حكاية سرقة “الحبشية” بمحطة “صابرين” إنتفاضة عبد المطلب

أم درمان – محمد غلامابي
تسنشق رائحة البخور الطيبة وأنت تجلس لأية حبشية قذفت بها صروف الحياة في هذه البلاد العريضة تمتهن صناعة القهوة والشاي، حتى صارت “الجبنة حبشية” أغنية ومقولة رائجة تمشي على ساقين، فالحبشية- أية حبشية- تحرص على إضفاء روح من الإلفة والمحبة الخالصة لدى زبائنها، لا تأبه بأولئك الذين تنطلق نظراتهم المريضة تتقرّس جسدها من رأسها حتى أخمص قدميها.
تدرك تماماً أنها هنا بعيدة عن الأهل والوطن والأحباب لأجل العيش الحر الكريم، ولا يشغلها أبداً أولئك الذين يظنون أنها ليست بشراً زي كل البشر “عايز يعيش والعيشة خير وشر”، تسبقها ابتسامتها الصافية في تقديم مشروباتها إلى زبائنها، تتعامل مع الجميع بلطف متناهٍ، حتى يخيّل إلى أيٍ منهم أنه مخصوص ومشمول بالرعاية دون غيره، لا تحمل معها ضغوط البيت والأسرة إلى تحت شجرتها أو “دكانها” الصغير المندس وسط الباعة والجائلين و”المعلمين” بملابسهم الملتصقه على أجسادهم بزيوتها وغبارها وهمومها.
في صابرين..حكايات الصابرين
كل الوطن صابرين نعم، ولكن تأخذ منطقة “صابرين” الكائنة بمدينة أم درمان سمات إسمها إلى درجة المطابقة، الناس هناك صابرون على شيءٍ ما، يعمل ميكانيكية السيارات، والفريّشة، وماسحو الأحذية، وبائعو الرصيد والسجائر والحلويات من أصحاب “الطبالي” الصغيرة، وصبية الأورنيش الجائلون ، تحت درجة حرارة تفوق الـ(45) درجة مئوية، تشعر وأنت تتفرّس في تلك الوجوه أنها تخوض حرباً كونية لا هوادة فيها مع الحياة، إصرار برغم الشمس والمحلية على أخذ حصتهم منها.
الفراشة تدور
من بين تلك الوجوه الصابرة كانت تلك الحبشية كالفراشة تدور حول زبائنها، تقدم مشروباتها بخفة، وابتسامة غير مصنوعة، دلفنا إلى داخل دكانتها المتواضعة العظيمة، كنا أربعة من الأصدقاء، وكانت تقوم بإعادة تنظيم مقاعدها بعد فوضى عارمة خلّفها الزبائن، تعود إلى “موقد النار” لتجهيز طلبات زبائنها داخل وخارج المحل، عادت إلينا تحمل الماء الطيب تضعه أمامنا وكأنها تعتذر عن تأخيرها، سألت عن طلباتنا، وكانت مختلفة بالطبع، جبنة بالجنزبيل والقرفة، وأخرى بجنزبيل خفيف، وثالثه بدون كل ذلك، مع شاي “سكر خفيف” عليه هبهان فقط، لم تمض دقائق معدودة حتى عادت تحمل طيب بخورها وطلباتنا.
لكن اللص لا يفرّق
خرجت صديقتنا تلك كعادتها خارج دكانتها الصغيرة، وعادت لتجد أن يد اللص قد امتدت لـ(محفظتها)، التي تحمل فلوسها وأوراقها الثبوتية، وبعضاً من صور العائلة والأصدقاء، وصورة مدسوسة بعناية في مكان ما بداخلها لـ(حبيب بعيد)، تحولت طاقتها الإيجابية وروحها الوثابة إلى النقيض من ذلك، حاولت التخفيف عليها، ونصحتها بفتح بلاغ فوري لدى السلطات حتى تستأنف المسير.
أغلقت الحبشية دكانتها وهي تتحدث بهاتفها، تركتنا في نقاشات مطولة حول الحادثة، إبتدرها صبي أورنيش وهو يقول ” الهبشية دي ماتستاهل” ليلتفت إلينا عبد المطلب بعد تخليصه لعملية تحويل رصيد، وهو منتفض ” لا يعيب الإنسان سوى السرقة، وكون هذه الشابة أجنبية، سودانية، مسلمة، نصرانية، ذمية، لا دينية لا يجوّز سرقتها، وقد شدد الإسلام في عقوبة السارق والسارقة في مقارنته بالزاني أو الزانية، أو غيرها من المخالفات التي يرتكبها المسلم كما وردنا في القرآن الكريم.
بعيداً عن الوطن
ونّوه عبد المطلب إلى كفاح هذه الشابة، وقال ” ضعوا أنفسكم في مكانتها، أنت بعيد عن الوطن والأهل، ثم تتعرض لمثل هذا الموقف؟ بالتأكيد تجد المؤازة من الأهل والأصدقاء، وتفتقدها في الخارج)، إندهشت لتحليلات وحوارات صاحب الطبلية، فعرفت لاحقاً أن عبد المطلب آدم عمر هو طالب القرآن والدراسات بكلية التربية جامعة القرءان الكريم.. فأي أرضٍ هي تلك الـ”صابرين”؟

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. هسة دا شنو ؟…
    انا ما فاهم الاخو دا دار يقول شنو ؟
    اللهم طولك يا روووووح …….
    ما هو المغزى من المكتوب اعلاه ؟؟

