مابين الإزيرق وتلكم النعْجة وهذا النظام !!

ما بين الإزيرق وتلكم النعجة وهذا النظام !!

سيد محمود الحاج
[email][email protected][/email]

المدعو (الإزيرق) عليه رحمة الله كـــان من ضمن ركاب شاحنة كانت عائدة ذات أصيل فــي طريقها من احد الأسواق القروية التي تقام مرة في كل اسبوع ، ولما كانت بضاعته قد لاقت رواجاً لم يتوقعه فقد انتحى مكاناً قصياً على ظهر الشاحنة فوق أكداس من الجوالات والصفائح.. وكادت ابتسامة عريضه الا تفارق شفتيه وهو يحصى ما في جعبته من دراهم ليضع رأس المال في جيب وماجناه من ربح في جيب آخر.. وفي غمرة نشوته تلك غلب عليه النعاس فظل يتمايل يمنة ويسرة وقد وضع كل يد في جيب الى ان استقر على أحد الجوالات ثم غط في نوم عميق وهو على ذلك الوضع .وبما ان الطريق كان وعراً (ودقداقو يفك الجنيه) فقد ظل يتدحرج حتى اصبح على مقربة من فتحة الباب الخلفي للشاحنة دون ان ينتبه الآخرون لما يحدث فقد كان منهم من حالفه التوفيق كحال (الإزيرق)فنام قرير العين ومنهم من لازمه سوء الطالع مثال (حاج سعد)الذي ظل جالساً بجسده بينما شرد بذهنه بعيداً يفكر في أمر كساد بضاعته ويلقى بين حين وآخر بنظرات حادة صوب منافسه الذي ينام هانئاً في مؤخرة اللوري والذي استطاع بدهائه واسلوبه المتميز في الترويج ان يبيع جوالين من الويكة بينما لم يبع هو الا ربعاً واحداً فقط..ومع أول مطب أعقب ذلك الوضع كان جسد الازيرق قد انزلق خارج الشاحنة ولم يتبق الا الجزء الأعلى الذي انحشر فيما بين عارضة زاويتي المؤخرة وبين الجوالات وبات على وشك ان يسقط على الأرض لولا ان حانت التفاتة من (حاج سعد) فرأى هذا الوضع الخطير وهرع يزحف فوق طرود البضائع ليخلص رفيقه من هذا المأزق ولكن بدل ان يمسك به من ابطيه أو كتفيه ويسحبه الى أعلى ، فقد قبض على اذنيه وجعل يشده منهما بكل قوته الى ان تمكن من رفع جسد صاحبه … وبالطبع فقد كان ثمن ذلك ألماً مريعاً وأذى بالغاً لحق باذني الرجل من جراء الشد فجلس واضعاً رأسه بين ركبتيه وهو يصرخ من فرط الألم مردداً قولته التي اصبحت فيما بعد تجري مجرى الأمثال :”اريتك ياخالي سعد كان خليتني وقعت .. والله كان اهون من السويتو في إضني “!! أما خاله سعد فقد برر فعلته بأن رأس الأزيرق كان حليقاً والا لكان قد سحبه من شعره.

وحكاية إنقاذ (الإزيرق) مع اختلاف القصد والمبدأ، تشابه حكايه نظام الانقاذ الذي يدعى انه جاء لينقذ الوطن في وقت لم يكن فيه الوطن في محنة تستوجب إنقاذه.. واذا كان (الإزيرق) أكثر حظاً اذ انحصرت مصيبته في اذنيه فقط، الا ان حظ الوطن كان سيئاً بحق فقد جرته يد الانقاذ وبعنف من كل طرف من اطراف جسده وبدل ان تبقيه على الوضع الذي كان يحاول التشبث به هوت به ليستقر في هاوية لا يسبر غورها وهو يئن تحت وطأة جراح لم تترك على جسده موضعاً الا وقد تربعت عليه .. فليت جماعة الإنقاذ اكتفوا بانقاذ انفسهم مما هم فيه قبل ان تمتد أيديهم لتدمر وطناً كان في غني عن ايدي أمثالهم .

