درجة الصفر في الكتابة السينمائية.. فيلم «أنا دانييل بلاك» للبريطاني كين لوتش

مراكش ـ من عبدالله الساورة:

يطرح الفيلم الأخير للمخرجين قضية حياتية وإبداعية كبرى.. مثل الفيلم الأول? وما بين المسارين يسافر المخرجون فنيا وإبداعيا في غمار تجربة الفن. ما الذي يمكن أن يضيفه الفيلم الأخير لمخرج ما وهو على مقربة من السفر الأبدي? بضعة أفكار أو أن يكرس نهجه الإبداعي الذي اختاره بمحض إرادته، ولا يريد أن يتنازل عنه ومن ثمة الرحيل?.
المخرج البريطاني كين لوتش وهو يكمل عقده الثامن بحلول شهر حزيران/يونيو المقبل، ويدخل غمار فيلمه 25 لم يفقد من حماسته الكثير بفيلمه الأخير «أنا دانييل بلاك» (2016/ إنتاج فرنسي ـ إنكليزي). يعود المخرج كين لوتش ( 1936/إنكلترا) وهو يحلم بالإمساك مرة ثانية بالسعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائي، وهو من الضيوف المرحب بهم. فقد سبق أن نال السعفة الذهبية عن فيلمه «الريح التي هزت الشعير» (2006)، وسبق له أن نال جائزة التحكيم ثلاث مرات في المهرجان نفسه وشارك بـ18 فيلما في المهرجان منها 13 في المسابقة الرسمية.
يعود المخرج بفيلمه الجديد « أنا دانييل بلاك «، وهو يعرف نفسه منذ البداية والعنوان، ويشهد على شخصية محورية كثيرا ما عالج الكثير منها في أفلامه، شخصية المهمش، المقهور الذي لا تسعفه الحياة ويرتمي في براثن الضياع، ويناضل ليحقق بعضا من حياة كريمة، كثيرا ما لم تسعفه هذه الحياة.
سينما كين لوتش، هي سينما الضائعين في غمرة فوضى النظام الرأسمالي، شخصيات هامشية مرتبطة بوضعياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتدنية ونضالها في الحق والحياة، على غرار أفلام «أغنية كارلا» (1996)، «اسمي جو» (1998)، «الكتيبة» (2001)، «الرغبة السادسة عشرة» (2002)، كلها أفلام تنتمي لسينما المؤلف بحس وحساسية مناضل يساري وبأبعادها الإنسانية التي تغترف منها. يعتقد المخرج كين لوتش في العديد من أفلامه أن يرى شيئا مثل «درجة الصفر في الكتابة السينمائية أو الكتابة الباردة»، إنه المالك الحزين لأسلوب خالص وساخر بتعابير سينمائية تنتصر للإنسان في وجوده وكينونته. إنه جريح لا يخطئ الطريق في الاتجاهات الرئيسية للسينما الواقعية الأوروبية وفي مجموع السينما المستقلة التي تحددها واقعيته ونظرته للواقع برؤية إبداعية منغمسة في الواقع الحياتي للشخصيات الفيلمية. واقعية بشكلانيتها الاجتماعية وبنقدها للأوضاع وللبورجوازية وللمجتمع وتقترب من سلاسل مجهولة لذات المخرج بأسلوب ساخر.
يقترب المخرج من حيوات إنسانية للمواطن في المجتمعات الصناعية والتكنولوجية على الرغم، من هذا التقدم الصناعي الطافح. ويختار أبطاله من الطبقة العاملة في إطار إبراز اللاعدالة الاجتماعية للطبقات المهمشة في المجتمع البريطاني.
يعود بفيلمه «أنا دانييل بلاك» بشخصية نجار يبلغ من العمر 59 عاما، يصاب بنوبات قلبية وتوعكات صحية، ويجد في امرأة عزباء مع طفلين حاضنا لمشاكله، يسافران معا لمسافة 450 كيلومترا، وفي المساعدات المقدمة من قبل الدولة للعاطلين عن العمل وللذين تعطلت بهم السبل ملاذا في انتظار ما تجود به أجرة هزيلة في آخر الشهر وبانتظارات طويلة لا تسعف لسد الرمق.
يعالج المخرج وضعية العائلات التي تجد نفسها جراء الأزمات الاقتصادية أو الصحية في مواجهة سبل العيش، وكيف ترتمي في أحضان بعضها بعضا درءا للجوع والفقر والحاجة. يكون الملاذ هو كيف يتكيف العاطل ? سواء دانييل بلاك الشخصية التي جسدها الممثل دايف جونس، أو شخصية كاتي التي أدتها الممثلة هايلي سكيرز ? مع الفقر والحاجة والتهميش.
يصر المخرج في فيلمه الأخير، أو فيلم التقاعد على إخلاصه لنهجه الحياتي والإبداعي بالدفاع عن مجتمع المهمشين والمحاصرين من قبل بورجوازية تتلذذ بجوع وفقر المهمشين. وفي ظل أوضاع اقتصادية تزداد بؤسا للبائسين وثراء للأثرياء.

«القدس العربي»

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..