق للأستاذ أحمد عاطف من حيث الأداء، فثار فينا وقال يجب أن تتوقف هذه المسرحية من البث، ولكن سبق السيف العزل، فقال له أحدهم ونحن جلوس في مكان عام، “كانت مسرحيتكم رائعة يا أستاذ”، فسأله: هل سمعت بدايتها؟ فرد الرجل: لا، كنت مشغولاً قليلاً، هل عرفت عما كانت في وسطها؟ فقال خرجت إلى مشوار بالجوار، فقال له الأستاذ أحمد عاطف بضيق وتبرم: حسناً هل عرفت الخاتمة؟ فرد الرجل بحرج بالغ: للأسف لا.. عموماً وصلت المنزل بعد منتصف الليل مستغلاً العديد من عربات الهايس، لكنني كنت ممتلئاً بعمنا السر، حتى صرت كبشرى الفاضل الذي خرج منها يخشى أن يصافحه الناس في الشوارع

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..