وحكاية اخرى تطرأ في خاطرى كلما اضطرتني الظروف للإستماع لاجهزة اعلام نظام الانقاذ .. ألا وهي حكاية نعجة عجفاء جرباء لا تلد ولا تأتي من الضرع شيئاً وفوق ذلك فانها لم تكن تستطيع مسك بطنها فانتظر صاحبها طويلا ان يقضي الله في أمرها ولما تأخر هذا اخذها تحت إلحاح زوجته الى السوق على أمل ان يجد مغفلا يبيعه اياها ، ولما كانت لا تقوى على الوقوف من شدة إعيائها فقد وضعها في (قفه) وحملها على حماره.. وفي ساحة السوق وضعها على كومة برسيم وارتفع صوته بين الباعة يروج لنعجته ويصفها بانها نعجة مؤصلة وانها من نسل طيب تلد في العام مرتين وتحلب صباحاً ومساءً وانها وان كانت نعجة الا انها لا تقل عن بقرة، ومضى يردد هذه العبارات كلما رأى مجموعة من الناس قادمة.. ويبدو ان النعجة كانت منشغلة بذلك البرسيم الذي وضعت فوقه او ان (الفيها مكفيها) فلم تفطن الى ان ذلك الاطراء كان يدور حولها ولكن من خلال كثرة عدد الناظرين اليها والذين كانوا سرعان ما ينصرفون عنها دون رجعة فهمت ان ذلك المدح يخصها دون غيرها وانها هي صاحبة تلك المحاسن التي يلهج بها لسان صاحبها والتي رفعت من شأنها واعطتها فوق ماتستحق وازاء ذلك قيل ان النعجة اشاحت برأسها جانباً ووضعت يدها عل خدها لتخفي ابتسامة خجولة مبعثها ذلك الغزل من جانب سيدها .. ولما اشتدت مبالغته في مدحها ونعتها بصفات لم تتصف بها ابداً ولم تحلم بها يوماً انفجرت ضاحكة وظلت تضحك وتسعل مع كل جملة يأتي بها صاحبها في مدحها الى ان فاضت روحها .. فقد كانت اضعف من أن تقوي على الضحك . ولعل موقف هذه النعجة ينطبق على وضع نظام الجبهة الذي مابرح قادته وسدنته وفي كل حين يبالغون في الاطراء عليه من خلال لقاءاتهم ومن خلال اجهزة الاعلام كافة حتى ان الأمر قد ينطلي على من لا يعرف حقيقة الأمور وهو يشاهد حلقات الرقص التي يقودها رأس النظام فيصل الى حد التصديق بأن الوطن ينام في أحضان الأمن والاستقرار وان المواطن يعيش في رغد من العيش ويكفيه ان يمد يده في الهواء فتعود اليه وفيها 1800 دولار وأنه ليس هنالك ما لا يرام فلا حرب ولا نزاعات ولا تشرد ولا مجاعات ولا فقر ولا اوبئة ولا كبت ولا معتقلات ولا مظاهرات سوى تلك التى يفتعلها بعض الأجانب الدخلاء ، وان اشعة شمس الحرية الساطعة قد اذابت السلاسل والقيود وصهرت قضبان السجون ، وان البلاد اصبحت تلك الجنة التي لا يظلم فيها احد ولا يجوع ولا يعرى وأن مثل الربيع العربي لن يحل في السودان أبدا فكل فصول السودان ربيع دافيء يملأ النفوس بهجة وحبورا .. ألئن هيمن جماعة الانقاذ على أجهزة الاعلام المحلية بكافة انواعها واصبحت تحت سيطرتهم المطلقة فلا تقول الا ما يقولون ولاتتناول من الأمور الا مايودون ، فهل في اعتقادهم ان اجهزة اعلام العالم قد باتت هي الأخرى لا تسمع و لاترى وأنها ستسائر أهواءهم ورغباتهم !!؟

فإذا كانت تلك النعجة قد سخرت من صاحبها وقتلت نفسها بالضحك فاني لأخشى على أهل الإنقاذ ، وهم سادرون في غيهم ونعتهم لنظامهم بما ليس فيه ووصفه بصفات لا تنطبق عليه ولا تتوفر فيه أصلاً، أخشى ان يفيق الوضع من سكرته او إغماءته للحظة فيبلغ علمه ان ذلك الثناء وذلك المدح يخصه هو بعينه ولا يخص وضعاً في بلد اخر فينفجر ضاحكاً من أعمق أعماقه ثم يسعل ويسعل و تفيض روحه.. فهو اضعف من ان يقوى على الضحك ..وسيفعلها يوماً .

تعليق واحد

  1. والله يا أستاذ سيد هؤلاء المجرمين أوصلونا الى وضع أسوأ من وضع إزيرق والنعجة الجربانة ولكن العزاء في أنهم يعيشون زنقة كالتي توصف بأنها زي زنقة كلب في طاحونة، عزائنا في حالة الهلع والفزع والخوف التي ركبتهم وزلزلت كيانهم وعزائنا الأكبر في اليوم الكبير الذي ننتظره جميعا ، يوم أن نطاردهم كالجرزان ونبقر كروشهم الممتلئة بالسحت والحرام

  2. الأخ سيد: التهنئة على سلامة اللغة وسلاسة الأسلوب، الأمر الذي يفتقر إليه الكثيرون من الكتاب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..