الصحة النفسية.. مشروع رائد لتوعية المجتمع بالمخاطر.. غياب الشفافية

الخرطوم – زهرة عكاشة

تعد قضايا الانتهاكات والحماية بشتى منعطفاتها أهم القضايا، لأنها تعبر عن حالة المجتمع، والوضع المعاش سواء أكان إيجابياً أو سلبياً، ومنذ القدم تتعرض الفتيات للانتهاكات بدافع العادات والتقاليد والممارسات المجتمعية السالبة، كختان الإناث، ومع التطور الذي ضرب بأطنابه البلاد طفت على سطح المجتمع اعتداءات نفسية فاقمت من حجم المشكلات والقضايا المثارة.

ومع الكم الهائل من الأزمات تطل الأسئلة، فهل يجد المجتمع توعية كافية ليمارس من خلالها كل دفوعات الحماية عن حقوقه ومكتسباته أم أن هناك قصوراً في الخطاب الإعلامي والرسمي والمجتمع المدني في هذا الشأن؟

رعب سائد

تعتقد مدير مركز سيما للتدريب وحماية المرأة والطفل ناهد جبر الله: “جو الرعب هو السائد وسط المجتمع بشكل كبير، لضعف الجانب التوعوي”. وقالت لـ (اليوم التالي): “ليست هناك جرعات توعية كافية، وبات اعتماد المجتمع على الشفاهة والإشاعات، لقلة آليات الموجودة لدعم الضحايا وضعفها، بالإضافة إلى ضعف المعرفة بوجودها في الأساس”.

لكن ناهد أكدت كسر المجتمع لحاجز الصمت سيما في القضايا المسكوت عنها. وقالت: “رغم أن المجتمع أصبح يتقبل الحديث في القضايا الحساسة، إلا أن البرامج التوعوية المطروحة ضعيفة مقابل حجم الاحتياج، والنشر الصحفي يجنح للإثارة ويرتبط بجرائم وقضايا أكثر من ارتباطه بخطة أو برنامج للحماية ورفع الوعي المجتمعي”. وأضافت: “القصور لا يرتبط فقط بالتناول الإعلامي، إنما يشمل كل الفاعلين المفترضين المجتمع المدني والجهات الحكومية التي تتعامل بعقلية أمنية في نشر المعلومات الرسمية وخلق بلبلة تجعل المجتمع نهباً للإشاعات والتضخيم أو التقليل من حجم القضية، وكلا الأمرين لديه أثره السلبي في معالجة هذه القضايا، منبهة إلى أن الآثار الناتجة عن الاعتداءات بالنسبة لأسر الضحايا مهملة تماماً رغم أنها جانب مهم.

تخوف مجتمعي

أشار استشاري الأمراض النفسية د. علي بلدو إلى أن المجتمع السوداني لا يزال يتعامل مع الصحة النفسية بشيء من الحيطة والحذر، سيما في ظل التخوف من التعامل مع الطبيب النفسي لتقديم العون اللازم. وقال: “يلزم المجتمع المزيد من الجرعات التوعوية المكثفة حتى نهزم المعتقدات والممارسات الخاطئة والسالبة التي تفاقم من حجم المشكلة”. وأضاف: “ليس ذلك وحسب حتى على مستوى القوانين أن قانون الصحة النفسية السوداني لم تتم إجازته بعد، فضلاً عن عدم وجود منهج خاص يهتم بالتعريف عن الصحة النفسية أو كوادر مؤهلة ومدربة تقوم بذلك”.

وأكد بلدو أن الوقاية أساسها التوعية، لذلك طالب بوجود مكاتب للإرشاد النفسي والاجتماعي في المدارس والمؤسسات لضرورته، بالإضافة إلى إدماج المجتمع المحلي في عملية التوعية، لافتاً إلى الدور المهم التي تقوم به الحكامات في هذا الأمر. وتابع: “لابد من وجود مواجهة حقيقية وتشريعات صارمة وخطاب إعلامي واضح”.

استمرار توعية

بينما ترى مدير وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل د. عطيات مصطفى أن الاستمرار في عملية التوعية من شأنها التأثير في كل المجتمعات حتى البدوية منها، لذلك تقول من المهم الصبر عليها حتى تؤتي أكلها بالطريقة الصحيحة. ومضت قائلة: “في سابق الزمان لم يستطع أحد التحدث في مواضيع مثل ختان الإناث على سبيل المثال لأنه من الموضوعات المسكوت عنها، وتعد جريمة، وفي العام (1992) كان الرجال يعترضون ويرفضون مناقشتها ويعتبرونها مواضيع فاضحة، أما الآن باتت حديث العديد من المنتديات وقضية نقاش عام، وجلس معنا عدد من رجال الدين معتدلي الرأي”. وعدت ذلك نوعاً من التطور حدث بفعل الوعي المتراكم عبر السنين.

ممارسات سالبة

وأشارت د. عطيات إلى ضرورة استمرار توعية القطاع الاجتماعي والديني والصحي بإظهار خطورة تلك الممارسات السالبة، سيما في ظل وجود العديد من الأبواب الإعلامية (إذاعة وتلفزيون وصحف). وقالت: “حتى نحن تغيرت توجهاتنا ورسائلنا الموجهة للجمهور، فمن خلال حملة المودة والرحمة أصبحت رسائلنا تنتهج المودة والرحمة التي طلبها الله في الأسرة وهي بديل للعنف الأسري، لذلك من المهم انتقاء الكلمات واللغة والوسيلة المستخدمة فيها، وأظن أن هناك تطوراً كبيراً حدث في فهم المجتمعات المحلية نتيجة للتوعية، لكنها دون المرجو والمطلوب”، منبهة إلى عقد العديد من الشراكات لإنجاح هذا الأمر.

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..