  2. صابرين يا حزن الغناء.
    أولاً الحبشية دي جذبتك وعجبتك لدرجة إنك غرقت لشوشتك .
    نعم المواقف الانسانية لا تحتاج للون أو جنس أو عرق لكن يا عزيزي مكتول الهوى ، هذه الحبشية التي تركت وطنها لتغترب في بلدنا الفقييييييرة دي ، قد استولت على مكان واحده سودانية كان ممكن تحل مكانها وتستفيد من هذا العائد أسرة سودانية بالتأكيد ستكون معوذة وفقيرة .
    ثم يا عزيزي نحن شبعنا من هذه السذاجات العاطفية وبسببها طلعنا أكبر شعب مغفل رغم اننا طييبو النوايا وطييبو المقاصد وهذا هو جحر السذاجة الذي لدغتنا به شعوب الدنيا.
    ياخي أمشي شوف اثيوبيا أين وصلت _ هل تعلم أن اثيوبيا تم تصنيفها الدولة الأكثر نموا في دول العالم الثالث ؟
    يعني يا عزيزي الحبشية دي ممكن تشتريك أنت وباقي (الهبل) الزيك كلما شافوا ليهم واحده سمحه قعدوا حرسوها _ وكمان يكتبوا عنها .
    ما عارف متين ح تكبروا يا _ غلام آبي

  3. يا استاذ العواطف هي التى تهدم الدول والشعوب هؤلاء يبتسمون لك لانهم يعلمون جيدا بان ابتسامة واحدة تكفى للسودانى حتى تستحوذ على كل شئ منه لانك بطبعك عاطفي وحتى الكشات تلتهم الاخضر واليابس فى طريقها ولكن حتى ان تصل الى الحبشية ست الشاي تتلفت يمنة ويسرة وتغمز لها لتواصل عملها كما كانت .. جميع الدول حتى فى بنجلاديش لا يعمل الاجنبي فى الدولة الا بالطرق القانونية الا فى السودان يمكن ان يعمل كل من هب ودب وبدون شهادات صحية لان الدولة قائمة على العواطف والمحسوبيات .. وان اردت ان تتأكد من كلامى اذهب الى اثيوبيا سوف تجد حتى الاثيوبية لا يمكن العمل فى مهنة ست شاي الا بالطرق الرسمية والقانوية والصحية .. وكل من يحمل مرض الايدز والامراض الوبائية ياتى الى السودانى ليعمل فيها لأنهم يعلمون تماما بان دولة الكيزان غارقة فى فوضى عارمة

  4. انه حقا لمقال ممتاز فى ابعاده الانسانية والرمزيه-والسودانى لا يعانى من زمهرير الحر و وضنك المعايش فقط بل ان الطبقة الكادحه لا تجد وسيلة مشروعة لترويح النفس وتجديد الطاقته العقلية حتى ولو فى فترات- والنفس ان لم تجد متنفسا لها فى بشاشة الوجوه والكلمة الطيبة والتفانى باعلى همة واخلاق فى اداء المنوط بها من الخدمات مقابل الاجر المستحق ضلت وعميت-
    وحتى على مستوى الطبقات المثقفة فانك لا تجد امة تفسح مجالا للمقالات المتواصله والسالبة والهدامه للوطن ولكل ما يفتخر به المواطن من عظمة وطنه بمثل ما تخصص به كاتب معروف فى صحيفة الراكوبه وهومثال لتعاظم السلبيات المنفرة عن كل ما يعتز به المواطن عن وطنه وبرغم ان بريق العمالة فيها ساطع اكثر من بريق الشمس فى رابعة النهار- ويقول الشاعر-
    لا تسقني ماء الحياة بذلة = بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
    ماء الحياة بذلة كجهنم = وجهنم بالعز أطيب منزل
    وكان الاولى ان ناخذ العظات الحسنة من تراثهن وخصوصا ان ديننا الحنيف يحض على العمل واتقانه وهذا افضل من الشحدة وممارسة الرزيلة ويوصى بسمو الاستجارة والمعاملة الكريمة للمستجير وفى حدود لا تضر بالمواطن والوطن

  5. انه حقا لمقال ممتاز فى ابعاده الانسانية والرمزيه-والسودانى لا يعانى من زمهرير الحر و وضنك المعايش فقط بل ان الطبقة الكادحه لا تجد وسيلة مشروعة لترويح النفس وتجديد الطاقة العقلية والبدنية حتى ولو فى فترات- والنفس ان لم تجد متنفسا لها فى بشاشة الوجوه والكلمة الطيبة والتفانى باعلى همة واخلاق فى اداء المنوط بها من الخدمات مقابل الاجر المستحق ضلت وعميت-
    وحتى على مستوى الطبقات المثقفة فانك لا تجد امة تفسح مجالا للمقالات المتواصله والسالبة والهدامه للوطن ولكل ما يفتخر به المواطن من عظمة وطنه بمثل ما تخصص به كاتب معروف فى صحيفة الراكوبه وهو مثال لتعاظم السلبيات المنفرة عن كل ما يعتز به المواطن عن وطنه وبرغم ان بريق العمالة فيها ساطع اكثر من بريق الشمس فى رابعة النهار- ويقول الشاعر-
    لا تسقني ماء الحياة بذلة = بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
    ماء الحياة بذلة كجهنم = وجهنم بالعز أطيب منزل
    وكان الاولى ان ناخذ العظات الحسنة من تراثهن وخصوصا ان ديننا الحنيف يحض على العمل واتقانه وهذا افضل من الشحدة وممارسة الرزيلة ويوصى بسمو الاستجارة والمعاملة الكريمة للمستجير وفى حدود لا تضر بالمواطن والوطن

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..